الري والتراب ورهانات التهيئة المائية الزراعية بسهل جندوبة [305818]

2

2

3

شكر

لا يسعني في البداية إلا ان أتقدم بجزيل الشكر والامتنان الى أستاذي عبد الكريم داود الذي قبل الاش ارف على هذه الأطروحة ولم يبخل عليا بالنصح والدعم والتوجيه واني اتحمل وحدي هنات البحث وعث ارته. كما لا يفوتني ان أتوجه بالشكر أيضا للأستاذ عبد الله الشريف الذي ارفق الفكرة الأولى للبحث. الشكر موصول للأستاذة لطيفة هنية ولكامل فريق وحدة البحث GREVACHOTبكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس .

واتقدم بأسمى عبا ارت الشكر والعرفان لعدد من الأساتذة والزملاء في الكلية المذكورة وفي المعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة على روح المؤازرة والدعم المادي والمعنو ي مثل الأساتذة حمادي تي ازوي وحبيب بن غربية وصديق الفازعي ونوارلدين محيضي ومحمد الشريف وعدنان حيدر وعمر قمار وم ارد العريبي وخالد عبازة على سبيل الذكر لا الحصر.

الشكر موصول للإداريين في المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة وباقي المؤسسات والذين يسروا لي مهمة النفاذ الى الوثائق الضرورية كما يسروا لي التنقل لإنجاز البحث الميداني والتواصل مع الفلاحين ومختلف الفاعلين في المناطق السقوية التي شملها ميدان البحث.

كما وأتوجه بالشكر للآنسة بسمة تواتي على المساعدة الثمينة التي اسدتها لي في اخ ارج الخ ارئط التي تضمنتها الاطروحة وحرصت قدر الإمكان على ان تستجيب للحد الأدنى من الدقة العلمية المطلوبة.

3

4

صورة عدد1: مشهد عام للمنطقة السقوية ببلطة بوع وان على مستوى منطقة الصخيرة

4

5

مقدمة عامّة

سهول حوض مجردة الأوسط كانت دوما تعيش في "فلك غيرها " ولم ت اركم هوية ت اربية عميقة ومتواصلة في الزمن بل يظهر تاريخها تتابع قطائع في التعمير وفي التحكم في المجال. ليس هناك اسم جامع تواصل في الزمن فهي تارة "السهول الكبرى" في العهد الروماني أما في الفترة الوسيطة فهي "تدخل في النسيان" كما يقول عمر السعيدي. وتارة اخرى "فريقة" وهو الاسم الذي عرفت به في الفترة الحديثة، ما يختزل "تونس السعيدة" في الشريط الضيق لحوض مجردة الأوسع. وهي "الدخلة ")جندوبة وبوسالم( و"كودة" )جندوبة( و "الرقبة" )غار الدماء( وهي "سوق الخميس" و"سوق الأربعاء" ثم "جندوبة" و "بوسالم" بداية من 1966. ألا تدل هذه القطائع على مستوى أسماء الأماكن على صعوبات تشكّل للت ارب؟ ثم ألا تدل على تغ يّ رات عميقة في عوامل تشكل الت ارب

(territorialisation(؟ لماذا هذه المفارقة التاريخية التي تتجلى في تجاور «الثر وة الطبيعية " والفقر التاريخي للسكان؟ ليس في نيتنا استعادة جرد تاريخي لمختلف الحقب التي مرّ بها هذا المجال الجغ ارفي ولكن الت ارب فعل وبناء اجتماعي تاريخي ممتد في الزمن. ما يهمّنا بالضبط هو البحث في

العناصر الثابتة والبنيوية التي ساهمت فعلا في تشكيل التارب أي في رسم ملامح العلاقة المعقّدة بين السكان والوسط ولا تازل حاضرة بقوّة في استارتيجيات الفاعلين عبر هذا التاريخ الطويل بمختلف تحوّلاته ومفاصله وقطائعه أيضا. نعتقد على سبيل الفرضية أن هناك ثلاثة عوامل محدّدة قد لعبت دور عوامل تشكّل تاربي أساسية ألا وهي الأرض؛ الماء والسو ق. تفاوت تأثير كل واحد من هذه

العناصر من فترة إلى أخرى وتداخل تأثير كل واحد منها مع الآخر حتى كأنه يصعب تمييزها عن بعضها. لكن تبقى حسب أرينا عوامل حاسمة حكمت التطور التاريخي ولا ت ازل تحكم التحولات الحالية للمجال الريفي وللإقليم بصفة عامة.

تكمن "جذور التخلف" بالإقليم حسب حبيب عطية في حالة "التفقير التاريخي" الي شهدتها شريحة الفلاحين في تاريخها القريب و"خلخلة" بناها الاجتماعية والمجالية مما أضعف الت اركم في

5

6

الثروة والتقاليد الحرفية والزارعية. يقول: " هذا العجز في التقاليد الفلاحية هو حصيلة علاقات الإنتاج ما قبل الاستعمارية والاستعمارية والتي حولت الشريحة الفلاحية الحرة إلى جيش من الأقنان ثم إلى احتياطي يد عاملة موسمية، يمثل اليوم أحد عناصر كبح إعادة هيكلة المجتمع الريفي والتنمية الزارعية" ، كما تكمن جذور التخلف في مستوى ثان في ما أسماه "المقاربة المتناقضة للتنمية الإقليمية لما بعد الاستقلال" والتي جمدت أسعار المواد الزارعية في الوقت الذي تتنامى فيه أسعار المدخلات رغم الدعم. نتج عن هذا تدهور أط ارف التبادل بين الشمال الغربي والشريط الساحلي، مما استحث نسق نزوح كثيف عمق بدوره مسا ارت الخلخلة السابقة. ونجد لدى العروسي العامري في د ارسة حول الم أرة الريفية بالشمال الغربي التونسي ومن خلال بحث سوسيولوجي ميداني أجري في مجال الد ارسة

أريا قريبا وأكثر ارديكالية: يعتبر العامري أن الشمال الغربي التونسي قد ظل طيلة تاريخه الط ويل يعيش في فلك غيره من الأقاليم وتتألف ثروته الطبيعية التاريخية الخصوصية من ثلاثة: الغابة والقمح والمياه .والغابة والمياه ملك عمومي للدولة أما القمح فهو يخضع إلى تسعير يلتهم هامش الربح لدى الفلاحين. وعليه فسكان الشمال الغربي "محرومون" مسبقا من تملك ثروتهم الطبيعية الخصوصية.

كان الرهان على التهيئة المائية ضخما وربما مبالغا فيه وذلك من أجل إعادة هيكلة المجال وتجاوز إك ارهات الفقر الريفي والحضري على السواء والتخلف الإقليمي. يرتبط عهد التهيئة المائية الكبر ى بخيا ارت وطنية للدولة الوطنية الناشئة في إعادة توزيع المورد المائي وتثميره في إطار منظومات إقليمية وعبر إقليمية ووطنية. وان كانت جذور المشاريع المائية العصرية تعود إلى الأربعينات أساسا فإن تكريس الخيا ارت الأساسية في التهيئة المائية ودخول المشاريع الكبرى حيز الإنجاز ارتبط بمرحلة ما بعد الاستقلال ورهانات التنمية عبر التدخل المباشر للدولة. ولقد ارتبطت التهيئة المائية بسهول حوض مجرة الأوسط بدورها عضويا بهذه السياسة المائية الجديدة فكانت أبرز إنجا ازتها بل محورها واهم نماذجها الإقليمية على الإطلاق. وذلك بحكم امتداد المجال على واحد من اهم الأحواض المائية بالبلاد من حيث كثافة الشبكة المائية وخصوبة التربة والوضع الطوبوغ ارفي القابل للتثمير. ومن الطبيعي أن تتأثر التهيئة المائية بهذا الإقليم بكل مجريات التحولات العميقة التي ارفقت هذه السياسة

7

المائية الوطنية الاست ارتيجية. اندرجت هذه التهيئة في سياقات تتجاوز الرهانات الت اربية المحلية إلى رهانات وطنية كإعادة توزيع الموارد بين الأقاليم وبين الأرياف والمدن وتحقيق الأمن الغذائي الوطني ،مع ما يتطلب ذلك من تكثيف زارعي، وتوجيه الفائض الزارعي لمعاضدة باقي مجهودات التنمية. كما اندرجت في سياق إعادة بناء المجال الوطني وفق أقلمه جديدة تجاوزت التشكل الت اربي التاريخي وكرست تصوار جديدا للمجال الوطني على أساس الارتباط المطلق بالدولة وبالتالي مقاربة مركزية للتنمية. وبحكم ضخامة الاستثمار المالي والتقني المطلوب أقحمت هذه التهيئة فاعلين من خارج المنظومة المحلية والمنظومة الوطنية: ال أرسمال والتقانة الأجنبيين .فأضافت للتشكل الت اربي عبر الماء رهانات جديدة عند السافلة وعند العالية وأعادت رسم حدود العلاقة بين الت ارب والسّو ق، استثما ارت ضخمة ت وجّ ب تسديد نفقاتها عبر تحويل جوهر ي لأنظمة الإنتاج باتجاه إعطاء قيمة أكبر للمياه المعبئة والمعاد توزيعها.

شهد سهل جندوبة في النصف الثاني من القرن العشرين تهيئة مائية زارعية واسعة النطاق هدفت إلى تعبئة ممنهجة للموارد المائية المتاحة )الباطنية والسطحية( بشكل مندمج وتحرير الإمكانات الزارعية التي ظلت لزمن طويل حبيسة أنظمة إنتاج زارعية أحادية محورها الحبوب ورهينة هياكل إنتاج غير ملائمة وخوانق ت اربية عديدة مستحكمة. وكان من المنتظر أن تحمل هذه التهيئة المائية تجاواز تاريخيا للمفارقة التي ظلت تلازم الإقليم من حيث كونه قد اركم ملامح الفقر جنبا إلى جنب مع ملامح "الوفرة" الطبيعية. مفارقة كرّست صورة ت اربية سلبية في الداخل والخارج: فغذت في الداخل نزعة المغادرة وضعف المبادرة ونزيف القيم وتلاشي المها ارت التاريخية، أما في الخارج فقد ك رّست اللامبالاة ونفور الاستثمار من الإقليم. كان لابد من أن تتولى الدولة الفعل التهيوي بكل رهاناته وحيثياته .

من الناحية النظرية نجد في أبحاث بيار با ولو فاقي حول التهيئة المائية الحديثة في الساحل الإفريقي محاولة نظرية متكاملة لنمذجة التشكل التاربي عبر المياه من خلال المشاريع المائية الحديثة:

تكتسي التهيئة المائية العصرية التي تتولاها الدولة كفاعل رئيسي أبعادا أو مسا ارت متباينة وهي أبعد

8

من كونها مجرّد مسار لمضاعفة الإنتاج الزارعي. يفرق الباحث في مستوى أول بين التهيئة المائية الاستارتيجية (hydraulique stratégique) والتهيئة الإنتاجية (hydraulique productive). يهدف المسار الأول إلى تحكم كامل في الت ارب بمنطق إعادة اقتسام الموارد والتحديث واعادة رسم الحدود والأقلمة وفرض السلطة أما المسار الثاني فربما كان تواصلا للأول لكن تحركه دوافع إقتصادية مباشرة وهو أكثر مرونة. يهم المستوى الثاني درجة تدخل الدولة ويحكمها أساسا قيمة الموارد ودرجة الإستثمار في الري وهو ما سيحدد درجة "الإلت ازم" حيال الإقليم المعني سواء من أجل تحقيق اهداف إنتاجية أو إست ارتيجية. فيكون هذا التدخل ضخما وقويا أو تدخلا مرنا. ويهم المستوى الأخير نوعية الموارد المستخدمة: تجهيز الت ارب وم ارقبته ويفصل ذلك إست ارتيجيات التجهيز التقني المباشر عن إست ارتيجيات التحكم الإقتصادي والقانوني والسياسي والأديولوجي. ثمّ إن لمشاريع التهيئة المائية الزارعية الحديثة ت اربط وثيق مع نسق التحضّر وهي بوجه من الوجوه استجابة موضوعية وسياسية وتقنية له. فهي حسب عبارة ميشال ماري "تهيئة تحمل كامنات تعمير" une hydraulique 6potentiellement urbanisante. والتعمير والتهيئة المائية يبدوان" كوجهي عملة واحدة لنفس التطوّر". ولا يمكن لقيم التهيئة ان تكون ناجعة إلا إذا تفاعلت ميدانيا مع الت ارب المعني بما يقتضيه هذا التفاعل من مرونة وتكيف وتوافقات ممكنة تضمن استدامة المشاريع. هو اذن، تكييف مزدوج لمشروع التهيئة وللت ارب معا، والتعقيدات التقنية تقابلها تعقيدات إجتماعية. وبهذا المعنى فالن ازعات الاجتماعية ليست حدثا عارضا وانما هي جزء من عملية التحوّل وجزء من اشتغال المنظومة وجزء من عملية انتاج المجال الجديد. وانكار الن ازع الاجتماعي ليس سوى قف از على المشكل او تغليب لعلاقات سلطوية قد تظهر آثا ارها السلبية لاحقا. لهذه المقاربة عناصر قوة مؤكدة منها: الحداثة وتركيزها على المشاريع المائية الحديثة وتعميقها النظري والإج ارئي لبا ارديغم "الت ارب المائي" وتحليلها للفعل في المجال الجغ ارفي في ديناميته إنطلاقا من تحليل الأهداف والإست ارتيجيات والموارد. عناصر قد لا تكون معلنة في الخطاب وفي تقارير المشاريع المائية لكن تكشفها الممارسة المجالية أي مسا ارت الإنتاج واعادة الإنتاج للت ارب وللمجتمع المرتبط به.

9

ما يميز السهل بحوض مجردة الأوسط هو ضعف الانحدار ويؤثر ذلك على خطّ سير المجاري المائية بكثرة التعرجات وتغيرها من حين لآخر بشكل نشط بفعل حركة المياه على حافات الأدوية. ولذا كان السكان عموما يتلافون المجاورة المباشرة لهذه الحافات. وتكونت لديهم خبرة تاريخية في اختيار الحافات المحدبة للاستق ارر بها وتلافي قدر الإمكان الحافات المقعرة . ومن حيث نظام الإنتاج الفلاحي فخبرة السكان التاريخية بمجالهم وطبيعة المناخ فيه والوضع الطوبوغ ارفي للسهل جعلتم ي اروحون بين تربية الماشية وزارعة الحبوب او يجمعون بينهما. أما الري فقد ظل يواجه مشكل رفع الماء نحو القطع الزارعية، لذا بقي محدود الإنتشار في المزدرعات السفحية )بلطة؛ دجبة..( أو التي يتوفّر بها إمكانية رفع الماء من المائدة السطحية القريبة )سوق السبت(. وتشكو هذه المزدرعات ضغطا شديدا على الموارد المتاحة ومنافسة حادة بين عالية الأحواض المائية وسافلتها. لقد أتاح ظهور المحركات المضخات وانتشارها منذ خمسينات القرن العشرين تجاوز مشكل رفع الماء نحو القطع ال زارعية وبذلك تحرر الري من عوائق انتشاره التقنية القديمة وفتح آفاقا واسعة لـ «ثو رة" تقنية زارعية في الإقليم. مكّنت المضخات الصغيرة من تعبئة أوسع للثروة المائية الكامنة وتحويلها على مستوى التمثل والممارسة إلى موارد فعلية ووسيلة لتثمير الرصيد الت اربي الهام وقاعدة ضرورية لإنتاج واعادة إنتاج الثروة والمجال. كما تعزز دور الماء في التشكل الت اربي وهو ما غير الكثير من ملامح التجانس السابقة والمرتبطة بهيمنة مطلقة للحبوب على أنظمة الإنتاج الزارعي. لكن بقي التشكل الت اربي للمجال المروي "الناشئ" خاضعا للمسكن والعائلة كن واتات تمركز تقليدية، واستجاب إلى معطى القرب والى الحاجات الداخلية المعيشية أكثر من إستجابته لحاجات السوق وع بّر عن "تنويع" للنظام الزارعي أكثر منه "تحويلا" له.

يبدأ المنعرج الحقيقي مع تعبئة المياه عبر السدود والآبار العميقة والتجهيز المائي للمجال الزارعي عبر ما يعرف بالمناطق السقوية العمومية في إطار منظومة تهيوية وطنية واسعة للمياه .

إستفاد حوض مجردة الأوسط منذ بدايات السبعينات من تهيئة ق اربة 30.000 هكتار أنجزت على م ارحل. شملت التهيئة مد شبكة القنوات والمسالك وكاس ارت الرياح واعادة تشكيل التقسيم القطعي وفق إصلاح زارعي ووفق أنماط هندسية حورت تماما المشاهد السابقة مما يعبر عن ثورة مشهدية فعلية. حورت التهيئة المائية المشاهد وجزئيا أنظمة الإنتاج والهياكل الزارعية لكنها صحبت معها أو ارفقتها خوانق واك ارهات جديدة أضعفت من أداء التجهيز المائي ورهاناته. وبقيت الأنظمة البعلية هي

9

10

السائدة تحكمها أنظمة تعديلية ضمنية داخل الفلاحة العائلية وتحولات اجتماعية وديمغ ارفية للت ارب الريفي. يهدف مشروع الأطروحة إلى البحث في الحصيلة وفي عمق التحولات الاجتماعية المجالية .

ويطمح إلى استئناف البحث في مجال الد ارسة من حيث انتهى الأستاذ احمد القصاب في أواخر السبعينات مع محاولة تجديد المقاربة قدر الإمكان بالتركيز على المقاربة الت اربية الإجتماعية.

الإشكالية:

خضع المسار التاريخي للتشكل الت اربي في سهل جندوبة إلى ثلاث عناصر و/أو موارد خصوصية هي الأرض والمياه والسوق. حددت هذه العناصر الملامح الأساسية لتملك المجال الفعلي والرمزي لكنها لم تصل إلى التفاعلات الضرورية للمنظومة الت اربية الكفيلة بتحقيق تثمير الموارد على عين المكان وتركيم الثروة وتثبيت السكان. وظلت المفارقة التاريخية ملازمة للإقليم بين "وفرة" الموارد الطبيعية وفقر السكان. ت ازمنت التهيئة المائية الكبرى مع تدخل واسع النطاق للفعل العمومي وكانت أبرز أدواته وعناوينه في الاقليم. أضاف الفعل العمومي للسوق وظائف إدارية متنوعة خدماتية وتأطيرية. ولقد منحت التهيئة المائية العصرية للأرض والمياه قيمة عقارية ورمزية جديدة وفرصة لتحرير الطاقات الإنتاجية النائمة، لكن في إطار مقاسمة للموارد مع بقية الأقاليم الأخرى وفي إطار إست ارتيجية وطنية لتعبئة الفائض وتحقيق الأمن الغذائي. ورغم ضخامة التدخل محليّا غلبت المقاربة القطاعية والتقنوية على الفعل التهيوي فانعكس ذلك على النتائج وعمق التحولات. أنتجت التهيئة المائية الز راعية بحوض مجردة الأوسط حولها حوض إنتاج وحملت عناصر تشكل ت اربي فاعلة جديدة أعادت تشكيل الت ارب الريفي والإقليمي. غير أن خوانق هيكلية تبقى متحكّمة منها: محدودية التكثيف، الفقر، وضعف التحويل الصّناعي وت اركم اللامقتصدات والتخارجات السّلبية. هذا ما يستدعي ضر ورة تقييم حصيلة التهيئة وفق مقاربة ت اربية تبحث في الرهانات الت اربية للفعل المائي. تبحث هذه المقاربة في الكشف التاريخي عن عناصر التشكل واعادة التشكل الت اربي وتحاول البحث عن التفاعلات المختلفة الناجمة عن إلتقاء إست ارتيجيات فاعلين ذوي موازين ورهانات متباعدة. كما تسعى إلى تفسير الإختلالات الوظيفية للمجالات المروية والزارعية عامة والتباين بين ما كان مبرمجا والحصيلة الحالية ،أخذا بعين الإعتبار الجمع بين ق ارءتين ت ازمنية وتعاقبية قصد تمييز الظرفي عن الهيكلي. ولذا كانت

11

العودة الى الجذور التاريخية لتملك المجال مبررة لفهم سياقات الحاضر الزمنية والمجالية من حيث عمق التحولات وآفاق التطور المستقبلي.

ميدان البحث

الميدان بناء مجرد )نظري ( فهو " وحدة مجالية زمنية وهو بناء معرفي )إبستيمي( يتجلى فيه الموقف التجريبي للباحث في محاولته بناء الوقائع العلمية". ليس التحديد إذن مهمة سهلة. لا يتعلق الأمر بمونوغ ارفيا مجالية ولا بمخبر لنظرية متعالية عن المجال المدروس ورهاناته الخصوصية. أخذا بعين الإعتبار لهذه الصعوبات النظرية والمنهجية حددنا ميدان البحث بالت ارب في سهول حوض مجردة الأوسط وتحديدا سهل جندوبة الذي يمتد من بوسالم شرقا الى غا رالدماء غربا. وهو عبارة عن ت اركب لمجالات متباينة الحدود: القطاع السهلي في العمادات من معتمديات غا ارلدماء، وادي مليز؛ جندوبة؛ بوسالم؛ بلطة بوعوان. سهل جندوبة يقع ضمن أهم حوض مائي بالبلاد التونسية على الإطلاق وشهد انتشا ار حديثا للري. ويمثل بذلك مخب ار حقيقيا لد ارسة التشكل الت اربي عبر الماء ولد ارسة تحولات لمجال ريفي لا ي ازل يحتفظ بكثافات سكانية عالية.

فرضيات البحث:

هناك عوامل كبح طبيعية فعلية لضعف استغلال المياه بسهول حوض مجردة الأوسط تاريخيا.

رغم ضعف الاستغلال للمورد يظل الماء عامل تشكل ت اربي حاسم إلى جانب السوق والأرض.

حملت التهيئة المائية العصرية تطوي ار وانتشا ار للرّي تواصلا مع مسار سابق للتملك بتجا وز عناصر الكبح التقنية والعقارية السابقة.

تقف وارء التباين بين المشروع والواقع خوانق موضوعية ت اربية محلية واقليمية كعامل القرب.

يستفيد التطور الحضري من دينامية التعدد النشاطي للمستغلات الزارعية دون أن يصل ذلك إلى تشكيل مؤسسات ريفية صلبة قادرة على استحثاث نسق الاستثمار.

كان الرهان على الري "وحده" من أجل تنمية محلية وتنمية ريفية مبالغا فيه.

12

منهجية البحث

يقتضي إختيار المقاربة الت اربية لتحولات المجال الريفي والمشاهد النظر إلى المجال المدروس كمنظومة مجالية تتفاعل عناصرها بشكل دينامي فيما بينها ومع محيطها المفتوح. هذه المنظومة لها عمقها التاريخي ولها مواردها الكلية والخصوصية ولها فاعل ون ذ وو موازين واست ارتيجيات وعلاقات ورهانات متباينة. من المهم وفق هذه المقاربة التعرف على الموارد )خصائصها الطبيعية والتاريخية وتطور تمثلها كمورد( ثم التعرف على الفاعلين الت اربيين وتبين علاقاتهم بالموارد وتطورها لتبين حجم الرهانات في الزمن والمجال. من شأن هذا التمشّي المنهجي أن يقود إلى فهم عمق التحولات الت رابية الحاصلة والمرجوّة والتعرف على الدينامية والخوانق واللاّ مقتصدات التي أضعفت آداء ال تّشكل الت اربي عبر الماء ودوره في إستحثاث نسق تنمية محلية. يركز البحث الببليوغ ارفي على المونغ ارفيات والد ارسات التاريخية والجغ ارفية التي تهم مجال الد ارسة مثال كتابات إميل فيولار وفرنسوا بونيارد وعمر السعيدي وأحمد القصاب. وفيما يخص إشكالية التشكل الت اربي عبر الماء يندرج البحث ضمن مقاربة إجتماعية مجالية للتهيئة المائية ويستفيد نظريا من أدبيات الجغ ارفيا الإجتماعية حول تطور مفهوم الت ارب عامة ومن أعمال جاك بيتيمون وجون جاك بيريناس وتياري روف وأوليفياي ألكسندر وبيار باولو فاڤي حول التشكل الت اربي عبر المياه. كما تفيدنا تقارير ود ارسات التهيئة الخاصة بمجال الد ارسة في فهم إست ارتيجيات المشاريع المائية والتعرف على مختلف الفاعلين ورهاناتهم. يبقى أن الد ارسات حول التهيئة المائية عديدة إلى حد أمسى يستحيل حصره .

إضافة إلى المادة الببليوغ ارفية وفي سياق بحث في الجغ ارفيا الريفية، تواجهنا صعوبات إحصائية وخ ارئطية يبقى تذليلها من صميم البحث. فإختيار المستويات الدنيا في حلقات الت ارب للتحليل كثي ار ما يواجه مشاكل الد ارسة الكمّية لوقوف الإحصائيات المنشورة والمسموح بتداولها أو الموثوق بصحتها نسبيا والقابلة للمعالجة والمقارنة عند مستويات إدارية وسطى )المعتمدية أو الولاية(.

يضاف إلى ذلك التغير المستمر للحدود الإدارية القاعدية ولو كان ذلك يتم داخل نفس الحدود الادارية السابقة. يضعف هذا كثي ار من طموح الباحث في إنجاز عمل خ ارئطي دقيق من شأنه أن يظهر المقارنة بين أج ازء الت ارب التي شهدت تجهي از مائيا وباقي الأج ازء وبين الأج ازء حديثة التجهيز وذات

12

13

التجهيز الأقدم. اما فيما يخص المؤش ارت الكيفية كالدخل وعناصر الرفاه والإستهلاك أيضا يواجه البحث في المستويات الجغ ارفية القاعدية خيبة تدفعه إلى اعتماد المعدلات الإقليمية وسحبها على كامل الت ارب مع ما في ذلك من مساوئ إغفال الديناميات المحلية. هناك مسائل ترتبط بخصوصية البحث خاصّة ما تعلق بالتسويق والإستثمار والإدخار والدخل العائلي والتشغيل والملكية تنتظمها أنساق غير مهيكلة وبالتالي ضعيفة التوثيق إحصائيا. والسكوت عنها هو جزء من آليات إشتغال الت ارب المائي كعلب سوداء )وفق التحليل المنظومي( وتقتضي مقاربتها بشكل حذر دون إغفالها والوقوف عند ما تتيحه الإحصائيات الرسمية المنشورة.

يهدف البحث الميداني إذن إلى استكمال الإحصائيات وتحيينها ما أمكن ومحاولة تكميم بعض المسائل الكيفية الخصوصية المرتبطة بسياق الأطروحة .كما يهدف إلى إختبار فرضيات البحث وق ارءة المشاهد وتعبي ارتها المجالية والإجتماعية مباشرة والتعرف عن قرب عن الفاعلين ورهاناتهم ووجهات نظرهم وتفاعلاتهم فيما بينهم ومع محيطهم الت اربي بكل تعقيداته، علاوة على تفسير الاحصائيات المتاحة ذاتها. يعتمد البحث الميداني على إستبيان شمل 620 مستغلة زارعية في المناطق السقوية العمومية السم ارن الب ارهمي وسوق السبت وحوا ارت تستهدف فاعلين حسب موقعهم من الق ارر ومن إدارة المياه. وقد روعي توزيع الفئة المستهدفة في الإستبيان التمثيل الجغ ارفي والطبقي وزمنية التجهيز المائي ومستوى العزلة أو الإنفتاح داخل المجال المعني. وقع الإختيار على ثلاث مناطق سقوية متفاوتة زمنيا لفهم الديناميات الحاصلة في المجال الزارعي )السم ارن؛ الب ارهمي وسوق السبت( دون إغفال باقي المناطق السقوية في سهل جندوبة. حاولنا تتبع تأثي ارت الري على المجال الحضري من خلال رصد أصول الإستثمار الحضري وعلاقته بال أرسمال الزارعي ماضيا وحاض ار كذلك ونحرص على تتبع مسالك التوزيع القريبة والبعيدة المهيكلة وغير المهيكلة .يتيح لنا هذا نمذجة أكثر للديناميات الت اربية.

يتوزع البحث على ثلاثة أبواب وثلاث فصول لكل باب. يتعلق الباب الأول بتتبع ملامح تشكل الت ارب المائي بسهل جندوبة من النواحي الطبيعية والتاريخية والديمغ ارفية ويهتم الباب الثاني دور التجهيز المائي للمجال في ظهور المجال المروي وتوسعه من حيث توزيع شبكة الري واعادة رسم

13

14

التقسيم القطعي للأرض في حين يحاول الباب الثالث رصد أهم التحولات المجالية والاجتماعية المتولدة عن مشروع الري العصري في المجال الت اربي.

14

15

الباب الأول: سهل جندوبة مجال تاربي مائي

خريطة عدد 1: تحديد جغارفي لميدان البحث : سهل جندوبة

15

16

مقدمة الباب الأول

ينتمي سهل جند وبة الى حوض مجردة الاوسط وهو سهل فيضي يغلب عليه الانبساط وضعف الانحدار وتتوارد نحوه الروافد الرئيسية لوادي مجردة مثل بوهرتمة وتاسة وملاق على مسافات متقاربة مما يشكل شبكة مائية سطحية كثيفة نسبيا ودائمة السيلان، وتمتد في باطنه موائد مائية سطحية وباطنية متناضدة ومتجددة تتغذى باستم ارر من تساقطات يفوق معدلها السنوي 450 مم. يمثل هذا للإقليم ثروة مائية كامنة استثنائية تتقاسمها طبيعيا مع باقي حوض مجردة الاوسع. من الناحية النظرية لا يكفي الوجود المادي للثروة للتحول الى مورد ت اربي. يتوقف هذا على تمثلات السكان لمجاورة هذه الثروة من حيث قدرتهم على التحكم الكامل فيها واقحامها في انظمة الانتاج وتطويع الهياكل ال زارعية والاجتماعية للاستفادة منها. وكما أن وفرة المياه تمثل موردا ت اربيا فهي تحمل معها أيضا مخاطر مختلفة تتعلق برهانات التعمير والانتاج والاستق ارر عامة، ومن هذه المخاطر مثلا تواتر الفيضانات او الندرة الموسمية لمياه الشرب او ركود المياه في الا ارضي المنخفضة لفترة طويلة. لهذا فإنتاج المجال وتملك المورد المائي الت اربي يواجه رهانات عديدة تت اروح بين ضرورة تلافي المخاطر والاستفادة المباشرة من المورد عبر انظمة الانتاج البعلية او عبر الريّ أو الجمع بينهما.

تاريخيا، سادت في سهل جندوبة انظمة انتاج بعلية محورها الاساسي الحبوب وتربية ماشية ممتدة وظل انتشار الري محدودا ونقاطيا كما بقي المجال الت اربي مفتوحا لروافد اجتماعية قبلية وعشائرية متنوعة. لقد أثر هذا على أنماط تشكل المجال الت اربي، فرغم ملمح الاستق ارر الذي غلب على كل انماط تملك المجال الاخرى مثل الانتجاع الرعوي والسكن المتنقل فلقد ظل المجال الت اربي في عملية إعادة تشكل متواصلة تعكسها تغير انماط التعمير واندثار المدن القديمة وغياب القرى التاريخية الكبرى وصعوبة تشكل مجالات مركزية دائمة تمارس وظائف الاستقطاب والتحكم المجالي وظلت الهوية الت اربية التاريخية ضعيفة. مع ذلك يمكن القول ان المياه قد شكلت الى جانب الارض والسوق عوامل تشكل ت اربي بنيوية طبعت بعمق تملك المجال فانعكست تعبي ارتها المجالية في المشهد من حيث التقسيم القطعي للأرض المتعامد مع المجاري المائية او من حيث ارتفاع الكثافات السكنية على حافات الاودية وتقارب التجمعات السكنية رغم سمة التشتت الغالبة على التوزيعات السكنية .

ولقد شهدت الفترة المعاصرة تركي از أكثر للتعمير في السهل وصحبه مزيد من التحكم في المياه بتجسير أج ازء عديدة من المجال الت اربي واستصلاح الا ارضي وتحريرها من ركود المياه وحفر الابار للتزود

16

17

بالمياه الصالحة للش ارب فاستفاد الري بأقدار مختلفة من هذه التعبئة المائية لكن ظل رفع الماء مشكلا مزمنا الى ان ظهرت المحركات المضخات والتي عبرت عن ثورة تقنية فعلية استهلت عصر الري بالإقليم. عزز هذا من تمثل السكان للمورد وتباينت انماط الاستفادة منه من مجال الى اخر ومن فترة الى اخرى.

ديمغ ارفيا يحتفظ سهل جندوبة بثقل كثافة سكانية هامة تتجاوز في أغلب الاج ازء 100 س/كم2 ورغم أهمية نسق الهجرة المغادرة فلات ازل الكثافات عالية وتتخذ التوسعات العم ارنية مسا ارت أفقية مهيمنة مما يشكل ضغطا مستم ار على المساحات الزارعية. ولقد ساهمت التهيئة المائية الزارعية خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين ومنذ السبعينات في تنشيط وظائف المدن الصغرى والمتوسطة وعززت من استقطابها الاداري والاقتصادي للمجال الريفي المحيط بها وحملت معها كامنات تعمير مؤكدة من حيث ادفاق السلع وتحويل المدخ ارت الريفية والاستثما ارت ووظائف إعادة التوزيع وضروارت التهيئة عامة. ماهي ملامح التعمير وملامح الزيادة السكانية وكيف تبدو علاقة السكان بتم لكات المورد المائي في علاقة بباقي موارد المجال الت اربي؟

17

18

الفصل الأول: المياه بين المورد التاربي الخصوصي والمخاطر

الماء مورد ت اربي اساسي يقف تاريخيا وارء اشكال التشكل الت اربي القاعدية. ولما كان مو ردا يتميز بالندرة وتفاوت التوزيع مجاليّا وزمنيا فان العلاقة الت اربية المرتبطة به ايضا تتأثر بهذا التفاوت وبقدرة السكان على الاستفادة من مجاورته وتخزينه واعادة توزيعه وكذلك تلافي مخاطره. ولقد ط ورت المجتمعات عبر التاريخ ط ارئق مختلفة للتكيف مع ندرة المياه او وفرتها من خلال تقنيات التعبئة او من خلال الانظمة الزارعية وانماط التوطّن والتعمير وظل تطورها الى حد ما محكوما بجغ ارفية المياه من حيث مسا ارت الاستق ارر والتنقلات ومن حيث اشكال م اركمة الثروة وانتاج المجال وتملكه. ويعبر سهل جندوبة عن مثال حي للاوساط الطبيعية المائية التي حكمت جغ ارفيا الماه فيها تشكل السطح والمشاهد الى حد كبير.باي معنى يمكن الحديث عن المياه كموارد ت اربية وماهي أبرز خصائص هذه الموارد بسهل جندوبة.

I-الماء كمورد تاربي

يقوم كل مجال ت اربي على جملة من الموارد الطبيعية والبشرية تتنافس حولها شبكة معقدة من الفاعلين من الداخل والخارج. يصنف برنارد بيكار هذه الموارد إلى صنفين10: موارد عامة génériquesوموارد خصوصية او ت اربية ressources spécifiques ou ressources territoriales . فالموارد العامة لا ترتبط قيمتها الفعلية أو الكامنة بمسار إنتاج معين وهي قابلة للتحويل بسهولة. أما الموارد الخصوصية فهي تأخذ قيمتها من خلال شروط استعمالها بما يمنح خصوصية "دائمة" للت ارب الذي تنتمي إليه، ويحمل نقلها خارج الت ارب كلفة عالية، ويضيف إلى قيمتها المادية قيما رمزية مشتركة تعزز الهوية الجماعية والبعد الت ارثي لبقية موارد الت ارب الأخرى. ويقترب هذا من المعنى الذي يقدمه جايات .Jayet H ل"الموارد المحلية المتوطنة"biens localisés : "التي لا يمكن استعمالها إلا على

10 Pecqeur Bernard, 2003 « Dans quelles conditions les objets patrimoniaux peuvent-ils être support d’activité ?» In :

Services et développement régional. XIII em Conférence Internationale du RESER. Mons, 9 et 10 Octobre 2003.

Ateliers de la Fucam.

18

19

عين المكان"11. هل أن الماء مورد ت اربي خصوصي؟ سؤال لا يحتمل إجابة مباشرة داخل الثنائية الحدية لنعم ولا. أولا: لأن خصوصية المورد ليست حالة ثابتة وانما هي دينامية متحولة في الزمن والمجال، تخضع إلى إعادة إنتاج واعادة اعتبار متطورة. ثانيا، لأن المورد المائي هو رفيق الحياة وشرطها وبالتالي فهو موجود في كل مجال ت اربي، وهو ما يجعل منه موردا من الصنف الأول )موردا كليا(. لكن المياه تختلف من ت ارب الى آخر كما ونوعا، وتنفرد بعض الت اربات دون غيرها بمياه أكثر عذوبة وأوفر دفقا على مدار السنة .وتدخل المياه في أنظمة إنتاج زارعية تنتج بدورها مشاهد متفردة في تناغم مع مختلف الموارد الت اربية الأخر ى كالتربة او الوضع الطوبوغ ارفي او التقاليد الزارعية. كما ويصبح للمشهد المائي "الطبيعي" قيمة ت ارثية وسياحية لا تتوفر لغيره، ثم إن المياه قابلة للنقل لكن نقلها لا ينتج ضرورة نفس الأنظمة الزارعية ونفس المشاهد ولا نفس جودة المنتجات، ولا يحفظ نقلها وحتى خزنها نفس القيم البيو كيمائية كما في منابعها. ألا يمكن بذلك أن يكون المورد المائي موردا ت اربيا خصوصيا؟

إن ما يمنح صفة «الخصوصية" هو الاستعمال المباشر والتمثلات المختـلفة وكذلك نوع مفاعيل الحث والمضاعفات الخارجية externalités الإيجابية التي تنتجها. ينضاف بعد آخر ما انفك يتصدر محاور اهتمام العلوم الإنسانية والاجتماعية ومناهجـها ويغذي المقاربات الجديدة للت ارب ويستقل كموضوع قائم بذاته ، ويتمثل في عامل "القرب"12 كحالة تم ث ل مختلفة للمسافة لها تأثير مباشر في التوطنات والممارسة المجالية للفاعلين او محددا داخل جغـ ارفية الجذب والطرد المرتبطة بالمياه. إذا استحضرنا بعض هذه الأبعاد المختلفة للعلاقة المعقدة بين الماء والت ارب يمكن تجاوز التصور

القطاعي للماء كمادة "محايدة ."فالماء وفق التصور أعلاه هو مورد تاربي وعامل إنتاج للمجال وعادة إنتاج اجتماعي وتارث وعامل وساطة كما هو خطر أيضا. و يمكن للماء أن يكتسي صفة المورد التاربي الخصوصي مع التأكيد على أن هذه الصفة تاريخية ومتحولة من تارب إلى آخر. إن

Jayet (H) " Mobilité spatiale" in Auray (J.P.) et al. Encyclopédie d'économie spatiale : Concepts comportement, Organisation. Economica 1994 p240.

Dupuy Claude ; Burmeister Antje (s.dir.),2003 Entreprises et territoires. Les nouveaux enjeux de la proximité.

Notes et Etudes Documentaires n° 5167. La Documentation française Paris.

– Colloque «Territoire-acteur et mondialisation », Chambéry. Octobre 2003. site : www.territoires-

mondialisation.org/version_fr/colloque2003.htm consulté le: 17/02/2005 – Courlet Claude, 2001 Territoires et régions : Les grands oubliés du développement économique L’Harmattan.

Paris.133p

19

20

الماء مادة طبيعية ترتهن إلى وجودها واستم اررها الحياة وكلّ أوجه نشاط الإنسان، فما يحولها "موردا"إذا هو الجدوى والمنفعة عند الاستعمال ولا يمكن الحديث عن مورد خارج دائرة هذه المنفعة، حيث لا يوجد المورد بصفة ما قبلية بل يتحول كذلك بفعل تمثل الجدوى والمنفعة من قبل المجموعة البشرية.

فهو وفق كلود ارفنشتاين "حصيلة علاقة تتحول فيها المادة إلى مورد عبر الممارسة الجماعية، مما يمنحها بعد الأداة وبعدا سياسيا أيضا". وكل أوجه التعقيد تكمن في فك رموز هذه "العلاقة" التي يتحدّثُ عنها كلود ارفنشتاين: علاقة مزدوجة ومتداخلة أو بمعنى آخر وساطة بين المجموعة البشرية والمادة الطبيعية ذات المنفعة المباشرة أو الكامنة من ناحية وبين مكونات المجموعة البشرية ذاتها، وساطة يكون محورها تقاسم هذه المادة وتوظيفها وتطويرها أو بمعنى آخر تم لكها. تتوقف هذه العلاقة المركّبة والمعقّدة على مستوى وفرة المادة أو ندرتها في الزمن والمجال. ولكن الوفرة الكامنة لا تعني شيئا في حدّ ذاتها أمام ثقل التمثلات الاجتماعية المختلفة لهذه الوفرة أو الندرة والتي تحكم الإدارة المباشرة أو بعيدة المدى للمورد .

الماء مورد ولكنه ليس كغيره من الموارد فهو متعدد الإستعمالات ومتعدد الأبعاد والتمثلات وهو حقّ إنساني ي ارفق الحياة ذاتها وهو عامل إنتاج يساهم في إنتاج الثروة. هذا ما يجعله في العمق مادة إقتصادية أو عامل إنتاج ذو مستوى معين من الندرة ويصحب "انتاجه" كلفة معيّنة تتفاوت حسب حجم الطلب الآني والمستقبلي وحسب المستوى التقني المتوفر. يمثل "إنتاج الماء" إستجابة تقنية ومجالية للمشكل الهيكلي في التوزيع الطبيعي لمصادر المياه والمتمثل في التفاوت الكبير زمنيا ومجاليا. حيال هذا التفاوت يتطلب ضمان توفر الماء لطالبيه على مدار السنة عملية تعبئة وخزن ومعالجة أي التعديل وكذلك النقل هذا ما يضيف لإستغلال المادة الطبيعية بعد "الخدمة". يسمح إنتاج الماء في المنظومات المائية التقليدية، والتي يكون إطارها عادة المجال المحلي، بالنفاذ إلى المورد لجميع المتساكنين وكذلك إلى الاخر غير المتساكن او" عابري السبيل". ويبقى الماء في ظلّ المنظومات المائية التقليدية هذا " المورد المشترك". وهذا التمثل يكفل الحدّ الأدنى الضامن للحياة دون أن ينفي الإنتفاع بالمورد وفق موازين القوى الإجتماعية. فالروح المساوتية التي تشيعها الثقافة المشتركة لا يمكن أن تحجب التفاوت الصارخ في الإنتفاع بالمورد على مستوى الممارسة الإجتماعية

21

المجالية التاريخية حيث يبقى " الماء صاحب السلطان"15 إذا ما تجاوزنا الوظيفة القاعدية للماء كم وردللشرب إلى وظائفه الإنتاجية الأخرى.

لم يعد التعمير مجاليا مقتص ار على عوامل الجذب الطبيعية التقليدية لوحدها وتدعّ مت ظاهرة التركّز السكّاني بفعل تسارع التحضر لذا تحوّل إنتاج الماء نوعيا عبر ظهور منظومات كبرى إقليمية ووطنية ودولية أيضا. مع هذا التحوّل إرتفعت الكلفة وتعاظم الطلب وتغيّر التمثل نوعيا لطبيعية المورد باتجاه تكريس بعد تسويقي سِلعي وبالتالي خوصصته وجعله خاضعا للعبة السوق ومنطق العرض والطلب. واذا كان مستعملو المورد عند سافلة الاحواض المائية أو في التجمعات الحضرية يقبلون بمنطق تسويق الماء بحكم إستفادتهم من الخدمة ومن عملية نقل الماء ومعالجته وتعديل مستوى جودته ومن خدمة التطهير والصرف الصحي، فما الذي يبرر لمتساكني عالية الحوض المائي مقاسمة مورد يتم ثّلونه كملك وحقّ تاريخي لهم؟ يكمن هنا رهان ت اربي كبير يتداخل فيه القانوني والثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي. من الناحية القانونية، يصحب تشكّل المنظومات المائية الكبرى تغيّر قانوني ومؤسساتي: يتحوّل الماء من المشترك" الجمعوي" إلى المشترك العمومي عبر تدخلّ مباشر لفاعل ذو وزن ثقيل هو الدولة. لقد حرصت الدولة الحديثة على "تملك مصادر المياه" وجعل إدارتها شأنا مركزيا بحكم تمثيلها «للمصلحة العامة". وكرّست جغ ارفيا جديدة للمورد المائي تعدّل من حالات الندرة والوفرة الطبيعية وتعوضها بآليات إقتصادية سياسية ومؤسساتية جديدة. هذا المسار الجديد أعاد توزيع المورد قطاعيا )بين الاستعمالات المختلفة للماء( ومجاليا بين مجالات التعمير المحلية والإقليمية. تخفي عملية إعادة التوزيع هذه بعدا سياسيا هاما يتمثل في كون التحويل للماء كمورد هو أيضا "تحويل للقوّة" من قطاع إلى آخر ومن مجال إلى آخر ومن ت ارب إلى آخر.

كثيرة هي الأمثلة في العالم التي يصادم فيها سكان عالية الأحواض المائية عملية بناء السدود ويقومون بتخريب منشئات التحويل يدفعهم في ذلك إحساس بالانت ازع ومنافسة ت اربية تاريخية مع الت اربات المستفيدة من عملية نقل الماء. ولذا عادة ما يصحب عملية ظهور المنظومات المائية

15 Badoucha G.1987, L'Eau l'ami du puissant.

22

الإقليمية الحديثة نوع من "التعزيز" للمنظومات المائية المحليّة بإعادة تثمير جزء من الموارد المائيةمحليّا)تهيئة مناطق سقوية أو مدّ شبكة تزويد بالماء الصالح للشرب كشكل يستبق ظهور ن ازعات فعلية مباشرة ويمتص هذا الشعور بالحرمان لدى متساكني الت اربات المعنية. وهذا يعني أن تدخل الدولة وان نجح في "إضعاف" البعد الجمعوي للمورد المائي إلى حد تجاوزه أحيانا كثيرة وادماجه في تمثل كوني ووطني، فانه لا يمكن أن يقفز تماما على البعد الت اربي في مستواه المحلي والإقليمي .لقد أصبح المورد المائي اليوم شأنا عالميا واست ارتيجيا أكثر من أي وقت مضى يستنفر حوله الجهود الرسمية والمنظمات غير الحكومية ومختلف أطياف المجتمع المدني عالميا وتجاوز بكثير بعده المحلي والوطني. ولم يعد السجال حوله لم ينفصل عن السجال حول العولمة كظاهرة كونية غلبت المصالح الاقتصادية على حساب منطق السيادة الوطنية أو الأبعاد الاجتماعية والبيئية، ذلك أن تمثل المورد المائي كسلعة وتنامي التحويل البي-إقليمي عبر القنوات او عبر التعليب ينزع عن المورد بصفة حثيثة صفته الت اربية. ومثلما يتعاظم الرهان على تملك المورد يرتفع أيضا الرهان على التحكم في مخاطره العديدة وأبعادها الت اربية.

يقدم البحث في المخاطر المرتبطة بالمياه مدخلا جديدا لقارءة تفاعلات عناصر المنظومة الجغ ارفية ويقوم على مقاربة منظوميّة، ويعبر عن تبلور أكثر وضوحا للتمثلات حيال المخاطر .كما يجد صدى واسعا في الفعل العمومي وب ارمج التهيئة، وأصبح مادة إعلامية خصبة تستـهوي جمهوار واسعا. انتقلت التمثلات حيال الخطر الطبيعي من الحتميّة والقدرية وفكرة العقاب المقدس إلى ظواهر قابلة للفهم والاستش ارف وبالتالي استباقها والحماية الذاتية و الجماعية منها ورسم خ ارئط لإحتمالية تك اررها وامتدادات تأثيرها. أعطى هذا التصور الجديد للخطر هامشا كبي ار للفعل وأجبر على م ارجعة "دوغما "التقنية والتهيئة القائمة أو القائلة بالقدرة اللامحدودة حيال الأنظمة الطبيعية. يميز التحليل المجالي

للخطر بين أربعة مستويات مرتبطة ببعضها البعض: وهي الاحتمالية )Alea(؛ الحساسية الاجتماعية والبيئية او الهشاشة (Vulnérabilité(؛ الخطر)Risque( والكارثة )Catastrophe(. ونجد في هذه المستويات الأربعة تميي از بين الخطر الكامن والكارثة." ليس هناك تطابق زمني أو مجاليّ أو من

23

حيث مستوى الحدّة بين الخطر والكارثة". هناك دوما فارق زمني بينهما وفارق مجالي أيضا. ترتبط الاحتمالية بتواتر وحدّ ة الظاهرة التي تقود إلى حدوث الكارثة كتساقطات غزيرة في وقت قياسي ويصعب التنبؤ بها من حيث توقيتها حدّتها والمجالات التي تعنيها. أما الحساسية الاجتماعية البيئية فترتبط بحجم الخسائر المادية والبشرية المحتملة في حالة تحوّل الخطر إلى كارثة. لكن هذا لا يكفي لتعريفها فالاستجابات حيال الخطر متباينة من مجال إلى آخر حسب المجتمعات. بعض هذه الاستجابات تقني والآخر اجتماعي وسياسي )المؤسسات، سيولة المعلومة، المها ارت، الروح التضامنية(… وحتى ثقافي. وينشأ الخطر من احتمالية في ظل حساسية اجتماعية. وقبل أن يتحول إلى كارثة يبقى تصوره متباينا: فباستطاعتنا تحديد مجالات أو فترة خطر د ون أن يكون هناك علم واضح بمكان أو توقيت حدوث الكارثة. وهناك درجة من الخطر يقبل المجتمع بالتعايش معها والقبول بها )المقبولية l’acceptabilité)كمجاورة الأنهار رغم خطر الفيضانات أو الشواطئ رغم أخطار المدّ أو الب اركين أو منطقة صناعية ملوّثة مقابل منافع مباشرة آنية أو بعد زمني نسبي عن ذكرى كارثة سالفة أو لغياب المعلومة الدقيقة. ي رتبط الخطر حسب " دوفيني "21بقوة التمثلات الفردية والجماعية وهذه التمثلات هي رهينة بعدي الزمن والمسافة حيث تضعف كلما إبتعدنا زمنيا ومجاليا عن نطاق الخطر. وترتبط في العمق بمستوى القرب كحالة تمثل للمسافة. وتعبر الكارثة عن تحول ما كان خط ار كامنا إلى حالة فعلية تعرف بتأثي ارتها التدميرية المباشرة وتقاس بحجم الخسائر البشرية والمادّية التي تخلفها ودرجة تواترها. ماذا عن الاخطار المرتبطة بالماء؟ يمكن تمييز أخطار عديدة مرتبطة بحالتي النقص أو الزيادة المفرطتين كالجفاف والفياضان وهناك مخاطر أخرى ترتبط بالتأثي ارت البشرية المباشرة كالتلوث وتمثل مستوى الندرة.

الفيضان هو من الكوارث المباشرة وسريعة الحدوث وترتبط خطورته بسرعة تنقل المياه وارتفاع مستوياتها وشحنتها من المواد الصلبة المحمولة وكذلك امتدادها المساحي خاصة في السهول ذات التعمير الكثيف نسبيا. يربط البعض تواتر حدوث الفيضان، رغم أهمية المنشئات التي أنجزت بغرض الحماية منها بتغي ارت مناخية جارية22 في حين يرى البعض الآخر أن الظاهرة قديمة لكن تغطيتها الإعلامية أصبحت أكبر وأكثر حينية. ومهما كان الأمر فإن التركز السكاني وتركز الأنشطة ذات

2122 Centre dDauphine ’Information sur l(A.), 2001, p.26.’Energie Durable et l ’Environnement (Tunisie) Guide d'information sur les

changements climatiques. Tunis septembre 2003.56p

23

24

القيم المضافة العالية في السهول وعلى حافات الأودية والسواحل من شأنه أن يضاعف الخطر والرهان والكلفة العالية للكارثة.

تعبر الندرة عن تعاظم الطلب مقابل محدودية العرض وعن درجة استعمال للموارد بما لا يتناسب وطاقة تجددها مع تفاوت زمني ومجالي كبيرين. ولئن كان الجفاف المباشر هو التعبير الكارثي عن هذه الندرة مثلا على أط ارف المجالات القاحلة، فإن الندرة الهيكلية المستقبلية في مجالات عديدة أخرى تبقى في مستوى الحساسية الاجتماعية والاحتمالية لكن تنبه إلى خطر الكارثة المحتملة.

في الواقع لا يخلو خطاب الندرة من "مبالغة" وغموض اعتبا ار لنسبية المؤش ارت المعتمدة لقياس هذه الندرة ولقدرة المجتمعات تاريخيا على التكيف معها23. ويبقى التعبير المباشر والواقعي لخطر الندرة هو " الفقر المائي "وتكمن قوة هذا المفهوم الجديد تكمن في التركيبة التي يطرحها بين مختلف أبعاد المسألة المائية )الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية.(

إنّ الأخطار المائية هي ظواهر مركبة ومعقدة24 وأوجه التعقيد حسب "دوفيني "هي: "العدد الكبير للمكونات والمعنيين وتعقد التمظهر من حيث الحدة والامتداد الزمني وتعقد ت اركب مستويات جغ ارفية مختلفة، ولا تتطابق منطقة الكارثة مع منطقة الخطر بشكل مطلق فيمكن ان تكون داخلها او مجاورة لها او خارجها تماما". ولذا يقترن الخطر المائي عادة بحجم الرهانات المجالية أو الت اربية، وما يظهر على أنه حدثي وعرضي في الكوارث المتربطة به يستجيب في الواقع إلى "منطق ت اربي" و الى "تنظيم مجالي" أي إلى بنية مجاليه. يقول دوفيني: "مهما كان المستوى المعني يندر أن يكون التوزيع المجالي للكوارث عفويا" حيث تبدأ الكوارث نقطية ثم تتخذ شكل تحدّر أو شكل شبكة. يمكن أن تحدث داخل منطقة الخطر أو تخرج عنها تماما، ففي حالة الفيضان مثلا تتطابق منطقة الخطر مع موضع السد لكن تسريح المياه أو انهيا ار للمنشأة يحمل الكارثة بعيدا في السهول وعند السافلة خارج منطقة الخطر المحتملة. إذا كانت الكارثة تقاس بحجم خسائرها المباشرة )الخسائر البشرية والبنية الأساسية( فإن هذه الأخيرة مرتبطة بالتوزيع المجالي للسكان والأنشطة وكذلك بشكل

25

الشبكات ومستوى ت اربطها. يؤثر شكل الشبكات) الطرقات؛ القنوات؛ الكهرباء( في مدى انتشار الكارثة ومسا ارتها كذلك في أشكال مجابهتها. فالشبكات قليلة الت اربط تجعل تأثير الكارثة في اضط ارب التنظيم الت اربي أعمق. وكثي ار ما يقود ذلك إلى عزل بعض أج ازء الت ارب كليا أو جزئيا، بصفة دائمة أو مؤقتة

أو تهميشها وشل ح ارك المتساكنين فيها. إذا فالكارثة أو الخطر المائي هما عاملا تنظيم للمجال.

يكون ركود المياه وصعوبات الصرف فضلا عن ت واتر حدوث الفيضان سببا في جعل بعض الأج ازء الت اربية ضعيفة النشاط والتعمير وتظل ديناميتها بطيئة نسبيا بما يعني تأثي ار بنيويا سلبيا. وبالمقابل تقود عملية التهيئة المتكاملة )الصرف الجيد؛ تشبيك المجال المروي؛ إعادة رسم القسيم القطعي؛ تنظيم البنية الأساسية..( إلى إعطاء قيمة عقارية جديدة للت ارب المائي وتحرير الطاقات الإنتاجية النائمة، على أن التهيئة التي لا تتوافق مع الديناميات الطبيعية كثي ار ما تخلق الخطر وتساهم في انتشاره المجالي ورهن الثروات المكتسبة الى احتمالية كبيرة. ويتأثر التنظيم المجالي باختيا ارت التصرف في المياه وما يصحبها من منافسة ون ازعات وطرق التحكيم بين الفاعلين أو بين المجالات وتهم هذه الاختيا ارت مستوى تطور الت ارب المائي وتطور المجال الاجتماعي داخله وتحدد طبيعة الأولويات حيال الماء كأن يكون التركيز على تعبئة الموارد المائية أو حماية التربة والوسط عامة، أو ان تتقدم الاولويات الانتاجية على الخيا ارت البيئية. تخلق عملية التهيئة المائية في الت ارب مفاعيل ومضاعفات خارجية ايجابية تساهم في خلق أنشطة موازية لا تكون لها علاقة واضحة باستغلال المورد المائي .فضلا عن ذلك ،تعزز وضعية التهيئة المائية من حالة القرب الاجتماعي والمؤسساتي ومن "الطمأنينة" أو المقبولية حيال أخطار الطبيعة وهي حالة تنشأ حولها دينامية ت اربية باعثة على تنمية محلية تقوم على تثمير محلي للموارد.

تجدر الإشارة الى أن الأخطار المرتبطة بالماء كمورد ت اربي تتجاوز الإطار المادي الطبيعي لتشمل أخطا ار من أبعاد عديدة. بعض هذه الأخطار متصل باحتماليات السوق وآليات العرض والطلب ومنظومة الأسعار والاستهلاك. وهذه الآليات لا يتحكم فيه المنتجون في الت ارب المائي مما يجعل هذا الأخير في ظل حساسية اجتماعية دائمة لاحتماليات السو ق والأخطار الإقنصادية المختلفة. وكثي ار ما تتخذ الكارثة هذا البعد المركب لنوع الأخطار التي تقود اليها أو التي تخلقها من جديد. مثال ذلك، الفيضان الذي يتسبب في انهيار إنتاج موسم زارعي أو يعزل مناطق الإنتاج عن مجالات الإستهلاك والمبادلة. فبعد أحواض الإنتاج عن أحواض الاستهلاك يجعل التسويق مشكلا دائما للمنتجين

25

26

الزارعيين )تلف المنتوج أو انهيار الأسعار..(. ويكفي أن يفقد الت ارب المائي مي ازته التفاضلية لصالح مجالات ت اربية أخرى توفر امتياز القرب حتى يتح وّل عنه الوسطاء والتجار ما لم تتوفر آليات تعديل محلية ووطنية كفيلة بامتصاص الأزمة على مستوى الت ارب المائي حينيا.

هذه الازدواجية بين بعدي الخطر والمورد في المياه وابعادها الت اربيّة تجعل من التهيئة المائية بالضرورة عملية مركبة ومندمجة تتجاوز ابعادها القطاعية لتطال كل المنظومة الت اربية. ومن هذه الناحية تصبح التهيئة المائية ارفعة تنمية واحدى آليتها. تنمية تهدف الى التحكم في المجال واستغلال موارده وخلق الثروة الكفيلة بتحقيق الرفاه الاجتماعي وتعزيز مق ومات البقاء والرخاء. ويعبر مثال سهول حوض مجردة الاوسط عن عمق هذا الرهان المائي من حيث التقاء وفرة المياه وتواتر خطر الفيضان تحديدا. وهو مثال حي للت ارب المائي حيث يكون التحكم في المياه شرطا لتشكل الت ارب .

ولعل تلافي الخطر هو ما طبع تاريخيا ممارسة السكان للمجال أكثر من محاولة تثمير الموارد خاصة عبر الري فلقد تلافى التعمير عمق السهل وطبعت الزارعة البعلية التاريخ الزارعي للإقليم. كيف تبدو خصائص ثنائية المورد والمخاطر من الناحية الطبيعية في سهل جندوبة؟

II- المياه في سهول وادي مجردة الأوسط، الثروة الكامنة، المورد والأخطار

سهول حوض مجردة الأوسط هي عبارة عن أخدود إنخسافي تشكل داخل تضاريس إلتوائية في الطرف الشرقي لسلسلة الأطلس التلي المغاربية ونشأ عن حركات تكتونية نشطة في الزمن الثالث رفعت الأج ازء المحيطة .وتعرض الى عملية إطماء تاريخية هامة. و قبل أن يحفر مجردة مج اره الحالي على مستوى جبل منشار بباجة، شكـل هذا الحوض بحيرة تاريخية رسبت بقاعها ما تجرفه مصارف المرتفعات المحيطة خ ازن المياه السطحية الأول للبلاد التونسية. وبعد أن عمّ ق مجردة مج اره تواصلت عملية الإطماء حثيثة في كل عودة دورية للفيضان. ولهذا فالتربـة في عموم السهل هي في الاغلب تربة فيضية بكر. مناخيا يقع الحوض على الطرف الشمالي للنطاق البيومناخي شبه الجاف الأعلى، ويتلقى في نفس الآن التأثي ارت المباشرة للنطاق الرطب بحكم وضع السيلان .ولذا تتوفر بسهول حوض مجردة الأوسط "ثروة" مائية كامنة هامة سطحية وباطنية ربما مثلت خص وصية طبيعية

27

لهذا الجزء من إقليم الشمال الغربي للبلاد التونسية .وربما كان "ضعف الإستغلال" لهذه الثروة وبشكل متواصل طيلة تاريخ الحوض/ التارب هو من المفارقات التاريخية أي أن تمثل هذه الثرة كمورد ظل ضعيفا رغم قدم التعمير وعارقة الاستقارر، بل يمكن القول إن تمثل المخاطر كان أقوى من تمثل المورد. هذا ما يفسر هيمنة أنظمة الإنتاج البعلية وتربية الماشية الممتدة ويرتبط هذا التمثل من الناحية الطبيعية البحتة بتباين فصلي وسنوي حاد للنظام المطري ولمناسيب المجاري المائية فضلا عن التباين المجالي لمستوى جودة المياه.

1. دينامية فيضية جدّ نشطة

رغم الامتداد والتواصل النسبي وسمة الإنبساط المطلق المهيمنة، لا تشكل سهول حوض مجردة الأوسط وحدة طوبوغ ارفية واحدة بل يحسن النظر اليها كمجموعة من السهول المتجاورة وهو ما يتناسب في التسميات التاريخية المحلية مع "الرقبة" بسهل غار الدماء و"الدخلة" بسهل جندوبة بوسالم و "بلاد كوكة" على الحدود الشرقية مع بلاد باجة. ارتبط التشكل الجيومورفولوجي لهذه السهول عضويا بالمياه. فهي عبارة عن حوض إنخسافي نشأ في الجزء الشرقي من السلسلة الأطلسية المغاربية بداية من العصر الكريتاسي واستقر مع العصر البليوستيساني للزمن ال اربع ويفصل حاليا بين سلسلة التل الشمالي الغربي والتل العالي. تشكل حوض الرقبة على حساب السلسلة الإلتوائية لخمير أما الدخلة فقد نشأت على إنكسار وتصدع القباب المتجاورة) حيرش؛ ربيعة والشيحية( أو المحدبات )تيبار.( حركتان تكتونيتان متلازمتان حددتا التشكل الحالي لتضاريس المنطقة: الاولى، إرتفاع بعض الأج ازء المحيطة في شكل مقع ارت معلقة وهو ما يؤلف الح ازم الجبلي والهضبي المحيط، والثانية، إنهيار الأج ازء التي تمثلها السهول الحالية. شهد الجزء الإنخسافي حركة إطماء وتجمع للمياه بما شكل منظومة بحيرية وتعتبر المصاطب النهرية على مستوى سيدي بوعوان )شمال شرقي بوسالم( آخر الشواهد التاريخية على هذه البحيرة. شهدت هذه البحيرة عملية ترسيب لما تحمله المجاري المختلفة من عناصر دقيقة ولينة. ونشطت حركة التعرية بفعل أهمية الإنحدار في الأج ازء المرتفعة المجاورة وبفعل نظام مطري رطب. كما تم تآكل جزء هام من مخاريط النشر والحادوارت المجاورة. ت ارجعت هذه البحيرة عندما عمّ ق مجردة مج اره على مستوى بلاد كوكة ليتصل النظام البحيري بالنظام

28

البحري وتتلاشى البحيرة تدريجيا لتتحول الى مجرد مستنقعات يغذيها مجردة وروافده في بعض الأج ازء المنخفضة كالمرجى. وتواصلت عملية الإطماء بدون إنقطاع بفعل الفيضان المتواتر .ولذا فالترب الحالية لسهول حوض مجردة الأوسط هي حصيلة عملية نقل وترسيب بحيري ونهري وهو ما يفسر بوجه من الوجوه صفة التربة البكر التي تميز الرصيد التربي للمنطقة. خضعت هذه السهول إلى دينامية فيضية نشطة محورها مجردة وروافده الرئيسية )كساب؛ بوهرتمة؛ تاسة؛ ملاق؛ وادي مليز؛ ورغاي(.

شكّ ل حفر المجاري الرئيسية لمجردة وروافده واتصال المجرى الرئيسي بالبحر الشبكة الهيدرولوجية الحالية بعد حالة تلازم وتوازن بين حركتي الإطماء والحفر. وكيفت هاتان الحركتان المتلازمتان حالة سطح السهول مع مجموع الحوض المائي لمجردة. ومع الضعف التام للانحدار تواصل تعميق سرير الوادي من ناحية وردم الأج ازء المنخفضة في السهول من ناحية ثانية. ولعل هذا ما يفسر كثرة المنعطفات وتغير خط سير المجاري بصفة نشطة كما تدل على ذلك المنعطفات المقطوعة على طول الوادي خاصة حول موضع مدينة بوسالم الحالي. وتتواصل عملية الحفر وتعميق السرير حثيثة في بعض الأج ازء أكثر من غيرها خاصة على مستوى نقطة الإلتقاء بين مجردة وارفده الأكبر ملاق) منطقة الملقى بين جندوبة وبوسالم( ويصاحب عملية الفيضان رفع مستوى الحواشي عبر الترسيب مما يساهم من جديد في عزل بعض الأج ازء المنخفضة عن صرف مياه الأمطار في الفصل المطير وركود المياه لفترة طويلة من السنة. وتعتبر الدينامية الفيضية بسهول حوض مج ردة الأوسط جد نشطة حيث تقوم بتقويض حافّ ات المنعطفات المقعّ رة خاصّ ة على مستوى وادي تاسة وملاق وقطع بعض المنعطفات وعزلها عن المجري الرئيسي خاصة حول موضع مدينة بوسالم. وبعد سلسلة طويلة من التحولات في الإمتداد العرضي واعتمادا على نتائج بحوث جيومرفولوجية حديثة آخرها د ارسة لعامر الوسلاتي يمكن القول أن الأودية قد استعادت السرير الرئيسي الذي كانت عليه على زمن العهد الروماني34.

29

حكمت هذه الدينامية الفيضية الطويلة وضع الإنبساط الطوبوغ ارفي حيث لا يتجاوز الإنحدار 5% في أغلب الأج ازء. وكذلك شكلت بعمق خصائص التربة وديناميتها التي لا يمكن بحال فصلها عن دينامية المياه وهي دينامية شكلت ولا ت ازل عنصر "ثروة" طبيعية ولكن أيضا أخطا ار دائمة لا يمكن إخت ازلها فقط في الفيضان.

خريطة عدد 2: مستويات الانحدار بسهل جندوبة

2. معطيات بيومناخية جد ملائمة للزارعة

تنتمي سهول حوض مجردة الأوسط إلى النطاق البيومناخي شبه الجاف الأعلى حيث تتلقى التأثي ارت المتوسطية الشمـالية والتأثي ارت المناخية للمنطقة الصح اروية جنوبا. لكن وضع الحوض والتضاريس المحيطة واتجاهها يمنحان صفة المناخ المحلـي والمناخ القارية. وتتجلى التأثي ارت المناخية المباشرة في التباين الحاد لدرجات الح اررة وتباين توزيع النظام المطري.

29

30

خريطة عدد 3: النطاقات البيومناخية بسهل جندوبة

أ- النظام المطـري يلائم الزارعة الدائمة

يبلغ معدل التساقطات لفترة تت اروح بين 1964و2000 لمحطتي جندوبة وبوسـالم 1.412مم ولكن هذا المعدل يخفي تباينات سنوية حادة و"تطرفا" مناخيا ترتبط به أخطار طبيعية دورية كالفيضان والجفاف. عموما لا تنـزل المعدلات عن عتبة دنيا بـ 250مم وهذا ما يسمح بحد أدنى لنظام زارعي مطـري سنوي منتظم. إن عدم الانتظام السنو ي للأمطار ووجود هذا الحد الأدنى من الأمطار السنوية هما عاملان مناخيان يفس ران إلى حد بعيد الرهان التاريخي علـى الحبوب كزارعة أساسية وكـمورد علفي لا فقط للإقليم بل لبقية أقاليم البلاد. ينفرد شهر جانفي بأعلى معدلات التساقطات كشهر مطير لكن الأمطار الاستثنائية التي تسببت في فيضانات عارمة مثل مارس1973 وماي 2000 تعدل بعض الشيء من هذه الملاحظة. وتنحصر الأمطار الأكثر كثافة خاصة في الأشهر التالية: أكتوبر؛ ديسمبر؛ جانفي ومارس. ويتحسس فلاحو المنطقة حالة الموسم الزارعي انطلاقا من شهري أكتوبر

30

31

ونوفمبر لتحديد طبيعة الزارعات وتوقيت الموسم الزارعي، فإذا سجل هذان الشه ارن نقصا35 واضحا تؤجل عملية البذر ويقع تعديل هام في إختيار نظام الزارعات. يمكن القـول أن "المورد" الحقيقي في الزارعة، في التمثلات المحلية تاريخيا، هو "ماء السماء"36 حسب عبارة بول باسكون وليس ما تصرفـه المجاري أو يزخـر به باطن الأرض. إن تأخر نزوله كان الجفاف وكانت الكارثة.

رسم عدد1: معدل التساقطات السنوية لمحطتي جندوبة وبوسالم) 2000-1964 ب- نظـام حارر ي ذي صبغة قارية وتباين فصلي حاد

تهيمن على النظام الح ارري لسهول حوض مجردة الأوسط صبغة قارية نسبية رغم القرب الجغ ارفي من البحر، حيث أن إمتداد سلسلة التل الشمالي الغربي من الغرب إلى الشمال الشرقي بشكل موازي للخط الساحلي الشمالي يحدّ من وصول التأثي ارت المتوسطية البحرية الى الداخل. ويتميز النظام الح ارري بمدى ح ارري مرتفع حيث تت راوح درجات الح اررة بين من-4° إلى -6° للدرجات الدنيا )جانفي-مارس( و °45 إلى 50° )جويلية – سبتمبر(. ويتواتر حدوث الجمد وهو ما لا يناسب

3536 Louati Md H.Hsainia J. 1991(et al., Irrigation et développement agricole. L)1999, Guide pratique de gestion de la sécheresse en Tunisie’expérience tunisienne. Options Méditerranéennes. Série . Ministère de L'Agriculture Tunis.

B N° 3. CIHEAM – INAT. Montpellier.

31

32

الأشجار المثمرة. وتختلف درجات الح اررة في السهل عن مستواها في "الح ازم الساخن" للسفوح المحيطة التي جلبت إليها تعمي ار مبك ار بخلاف عمق السهل.

ج- غلبة الرياح الشمالية الغربية المطيرة والقوية

تهيمن على سهول حوض مجردة الأوسط الرياح الشمالية الغربية وهي رياح تحمل الكتل الهوائية الرطبة والقوية من حيث سرعتها. لـكن امتداد المرتفعات الشمالية بشكل مواز لامتداد الساحل يعدل من عنف هذه الرياح ويحملها على إف ارغ جزء هام من شحنتها الرطبة فوق مرتفعات خمير ومقعد قبل وصولها إلى السهل فتصل جافة نسبيا. لهذا يضعف امتداد النطاق الرطب في الداخل ويكاد يكو ن منحص ار على الخط الساحلي الشمالي من جهة طبرقة وعين د ارهم. ومن الجنوب تحجز الظه رية التونسية وسلسلة التل العالي تأثي ارت الكتل الصح اروية وتشكل هذه المرتفعات وفجوات السهول التي تتخللها مم ارت ريحية تبعد هذه التأثي ارت الصح اروية المباشرة شرقا. تبقى الرياح في سهول حوض مج ردة الأوسط قوية ولذا فالتحول نحو الري أو الأشجار المثمرة يشترط ضرورة تجهيز الحقول بكاس ارت رياح ممتدة ومتماسكة كما يتطلب تركيز هذه المصدات معرفة دقيقة بالإتجاهات الرئيسية للرياح وتغير توزيعها الفصلي والمجالي ومساي رة النظام الزارعي لحركة الرياح هذه د- الحصيـلة المناخية المائية

تعتبر الحصيلة المائية في الجملة سالبة نظ ار للتباين الفصلي الحاد للح اررة والتساقطات وبالتالي للتبخار) ETP( كما يتضح ذلك من الجد ول أعلاه لسلسلة سنوية بين 1909و1976.

33

جدول عدد1: الحصيلة المائية بمحطة جنـدوبة) 1909 -1976(

3. شبكة هدروغارفية هامة وكثيفة نسبيا

يتفرّد الوسط الطبيعي لسهول حوض مجردة الأوسط بشبكة هدروغ ارفية هامة وكثيفة وذات سيلان دائم محورها الرئيسي وادي مجردة تتوارد نحوه مجموعة من الروافد دائمة السيلان جنوبا وشمالا متقاربة جغ ارفيا ومتفاوتة من حيث حجم أحواضها وخصوصا من حيث جودة مياهها) مستوى ملوحتها(. وتتباين المناسيب السنوية والفصلية كثي ار لهذه المجاري المائية إرتباطا بخاصيات المناخ المذكورة. لقد ساهمت المنشآت المائية الكبرى التي أنجزت حول أغلب هذه الأودية في تعديل المناسيب والمعدّ لات. ولهذا سنعتمد في مرحلة أولى على الإحصائيات والقياسات التي بررت إنشاء هذه المنشآت ولكونها الأقرب للنظام الطبيعي التاريخي للسيلان.

33

34

وادي رغاي: ارفد من الروافد اليمنى لمجردة ينبع من الج ازئر ويصرف مياه مرتفعات الرقبة )خمير( ويتغذى من مجموعة كبيرة من الشعاب لمرتفعات خمير الرطبة. ويتفاوت مستوى الميل من 1202م على مستوى جبل الغرة الى 175م عند التقاء الرغاي بمجردة. وهذا الميل يضعف كثي ار على مستوى السهل. تصل مساحة الح وض الى 320كم2 ويقدر المعدل السنوي للمنسوب ب 67م م3.

وادي مـلاق: يعتبر ال ارفد الرئيسي لمجردة من حيث إمتداد الحوض أو المنسوب السنوي. ينبع من مرتفعات تبسة على مستوى 1408م إرتفاع تحت إسم وادي شبرو، عند التقائه بوادي مسكينة يتخذ الوادي إسمه النهائي ويقطع مسافة 317 كم قبل اتصاله بمجردة قرب جندوبة على مستوى إرتفاع 140م. للوادي مساحة حوض ممتدة جزء هام منها يقع بالت ارب الج ازئري وتقدر مساحة هذا الح وض ب 10.643كم2. أما معدل المنسوب السن وي فقدرت بـ 190 م م3 للفترة بين 1932-1957 هذا المعدل يخفي تباينات فصلية وبيسنوية حادة.

صورة عدد 2: مشهد عام لوادي ملاق جنوب شرقي جندوبة

34

35

وادي كساب: تمسح مساحة الحوض لهذا الوادي الشمالي 264كم2 وتتميز المياه بعذوبتها

)0.4غ/ل( وهذا ما سيبرر تخصيص مياهها كليا للشرب وتزويد العاصمة بعد بناء السد عليه في 1969.

وادي بوهرتمة: ينبع بوهرتمة من المرتفعات الشمالية ويهم حوضا مائيا مساحته 488كم2 ويبلغ معدل المنسوب السنوي ب 85م م3. وتكمن الميزة الرئيسية لهذا الوادي في جودة المياه التي تسيل فوق الفليش الأوليغوساني حيث لا تتجاوز الملوحة 0.7غ/ل وهذا ما سيبرر التركيز الكلي على مياه هذا ال ارفد في مشروع التهيئة المائية الكبرى الحديثة واستخدام هذه المياه كليا للري وفي تعديل مستوى الملوحة مع موارد مياه مجردة وملاق

وادي تاسة: ينبع وادي تاسة من السهول العليا للأطلس التلي على مستوى إرتفاع 590م لصرف مياه سهل الزوارين. يبلغ طول المجرى ال رئيسي 143كم ويتصل بمجردة على مستوى ارتفاع

133م. وتعتبر الملوحة في هذا المجرى عالية جدا )3.5غ/ل( بسبب وجود طبقة جبسية ممتدة.

وادي مجردة:

أتاح موقع الوسط على طول الحوض لوادي مجردة أن يكون مجرى الصرف الرئيسي لما يقارب 1مليار م3 سنويا عند اتصاله بالبحر )قبل بناء السدود( ولحوض مائي يمتد بين الج ازئر وتونس على مساحة جملية ب 26300 كم2 )21000 منها في تونس(. ينبع مجردة من مرتفعات سوق أه ارس )جبل علاية( بالج ازئر على مستوى ارتفاع 1100م، ويبلغ المعدل السنوي للمنسوب عند دخوله إلى غار الدماء 171م م3 . ويرتفع المنسوب بعد اتصاله بروافده الرئيسية عند محطة بوسالم حسب قياسات 1950-1970 إلى 671م م3 وهذا يعني أن المنسوب الرئيسي للوادي مرتبط بمناسيب الروافد الرئيسية الذي يبلغ إجماله لسهول حوض مجردة الأوسط ق اربة 500م م3. ورغم أن الحوض المائي يتجاوز الحدود الت اربية للبلاد التونسية فلا ترتبط به رهانات جغ ارسياسية تذكر كما هو الحال في المجاري الحدودية أو البيقطرية. ويتفاوت الصبيب فصليا كثي ار بما لا يتيح استغلالا منتظما للمورد المائي لكن يحافظ الوادي على سيلان دائم ، حيث يت اروح مستوى التحاريق بين 0.2 م م3 بغار الدماء و 6.9 م م3 ببوسالم.

36

خريطة عدد 3: الموارد المائية السطحية بسهل جندوب

4. موائد مائية متجدّدة

تتألف الثروة المائية الكامنة أيضا من موائد مائية هامة تتجدد باستم ارر سنويا عبر الأمطار وشبكة السيلان السطحية مقارنة مع أقاليم الوسط والجنوب حيث تعتبر أغلب مواردها أحفورية وريثة لعصور جيولوجية قديمة. غير أن هذه الموارد الباطنية متفاوتة مجاليا من حيث مستوى العمق والدفق وخاصة من حيث جودتها. وتتركز المائدة المائية السطحية خاصة في

36

37

سهـل جندوبة بوسالم أما المائدة العميقة فتتركز أكثر في سهل غا ارلدماء. ويمكن تمييز أربعة مستويات من حيث العمق.

مياه التسرب السطحي:

تتـواجد أساسا على مشارف الأودية ذات الجريان الموازي مثل مجردة/ رغـاي أو مـلاق/ تاسة. وهي مياه حبيسة في التكوينات الغرينية الرملية والنفيذة الحديثة وهي مياه قلية العمق وقريبة من السطح) 0.60م جنوب قرية سوق السبت(. لا تشكل مائدة ممتدة: مائدة الخليج-ملاق لا تتجا وز 150هك ومائدة العيثة حوالي 200هك. ووجودها موضعي ويكون كثيفا أكثر في الضفاف المحدبة للأودية )ولجة( ولكنها حيث ما وجدت هي قابلة للإستغلال بسهولة وبإمكانات بسيطة وأنتجت حولها مزدرعات مرويـة صغيرة. لكن هذه المياه متباينة مستوى الملوحة في الزمن والمجال: في نفس قرية سوق السبت تبلغ الملوحة في الغـ ارغيس بين 0و3غ/ل وتصل إلى 10غ/ل في هنشير السبت. كما يتباين مستوى الكمية والدفق من سنة إلى أخرى في ارتباط بالنظام المطري ونظام السيلان. لكن يبقى مستوى الدفق عموما ضعيفا ولا يتجاوز في الآبار 1.2ل/ث. تجدر الإشارة الى ان التهيئة المائية قد حورت من خصائص هذه الموائد عبر تصريف المياه وغسل التربة بمياه الر ي

المياه الباطنية العميقة:

تعتبر أكثر دفقا وانتظاما وتتغذى باستم ارر عبر الأودية دائمة السيلان. وتوفر ثروة كامنة هامة بالنسبة الري لكن كلفة استغلالها عالية وليست في متناول عموم الفلاحين. تتوزع هذه الثروة الكامنة وحسب البحوث الهيدرولوجية التي أجرتها شركة ارلف بيرسو نعلى ثلاث موائد مائية متناضدة: مائدة سطحية؛ مائدة رئيسية وسيطة ؛ ومائدة عميقة.

المائدة السطحية: ارتباطا بعدم إنتظام ترسيب المواد الغرينية في السهل يتفاوت امتدادها أفقيا وعموديا يت اروح عمق المائدة السطحية من 10-15م ويصل الى 5م في سيدي مسكين بـوادي مليز. وتمتد هذه المائدة إجمالا على ق اربة 135كم2 من الغرب إلى الشرق. ويرتبط

38

مستوى الملوحة بالمياه السطحية التي تغذيها باستم ارر. وترتفع هذه الملوحة من الغرب الى الشرق ومن العالية إلى السافلة.

-المائدة "الرئيسية" : يت اروح عمقها بين 40-150م وتبلغ 15م في سيدي مسكين و70م في وادي مليز. ويصل الدفق إلى أكثر من 8م م3 أما عن جودة المياه فهي متفاوتة من مكان إلى آخر وترتفع شمال السهل الى )6-5غ/ل( وتصل في جنوبه )2/5غ/ل(.

-المائدة العميقة : تعتبر أقل أهمية نظ ار لارتفاع ملوحتها) 3.5غ/ل في وسط السهل( وضعف الدفق لوجودها حبيسة في تشكيلات غير نفيذة. وتوجد على 4-5م تحت المائدة الرئيسية.

من حيث التوزيع الحالي للمائدة المائية السطحية بسهل جندوبة فهي تتوزع على ثلاث موائد سطحية متفاوتة هي المائدة المائية لحوض مجردة الأعلى) 92. م م3( والسواني )1.6 م م3( وغار الدماء) 1.92 م م3(. تشهد هذه الموائد ضغطا متناميا منذ الثمانينات تعكسه نسبة الاستغلال )90.7% في المائدة المائية لحوض مجردة الأعلى و99% في غار الدماء سنة 2010( وارتفاع عدد الابار والاقبال على تجهيزها كما تعكسه معطيات الجدول التالي .يرتبط هذا الضغط على الموائد المائية بالكثافات السكانية العالية واللجوء الى الري لتعويض حالات انقطاع مياه الشبكة بالمناطق السقوية بصفة ظرفية او ممتدة بفعل ت اركم المديونية.

جدول عدد2: موارد الموائد المائية السطحية بسهل جندوبة في 1980-2010

DRE, Situation de l'exploitation des nappes phréatiques 1980,1990,2000et 2010

هذه الموائد المائية العميقة والسطحية ستغذي مشاريع التهيئة المائية في سهل غا ارلدماء خاصة وستكون جزءا من تهيئة مندمجة تجمع بين مياه السيلان السطحية والمياه الباطنية وتقوم بتعديل مستوى الملوحة بخلط المياه بطرق الية بما يلائم الر ي.

38

39

خريطة عدد 4: الموارد المائية الباطنية بسهل جندوبة

5. مستوى التعبئة الحالي للموارد المائية بجندوبة

استفادت جندوبة من مشاريع متفاوتة لتعبئة الموارد المائية المتاحة ضمن سياق وطني يقوم على تعديل التوزيع وتلافي المخاطر والتحويل البي- إقليمي. يتضح من الجدول ان الامكانات المائية بجندوبة هي هامة لكن تغلب عليها مياه السيلان السطحية ويساوي الحجم الجملي للموارد المائية 662 م م3 . تصل التعبئة فيها الى 366 م م3 أي بنسبة تعبئة تقدر بـ 55%. وتواجه المائدة المائية السطحية ضغطا شديدا حيث تصل نسبة التعبئة بها الى 86%. يرتبط هذا الضغط على المائدة المائية السطحية بكثافة التعمير رغم ان مستوى الملوحة يحدّ من دور هذه المائدة خاصة على الضفة الجنوبية لمجردة في التزود بالماء الصالح للش ارب ويلجأ السكان مثلا على مستوى الريابنة وسوق السبت الى جلب حاجياتهم من الشرب من أماكن أخرى )بوسالم او بلاريجا(. كما يرتبط هذا الضغط أيضا بالري خاصة في قطاع الخضروات ويعبر اللجوء الى ضخ المياه من الآبار بديلا عن كلفة التزوّد من شبكة قنوات الريّ خاصة

39

40

في حالة ارتفاع المديونية .في حين يقدر مستوى تعبئة مياه السيلان بحوالي 57%. هذه الموارد تمثل ثروة ت اربية مميزة للولاية ولكنها تحمل معها مخاطر متفاوتة.

جدول عدد3: تعبئة الموارد المائية بولاية جندوبة في 2013

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة 2014

6. سهل جندوبة: مجال مخاطر طبيعية متواترة

تهيئ خاصيات المناخ والشبكة الهدروغ ارفية الوسط في سهول حوض مجردة الأوسط إلى احتمالية تواتر الفيضان وركود المياه، فوجود سطح طوبوغ ارفي ضعيف الإنحدار وشبكة كثيفة من الأودية الكبيرة والمتقاربة وبنية جيولوجية غير نفيذة ونظام مطري ضعيف الإنتظام ،كلها عوامل طبيعية من شأنها تعقيد وضع الصرف في السهل. وتبقى الدينامية الفيضية والنهرية جد نشطة. يشهد على ذلك التغير المستمر لرسم مجرى الأودية والتآكل النشط للحافات. ولئن كان التكيف التاريخي للتعمير قد إتجه نحو تلافي عمق السهل والتوطن بالح ازم السفحي المحيط فإن الفترة المعاصرة قد شهدت العودة إلى تملك ت اربي عميق وشامل لهذا السهل. فتركزت به الم اركز الحضرية والأنشطة الإقتصادية الوازنة وشهد النشاط الزارعي تكثيفا نوعيا وتثبيتا لبنية أساسية جديدة وثقيلة. ضاعف تملك السهل على هذا النحو من حجم الرهانات أمام المخاطر المائية المباشرة. وما الكارثة إلا التقاء بين الاحتمالية الطبيعية المذكورة

41

والرهانات البشرية بشكل مباشر. ولذا فتمثل الخطر أصبح أكثر إلحاحا وعمقا من قبل ،ومكونا أساسيا لأي تصور للتهيئة المائية للسهل بما يتيح تحرير الطاقات الإنتاجية النائمة وحماية المنشآت والبنية الأساسية ومختلف مجالات التعمير.

يحدث الفيضان على إثر سيلان كبير في أسرة الأودية ناجمة عن أمطار غزيرة في الأحواض المائية ويرتبط بعوامل مناخية )أمطار، رياح، ضغط جوي..( وهيدرولوجية )شكل الأحواض المائية، التربة، استخدام الأرض( ومورفولوجية ) مستوى الانحدار، مسا ارت الأودية(…. ويتضح من الفق ارت السابقة أن سهول حوض مجردة الأوسط بخصائصها الجيومرفولوجية والمناخية تمثل وسطا معرضا باستم ارر لخطر الفيضان. بل إن هذا الخطر كان ولا ي ازل مكونا أساسيا وعامل دينامية متواصلة لهذا الوسط من حيث تشكل التربة وتجددها والتشكل الجيمورفولوجي العام. ولهذا فالفيضان في هذا المجال لا هو بالحدث الاستثنائي ولا النادر كما هو الحال بكامل البلاد التونسية، و لكنه يكتسي في هذا الإقليم أهمية خاصة بالنظر إلى درجة التواتر والإنتشار وحدة الخسائر التي يصحبها للت ارب.

الصورة عدد :4غمر المياه لحي ديامنتة ببوسالم 24 فيفري 2012

تختلف حدة الفيضان بين أج ازء الت ارب من الشرق إلى الغرب من حيث سرعة تدفق المياه وارتفاع المنسوب في سرير الوادي ومستوى الخروج والانتشار وحجم الشحنة الصلبة المحمولة حسب مستوى الانحدار وشكل الشبكة الهدروغ ارفية العام وطبيعة الأمطار وتوزعها في الحوض المائي الكبير. وأعنف الفيضانات وأهمها هي تلك التي ترتبط خاصة بمستوى الطمو بوادي مـلاق ويرتبط هذا الطموّ عادة بأمطار ذات عواصف عنيفة وموضعية، وتصل

42

سرعة تنقل المياه المرتبطة به إلى 8كم/س وهي بين 6و7 كم/س بين غار الدماء وبوسالم ،مما يعتبر مستوى سريعا وعنيفا.

ومياه الطمو سريعة التعكّر وذات حمولة صلبة عالية تقدر على مستوى محطة غار الدماء ب4ألاف طن وترتفع في بوسالم الى 23ألف طن )فيضان جانفي 2003( ويرتفع مستوى التعكر في عمق الوادي. فعلى مستوى محطة بوسالم وعلى مستوى عمق 3 أمتار ينتقل التعكّر من 9.82غ/ل )مستوى ارتفاع 9.8م( إلى 67.93غ/ل )مستوى ارتفاع6.8م(.هذا ما ينتج عنه طمر سريع والتالي تقلص مستوى قدرة السرير على حصر المياه داخلها. تخرج المياه بسرعة على مستوى المنعطفات والأ ارضي المنخفضة والأسرة التاريخية المنعزلة (les paleo-chenaux) لتغمر الحقول والمجالات السكنية التي إستقرت في هذه الأسِرّة التاريخية )مثال "حي ديامنتة" ببوسالم(.

عرف الت ارب في سهول حوض مجردة الأوسط في تاريخه القريب عدة فيضانات طبعت الذاكرة الشعبية بعنفها وحجم إنتشارها والخسائر التي خلفتها. ونملك حولها معطيات إحصائية وخ ارئطية نسبيا دقيقة ومنها: 1925؛ أكتوبر 1947؛ سبتمبر-أكتوبر 1969؛ مارس 1973؛ ماي2000 وكان آخرها في جانفي 2003 ثم من جديد في فيفر ي 2012. بلغت مساحة الفيضان في أكتوبر 1947 ما يقا رب 10180هك شملت مدينة سوق الإربعاء )جندوبة( بالكامل. وبلغت هذه المساحة في سهل جندوبة-بوسالم في فيضان مارس 1973 بعد شتاء جد ممطر 8160هك و10600هك في كامل حوض مجردة الأوسط من غا ارلدماء إلى بوسالم . وكان هذا الفيضان أكثر فداحة من حيث الخسائر بحكم كثافة التعمير وهشاشة البنية الأساسية. تجدر الإشارة إلى ان السد المنجز على مستوى وادي ملاق) 1954( قد ساهم في إضعاف الطموّ عند السافلة من مستوى قدّر بـ 4500م3/ث إلى مستوى 2800م3/ث في محطة بوسالم. ولم يكن بالإمكان تلافي حدوث الفيضان على النحو الذي تم عليه حيث وصلت المياه في السد حد الإرتفاع 268.75 م وهو الحد الأقصى لسلامة المنشأة) 269 م( مما إستدعى سحب 600 م3/ث في 28 مارس.

43

لهذه الفيضانات المتواترة تأثي ارت طبيعية عميقة يمكن حصر أهمها ،إستنادا الى د ارسة للطفي الأحمر كالتالي: يقود تواتر الفيضان الى تقويض نشط لحواشي الأودية خاصة على وادي ملاق عند قرية الملقى أو حي البحايرية قرب جسر مجردة في بوسالم او على حاشية وادي تاسة على مستوى المرجى. هذا إضافة ال تغيير مسا ار ت الأودية مثال وادي ملاق عند التقائه بمجردة وانقطاع المنعطفات مثال عند إلتقاء كساب بمجردة والترسيب في محاور الأودية خاصة جنوب مدينة بوسالم في حين يحدث العكس أي تعميق المجرى على مستوى مدينة جندوبة. علاوة على ذلك تظهر أهمية الترسيب في الأ ارضي المنخفضة مثال قرية السوايسية جنوب بنبشير وتشبيب مستمر للتربة مما يضعف من خصوبتها ومن خصائص نفاذيتها فضلا عن ركود المياه بها لمدة طويلة مما يقود الى تشبعها. تصحب هذه التأثي ارت الطبيعية المباشرة للفيضان معها تـاثي ارت مختلفة على أنماط التعمير وعلى أنظمة الإنتاج الزارعي في السهل، فتآكل الحواشي يشكل تهديدا مباش ار للتجمعات السكنية المجاورة لحافات الأودية )البحايرية على مستوى قنطرة مجردة ببوسالم(. كما أنه يساهم في تآكل الأرض الزارعية في الحافات المقعرة وركود المياه يهدد الم واسم الزارعية. وتتعاظم تأثي ارت الفيضان مع تنامي تكثيف تعمير السهل وتجهيزه مما يضاعف الرهانات أمام المخاطر المختلفة المرتبطة بالمياه .

تواجه سهول وادي مجردة بفعل ضعف الانحدار والتركيبة الجيولوجية في بعض الاج ازء مشكل هيكلي لركود المياه وتملح التربة خاصة على مستوى منطقة بنبشير والب ارهمي وسو ق السبت وبئر الاخضر. واقتضت عملية تهيئة هذه الا ارضي للري انجاز خنادق للصرف واعتماد صرف باطني في اج ازء اخرى )البئر الاخضر( واللجوء الى ري مكثف بغرض غسل التربة من الاملاح في سوق السبت. غير ان هذا المكون في مشروع الري ظل الحلقة الاضعف بحكم تأخر الانجاز وتعديل مستمر للأج ازء المجالية المعنية باتجاه التقليص تماشيا مع حجم الضغوطات على الارض خاصة أمام معارضة قوية للفلاحين لإقتطاع بعض من حواشي ا ارضيهم لإنجاز الخنادق. يبلغ حجم الا ارضي المروية المهددة بالتملح 8900 هك وهي نسبة هامة بالنظر الى مجموع المساحة المروية. و تتوزع هذه المساحة المهددة بالتملح كالتالي:

3000 هكتار بين الب ارهمي وبنبشير بمستوى ملوحة يصل الى 4غ /م3 و2700 هك على مستوى بئر الاخضر بملوحة تت اروح بين 4و 7غ و 3200 هك على مست وى المنطقة السقوية

44

بدرونة سيدي اسماعيل. إجمالا يرتفع مستوى الملوحة في الضفة الجنوبية لمجردة والتي تشقها روافد مرتفعة الملوحة كتاسة وملاق وتمتد على قسط هام منها طبقة من الجبس .

خاتمة فصل

وعموما تتميز سهول مجردة الاوسط بكثافة الشبكة الهدروغ ارفية والتي تتوسط احواضا مائية مختلفة وتتغذى من المرتفعات الجنوبية والشمالية والغربية على حد السواء. ولا تقل الثروة المائية الباطنية اهمية عن هذه الثروة السطحية وتتغذى منها باستم ارر. غير ان التباين الفصلي وضعف الانحدار أضعف من امكانية تثمير تاريخي أفضل للمورد، حيث ارهن السكان تاريخيا على زارعة بعلية سنوية جنبا الى جنب مع تربية الماشية. كما ارهنوا على تلافي خطر الفيضان المتواتر. فكانت المياه عنص ار مهما لتشكل تاريخي للت ارب الى جانب الارض. وقد قام مشروع الري على فكرة خلط مياه الضفة الجنوبية مع مياه الضفة الشمالية لتعديل مست وى الملوحة غير ان اللجوء المتنامي الى مياه الضفة الجنوبية لتعديل الطلب والاف ارط في الريّ في كثير من الاج ازء دون م ارعاة حاجة التربة وخصوصياتها فضلا عن ركود المياه على إثر الامطار الغزيرة او الفيضانات، من شان ذلك ان ي اركم مشكل التملح والتغدّ ق. ويسرع من فقدان تدريجي للتربة لخصوبتها التاريخية. إن الوسط الطبيعي بموارده واخطاره يبقى مجالا جاذبا للتعمير ومنذ العصور القديمة ولذا فهو يحوي اليوم كثافات سكانية تشكلت من روافد بشرية متنوعة كانت دوما معززة برغبة في الاستق ارر. ولا يخفى ما تمثله هذه الكثافات من ضغط بشري على الموارد المتاحة وما ي ارفقها من رهانات امام تواتر خطر الفيضان .

45

الفصل الثاني: ال تّارب وتملك المورد المائي

لماذا تأخر انتشار الر ي بالإقليم رغم وفرة المياه وع ارقة الاستق ارر؟ سؤال نبحث في الإجابة عنه من خلال مقاربة ت اربية لعلاقة السكان تاريخيا بمجالهم وتملكهم لموارده. ويهم السؤال مستويين في التحليل العلاقة الت اربية la territorialité وتشمل أنماط التعمير والاستق ارر والهياكل العقارية والهوية الت اربية ثم العلاقة التقنية حيال المورد المائي والتي تشمل مها ارت التعبئة والتحكم وتوظيف المورد لإنتاج الثروة وم اركمتها. فماهي العناصر البنيوية التي ساهمت في تشكل الت ارب ولا ت ازل ترسم معالمه الأساسية وتتحكم في دينامية إعادة تشكله؟ وماهي ملامح تملك الفلاحين الحديث للري؟ I- تشكل المجال الت رابي في سهل جندوبة: الأرض والسو ق والمياه كعوامل بنيوية

تستوقف الباحث في تاريخ ميدان الد ارسة عديد المفارقات التاريخية والمجالية الهامة. فالمنطقة قديمة التعمير لخصائصها الطبيعية الجاذبة وهي أيضا كانت عبر تاريخها الطويل منطقة وصل وعبور وأغرت روافد بشرية عدة بالاستق ارر وتملك المجال. غير ان "قطائع" واضحة في مفاصل تاريخية متتابعة اضعفت الت اركم على مستوى التعمير وملامح التحكم في المجال من تهيئة مختلفة للشبكات )الطرقات والمياه والتبادل( هل تدل القطائع على مستو ى أسماء الأماكن عبر تاريخ الاقليم على صعوبات تشكّل للت ارب أم تدلّ على تغير في عوامل التشكل الت اربي؟ لماذا هذه المفارقة التاريخية بين "الثروة الطبيعية" والفقر التاريخي للسكان؟ أسئلة مثل هذه تستدعي إعادة النظر في السياقات الزمنية التي حكمت التطور التاريخي للتارب والجمع بين مقاربة تعاقبية ومقاربة ت ازمنية لفهم العناصر البنيوية المتحكمة في تشكل الت ارب عبر مختلف الحقبات التاريخية.

1. تشكل التارب عبر تملك الأ رض

يتميز الإقليم بخصائص تربة ومناخ جدّ ملائمة لنشاط زارعي دائم وهذا ما جلب للمنطقة تعمي ار مبك ار وجعل منها منطقة جذب وص ارع ورهان تملك لكل التجمعات البشرية التي تعاقبت عليها بمختلف ألوانها الحضارية بدءا بالأصول اللوبية ومروار بالعهود البونية والرومانية

45

46

ثم العربية وصولا الى الاستعمار. لقد تم توسيع المجال الزارعي على حساب الغابة المتاخمة شمالي وجنوب حوض مجردة الأوسط. حيث تدل القبور اللوبية العديدة على تخوم الغابة شمالي بوسالم على اجتثاث مبكر للغابة.

لقد فضل التعمير الأول المرتفعات والسفوح وهذا ما يتيح الاستفادة في نفس الوقت من المرتفعات الجبلية ومن عمق السهل في إطار نظام انتاج زارعي ي اروح بين تربية الماشية والزارعة الدائمة والموسمية. لكن ومنذ العهد البوني سيظهر ذلك التقابل الواضح بين الزارعة وتربية الماشية وكذلك بين الاستق ارر والحياة الرعوية. سينتهي هذا التطور تدريجيا وبصفة مب كّرة إلى صالح الزارعة والى صالح السكن المستقر على حساب البداوة ورديفها النظام الرعوي وما يعنيه ذلك من تغيير جوهري في النظام الاجتماعي المجالي المرتبط به. عزز الاستق ارر العلاقة مع الأرض وأصبحت الملكية الزارعية هي القاعدة الأولى لتملك المجال من حيث كونها قاعدة إنتاج ومن حيث كونها من أبرز مقومات القوة والسلطة والجاه داخل المجتمع الزارعي. تلح أبر مصادر الجغ ارفيا التاريخية التي ركزت على الإقليم على ث ارء الفترة الرومانية ودورها التاريخي في إحياء الأ ارضي وتنظيم علاقات الملكية والاستغلال. لقد سنّت الإمب ارطورية الرومانية قوانين مشجّعة على إحياء الأ ارضي وجعلت من عملية الإحياء مقدّمة للتمليك كما تشير إلى ذلك النقيشة المشهورة ب"عين واصل" وتجد فيها أنه وفقا لقانون أدريانوسHadrien )117-138م( يمكن لمن يقوم لمدّة عشرة سنوات متتالية بإحياء أ ارضي بِكر تمّلكها وكذلك الشأن بالنسبة لمن يقوم بغ ارسة الأشجار المثمرة. ساهمت هذه الإج ارءات وغيرها معززة برغبة استق ارر فعلية للسكان المحليين و الوافدين في مجال محظوظ طبيعيا في تثمير الإمكانات الزارعية بالمنطقة وفي تبلور مها ارت متفاوتة ومتوارثة في حماية الأرض والتربة والمياه، لا ت ازل آثارها حاضرة في المشهد خاصة في السفوح الشمالية لحوض مجردة الاوسط، كتهيئة أقدام الجبال والسفوح على شكل مصاطب لغ ارسة الكروم و الزياتين ولحماية التربة من الانج ارف. ولهذه التقنية نجاعة مؤكدة في تثبيت التربة وكسر عنف السيلان والحد من آثاره عند السافلة وتيسير استغلال المنحد ارت. غير أن العلاقة مع الأرض التي

47

تمر عبر التملك لم تكن متاحة طبعا للجميع لكن الحاجة الدائمة إلى يد عاملة وفيرة كانت تمكن ش ارئح واسعة من النفاذ إليها بطرق أخرى منها بيع قوّة العمل المباشرة أو تسخيرها أو صيغ الإستغلال غير المباشرة كالك ارء والمغارسة ومختلف انماط الاستغلال غير المباشر الاخرى. ولقد كان الاقطاع لجزء من الارض مناسبة للتعمير وترضية جزء من المحاربين القدامى المتقاعدين.

هناك سمة مبكّرة ستطبع الهياكل العقارية ونظم الإستغلال الزارعي في الت ارب وستستمرّ الى اليوم ألا وهي تجاور الملكيات الكبرى الشاسعة مع ملكيات صغرى. تجسّدت هذه الملكيات الكبرى في العهد الروماني في الأ ارضي الإمب ارطورية أو السالتوس. لقد كان الت ارب مجالا لإمتداد واحد من أكبر هذا الاصناف من الأ ارضي وهو "السالتوس بورينيتانوس" Saltus Burinitanus والذي نملك فكرة واضحة الآن عنه من خلال نقيشة مشهورة تعرف بـ" نقيشة سوق الخميس". توضح هذه النقيشة طبيعة علاقات الملكية والإستغلال في السالتوس حيث يشتكي فيها الفلاحون من عسف الوكلاء وحيث يتدخل فيها الإمب ارطور كومودوس Commodesلنصرة الفلاحين على حساب الوكيل )سنة 165م(. مهما كانت ملابسات هذه الحادثة التي تذكرها النقيشة فإنّها تشير إلى تعقّد نظام الإستغلال والى حرص روماني "رسمي" على استق ارر حالة من السلم الإجتماعية Pax Romanaوالتي تكفل تواصل استغلال المجال الزارعي في الزمن والمجال بما يضمن استم ارر إنتاج الثروة واعادة إنتاجها. تؤكّد النقيشة أيضا ارتباط الت ارب بعلاقات انتاج وملكية أرسية وأفقية بالمركز الروماني، ذلك أن الت ارب يقع على محاور طرق رئيسية تعبره وتدمجه في شبكة مبادلات واسعة )قرطاج- عنابة( .

تلحّ المصادر التاريخية على كثافة التعمير في الفترة الرومانية ارتباطا بوضعية ا زدهار عامة ربّما تكون قد ميّزت الإقليم عن غيره ،كجزء من هذا "المغرب المنفتح" حسب عبارة عبد الله العرو ي53.لقد كان هناك حرص على عدم انقطاع توفّر قوة العمل فكان الحضور البربري المحلي كثيفا تمثله فئات واسعة من الم ازرعين. لكنه حضور "مسالم" قبل بالتعايش مع علاقات الهيمنة الجديدة التي فرضتها روما على كامل شمال افريقيا وخاصة بعد فشل

48

النوميديين في معارك كبيرة مع الرومان )تاكفاريناس17-24 م؛ يوغرطا 105م( في الحفاظ على ممتلكاتهم الت اربية. رغم انفتاح الت ارب على هج ارت مختلفة تعبره فقد كان هناك أيضا حرص على تلافي الضغط البشري الحاد والذي يمكن أن يقود إلى اختلال التوازن بين الموارد الزارعية والتعمير. نفهم إذا كيف كانت خدمة الأرض أو ملكيتها وتواصل إحياء الأ ارضي وضمان ديمومة استغلالها عوامل تملك للأرض وللمجال وبالتالي تشكل الت ارب.

منذ القرن ال اربع ميلادي ستعود الأزمات بقوة في شكل انتفاضات وثوارت للفلاحين

.سيبدأ مسار التدهور الفعلي للمنطقة خاصة بعد غزو الوندال في القرن الخامس ميلادي. أما مع البيزنطيين فيمكن القول بأن الإعتبا ارت الأمنية في ادارة الت ارب قد غلبت على الإعتبا ارت الإقتصادية وسيلقي ذلك بظلاله مباشرة على علاقات التشكل الت اربي السابقة وستتلاشى تدريجا مقومات الاندماج الت اربي وعلاقات التكامل بين السهول والمرتفعات وبين الزارعة وتربية الماشية ومعها منشآت التحكم في المياه وصيانة التربة مثل المصاطب. خلال العهد العربي، تحوّلت الأ ارضي الزارعية للإقليم إلى إقطاعات استفادت منها أقليات اوليغارشية عسكرية وافدة. ويمثل ذلك في الواقع تواصلا بنيويا لاستغلال اقتصادي اجتماعي يكون فيه الفاعل الأساسي دائما وافدا. ونق أر عند البك ري صاحب كتاب المسالك والممالك )1067م/460هـ:( " ولا يازل الناس يتنافسون في ولاية باجة.. فإذا عزل منهم أحد لم يزل يسعى ويتلطف ويهادي ويتحاب حتى يرجع إليها، فقيل لبعضهم: لما ترغبون في ولاية باجة فقال: لأربعة أشياء: قمح عنده وسفرجل ازنة وعنب بلطة وحوت درنة". في هذه الإشارة العابرة في وصف البكري للطريق من القيروان إلى باجة لا يذكر في الإقليم سوى مدينتين هامتين هما باجة وطبرقة هذا ما يشير إلى تلاشي الشبكة الحضرية السابقة التي تشكلت في العهدين النوميدي والروماني أو تهميشها. يقترن هذا الأمر بـ" تغيّر المركز من قرطاج إلى القيروان وبتطور المسالك والوظائف الاقتصادية للجهة والواقع في اطار تحوّل اقتصادي عام لبلاد المغرب". لقد عُ زي تلاشي العم ارن في المجال المدروس إلى دور سلبي للحضور الهلالي كحدث تاريخي )القرن الحادي عشر ميلادي( وك ارفد تعمير جديد وكعلاقة ت اربية جديدة مع الأرض نقلت الإستغلال من الزارعة الدائمة إلى

49

النشاط الرعوي الممتد. يرى محمد حسن أنّ " هذا التطور لا يمكن بحال أن يعزى إلى حركة الفتوح أو الهجرة الهلالية إذ تمّ بطريقة بطيئة". لقد تواصل تعمير مدينة بلاريجيا طيلة العصر الإسلامي الأول إلى حين انق ارضها في القرن السادس هجري/ الثاني عشر ميلادي. وتحوّل مركز الثقل والم ارقبة الإدارية للت ارب المعني نحو باجة، دور سيستمر طيلة العهد الوسيط والحديث. هذا دون ان يبرز في الاقليم مركز بديل يذكر قادر على تامين وظيفتي الم ارقبة و المبادلة و بالتالي الاستقطاب.

قاد هذا التطور الى هيمنة البداوة ومعها نمط الاستغلال الرعوي ومع تلاشي المدن والقرى تلاشى التعمير وأصبح المجال عبارة عن "ف ارغ سكاني" مع ما يصحبه ذلك من ندرة العمال الزارعيين. ويصف العبدري انخ ارم العلاقة بين مدينة باجة والمجال المحيط بها على النحو التالي:" ]أهل باجة[ لا يفارقون السور ويعجزون عن دفن موتاهم خوفا من الأعارب". هذا الوصف لانخ ارم الامن عند العبدري يشي بتعطل استقطاب المدينة لمجالها الت اربي المجاور مباشرة لها وغياب السلطة المركزية وتعطل التبادل وتكريس واقع الاكتناف القسري. وبالتالي ضعف مقومات الاستق ارر. يمكن أن نفهم من هذا التحول مسا ار جديدا خلف الفترة البيزنطية، ميزته كسر علاقات التشكل الت اربي السابقة Déterritorialisation: لـقد تغيّ ـر المحتوى الاجتماعي وتغيرت العلاقة مع الأرض بتو تّر العلاقة بين المدينة ومحيطها وأخذ في التشكّل مسار تشكل ت اربي جديد (recomposition territoriale( بطيئ نسبيا. ستقود الحاجة إلى اليد العاملة الزارعية إلى استيعاب تدريجي للقبائل البدوية الهلالية تحديدا التي استوطنت الإقليم معزّ زة برغبة في الإستق ارر .أدى ذلك إلى تمازج ديني وعرقي تدريجي بين العناصر المحلية المتبقية والعناصر البدوية الوافدة. إن الحديث عن نقص التعمير والف ارغ السكاني يعني بالضرورة وفرة الأرض وضعف الإستغلال مما لا يولد حاجة فعلية إلى إستصلاح أ ارضي جديدة. ستستفيد القبائل الوافدة من الرعي في الأ ارضي البور أومن التكامل التقليدي بين الحبوب وتربية الماشية. أما المجموعات المستقرة المحلية فحرصا على استقلاليتها ووحدتها فستضطر للبحث عن الأرض على مستوى السفوح والمواقع الجبلية من ازحة أكثر فأكثر نحو الاوساط الوعرة والمتضرسة مما سينجم عنه مضاعفة الضغط على تخوم الغابة في السفوح الشمالية لحوض مجردة الاوسط

50

والاعلى وتلاشيها في السفوح الجنوبية نتيجة نشاط الح ارجة الكثيف. في ظل هذه العلاقة الجديدة مع الأرض ستتلاشى تدريجيا التهيئة السابقة القائمة على تقنية المصاطب وسيصبح الشجر المثمر )زياتين وكروم اساسا( معيقا لمرور القطعان. واذا ك نّا لا نملك معطيات واضحة عن حالات تخريب للمغارس في هذه الفترة فإنّه يمكن الحديث، وهذا مؤكّد، عن ضعف الصيانة وتهرّم المغارس دون تجديدها. ومن الثابت تاريخيا ان المعارك التي صاحبت ثورة مخلد بن كيداد الملقب بصاحب الحمار في القرن التاسع والذي التجأ الى اسوار بلطة قد حملت نتائج كارثية على الاستق ارر والزارعة بالإقليم.

خلال الفترة الحديثة سيتواصل إستقبال سهول مجردة الوسطى لروافد بشرية متنوعة يمكن اخت ازلها في تيارين: هج ارت مغاربية متفرقة من الج ازئر والمغرب )الغ اربة(، وهج ارت الانتجاع التقليدية نحو الشمال لقبائل الوسط التونسي مثل عروش ماجر، دريد، والف ارشيش التي استوطنت على ضفاف روافد مجردة خاصة الجنوبية. بعض هذه القبائل «الج دّارية " هي قبال وعروش"مخزنية" استعان بها الباي في إعادة تملك هذه السّهول وفي تأمين انتظام الجباية وفي ردع عروش "الجبالية " التي احتمت بالمرتفعات والغابة. قام الباي بتشريك هذه القبائل المخزنية في الانتفاع بالأرض في سهول "فريقة" بأن مكّ نها من إستغلال الأرض وتوا رثها، الامر الذي يصل حدّ التمليك الكامل. وكانت أ ارضي السهل عبارة عن هناشير كبرى أغلبها ملكية للعروش المستقرّة وللشيوخ والأعيان أو ملك للبايليك وأعوانه تستغله العروش من " الجدارية" الذين يستغلون الأرض أبا عن جدّ دون تملك واضح، حيث تبقى الملكية السامية للباي.

نظ ار للسمة الرطبة وضعف الإنحدار لهذه السهول ولتعطّل المنشئات المائية الرومانية وتلاشيها فقد كانت هذه السهول وسطا لامتداد السباخ والمروج وكان على السكان التكيّف مع طبيعة هذا الوسط الطبيعي بالم اروحة بين الزارعة وتربية الماشية حسب تقلبات المناخ من موسم لآخر. وتعتبر عروش السهل عموما عروشا مسالمة وخاضعة للسلطة المركزية وكان عليها أن تواجه ضغوطات مختلفة أضعفت العلاقة مع الأرض أو ما أسميناه : التشكل الت اربي عبر الأرض. من هذه الضغوطات المختلفة نذكر: العسف الجبائي ممثلا في الحضور المباشر للمحلة واقامتها في السهل في أثناء الرحلة الصيفية ببو زديرة شرقي سوق الخميس .

51

إضافة الى ذلك يمكن ذكر الحروب الج ازئرية التونسية حيث كانت العلاقة بين بايات تونس ودايات الج ازئر متوترة طيلة الفترة الحديثة ثم الغا ارت المتكرّرة لعروش الجبالية على السفوح والسهول. كل ذلك في غياب شبه كلي للمدينة وبالتالي ضعف حضور البايليك الأمني والإداري المباشر في الت ارب.

حدّت هذه الظروف وغيرها من م اركمة الثروة والخبرة ومن تملك فعلي للمجتمع لمجاله. لكن وخلافا لبلاد باجة وماطر يعتبر تملك المجتمع المحلي بروافده القديمة والجديدة أقوى يظهر ذلك من خلال كثافة التعمير في الفترة الحديثة والإستيعاب السريع للوافدين الجدد على المجال لا كمجموعات قبلية متماسكة ولكن كعائلات متفرّقة تنتشر على امتداد السهل بشكل مشتت وحول محاور المجاري المائية. أمّا النفاذ إلى الأرض فكان نسبيا متاحا عبر أنظمة قانونية مختلفة سواء منها بيع قوة العمل)الخماسة( أو الك ارء او المغارسة. تمتد أ ارضي البايليك أساسا في " مرجى العيدودي" و"هنشير الزوام" في دخلة بوسالم وهي أ ارض في عمق السهل ضعيفة الإنحادر وميّهة بقيت ملكية سامية للباي ومرّ البعض منها على سبيل الهبة إلى أعوان القصر ورجال دولة الباي مثل خي ارلدين باشا و الذي كن يملك ق اربة 3000 هك في هنشير المرجى. يفسّر أحمد القصّاب ضعف امتداد أ ارضي البايليك على كامل السّهل وتملك السكّان المحليين لغالبية الارض في سهول الرقبة )غار الدماء( والدخلة )بوسالم وجندوبة( بالبعد عن العاصمة وغياب المدن وحتى القرى. كما يقلل من شأن إمتداد نظام الخماسة في هذا الت ارب مقارنة ببلاد باجة وماطر بحكم ضعف تأثير العائلات الحضرية والتي يقيم أغلبها بتونس وباجة. يملك بعض الفلاحين من باجة مساحات شاسعة في بوسالم إلى اليوم، والأرجح أنّ هؤلاء أصولهم محلية لكنهم إستقروا مبكّ ار بمدينة باجة بحكم أنها المدينة الوحيدة واضحة المعالم في الإقليم .

أما عن الإستعمار الزارعي فقد اتبع خريطة توزع الملكية الزارعية للبايات فكان امتداده أقوى في بوسالم من جندوبة وغا ارلدماء، كما استغل ما اعتبر أرضا مواتا في عمق السهل بما توفر من مكننة غيرت نوعيا من تمثل استغلال السهل ،ثم طوّر آليات جديدة للمضاربة العقارية أضعفت من قدرة المجتم ع المحلي على الصمود امام ضغوطات و/او الاغ ارءات التي مارسها المعمرو ن وبدا ان المجتمع المحلي اقل قدرة على الاحتفاظ بالأرض وبذلك تنامى الرصيد

52

العقاري الإستعمار ي تدريجيا. يشير بونسيه Poncet الى أن الإستعمار الزارعي كان معنيا في البداية باستغلال ساحل بن زرت ومحيطها وأن الإهتمام بسهل جندوبة جاء لاحقا62. رغم هذه القطائع التاريخية على مستوى تملك الارض، بقي الت ارب منفتحا على المبادلات في اتجاهات عدّة وهو ما كرسته الاسواق ودورها في علاقات تشبيك الت ارب.

2. تشكيل التارب عبر السوق

يمثّ ل السو ق، بما هو مؤسسة ومجال وشبكة تبادلية، عامل تشكل ت اربي حاسم من عدّة أوجه منها: الاندماج والاستقطاب والانفتاح وتثمين الموارد المحلية. مثل السوق بنظرنا عامل تشكيل تاربي من القاعدة ربط أج ازء المجال ببعضها البعض وكذلك فقد ربط المجال والإقليم بالأقاليم الأخرى. يقوم الاقتصاد المعاشي في تونس الحديثة على نظام مبادلة réciprocité وعلى شبكات تبادل إقليمية أسبوعية موسمية وسنوية. تؤمّن هذه الشبكات التخزين الدوري للمواد الأساسية )العولة( في ظلّ بنية اجتماعية مجالية عشائرية ومجال ممتد يضعف فيه الاستق ارر لصالح الانتجاع الدوري. ويكاد هذا الاستق ارر ينحصر في شمال البلاد وشرقها63.

يتميّز المجال الاقتصادي التونسي في الفترة الحديثة بنوع من التخصص الإقليمي انفرد فيه الشمال بإنتاج وافر للحبوب والساحل بإنتاج الزيت وواحات الجنوب بإنتاج التمور والوسط السباسبي بمنتوجات تربية الماشية وخاصة الأصواف التي كانت تغذي صناعة النسيج بمدن الساحل وتونس. ولقد كانت وظيفة الاسواق هي المبادلة واعادة توزيع الإنتاج وتأمين المعيش. هذه الوظيفة ربّما كانت أكثر تواصلا وانتظاما في المدن لكنّ إنتظامها وتواصلها في الارياف هو حصيلة توافق وتواصل بين الفاعلين القاعديين وهو أيضا حصيلة تعايش مع علاقات الهيمنة التي فرضت على الت ارب. لقد أمّنت هذا الدور قبائل وعشائر الوسط التونسي أنّا كانت علاقة المجتمع القبلي في دواخل البلاد مع دولة البايات. ورغم حالة الممانعة التي كانت تبديها بعض القبائل أمام الدولة فقد كان هناك نوع من التوافق على تأمين التبادل. وكان

Poncet J.1962 Paysages et problemes ruraux en Tunisie. PUF Paris.

Henia (A.),2000,"Réseaux d'échange des subsistances dans la Tunisie de l'intérieur et territorialisation aux

18ième et 19ième siècle". In : Ville et territoire au Maghreb. Itinéraire de recherche. Cahier de l'IRMC n°1,

pp.212-.412

53

مرور المحلة فرصة لانتظام شبكات تبادل وقيام أسواق كبرى سنوية في مكان الإقامة المؤقّتة للمحلة وعلى هامش رحلتها الموسمية. يكفل حضور المحلة المباشر الحدّ الأدنى من الأمن لتنظيم الاقتصاد وتكوين المدّخ ارت الغذائية السنوية.

إحتضنت سهول حوض مجردة الاوسط واحدا من إثنين من هذه المعارض السنوية وهو سو ق "ب و زديرة "65على مقربة من الموضع الحالي لمدينة بوسالم )قرب نقطة مياه ومقام لولي صالح(. يدوم هذا السوق الكبير أسابيع عديدة يجتمع فيه البدو؛ التجّار؛ والحرفيون القادمون من كلّ الجهات كما تحمل إليه قافلة الجريد التّمور والأصواف التي تغذّي صناعة النسيج بمدينة باجة. ويذكر المؤرخ محمد الصغير بن يوسف الباجي67 كيف ينتقل نسّاجو وخيّاطو باجة لهذا السوق الكبير ويقيمون فيه كامل مدّته ويخيطون الثياب ويتزوّدون بمدّخ ارتهم الغذائية التي تغطّي إحتياجاتهم على مدار السنة. اختفت هذه الأسواق السنوية مع بداية القرن التاسع عشر وع وّضتها أسواق أقل حجما وأكثر توات ار في الزمن ينتظم أغلبها أسبوعيا. ارتبط هذا التحوّل بتطوّر حجم مارقبة الدولة للمجال وبمسار تشكل ت اربي حثيث لهذه الدولة. لقد أشرك الجهاز السياسي والعسكري التركي نخبة هامة من الأعيان والشيوخ في جمع الفائض والانتفاع المشترك به عبر صيغ مختلفة من عقود اللزمات. ع زّز هذا المسار الحضور المباشر للدولة أو رموزها المحلية من شيوخ وق يّاد داخل المجالات المحلية وساهم هذا في تواتر فت ارت التبادل التجاري وانتظام دوريتها. وتواصلا لذلك التوافق الإقليمي السابق من حيث اختلاف توقيت الأسواق السنوية بما يكفل المبادلة والتداول ظهر توافق محلي واقليمي قاعدي قسّم أيّام الأسبوع الواحد بين أج ازء الإقليم الواحد. هذا التداول بين أيام الأسبوع يتيح تواصل الوظيفة التجارية في الزمن مع تحرّكها في المجال. وستكون لذلك تأثي ارت حاسمة في الحاضر، حيث سيورث تقاليد تعدد نشاطي تجمع بين النشاط الزارعي والنشاط التجاري )بعد تهيئة المناطق السقوية في الفترة المعاصرة.(

65 Hnia Abdelhamid op cit. p213

54أ- السوق الأسبوعية كنواة لعودة المدن لسهل جندوبة

تلاشت الشبكة الحضرية القديمة في سهول حوض مجردة الأوسط ولم يبق في الإقليم أكمله سوى مدينتين هما من صنف المدن القلاع المحصّنة: باجة والكاف. كانت هذه السهول تعيش في ظل استقطاب لهاتين المدينتين، استقطاب اقتصادي-سياسي لمدينة باجة كمركز م ارقبة واستقطاب يمكن أن نسمّيه "روحي- ديني" بمدينة الكاف تحديدا للطريقة الرحمانية. ومعلوم أنّ هذه التأثي ارت الصوفية الدينية قد كان لها دور كبير وقاعدي في تنظيم المجال الاجتماعي وكانت تغذي تحرّكات دورية أشبه بالحج وتصحب هذه التحرّكات تيا ارت مبادلة تجارية وأسواق موازية في إطار ما يعرف بـ «الزردة" )مهرجان للأولياء الصالحين(. ما يعنينا هنا، وفي سياق فرضية التشكل الت اربي عبر السوق أو المبادلة، هو أنّ هياكل ومجالات المبادلة في سهول حوض مجردة الأوسط وفي غياب المدن أو القرى ظلت ريفية سواء كانت أسواقا أسبوعية أو موسمية.

انتشرت هذه الأسواق الأسبوعية في المجال في علاقة مع الخريطة القبلية الكبرى واستجابة لتشتت السكن في السهل، فما الذي يفسّر اختيار مواضعها؟ ما يلفت الانتباه هو أن مواضع هذه الأسواق التاريخية لا تتناسب مع معالم أثرية واضحة أو مقامات لأولياء صالحين أو نقاط مياه عذبة، وانّما احتلت هذه الأسواق عمق السهل. كلّ شيء يجيل على هامشيتها أي أين تركد المياه لمدّة طويلة في السنة وأين تخرج المياه عن أسرة الأودية بشكل مت واتر، لا شكّ أنّ هذه المواضع الوسيطة تتيح نفاذية أوسع لسكّان السهل وكذلك سكّان السفوح والجبال العامرة المجاورة بما يغطّي أوسع مجال نفوذ لهذه الاسواق. ولكن من الأكيد أنّها امتدت في ف ارغ تعميري نسبي ومجال ضعيف الاستغلال هذا ما يبرر فرضية التحييز لهذه المواضع وهذا ما يطرح المشكل العقاري بقوّة في تركيز هذه الأسواق.

خلافا للمشهد الريفي الحالي كان عمق السهل في الفترة الحديثة مجالا هامشيا تمتد به المروج والمستنقعات ويتعاطى فيه الرعي أكثر من الزارعة الدائمة. إذا كان هذا لا ينسحب على كامل عمق السهل فعلى الأقل يهم أج ازء كبيرة منه )المرجى مثلا( .لا يسمح نظام الملك الزارعي الفردي السائد للأرض الزارعية من قبل السكّان المحليين ومع غياب مفهوم الملك

55

العمومي المرتبط عادة بالمجالات الحضرية، لا يسمح هذا داخل ت راب ريفي بالكامل أن " تحتل" الأرض من أجل نشاط تبادلي أو حرفي دائم أو ظرفي. وحتى البنية القبلية التي تشرع لهيمنة الجماعي على الفردي، والتي يمكن أن تقتطع من الملك الفردي لإقامة هذه الأسواق ،تلاشت في هذا الإقليم في هذه الفترة كما بيّن ذلك كلّ من محمد الهادي الشريف وعبد الحميد هنية في مقالين منفصلين حول ملف جبائي يهمّ قبيلة أولاد بوسالم يعود إلى سنة 1740م71.

إذا احتلت هذه الأسواق مجالات هامشية من الوجهة الزارعية داخل السهل، وصيغها العقارية تجعلها ضمن الم ارعي المشتركة أو الملكية السامية للباي.

هذه الأسواق بنيتها الأساسية ضعيفة وهشّة وشبكة الطرقات التي تربطها بباقي المجال هشّة أيضا. لم يكن المجال الت اربي يواجه نقصا في الأرض الزارعية ولذا لا يطرح توطّن هذه الأسواق مشكل استغلال للمجال بقدر ما يهم المشكل تملك هذا المجال.

صورة عدد5 : مشهد عام للسوق الأسبوعية بـ"سوق الخميس" )بوسالم(وسوق الأربعاء)جندوبة( في بداية القرن العشرين.

هذه الأسواق الريفية ستكون النواتات الفعلية لظهور المدينة من جديد ومعها الشبكة الحضرية خارج المواضع القديمة. ستمنح هذه الأسواق اسمها لقرى السهل والتي تحوّل بعضها إلى مدن مع الفترة الاستعمارية. فإميل فيولار) وكان م ارقبا مدنيا( عندما يتحدث عن "سوق الخميس" في 1905)مدينة بوسالم حاليا( يقول " قرية صغيرة حديثة النشأة" وعند ذكره لسوق "الأربعاء" )جندوبة( يقول" : عند قدومنا لم نجد سوى فندق وبعض البيوت من الطوب".

71 هنية عبد الحميد,1982"الملكية والاسرة عند بعض القبائل التونسية في بداية القرن الثامن عشر" في: كراسات تونسية عدد 121-122. ص

.185-171

Chérif Mohamed-Hédi « Document relatif à des tribus tunisiennes des débuts du XVIIIe siècle ».

in : Revue de l'Occident musulman et de la Méditerranée , Année 1982, Vol 33, N° 33, pp. 67-87.

56

ستبدأ التحولات العميقة الفعلية مع مشروع بناء السكة الحديدية بين أفريل 1877 ومارس 1880. سيخترق خط السكة الحديدية المنطقة الوسطى من السهل بشكل خطي مواز ي لمجرى وادي مجردة. لقد طرح المشروع بقوة المشكل العقاري حيث يفترض أن تتم عملية انت ازع الأ ارضي اللازمة للمشروع. تم الاتفاق بين شركة بون قالمة المنجزة للسكة الحديدية مع سلطة الباي على انت ازع مساحة على مسافة عرضها 8 أمتار على طول الخط، تتسع على مستوى المحطات إلى 50م، على أن تعود الأرض بعد انتهاء الأشغال إلى سلطة دولة الباي .

و يرد في تقرير مهندس المعادن بالدولة التونسية في ماي 1879 :" الحاصل فاني أتشرف بأن أقدم لجنابكم الرفيع .. الموافقة التامة على الخط المتعلق بالطريق الكائن بين محطة سوق الخميس وسوق الأربعاء ماعدا بقي الحقوق في شأن ما يتعلق بأماكن المرور المتساوية وثانيا تسليم الأارضي اللازمة لبناء الطريق مقتضى ما مبين بالخطوط المتضمنة بالشروط فإنّ الأارضي التي تؤخذ زيادة والتي تحتاجه الشركة لمدة مباشرة البناء فإنها ترجع للدولة بعد ذلك.." هذا الحرص على تحديد مسافة الإنت ازع من قبل دولة الباي والشكاوى العديدة التي يتضمّنها ملفا الأرشيف المذكورين يدلون على حدّة المشكل العقّاري وصعوبات تشكّل مجالات مركزية قائمة على فكرة الملك العمومي في تلك الفترة ونجد في الوثيقة العش رين من نفس الملف إذنا من الباي لشركة السكّة بالبدء باستغلال " الأرض الموات" وهي عموما الأ ارضي المنخفضة نسبيا في عمق السهل وهي الأ ارضي التي اتخذت منها الأسواق الأسبوعية مجالا

لها .هذه الأ ارضي المنخفضة والهامشية في السهل ستتحوّل بفعل الأسواق أولا ثم السكّة

الحديدية ثانيا إلى مجالات مركزية. اتخذت هذه المجالات شكل القرى في البداية ثمّ سرعان ما ستتخذ صفة المدينة بارتقائها إداريا إلى رتبة بلدية في 1887 بالنسبة لسوق الأربعاء وفي 1905 بالنسبة لسوق الخميس.

لقد كان للسكّة الحديدية دور مهم في التشكل الت اربي لكنّه يبقى دوار ثانويا مقارنة مع الأسواق الأسبوعية والدليل على ذلك أنّ محطّتي "سيدي اسماعيل" و"بن بشير" اللتين أضيفتا إلى مشروع مد السكة، لم تنجحا في تحويل تلك الامكنة إلى م اركز فعلية. وتعبر الأسواق عن شكل جديد للتشكل الت اربي داخل البنى الإجتماعية المجالية القبلية السابقة. يرى محمد علي الحباشي أن أسماء الأماكن مثل "سوق" " ازوية" "دشرة" "دوار" "دار" "مركز" قد كانت مقدمات

57

" القطع في المخيال الجماعي مع الماضي القبلي" ليصبح التعلق بالدشرة الجديدة المحاذية للمدينة بديلا للتعلق بالبادية موطن القبيلة75. لكن السكة الحديدية ستحمل معها تحديا لحركة المبادلات التقليدية على نحو يصفه جون بونسيه كالتالي76: " لم تعد قوافل العمال الموسميين او النقالين البدو ترفع المحاصيل وتجلب الى الأسواق المحلية منتوجات الصناعة التقليدية أو البضائع الإستهلاكية العادية كالتمور والزيوت و الأقمشة والأدوات. لم تعد للأسواق الدورية تلك الأهمية التي إكتسبتها في السابق كمسرح للتبادل والتلاقي. لقد أصبحت السكة الحديدية

والطريق تؤمن التصدير المباشر للحبوب إنطلاقا من مخازن الحبوب التعاضدية أو الخاصة.."

صورة عدد6: محطة القطار تهيكل المجال الحضري بسوق الأربعاء )جندوبة( كنواة مركزية للتعمير.

لم تنجح المدن الناشئة حول السوق ومحطّة السكّة الحديدية في جذب السكّان المحليين إليها ولا حتى المعمّرين الذين فضّلوا الإستق ارر بضيعاتهم أ واختاروا نمطا تغيّبيا يديرون فيه ممتلكاتهم عن بعد ويمارسون هواياتهم وحياتهم المدنية خارجا خاصة في تونس أو في المدن الساحلية كبنزرت و"فيري فيل ")منزل بورقيبة(77. ظلت هذه المدن ضعيفة ديمغ ارفيا وهشّة من حيث بنيتها الأساسية كما واجهت مشكل التزوّد بالماء الصالح للش ارب فضلا عن مشكل الصرف الصحي للمياه حيث تتوحّل الأنهج والشوارع بما يعطّل الحركة تماما أثناء نزول الأمطار.

الحباشي، محمد علي 2006، العروش من النشاة إلى التفكيك. تونس ص 102.

Poncet J. op cit p38

Poncet (J.),1962 Paysages et problèmes ruraux en Tunisie. PUF. Paris, p.62.

58ب- الأسواق الأسبوعية وتنظيم المجال

لكل سوق أسبوعي مجال نفوذ يغطيه عبر شبكة شعاعيه من الطرقات والمسالك الريفية79. ويسمح التداول بين الأسواق/ الأماكن على أيام الأسبوع بنوع من تنظيم المجال العام يوحي بالاندماج الافقي80 ، حتى أنه يمكن القول و في سياق تحديد ميدان الدارسة ومن باب الفرضية أن التارب بسهول حوض مجردة الأوسط هو مجموع مجالات نفوذ الأسواق الأسبوعية التي تتداول على أيام الأسبوع الواحد في ظل غياب تواصل نفوذ مجالات مركزية حول مدن او قرى عبر الزمن باستثناء باجة شرقا او الكاف جنوبا.

جدول عدد 4: توزيع الأسواق الأسبوعية بسهول حوض مجردة الأوسط

أيام الأسبوع الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد

القرية أو المدينة وادي مليز غار الدماء جندوبة بوسالم سوق الجمعة سوق السبت فرنانة

لكن السكة الحديدية ومن بعدها الطريق الرئيسي الموازي لها والذي يربط الاقليم بالعاصمة قد أضعفا من بنية هذا التنظيم الشعاعي للمجال لصالح تنظيم خطي دعّم مجالات مركزية قروية ثم حضرية حديثة النشأة ونقل مركز الثقل البشري والاقتصادي من السفوح إلى عمق السهل .وبقي دور الأسواق التي تقع خارج المحور الرئيسي )شرق/غرب( في تنمية الأرياف التي ترتبط بها ضعيفا بل ظل تطورها ضعيفا وبطيئا رغم احتفاظها بثقل بشري هام في المجال الريفي المحيط بها والمستقطب من خلالها )حالة سوق السبت أو سوق الجمعة مثلا(.

هذا التنظيم الخطي للمجال سيجد تعبيره في تخطيط المدن الناشئة والتي تغيب فيها نواة تاريخية قديمة حية مندمجة مما يعطي الملمح كمجال عبور )وهي فعلا كذلك بوجه من الوجوه(. يقول جون بونسيه في وصفه لهذه المدن: «وهي ليست سوى مكان للمستودعات وللعبور.. أنهج طويلة قفارء غالب الوقت ، و لا تهيكل مؤسساتها أو أنشطتها"81. ومن حيث

محتواها الاجتماعي يقول بونسيه:" كانت نقاط تثبيت.. وغالبا مرحلة مؤقتة قبل المغادرة

Atlas Archéologique 1897. Feuille de Souk Elkhemis.

Belhedi A. 1992, L'organisation de l'espace en Tunisie. Production et reproduction de l'espace. PUT.

pp152-.851

Poncet J. 1962 op cit p61-62.

58

59

النهائية نحو تونس، لسكان ابعدوا عن سكنهم القديم، وهم احتياطي يد عاملة، نصفهم انقطعت جذوره ولم ينجح في الإندماج إلا في أنشطة مؤقتة."نفهم من خلال هذا التوصيف هشاشة الفاعل المحلي وعجزه عن تدعيم و تحويل هذه المجالات المركزية الجنينية الناشئة بما يمنحها دور الاستقطاب الاقتصادي والاجتماعي للمجال الريفي ) ذو الموارد الطبيعية المتنوعة و الغنية( وما يحقق الم اركمة و النماء. هذا ما يفسّر أيضا عجزها عن تثبيت الثروة )منع نزيفها خارجا دون عائد فعلي معّـوض( وتثميرها على عين المكان، أو على الأقل، التحول إلى قوة استهلاكية وازنة تحفز على تحويل أنظمة الإنتاج الزارعي خارج تقاليد ثنائية الحبوب وتربية الماشية الممتدة.

شهدت جندوبة وبوسالم سنة 1966 تغيير الإسم المرتبط بالسوق من "سوق الخميس" و"سوق الإربعاء" ويشكل ذلك مفارقة فعلية فالأسماء الإدارية الجديدة فيها عودة إلى أصول قبلية واضحة. وتكمن المفارقة في أن التوجه العام لإعادة بناء الت ارب الوطني في تلك الفترة قد قام على تجاوز مؤكد للمعطى القبلي بأقلمة إدارية جديدة غير مطابقة للأقلمة القبلية في الحدود أو الأسماء. هل إستجاب تغيير الإسم إلى رغبة في تفريد المنطقة بتمييزها عن يمكن أن تتكرر في أقاليم أخرى للبلاد، أم عبر عن رغبة محلية في تأكيد تجذرها التاريخي؟ ليس لدينا ما يؤكد هذا أو ذاك. إستمرت وظيفة السوق كأداة تشكل ت اربي حاسمة حتى بعد تغيير الأسماء الإدارية. هذا التغيير يمثل قطيعة ما في بناء الهوية الت اربية للإقليم ويعبر بوجه من الوجوه عن تحكمّ جديد في المجال مارسته الدولة الحديثة، كما يشر الى أقلمة جديدة ودور جديد للم ارقبة الادارية في إعادة تشكيل الت ارب عموديا أي عبر الترقية الادارية والتقسيم الت اربي الوطني.

3. التشكل التاربي عبر التحكم في المياه: قارءة في التارث المائي

الماء مورد ت اربي ذو وظائف واستعمالات متعددة. وبالنظر إلى كمية المياه ووفرتها على مدار السنة فضلا عن جودتها عموما في الت ارب المعني بالدارسة، نعتقد أنه "مورد خصوصي" حسب تصنيف برنارد بيكار للموارد الت اربية، جعل منطقة سهول حوض المجردة

60

الأوسط منطقة جذب وتعمير مبكر. لكن وجه المفارقة التاريخية يظهر في ضعف استعمال الثروة المائية وغياب تشكل مجتمعات مائية ممتدة ومتجذرة ت اربيا مثل ما هو الحال في الحضا ارت النهرية المعروفة تاريخيا أو في الواحات والمناطق الساحلية )كي نبقى في سياق المجال التونسي(. لقد بقيت الزارعة بعلية مطرية. وظل نظام الإنتاج الفلاحي عموما ي اروح بين الحبوب وتربية الماشية في مختلف الحقب التاريخية .كيف كان التمثل التاريخي لمجاورة ثروة مائية هامة؟ وما هو دور الماء في ربط العلاقة للسكان بمجالهم وبتملكهم له؟ هنالك حسب أرينا ثلاثة مداخل لق ارءة هذه العلاقة وهي: تطور نظم الإنتاج الفلاحي وعلم الآثار أو الت ارث المائي التاريخي والهوية الت اربية من خلال مساءلة الثقافة الشعبية الشفوية والتي تعكس التمثل الرم زي للماء وكيف ينعكس في ممارسة المجال )الانتاج واعادة الانتاج(. ما يميز السهل بحوض مجردة الأوسط هو ضعف الانحدار ويؤثر ذلك على خطّ سير المجاري المائية بكثرة التعرجات وتغيرها من حين لآخر بشكل نشط بفعل قطع حافات الأدوية. ولذا كان السكان عموما يتلافون المجاورة المباشرة لهذه الحافات. وتكونت لديهم خبرة تاريخية في اختيار الحافات المحدبة للاستق ارر بها وتلافي قدر الإمكان الحافات المقعرة. أما من حيث نظام الإنتاج الفلاحي فخبرة السكان التاريخية بمجالهم وطبيعة المناخ فيه والوضع الطوبوغ ارفي للسهل جعلتم ي اروحون بين تربية الماشية وزارعة الحبوب. ويواجه الر يّ هيكليا مشكل رفع الماء نحو القطع الزارعية.

أ- تارث مائي غني

يتوفر بسهل حوض مجردة الأوسط ت ارث مائي مادّ ي هام تلح مختلف المصادر الاركيولوجية على نسبته إلى الفترة الرومانية بحيث يصعب التميز فيه بين التأثيارت الحضارية المختلفة التي تعاقبت على الإقليم ولكننا ننظر إليه كم اركمة ت اربية لخبرة تاريخية طويلة في التعامل مع الوسط الطبيعي وخصوصياته المختلفة دون ان ننكر أهمية المؤث ارت التاريخية الرومانية. ولقد اعتمدنا في رسم خريطة الت ارث المائي الروماني بسهل حوض مجردة الأوسط على د ارسات أركيولوجية انجزت في مطلع القرن العشرين وقامت بجرد دقيق نسبيا لمختلف الآثار المائية

60

61

من بول غوكلار والدكتور كارتو ن والأطلس الاركيولوجي مع الاستئناس بد ارسة أحدث نسبيا لبيربانت حول التهيئة المائية الرومانية بالش رق الج ازئ ر ي.

خريطة عدد5: التارث المائي بسهل جندوبة

صورة عدد7: حنايا رومانية لتزويد مقاطع الرخام بشمتو )علوي س.(

62

تتنوع الآثار أكثر في المرتفعات وعند أقدام الجبال وتقل في عمق السهل، هل يعني هذا أنهذا الاخير لم يخضع إلى أي تهيئه؟ ألم تكن هنالك محاولات لصرف المياه من الأ ارضي الزارعية ولرفع الماء من المجاري المائية نحو القطع الزارعية؟ ألم يكن هناك تحويل للمياه من السفوح نحو السهل بغرض الري وغيره؟ هل كان عمق السهل وسطا لركود المياه وانتشار المستنقعات على مر التاريخ أم أ ن ذلك هو تطور جيومورفولوجي مناخي حديث؟

نق أر في المصادر الاركيولوجية التالي " يعتبر ركود المياه على مستوى جنوب مدينة بلاريجيا الأثرية تدهوار جديد للوسط الطبيعي فهذه الأماكن تستقبل مياه العيون العديدة على مستوى جبل "ربيعة" والتي خضعت إلى تهيئة مبكرة في العهد الروماني بغرض الري والتزود بالماء الشروب". اذن فان تلاشي التهيئة المائية على مستوى العالية هو ما يفسر التدهور على مستوى السافلة أي في عمق السهل. نفس ال أري يذهب اليه الباحث في الأركيولوجيا والطبيب دكتور كارتون من أن امتداد المستنقعات على مستوى هذا الموضع هو تطور حديث ويستبعد مجاورة مدينة بحجم مستعمرة بلاريجا في العهد الروماني لمنطقة رطبة م يّهة بذلك الامتداد التي تظهر عليه في بداية القرن العشرين وقبل أن تخضع إلى عمليات صرف في الفترة المعاصرة. ولكن الكاتب يربط ذلك بتطور عملية الترسيب الغريني لمجردة على حافاته ،وهو ما يخلف حواجز فعلية أمام صرف المياه في المنخفضات والتي تبقى محجو زة بين مخاريط النشر والغرين المرسب على حافات الأودية .

في الواقع، كان هنالك تلازم كبير بين التهيئة على مستوى العالية وعلى مستوى السافلة. ويبدو أن تلاشي التهيئة وغياب الصيانة على مستوى العالية في السفوح المجاورة وعند أقدام الجبال قد قاد إلى تدهور حثيث للوسط الطبيعي في السهل. لقد قامت هذه التهيئة على مستوى العالية في السفوح المجاورة والجبال على تقنية المصاطب والتشجير وعلى حصر العي و ن وكسر عنف السيلان في المجاري المائية عبر السدود الصغيرة. ويبقى التحكم الكامل في الموارد المائية المتاحة عملية مستعصية بحكم التباين الفصلي الشديد لتوزيع الأمطار

63

وبالتالي لمناسيب العيو ن وتدفق المياه وقوة السيلان السطحي. يقول فرنسوا بونيارد " إذا أخذنا بعين الإعتبار التبخر الذي تتسبب فيه الرياح الكبرى نفهم كيف أن كمية المياه التي تنفذ إلى الباطن والتي هي ضرورية للنباتات ولتغذية العي ون هي نسبيا ضعيفة مقارنة بالكمية التي تجرفها السيول .هذه الكميات هي غير ذات جدوى بحكم سيلانها الفوضوي. ولذلك فخدمة الأرض أو التشجير هي وسائل غير كافية لضبط السيلان في بلاد تكون الانحداارت وعنف التساقط سببا في دفعه إلى حده الأقصى " . بهذه العبا ارت يصف فرنس وا بونيارد طبيعة السيلان وصعوبة التحكم فيه فالتهيئة المائية كان عليها أن تواجه مشكلات عدة منها التباين الفصلي الحاد لمناسيب العيون والسيلان والتصرف في الموارد المائية ال ازئدة عن الحاجة في الموسم الممطر فضلا عن ضرورة الصيانة المتواصلة المرتبطة ضرورة بالاستق ارر والتجذر الت اربي للساكنة. لهذا تمحورت المنشآت المائية عند السفوح وأقدام الجبال أساسا حول أشكال حصر العيون لضمان التزود الدائم بالماء الصالح للش ارب ثم يأتي الري في درجة الثانية ولم يتصدّر الاولوية في التهيئة التاريخية وفي انماط تملك المورد المائي. وكلما اقتربنا عن الم اركز الحضرية) بلاريجا أو سيميتو( تبدأ في الظهور أشكال أكثر تعقيدا وصلابة وديمومة من المنشآت المائية بغرض خزن الماء ونقله كالخ ازنات والمواجل الكبرى والحنايا والسدود الصغيرة كما تكشفه خريطة الت ارث المائي أعلاه.

كل الأودية مهما تفاوت أهميتها تملك هذه الخاصية بتغير الإسم م ارت عديدة ولا تحتفظ بشخصيتها المتميزة واسمها الا عند السافلة… بالنسبة للأهالي كل تسمية تشير إلى وحدة مجالية منفردة فهم يمي زون مثلا "وادي الغ ازلة" عن "وادي بوهرتمة،" "واد ال ازن" عن "واد المالح ."يمثل تغيير أسماء المجاري المائية على هذا النحو الملفت للانتباه وضمن مسافات قصيرة مدخلا جيدا لفهم أنماط تملك المورد أو التشكل الت اربي عبر الماء. ففي مجال كثيف وقديم التعمير والذي جمع أصولا وتشكيلات اجتماعية متغايرة مثل المجال المدروس .يعبّر تغيير

المسميات عن تقاسم لتملك المجرى بين السافلة والعالية وبين الجماعات المحلية المتجاورة، إن لم يكن تملكا فعليا فهو تملك رمزي يثبت الحق في الموارد لدى الذهنية الجماعية ويصبغ عليه تفردا وخصوصية تجعل منه جزءا لا يتجأز من تارب المجموعة السكانية المتوطنة

والمكان أو البلد. وكما يتغير الاسم في المجال يتغير أيضا في الزمن فلا أحد من الأسماء

64

الحالية للأودية في حدود اطلاعنا يحمل نفس الاسم الذي كان يحمله في الفترة الرومانية.

فبغردا أصبح يسمى مجردة وهكذا. يعبر تغيير الاسم في الزمن عن إعادة تملك للمورد لدى المجموعات المحلية المتساكنة. ما هي خصائص المنشآت المائية الت ارثية في السهل؟

لا نملك صورة كاملة عن طبيعة التهيئة المائية القديمة في السهل فالد ارسات الاركيولوجية المذكورة تؤكد على تلاشي جزء كبير من الت ارث المائي في السهل. بعض هذا الت ارث تلاشى بفعل الزمن وغياب الصيانة بفعل تغيير "التشكيلة الاجتماعية المجالية" وتغيير نظم الإنتاج وأنماط الاستق ارر لكن الجزء الأهم تم التفريط فيه أثناء أشغال مد السكة الحديدية ال اربطة بين تونس وغار الدماء92 والتي تم وصلها مع الحدود الج ازئرية في الفترة بين 1877 و1880. نق أر في الملف الارشيف الوطني93 م ارسلات رسمية مع سلطة الباي حول استعمال "خ ارب روماني "لأشغال السكة بين سوق الخميس وسوق الاربعاء )الوثيقة 29( ونق أر في الوثيقة 55 و57 معارضة مسلحة للأهالي في منطقة "حمام الد ارجي" )بلاريجيا( لعملية أخذ الحجارة من الأثر المذكور دامت من 25 الى31 أكتوبر 1879 . وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من المواجل يصل ارتفاعها إلى3 أمتار )الوثيقة 57(. ولا يمكن أن نفهم موقف الأهالي بسهولة من رفض عملية استغلال الآثار الرومانية في أشغال بناء السكة الحديدية، حيث يصعب تمييز "الرّمزي" من "الواقعي" في هذا الموقف. ولكنه على كل حال يعبر عن تملك ت اربي يثبت الحق للفاعل المحلي فيما يتمثله كمورد متملك.

نعلم أن بعض المنشآت المائية الرومانية تحولت وظيفتها في الفترة الحديثة والمعاصرة فأصبحت مثلا خ ازنات للحبوب94 و نعلم أيضا، وبالنظر إلى التكوين الجيولوجي للمنطقة الوسطى من السهل كوسط غريني، أن الحجارة تكاد تنعدم ويعتمد السكان في البناء أساسا

Gharbi. Md L. 1994, Impérialisme et réformisme au Maghreb. Horizon Maghrébins, CERES. Tunis p200-

211.

الأرشيف الوطني، السلسلة التاريخية حافظة 237 ملف 518: سكة حديدية: انتزاع الأراضي مع دفع التعويضات لمالكيها لمد سكة حديدية بين تونس-غار الدماء من طرف الشركة عنابة) 81 وثيقة(.

– نقرأ عند شارل تيسّو جرده الاركيولوجي للطريق الرومانية بين قرطاج وعنابة في 1897لتالي: إن السكة الحديدية التي س تبط قريبا توس بالشبكة الجزائرية تتبع في مسارها الغالب سهل مجردة )بغردا البونيقي(. ولقد قادت أشغال البناء الى اتلاف او تهديد آخر الآثار للمدن القديمة التي تمتد على ضفاف الوادي" ص 1

Tissot Ch, 1879Le Bassin de Bagrada et la voie romaine de Carthage à Hippone par Bullaregia.Imp.

Nationale. Paris.

94 انظر خريطة الكاف مثلا في الجرد الذي يقدمه فريق غوكلار ص 203

64

65

على الطين المجفف أو الطوب وربما كان من أسباب معارضة استغلال حجارة الأثر المذكور في مد سكة الحديد الحاجة الملحة إلى الحجارة في وقت بدأ السكان يتوجهون نحو الاستق ارر والتخلي تدريجيا عن الخيام. ونجد في ملف الأرشيف المذكور م ارسلات مع الباي، هي عبـارة عن شكاو ي لأهالي أولاد بو سالم من أن الشركة المنجزة لأشغال السـكة "تقتلع الحجارة من هناشيرهم دون رضاهم" (وثيقة 14و15(.

هكذا يصعب تتبع ملامح صورة واضحة عن طبيعة المنشآت المائية القديمة في السهل وعن طبيعة الت ارث المائي عموما. ومع ذلك يمكن القول من خلال ما هو متوفر من المعطيات ومن خلال ق ارءة المصادر الأركيولوجية المذكورة والخريطة التي أمكن لنا إنجازها التالي :

كلما امكن استغلال المائدة المائية وحسب مدى قربها من السطح ودرجة ملوحتها يكون البئر هو المنشأة القاعدية . يحمي الشكل الدائري وغياب الزوايا المنشأة المائية من تغيير حجم الدفق وبالتالي يضمن لها ديمومة في الزمن. وهذه الآبار هي على ثلاثة أصناف: الآبار التي تستغل الموائد السطحية والآبار التي تستغل الموائد العميقة والآبار السطحية التي تستغل في المنطقة الغرينية les inféro flux.

نلاحظ من خلال خريطة التارث المائي أعلاه أشكالا أكثر تنوعا وتعقيدا للمنشآت المائية القديمة أو الرومانية. تعتبر المواجل citernes والخ ازنات الصغيرة أكثر المنشآت انتشا ار و لكنها تميل إلا أن تحتل الأماكن الأكثر ارتفاعا والتي توفّر أرضية أكثر صلابة ومحافظة على نوعية المياه وجودتها وحرصا أيضا على جعلها بارزة للعابرين. هذه الخ ازنات هي عديدة ومتنوعة بعضها مفتوحة والأخرى مغطاة. هذه المنشآت سواء تعلق الأمر بالآبار أو حصر العيون أو الخ ازنات تبقى نقطية وموضعية. تشير الخريطة أعلاه إلى منشآت عديدة ومتنوعة لحصر المياه ونقلها. هذه المنشآت هي عبارة عن سدود صغي رة نجدها أساسا على الأودية على الضفة الشمالية لمجردة والأقل ملوحة )كساب، رغّ اي(. وتظهر في الخريطة بعض الأج ازء من القنوات أو الحنايا aqueducs يشير اتجاهها إلى نقل للماء من منطقة دجبّة )حاليا( وهي مكان معروف بغ ازرة عيونه الكارستية وبساتينه يقع جنوب ب وسالم على الطريق نحو تبرسق. أنشئت هذه القنوات الضخمة لتزويد الم اركز القروية والضيعات الخاصة. تظهر

66

هذه القنوات في الضفة الجنوبية لمجردة في مجال غير حضري و بعيدا عن المركز القروي"لسيدي إسماعيل" Avensis وتتجه نحو منطقة "المرجى" )حاليا( وهو وسط ذو ملوحة عالية نسبيا لمياهه الجوفية والسطحية بحكم وجود طبقة جبسية ممتدة. نستطيع أن نؤكد أن هذا النقل للماء هو ريفي وليس حضريا، على الأقل في هذا الجزء من الت ارب. هل يخدم هذا النقل غرض الر يّ؟ تقتضي الموضوعية العلمية الحذر في هذا الجانب، فأغلب الأدبيات التاريخية التي اهتمت بالت ارث المائي تؤكد إعتمادا أساسا على أعمال كارتون وغوكلار أن التهيئة المائية الرومانية هي أساسا تهيئة حضرية. لا يسعنا إلا القول بإمكانية خدمة نقل المياه لأغ ارض متنوعة منها الري حتى ولو كان محدودا. هذه الحنايا أغلبها مغمور تحت أرضي وهذا إذا كان يحمي المنشأة من التخريب فهو أيضا يقطع الطريق أمام محاولات الربط معها أو النفاذ إلى الماء من قبل الجوار

هذه المنشآت لنقل المياه هدفها الأساسي التزود بالماء الصالح للش ارب ولكن ذلك لا ينفي بحال تعدد استعمالها وخاصة للري وكذلك الاستعمالات الحرفية كصناعة الخزف وغيرها خاصة في شمتو أين لات ازل الشواهد على الحنايا قائمة الى اليوم وتطبع المشهد والتي كانت تزود اساسا مقاطع الرخام. وتظهر للماء أيضا وظائف جمالية وقدسية كاستعماله للنافوارت nymphes. تدل أهمية هذه المنشآت المائية من حيث العدد والتوزع المجالي ومواد بنائها على كثافة التعمير وتعبر عن منظومة مائية ت اربية متكاملة لتعديل توزيع المورد المائي في الزمن والمجال كما ونوعا. ويبقى النفاذ إلى المورد متاحا للمجتمع المحلي وللعابرين لكنه مرتبط من حيث جودة المياه ووفرتها بموازين القوى الاجتماعية المتفاوتة داخل الت ارب. يؤكد بيربانت .Birbent J، الذي درس المنشآت المائية بالشرق الج ازئري في مجال قريب من مجال الد ارسة، على حرص ال رّومان على تثبيت السكان عبر إدماجهم في الأشغال المتعلقة بتعبئة المياه وتمكينهم من النفاذ إلى المورد. يقول: " لم يكن العمل يطرح مشكلا حين يكون الهدف الأساسي هو الماء الوفير والدائم من أجل تثبيت السكان والذين تدفعهم قلته نحو البداوة".

67

اذن ،ما الذي يفسر "عودة" البداوة بقوة في الفترة الوسيطة والحديثة؟ لماذا غلبت تقاليد البداوة على تقاليد الاستق ارر فتلاشت معها المنشآت المائية وأغلب مظاهر الاستق ارر والتجذر الت اربي؟

في الواقع، يمكن القول إن ما تلاشى هو منشآت النقل وليست المنشآت الموضعية فهذه

الأخيرة بقيت مستغلة لكن مشكلها هو مشكل صيانة. ثم إن بعض المنشآت الموضعية في عمق السهل لا تعبّر ضرورة عن استغلال تاريخي فقد تكون مجرّد محاولات "فاشلة" لتعبئة المياه وتخلى عنها أصحابها إما لملوحة المياه او عمقها او كلفة صيانتها. يعبر تلاشي منشآت النقل فضلا عن كل التفسي ارت التي قدمها المؤرخون من غياب الأمن وتغيير أنظمة الإنتاج الفلاحي وهيمنه البداوة

عن فقدان التارب لتلك العلاقة المندمجة بين السافلة والعالية. لقد ضعفت م اركز الاستقارر في

السهل او السفوح إلى حد التلاشي. كما انكفأت الجماعات الريفية على أنفسها وعلى مجالها الضيق في ظل إقتصادات كفافية وجدت تعويضا في تربية الماشية ورديفها في نظام الإنتاج الحبوب كإنتاج معيشي وعلفي. نكون إلى حد الآن قد ركزنا على التعبئة المباشرة للمورد المائي وأشكالها المختلفة ولكن علاقة السكان بالمورد المائي تتجاوز هذا البعد المباشر ذي الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية المؤكدة. من الناحية المشهدية نلاحظ أن الماء قد ساهم أيضا إلى حد بعيد في ربط علاقة السكان بالت ارب .

ب-المياه والتقسيم المجالي التاربي

إن التقسيم القطعي للأرض الزارعية المحايثـة للشبكة الهدروغ ارفية هو الوجه القاعدي "للتقسيم الت اربي "le maillage territorial عبر الماء. يشير هذا التقسيم إلى توزع القطع الزارعية على شكل أشرطة ممتدة كلها تقريبا متعامدة مع خط المجرى المائي بما يعكس حرصا أو توافقا بين المالكين على نحو يسمح لهم جميعا " بالنفاذ إلى المجرى المائي دون أن يكون نظام الإنتاج بالضرورة قائما على الري. هذا الملمح يلازم التقسيم القطعي في مختلف الفت ارت التاريخية. ربما كان من الحذر سحب ملامح التقسيم القطعي الحالي كما يظهر في الصور الجوية أو الصور الفضائية أو الخ ارئط الطبوغ ارفية على الفت ارت التاريخية السابقة حيث خضع في الفترة المعاصرة إلى تغي ارت عميقة في ثلاث مناسبات هي: فترة الاستعمار الزارعي، التجربة التعاضدية) 1964-1969( وتهيئة المناطق السقوية في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين وما شهدها عن إصلاحات ز راعية. لكن الخ رائط

67

الطوبوغ ارفية القديمة وان كانت لا ترسم حدود التقسيم القطعي بل المسالك التي تعبره تشير بوضوح الى هذا التنظيم المتعامد للحقول مع خطوط المياه.

تسمح مجاورة المجرى المائي لملاكي الأ ارضي أو متسوغيها باستغلال خصوبة التربة الغرينية التي تحملها الأودية من المرتفعات، ويمكن تعاطي زارعة مروية كلما كان تحويل الماء إلى القطعة الزارعية ممكنا عبر الانسياب الطبيعي أو على الأقل لتيسير نفاذ القطعان إلى الشرب. ولكن مجاورة المجرى المائي هي أيضا مجاورة مخاطر الفيضان المتواتر. تتجلى هذه المخاطر في جرف الحافات واتلاف المحاصيل وارتفاع التملح خلافا لبقية أج ازء الأرض الزارعية. هذا ما يسمح بالقول أن

مجاورة المجرى لا تعبر فعليا عن رغبة وانما عن توافق بين الملاكين لتقاسم فوائد ومخاطر المجرى

المائي في نفس الوقت. هذا التمثل لمجاورة المجرى المائي ستجد التهيئة المائية الكبرى التي توختها الدولة في السبعينات صعوبة كبرى في تجاوزه. حيث يرفض المالكون "معاوضة" أ ارضيهم القريبة من المجرى المائي بأخرى بعيدة عنه. كما وانه ومع ظهور المحركات في الخمسينات والستينات من الق رن العشرين واجه مدّ القنوات السطحية حالات ن ازع كبيرة بين الفلاحين المتجاورين وهو ما أعاق انتشار الري خارج جوار الوادي في انتظار عهد التهيئة المائية الكبرى والتي ستعيد توزيع المورد بين أج ازء المجال.

هذا الدور القاعدي للماء في تحييز الت ارب نلمسه أيضا في بعد الحد، فأغلب المجاري المائية الرئيسية تتطابق مع حدود إدارية بين التقسيمات الت اربية الإدارية. بعض هذه التقسيمات يتطابق مع مجال الجماعات المتساكنة والمتجاورة تفصل بين "دوار" أو قرية وقرية أخرى. مثال بين "سوق السبت" و"الريابنة" )تاسة( أو بين "بوعوان" و"الروماني ." يمنع التغير الفصلي الكبير لمستوى السيلان إقامة جسور دائمة ،ولم تتطور هندسة كبيرة في هذا الإتجاه باستثناء جسر روماني هام على وادي مجردة بشمتو أي قبل أن يلتقي بروافده الهامة) ملاق؛ تاسة؛ بوهرتمة وكساب(. ولقد تحاشت الطرق الرومانية قدر الإمكان هذه الأودية إما شمالا أو جنوبا.

69

"أجبر" تطرف السيلان وضعف تبلور هندسة لبناء الجسور على تحول المجاري المائية إلى حدود

بين الوحدات التاربية. بمعنى آخر شكّلت هامشا ت اربيا أكثر منها مجالات انتقالية ونقاط تواصل وتماس. فتحولت "الحدود الطبيعية" إلى حدود اجتماعية وت اربية. على انه لا يمكن المبالغة كثي ار في هذا التحليل باعتبار أن ضعف السيلان في فترة التحاريق يسمح بمرور السكان والقطعان حتى عبر أهم مجرى مائي وهو مجردة. وتتكون للسكان خبرة دقيقة بكل أج ازء الوادي التي تتيح العبور لهم ولقطعانهم وكذلك نظام السيلان موسميا. ربما كانت هذه المجاري المائية "حدودا ت اربية" ولكنها ليست بحال حدودا كتيمة وتتيح التواصل والمبادلة والتقارب أكثر من القطيعة.

69

قادنا البعد المشهدي للتشكل الت اربي عن الماء إلى مشكل تمثلات السكان حيال المورد المائي.

لهذه التمثلات دور كبير في تحديد علاقة السكان بالمورد كثروة وفي توجيه ممارسة المجال، أي إنتاجه واعادة إنتاج المجتمع داخله. أرينا سابقا كيف تنعكس هذه التمثلات مشهديا في التقسيم القطعي والحدود الت اربية ولكن نعتقد أن المخزون الفعلي لهذه التمثلات يكمن في الثقافة الشفوية والمأثوارت الشعبية المتداولة من جيل إلى آخر. عديدة هي الامثلة الشعبية لتمثل المنفعة او خشية المخاطر من مثل: "الماء الي ماشي للسدرة )شجيرة شوكية( الزيتونة أولى بيه" او "تنشح )تجف( المعالم )الاماكن( وتكثر المظالم" أو "العزوزة )العجوز( هازها الواد وهي تقول العام صابة" أو "في الشتاء مغروق وفي الصيف محروق " أو "عشير القرعة )مناطق ركود المياه( ديما فقير" ..الخ. يستبطن هذا الوعي المجالي في الثقافة الشفوية الشعبية مفارقة الندرة والوفرة ولكنه يشي بانماط للتكيّف تتمثل المنفعة حيثما وجدت وتلافى المخاطر قدر الامكان وفق وتيرة المواسم والزمن الاجتماعي "الانتظاري" لماء السماء حسب العبارة الموفقة لبول باسكون.

خاتمة

ساهمت الارض والمياه والاسواق بدرجات متفاوتة في تشكيل معالم الت ارب وكشفت عن مسا ارت معقدة ومتداخلة لتملك الموارد من قبل مجموعات بشرية ظلت الى وقت قريب تتجدد روافدها باستم ارر الى ان اعاق الاستعمار حركة الانتجاع شمال جنوب واصبحت الحدود الغربية كتيمة امام الج ازئريين والمغاربة. ولئن كان الاستق ارر هو السمة الغالبة للتشكل الت اربي، فان مقوّماته كانت تضعف من فترة الى اخرى تأث ار بقطائع تاريخية متتابعة ومتباعدة. هذا ما أضعف الت اركم التاريخي للخبرة والثروة والهوية الت اربية الجامعة، وجعل تملك الموارد رهانا ضعيفا وخاس ار للسكان المحليين يضعف لصالح فاعل خارجي. في مقال له بعنوان: " من إفريقا الى الشمال الغربي مسار مجال خلال الفترة الحديثة والمعاصرة" يكشف الازهر الغربي عن مسار متقلب لتشكل الت ارب من "افريقيا" التاريخية الى "الشمال الغربي" كتسمية معاصرة ارتبطت باقلمة جديدة ، ومن مجال ث ارء زارعي وانتاجي الى مجال تهميش ومن "مجال فاعل الى مجال عازل" طرفي "يعيش بصفة شبه مستقلة عن السلطة المركزية "

71

وتنشط فيه تجارة التهريب قبيل دخول الاستعمار الى تونس. ومع دخول هذا الاخير جعل منه "منطقة عبور" واستعمار زارعي عميق. ويلاحظ اميل فيولار مفارقة مفادها ان التنمية التي تستفيد منها الاقاليم المجاورة تعود مباشرة سلبا على حوض مجردة الاوسط . ومهما يكن من أمر، فمن الواضح ان القطائع التاريخية التي شهدها المجال الت اربي وتغيير مفاعيل ومناويل ورهانات تملك المجال انعكست سلبا على الت ارب بضعف الت اركم والاستقطاب الداخلي الذي تحققه الم اركز. كما شهد تنظيم المجال انقلابا وتغيي ار جوهريا في الفترة المعاصرة من مركزية السفوح الى مركزية السهل، ومن تنظيم شعاعي تستقطبه الاسواق الى تنظيم مجالي خطي محوره السكة الحديدية والطريق ال اربطة بين غا ارلدماء وتونس.

II- تملك الفلاّ حين الحديث لل ر يّ

تلح أكثر الادبيات التاريخية التي تعرضت الى مجال الد ارسة على هيمنة مطلقة لز ارعة الحب وب وللزارعة البعلية عامة على النظام الزارعي مهما كانت طبيعة التشكيلات الاجتماعية المجالية التي تعاقبت عليه. زارعة الحبوب البعلية وتربية الماشية الممتدة كانا محور النشاط الزارعي للسكان في تكامل وتعاقب على الأرض وفي تقاسم للمجال. ولا يرد ذكر الريّ إلا ناد ار ويهم على وجه الخصوص بعض المزدرعات في السفوح مثل بلطة في السفوح الشمالية او دجبّة في السفوح الجنوبية. وقد أثر هذا النمط لتملك المجال إضافة الى مختلف القطائع التاريخية التي أشرنا اليها سابقا في تكوين المجتمع الزارعي الريفي بمختلف ش ارئحه والعلاقات داخله.

1-تارجع الارعي وظهور الساقي

الرعاة هم جزء من نظام اجتماعي مجالي فلاحي تحتل فيه تربية الماشية مكانة مميزة في الانتاج وفي اعادة انتاج روابط المجموعة البشرية المعمّرة للمجال. وان كان يصعب الحديث عنهم كشريحة منفردة خارج النسق الاجتماعي المجالي العام في منطقة شبه رطبة تملك تقاليد استق ارر عريقة خلافا لأقاليم الوسط والجنوب التونسي أين إمتدّ الى زمن قريب نمط انتجاع رعوي. ورغم الهامشية الظاهرة، يمثلون مكونا اساسيا وظيفيا من مكونات نظام اجتماعي زارعي قديم تدعّم مع الفترة الوسيطة وارتبط ظهوره بتغيّر مقومات التعمير في منطقة خصب وعبور كحوض مجردة الاوسط .كما يصعب الحديث عن هذه الشريحة خارج انماط تقسيم العمل الزارعي بين مكونات المجتمع المحلي وخارج وتيرة المواسم الزارعية، حيث تظهر هذه الشريحة اكثر بعد مواسم الحصاد و تداول استخدام الارض بين القطعان والزارعات .وربما كان الاجدر الحديث عن وظيفة أكثر من شريحة اجتماعية واضحة المعالم. إننا نستخدم لفظ ال ارعي في هذا السياق كإحالة الى النظام الزارعي المجالي القائم كليا او جزئيا على تربية الماشية الممتدة كنشاط وشرط تاريخي لتملك المجموعة البشرية المتوطنة للمجال واعادة إنتاجها.

لقد ظل النظام الزارعي لزمن طويل قائما على ثنائية الحبوب وتربية الماشية الممتدة في الم ارعي الطبيعية وحقول الحبوب بعد الحصاد. ولقد تأثر، ولا شك، بالتقلبات التاريخية وتغير مفاعيل التشكل الت اربي ودرجاتها من فترة الى اخرى ودخول روافد اجتماعية جديدة في علاقة بالدولة المخزنية كما أرينا سابقا . لقد استوطنت عديد من فروع قبائل الوسط التونسي بالمنطقة في الفترة الحديثة سواء على هامش حركات الانتجاع الدوري او في إطار استقواء السلطة بالقبائل المخزنية في جمع الجباية والم ارقبة مقابل اقطاعات الهناشير مثال فرع من قبيلة دريد الذي استوطن بمنطقة الكدية )جنوب بوسالم(. وكان جوار الاودية واستصلاح الاارضي مناسبة لتوطن الهامش داخل ت ارب ضعف فيه وزن السلطة المركزية المباشر )غياب مدن او قرى كبرى( ودون نشوب ن ازعات جوار تذكر.

يقول دي كود اري في نهاية القرن التاسع عشر وهو يصف النشاط الزارعي في السهول التلية:

"تبدو السهول التلية كما نارها دائما غير مزروعة تغزوها الاحارش والشجيارت القصيرة المتناثرة أما الاودية فتغطيها الدفلة والاعشاب الطويلة وتسكنها الخنازير البرية" . هذا الوصف يحيل على ت ارجع الزارعة في النصف الثاني للقرن التاسع عشر وبالتالي تح وّل الا ارضي التلية الى م ارعي وهو ما يشجع على انتشار البداوة. ونق أر عند إميل فيولار توصيفا مشابها لمظاهر ضعف الاستغلال الزارعي للسهل في بدايات القرن العشرين وتنويها بالمقابل بالإمكانات الهائلة للتثمير وسهولة الحصول على الا ارضي حول "سوق الاربعاء". كما تشير الخريطة الطوبغ ارفية لسنة 1933 لسوق الاربعاء

73

)بعد خمسين سنة من الاستيطان( الزارعي الى انتشار الخيام والتين الشوكي ونمط شبكات المسالك المتواردة نحو الآبار ونقط المياه في اج ازء كثيرة من ميدان الد ارسة وهو مشهد شبيه بمشاهد مماثلة في النطاق شبه الجاف لإقليم الوسط )القصرين والقيروان وحتى قفصة(. لقد كانت القطعان تجاور الحقول في المناطق الرطبة وصعبة الصرف وتمتد نحو هذه الحقول المفتوحة بعد مواسم الحصاد وتلتحق بها روافد موسمية في إطار حركة الانتجاع شمال جنوب رغم إج ارءات السلطة الاستعمارية بالتضييق على هذه التحركات الجماعية للسكان والقطعان.

رغم كل القلاقل التي عرفها الاقليم في القرن التاسع عشر وحتى بعد دخول الاستعمار تواصل هذا النمط المجالي الاجتماعي الى بدايات القرن العشرين. غير أن حدث الاستعمار سيحمل معه عناصر قطيعة هامة لعل أبرزها التضييق على مساحات الرعي وتنقل القطعان والمكننة وانت ازع القطاع المحترث من الارض الزارعية بل ان عديد المعمّرين عمد الى استصلاح جزء من الم ارعي وضمها الى ا ارضيه مستندا الى غموض أوضاع الملكية. لقد حرمت تقنية البور المحروث الرعاة من التمدد صيفا في ا ارضي الحصاد فبمجرد نهاية جمع المحصول والاتبان تحر ق الا ارضي ثم يقع حرثها تمهيدا للموسم المقبل. عوضت هذه التقنية انماط التبوير وا ارحة الارض التقليدية واستعاضت عن جزء من السماد الحيواني بالتخصيب الكيمائي .إذا تقلص مجال الم ارعي الى حده الادنى ولم يعد متاحا لروافده التقليدية من السكان المحليين او من رعاة الانتجاع الموسمي. هؤلاء سيتكيفون مع الوضع الجديد عبر مسا ارت عدّة منها الالتجاء الى السفوح بالح ارجة واقتسام الا ارضي الجديدة المكتسبة على حساب الغابة والاح ارش) الفريقة( خاصة في السفوح الجنوبية. ولقد شجع الاستعمار الزارعي على استصلاح الا ارضي الجديدة المكتسبة على حساب الغابة والاح ارش والسفوح الهشة ، حيث نق أر عند لوسيان بوالاي في 1913 التالي: " لقد شجعت الحكومة على استخدام المح ارث الحديدي الفرنسي بخفض ضريبة العشر بتسعة أعشار لكل من يحترث باستخدام هذا المح ارث ا ارضي جديدة مستصلحة بالكامل". وبغض النظر عن شحنة الدعاية في قوله، نفهم كيف ساهمت مجاورة التقنيات الجديدة في خدمة الارض في الاقبال على استصلاح الا ارضي وكسر تخوم الغابات والتحوّل في استخدامات المجال الفلاحي عامة. قاد هذا التحوّل في استخدام الارض البعض من الرعاة او مربي الماشية الى التحول الى م ازرعين ببيع جزء من الثروة الحيوانية وش ارء الارض واللجوء الى العمل لدى ضيعات المعمّرين او المغادرة )الهجرة( نحو اقاليم فلاحية قادرة على استيعاب اعدادهم ومها ارتهم ف اردى وأ سَ ار مثال ساحل بنزرت او ظهير تونس. في كل هذه المسا ارت كان هناك ح ارك مجالي إجتماعي عقاري داخل الت ارب وبين الاقليم وخارجه .لقد حدثت إعادة تملك داخلية للمجال (une colonisation interne) وفق عبارة ميشال مار ي موا زاة مع الاستعمار الفرنسي وما جلبه من جاليات مالطية وايطالية ساهمت بدورها في نشر الري . يقول اميل فيولار: "في سهل بلاريجا نرى بعض المنازل البيضاء يكسوها القرميد الاحمر داخل بساتينها على ذمة معمرين من صقلية. ثلاثة ايطاليين يملك أحدهم 30 هكتاار. وحفروا آباار لري بساتينهم ويزودون سوق الأربعاء بالخضر الطازجة صيفا"110

يشكل اختفاء الخيام و ظهور سكن الطوب في سهل جندوبة مع الثلاثينات من القرن العشرين علامة مباشرة على هذه القطيعة او هذا التحول في النظام الزارعي وارفعته الاجتماعية نحو تثبيت ملمح الاستق ارر واعادة تشكيل الت ارب على اساسه. يشير مولدي لحمر في د ارسته لتح وّل بدو الوسط التونسي نحو الاستق ارر خاصة حول صفاقس الى دور الغ ارسات )الزيتون اساسا( في ظهور مسا ارت تملك للأرض وتثبيت للسكان عبر نظام المغارسة. فالمغارسة تشكل حلا للح ارك العقاري يحتفظ فيه صاحب الارض الاصلي بحق الملكية )الى حين( لكنه يمنح المغارس حقوقا تذهب الى حد الاستق ارر وبناء المسكن مقابل جهده واسرته في استصلاح الارض وغ ارستها وتسييجها ويحله بذلك داخل المجموعة القروية كفرد منها وينتسب اليها. وتعمل علاقات الجوار والمصاهرة على دمج هؤلاء «الرعاة" المتحوّلين نحو الزارعة في " التشكيلة الاجتماعية المجالية" المحلية. اضافة الى ذلك تفضي هذه العلاقات الجديدة الى إعادة توزيع للأرض من خلال المي ارث رغم ما يلاحظ في منطقة الد ارسة من تلكؤ في إف ارد الانثى بنصيبها من المي ارث واعادة اقتسام المشترك العائلي بين الذكور بعد وفاة مالك الأرض وبالاتفاق معه.

يع بّر ظهور الغ ارسات وانماط "التحييز" الرديفة لها كالسياج عن تحول في استخدامات الارض واستيعاب الم ارعي او الا ارض المنجرفة او ال رطبة ومنعطفات الاودية) الولجة( ضمن المجال الزارعي .

75

ولقد كان مناسبة لتثبيت حافات الاودية من الانزلاقات والفيضانات المتواترة. ولا شك ان اتساع نطاق الشجرة قد ضيّق على حرية انتقال القطعان في المجال، لكنه أعاد إحلال تربية الماشية داخل نظام الانتاج وذلك بتقليص حجم القطعان والتحوّل نحو تربية الابقار بدلا من الأغنام والماعز. تحولت بذلك تربية الابقار الى نشاط رئيسي منفتح دوريا على السوق، بل انه تحوّل الى ما يشبه التخصص يعرف محليا باسم "الجلب" ويسمى تاجر/ مربي الابقار "جلا ب". وهذا ما نجده خاصة في سوق السبت والريابنة. تتعاطى أغلب الاسر وقبل ظهور الري على نطاق واسع هذا النشاط الفلاحي التجاري الذي نشّط الاسواق المحلية وقوى صلات التبادل مع باقي اج ازء المجال الت اربي.

هذا التوجّ ه نحو"التخصص" الفلاحي القطاعي المحلي وخاصة الانفتاح على السوق وتكريس انتظام ودورية التبادل ستكون له مفاعيل حث هامة وسي اركم خبرة تجارية ستظهر ملامحها وتأثي ارتها لاحقا. وستتطور الظاهرة موا ازة مع الحضور الاستعماري وبعده مؤمّنة بذلك تواصل نمط من الفلاحة العائلية النشطة. تقوم منظومة الفلاحة العائلية على نمط من تقسيم العمل جعل من رعاية القطيع شانا عائليا وهو ما قلص وظيفة الرعاة واستوعب بعضهم ضمن النسيج الاجتماعي وقام بتسريح قسم منهم خارج الزارعة وخارج الاقليم كفائض يد عاملة زارعية او فلاحين دون ارض. إعتمد نشاط تربية الابقار هذا على انواع محلية لكن مجاورة الضيعات الاستعمارية سيفتح تدريجيا على دخول لا فقط على سلالات جديدة من الماشية محسنة وذات اصول غير محلية ثبت تأقلمها مع المناخ في المنطقة بل ايضا استدخال تقنيات رعاية وانتاج جديدة وقبول تدريجي بالمكننة.

إذن، أعطت الغ ارسات وتربية الماشية شبه المكثفة مقومات استق ارر جديدة وحيوية للفلاحة العائلية القارة واتجاها نحو تدعيم زارعة متعددة بدلا من أنشطة أحادية او مزدوجة سابقة محورها زارعة الحبوب وتربية الماشية الممتدة. وظهرت حيوية قطاع تربية الماشية كنشاط تعديلي خارج ذروة المواسم والمسالك الفنّية وك ارفعة رسملة وادخار مرنة. وقاد تدعم هذا النشاط الى البحث عن مصادر علف جديدة تعوض الم ارعي الطبيعية السابقة والاتبان ولو جزئيا. ومن هنا ستظهر الحاجة الى الاعلاف المروية وبالتالي الى الري وتهيئة المنشآت المائية. تغطي مجاورة الاودية )ملاق تاسة مجردة بوهرتمة كساب وتيبار ورغاي..( جزءا من حاجة الشرب للقطيع لكن يبقى مشكل رفع الماء الى مستوى الارض الزارعية وضعف الانحدار كابحا حقيقيا امام انتشار الري كما أرينا سابقا. ولذا كان التوجه الى حفر الآبار واعتماد تقنية "الدلو" وتهيئة قنوات ومستجمعات مائية بجانب البئر فرصة

75

لظهور مجالات مروية محدودة لمناطق تكون فيها المائدة المائية قريبة من السطح مثلما هو الحال في سوق السبت.

لقد بدأ ال ارعي كشريحة مهمشة لكن كحاضنة اجتماعية لنظام انتاج واعادة انتاج المجموعة تقترب مما يسميه المؤرخ الهادي التيمومي في اطروحته بـ"نمط الانتاج المخامسي "، بدا يختفي لتعوضه علاقات انتاجية قائمة على تجاور نظام زارعي استيطاني أرسمالي قائم على التأجير ونمط للفلاحة العائلية ذات تجذر ت اربي قو يّ وتقسيم عمل عائلي. ازدواجية في نظام الانتاج الزارعي تصحب معها ازدواجية مجالية دون ان تعني قطيعة او تناف ار كاملا بين المنظومتين. فالتبادل البشري و التقني والمهاري كان قائما وفي الاتجاهين ولكن كلاهما ساهم في إعادة تشكيل الت ارب أي إعادة صياغة العلاقات المجالية بما فيها الممارسة المجالية والهوية الت اربية و إعادة انتاج المجتمع الزارعي والريفي. لم نشأ التوسّع طواعية في اتجاه د ارسة التحولات من جهة الاستعمار الزارعي في منطقة الد ارسة وتكفي الاحالة الى د ارسات جون بونسيه وأحمد القصّاب واميل فيولار وفرنسوا بونيارد وبعض الد ارسات التاريخية مثال اعمال الاستاذ رضا العشّي، ورجحنا اهمية الاهتمام بنسق التحولات من جهة تطور الفلاحة العائلية ونظام الانتاج الزارعي المرتبط بها و تتبع نسق تطورها الداخلي ضمن مقاربة اجتماعية مجالية.

2- لماذا تأخر انتشار الر يّ بالإقليم في الفترة المعاصرة؟

سعت سلطات الحماية الفرنسية إلى تملك قانوني مبكّ ر لمصادر المياه السطحية والجوفية )قانون 24سبتمبر1885(فربطت بذلك مسار تثمير هذه الموارد بتدخلها المباشر، غير أن تجهيز الأرياف وتح ويل أنظمة الإنتاج الزارعي نحو الري ظل بطيئا، نقطيا ومحليا ولم يظهر بوضوح إلا لاحقا في اواخر الفترة الاستعمارية. تظل حصيلة التهيئة المائية الزارعية الاستعمارية في الجملة وفيما يخص إقليم الشمال الغربي )خ ازن الماء الطبيعي الأول(، حصيلة هزيلة، فما هي العوامل المحلية

77

والإقليمية التي تفسر ضعف تعبئة المياه من أجل الري في هذا الإقليم في هذه الفترة مقارنة ببقية الأقاليم الأخرى؟

أ- الضغط على المنظومات المائية المحلية التقليدية

قادنا البحث في وثائق الأرشيف الوطني إلى ملفين على غاية من الأهمية وربما حملا بعضا من عناصر الإجابة لسؤالنا يتعلق الاول بمجموعة م ارسلات ادارية ووثائق اخرى حول تكوين جمعية مائية بدجبة من ولاية باجة فيما يتعلق الملف الثاني بم ارسلات ادارية بخصوص مطلب إنشاء سد على وادي ملاق. فيما يخص الملف الأول 🙂 64 –E 348 ( فهو يحتوي على م ارسلات تخص تكوين جمعية مائية للري في "دجبة" )تبرسق من ولاية باجة( ويصور مختلف أوجه الص ارع حول مياه العيون وتعدد فاعلي الماء في هذا المجال المحلي، وكيف ينتهي الص ارع على المورد المائي بحرمان المجتمع المحلى من ثروته الخصوصية ومن تملكه للري. وكنا قد نشرنا ق ارءة تحليلية للوثائق في بحث سابق نشر بمجلة الجغ ارفيا والتنمية وحاولنا من خلاله حصر مختلف الفاعلين كما يردون في الوثائق وتتبع است ارتيجياتهم في تملك المورد ومختلف رهاناتهم ونظ ار للفترة الزمنية الممتدة نسبيا فقد امكن لنا رصد تطور الص ارع حول الماء في المنظومة المائية التقليدية لدجبة. ويمكن من خلال د ارسة مختلف وثائق الملف حصر اهم الرهانات في الجدول التالي:

صورة عدد10 مشهد عام لمزدرع دجبة)علوي س.(

جدول عدد5: الفاعلون، الرهانات والاستارتيجيات في المنظومة المائية بقرية "دجبة" في الفترة الاستعمارية

78

ب- نحو ظهور المنظ ومات المائية الكبر ى

يحتوي الشمال الغربي التونسـي على أهمّ ثروة مائيّة سطحيّة بالبلاد )مجردة وروافده( ولكن هذه الثروة ظلت ضعيفة الاستغلال والتعبئة، حيث لم يقع الاهتمام بإنجاز السّدود الكبرى إلا مـع بداية الخمسينات )سدّ مـلاق وبني مطير 1954(. هناك عوامل عديدة تقف وارء هذه الحصيلة الهزيلة للتهيئة المائيـة الكبرى وتأخّر ظهور المنظومات المائية الكبر ى119 في الشمال الغربي التونسي. من هذه الأسباب يمكن ذكر طبيعة أنظمة الإنتاج الزارعية القائمة أساسا على أحادية قطاع الحبوب ،ضعف الأسواق الحضرية الإقليمية ومحدودية نتائج تجارب السدود الكبرى الأولى بالمغرب والج ازئر تحديدا والتي ألقت بظلالها على بقية مستعم ارت المغرب العربي.

ربما كان من الخطأ النظر إلى السياسة المائية للاستعمار كما لو كانت حصيلة فاعل متجانس.

فالاستعمار تشقه تجاذباته وتناقضاته الخاصة والتي يمكن أن نختزلها في حدها الأدنى في تقابل بين قطاع عام وقطاع خاص. يؤكد جون جاك بيرينيس على غياب التوافق بين إست ارتجيات الإدارة الاستعمارية من ناحية واست ارتيجيات الخواص والمعمرين في إدارة المياه من ناحية ثانية. لكن هل يعود تأخر ظهور سياسة سدود واضحة المعالم إلى غياب أو ضعف مباد ارت القطاع الخاص أو إلى عجزه عن فرض رؤيته للتهيئة المائية الكبرى؟ ما هـو موقع هذا القطاع الخاص من السياسة المائية الاستعمارية؟ وأين تكمن العوائق الحقيقية وارء ضعف تبلور سياسة مائية واضحة المعالم في الإقليم؟ ألم يتحول المعمرون بحكم استيطانهم داخل مستغلاتهم في حوض مجردة الأوسط والتل العالي إلى فاعل محلي معني مباشرة بمشكل تعبئة المياه، إن لم يكن لاستغلال الثروة المباشر، على الأقل لتلافي المخاطر المباشرة المرتبطة بالمياه وأهمّها الفيضانات؟

يكشف لنا الملف الثاني في الأرشيف الوطني )السلسلة ةSG2.الصندو ق41. الملف38( عن وجود مباد ارت خاصة وعن منافسة حقيقية بين خواص من أجـل الحصول على امتياز لزمة concession بناء سـدود على وادي مجردة وروافده. حيث يحتوي الملف بعنوان: "مطلب بناء سد على وادي مجردة )ملاق والرمل(" على م ارسلات بين الشركة الخاصة صاحبة المشروع Smadja"

119 – Poncet J, 1958, La colonisation et L’agriculture européenne en Tunisie depuis 1881. Mouton et Cie.Paris

700p

79

et Cie والمقيم العام من ناحية، وم ارسلات داخلية أو تقارير بين إدارة الأشغال العمومية والمقيمالعام حول هذا المشروع ومشاريع أخر ى مماثلة.

حرصت الشركة المذكورة على تقديم الاستخدامات المختلفة والمنتظـرة لمياه السدّين موضوع المشروع )الري؛ حماية المدن من الفيضانات؛ إنتاج الطاقة الكهرومائية وانتاج الثروة لزيادة الجباية(..

وأكدت على د ارسة المشروع من جوانبه المختلفة التقنية والعقارية والمالية والقانونية. كما أكدت على استعدادها لإنجاز المشروع بإمكاناتها الخاصة بالتنسيق مع "مكتب د ارسات Simens" و"مجمع مالي فرنسي". وتشير تركيبة الشركة إلى تنوع مواقع الأعضاء الإدارية: هؤلاء الأعضاء هم على صلة وثيقة بالقضاء )إثنين من بين أربعة أعضاء( وربما كانوا واجهة لقوى مالية أخرى غير معلنة، وأغلبهم إداريون وهذا ما كان من بين أسباب رفض المشروع المقترح. ولقد ألحّت الد ارسة التي قدّ متها الشركة صاحبة المشروع بدرجة أساسية على "إنتاج الطاقة" التي يمكن أن تعوّض الفحم الحجري المستورد وعلى مقاومة الفيضانات والتي تعود بصفة دورية وأشارت إلى فيضان وادي ملاق الذي غمر مدينة سوق الأربعاء )جندوبة حاليا( في 1925. كما أكدت على مفاعيل الحث غير المباشرة كمضاعفة الثروة وبالتالي مضاعفة مادة الجباية. وأشارت الد ارسة إلى الإرث الروماني العريق في تهيئة المياه والأرض الزارعية ولم تخف الاهتمام بالري لكنه على كل حال لا يبدو أنه يتصدّر أولويات المشروع، أو هكذا حرصت على ترتيب الأولويات لاسترضاء الإدارة الاستعمارية حيال المشروع.

تشير صياغة الد ارسة على النحو الذي وردت عليه إلى يقين أصحابها بأولويات الإدارة الاستعمارية ورغبتهم في التناغم معها .

ما يلفت الانتباه في ثنايا الد ارسة هو أن أصحاب المشروع قاموا فعلا بمساعي لش ارء الأرض التي يفترض أن تـأوي السد. وتعطّلت عملية نقل الملكية بحكم أن الأرض دخلت بموجب قانون المياه

ضمن المـجال المائي )حواشي الأودية( وبالتالي ضمن الملك العمومي! ألا يكون الرهان الحقيقي إذن وارء التفكير في المشروع هو المضاربة العـ قارية ومحاولة الالتفاف على قانون المياه الذي أدخل مصادر المياه والمجاري الطبيعية وحواشي الأودية ضمن الملك العمومي؟ وبالتالي يصبح النفاذ الى المياه هو ببساطة مدخل نفاذ الى الارض الزارعية. لا يعدو ذلك إلا أن يبقى في دائرة

الفرضية التي تحتاج إلى إثبات لكن لها ما يبررها في مقاربتنا التي تبحث في رهانات واست ارتيجيات الفاعلين .هل كانت هناك رغبة فعلية لدى المعمرين في تعبئة المياه السطحية التي يزخر بها حوض

80

مجردة الأوسط وفي التحوّل من الزّارعة البعليّة إلى الري؟ يِؤكد لنا جان بونسيه Jean Poncet أنهذا التوجّه جاء متأخّ ار و تحت تأثير مباشر لأزمة الثلاثينات الاقتصاديّة والتي نبهت إلى خطورة أحادية أنظمة الزارعات. كما أن تمثل مشكل الفيضان ربّما كان ضعيفا بحكم أن المعمّرين فضّل أغلبهم الاستق ارر في ضيعتاهم عوضا عن المدن الناشئة حديثا والتي بقيت بناها هشة وضعيفة. كيف تفاعلت سلطة الحماية مع مشاريع السّدود التي قدّمت إليها في العشرينات والثلاثينات؟

في الواقع، بدأ الاهتمام بالسدود بالشمال الغربي مبكّ ار لكن تجاوب الإدارة ظل بطيئا وسلبيا في الغالب. لكن الأزمة الاقتصادية الحادّة لبداية الثلاثينات ستكشف الإختلالات العميقة للسياسة الزارعية وستنبه الجميع إلى ضرورة التوجه نحو سياسة إ اردية volontariste لتعبئة الموارد المائية السطحية. لكن ثمار هذا الوعي الجديد سوف لن تظهر إلا مع الأربعينات. وسننتظر بداية الخمسينات لنشهد أولى مشاريع السدود والآبار العميقة في الإقليم. ومن جهتهم ركّز المعمّرون على المضاربة العقاريّة لتحقيق الأرباح المرجوة عوضا عن التوجّه الفعلي نحو الري في غياب إ اردة سياسية واضحة للاستثمار في المشاريع المائية الكبرى. هذا الاستحواذ العقاري مع ما ارفقه من انتشار للمكننة سيقود إلى إ ازحة قطاع واسع من سكان السهول ومضاعفة الضغط البشري في السفوح على الأوساط الطبيعية الهشة.

هكذا سمحت وثائق الأرشيف الوطني المذكورة بكشف عوائق هيكلية أخرت انتشار الري )رغم ع ارقته( في إقليم الشمال الغربي وهي: من ناحية هناك التف قّر التاريخي للسكان المحليين وانت ازع "الحق "الت اربي في الموارد المائية وانحياز الإدارة الاستعمارية شبه المطلق لصالح الفاعلين الأجانب على حساب المصالح الحيوية للسكان المحليين. ومن ناحية ثانية نذكر غياب سياسة مائية واضحة المعالم لتعبئة الموارد المائية السطحية في الشمال الغربي التـونسي والجمود والتردد الإداري في التعامل مع المباد ارت الخاصة لمشاريع بناء سدود كبرى. حاولنا أعلاه تتبع مسا رات دور الماء في التشكل الت اربي، وأكدنا على دور كبير في هذا المجال سواء على مستوى تسميات الأماكن أو المشاهد أو التقسيم القطعي، وهذا خلافا للمفارقة التي يظهرها ضعف تقاليد الري في الإقليم عامة وفي ت ارب الد ارسة خصوصا و"انعدامها" في كثير من الأج ازء. وأكدنا على دور القطائع التاريخية في غياب الت اركم للمها ارت والتقنيات. وأشرنا إلى العوائق الهيكلية الطبيعية أمام انتشار الري وأهمها مشكل رفع الماءمن المجاري نحو القطع الزارعية وضعف انتظام شبكة السيلان. غير ان تحولات هامة في نظام الانتاج الزارعي وفي انماط التوطّن وفي تقنيات تعبئة المياه ستقود الى إعادة تملك جديدة للر ي وستصحب معها تحولات مجالية واجتماعية عميقة.

3- تقاليد ر يّ محلية ضعيفة الانتشار

في الواقع، لئن كانت تقاليد الري ضعيفة فإن القول بانعدامها تماما فيه كثير من الإجحاف.

يقول فينيالز: ""في هذا المجال لا يتعلق الأمر بتطوير نظام ري موجود و انما بإحداثه من عدم".

والواقع أن الر يّ يتوفّ ر محليا كلما كان النفاذ إلى الماء ممكنا كما ونوعا. ولقد ت اركمت تقاليد ر ي محدودة في بعض القرى مثل سوق السبت لسهولة البلوغ إلى المياه التي تختزنها التكوينات الفيضية المترسبة بين المجاري المائية ذات السيلان المتوازي )مجردة / رغاي أو ملاق / تاسة(. توجد المياه ذات التسرب التحتي على مستوى عمق متاح لا يتجاوز المتر أحيانا خاصة في دوار العيثة والغ ارغيس من قرية سوق السبت. وهذا العمق لا يطرح مشكل كلفة بناء البئر وصيانته خاصة وأن الحجارة الصالحة للبناء تكاد تكون معدومة في وسط طبيعي تهيمن على بنيته الجيولوجية التكوينات الفيضية الغرينية المنقولة. ويضطر الفلاحون لحفر أكثر من بئر، يبرر ذلك الكلفة وضعف الدفق أيضا ونضوب هذه المنشآت المائية البسيطة من موسم الى آخر. ويتم رفع الماء عبر تقنية قديمة هي الدلو والجر الحيواني .

سمح هذا النوع من الر ي بتواصل زارعة خضروات متنوعة كانت ولا ت ازل تغذي الأسواق المحلية )سوق السبت، سوق الجمعة، وادي مليز..( والإقليمية )جندوبة، بوسالم وباجة..(. وتعتمد هذه الأسقية على يد عاملة عائلية كثيفة نسبيا ومستقرة من حيث النشاط والتنقلات الهجرية أكثر من غيرها من التجمعات الريفية المجاورة. يمارس الري جنبا إلى جنب مع تربية ماشية )خاصة الأبقار( كانت ولا تازل تمثل مكونا أساسيا من تركيبة نظام الإنتاج الزارعي. توفر تربية الماشية ضمن هذه الاسقية التقليدية السماد الطبيعي المطلوب لتخصيب التربة الفيضية البكر. وتستوعب بذلك هذه الحقول المروية مشكل النفايات المحيطة بالمنازل الفلاحية بما يشكل في الواقع نظاما تعديليا بيئيا محليا منسجما مع الامكانات التقنية المتاحة والحاجات الخصوصية للنظام الزارعي المروي والمها ارت القديمة في التخصيب الدور ي للأرض .إضافة إلى هذا تتيح تربية الماشية مداخيل إضافية وقد تكون أساسية للأسر الزارعية موزعة بشكل حر على مدار السنة. تؤمن تربية الماشية على هذا النحو لا فقط الحاجات الغذائية العائلية بل تمتد لتغطي وظيفة الادخار والرسملة واعادة إنتاج الدخل في إطار نظام تعديلي للدخل يجا ور نظام الري ويتمفصل معه. ويعرف هذا النشاط تجذ ار ت اربيا واضحا في بعض الأج ازء خاصة في سوق السبت والريابنة وتعرف الممارسة محليا ب"الجلب" ويعرف فاعلون ب"الجلابة". وتكاد تجارة المواشي تمثل نشاطا أسبوعيا أو حتى يوميا باعتبار توزع الأسواق المحلية والجهوية على أيام الأسبوع .

هذا الجمع بين الري وانتاج الخضروات وتربية الماشية الموجهة للأسواق سيورث تقاليد تجا رية ونزعة إلى تعدد النشاط والوظائف سوف تظهر نتائجها العميقة فيما بعد في ظل التهيئة المائية

العصرية الكبر ى. فالمناطق التي ترسخت فيها هذه التقاليد التجارية المحلية الموازية لنشاط الري التقليدي هي التي ستنجح أكثر من غيرها في الإستفادة من مداخيل الري العصري بعد تجهيز المناطق السقوية واعادة توظيف هذه المداخيل على نحو استثماري او في إطار تعدد نشاطي.

تقترب المساحات المروية من المساكن وتحيط بها، مما يجعل العناية بها يوميا جزءا من صيانة المسكن والإسطبلات وح ارستها. وعلى هذا النحو، ورغم ضعف الانتشار لهذا النشاط الزارعي يبقى الري متجذ ار ت اربيا، وجزءا لا يتج أز من عناصر التشكل الت اربي، يصهر علاقات التعاون العائلية ويعيد إنتاج علاقات الجوار والانتماء في الوقت الذي ينتج فيه المجال ويعيد تثبيت العلاقة مع القرية.

4-ثورة المضخّات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي

أمام ضعف الانحدار في السهل يواجه الري مشكل رفع الماء نحو القطع الزارعية. لقد أتاح ظهور المحركات المضخات وانتشارها منذ خمسينات القرن العشرين تجاوز هذا العائق التقني وبذلك تحرر الري من عوائق انتشاره القديمة وفتح آفاقا واسعة ل"ثورة" تقنية زارعية في الإقليم. مكّنت مضخات البنزين الصغيرة من تعبئة أوسع للثروة المائية الكامنة وتحويلها على مستوى التمثل إلى موارد فعلية ووسيلة لتثمير الرصيد الت اربي الهام وقاعدة ضرورية لإنتاج واعادة إنتاج الثروة والمجال .

كما تعزز دور الماء في التشكل المجالي وهو ما غير الكثير من ملامح التجانس السابقة والمرتبطة بهيمنة مطلقة للحبوب على أنظمة الإنتاج الزارعي.

لقد كانت هناك محاولات عديدة لجلب المياه من السفوح المجاورة، سواء بغرض تزويد المدن الناشئة حديثا بالماء الصالح للش ارب أو بغرض الري مثل مشاريع جلب مياه بلطة أو دجبة نحو سوق الخميس )بوسالم(. لكن هذه المشاريع قد اصطدمت برهان ت اربي كبير مفاده ثقل الكثافات البشرية حول نقط المياه )العيون( وتجذّر تملكاتها للمورد. ولم يكن حجم المنسوب او فكرة الفائض ما غذّى فكرة مشاريع التحويل بقدر ما كان الرهان اساسا حول جودة المياه في السفوح مقارنة بمياه السهل ذات الملوحة المرتفعة نسبيا خاصة جنوب مجردة. فالتفاوت الفصلي الكبير لمناسيب العيون يجعل ان اغلبها ينضب صيفا او لا يلبي الحد الادنى المعيشي لسكان السفوح فضلا عن نقله. ولذا فالوفرة الظاهرة لمياه السفوح لا تعدو ان تكون سوى وفرة موسمية.

وفر ظهور المحركات المضخات بديلا عن مشاريع التحويل المح لية المكلفة من العالية الى سافلة السهل والتي اصطدمت بمقاومة عنيفة من قبل متساكني السفوح كما يظهر ذلك ملف الارشيف الخاص بدجبة الآنف الذكر .لقد عمد هؤلاء إلى تخريب منشآت التحويل وحتى ردم العيون عندما وقعت دولنة الموارد المائية منذ 1895 في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان. مع ظهور المحركات المضخات الصغيرة بدأ المجال يشهد انتشار الري خارج مزدرعات الري التقليدية حيثما توفرت إمكانات حفر الآبار والنفاذ إلى المائدة المائية السطحية. تم استغلال هذه التقنية في البداية )الأربعينات والخمسينات( للضخّ انطلاقا من الآبار وناد ار ما استعملت للضخ انطلاقا من الأودية .ولذا ارتبط انتشار هذه التقنية بتملك الارض، وكانت في البداية ميزة لشريحة من الملاكين الكبار والمت وسطين استفادت من رصيدها العقاري ومن مدى سداديتها بنفاذها إلى القرض عبر إمكانات خاصة أو عبر موارد مالية غير زارعية. ما مكنها من اقتناء المح رّكات.

اقترن حف ار لآبار بمجاورة المساكن، ومثل ذلك تواصلا لعناصر التشكل الت اربي السابقة للمجال المروي ولو خارج أحواضه التقليدية، حيث يتيح القرب من المسكن توفر السماد والحماية وجاهزية الإش ارف المباشر على الحقل. يقول أحمد القصاب: "أما عن القطع البعيدة عن مركز المستغلة والتي هي عرضة لشتى صنوف الاعتداءات الخارجية فلم تكن موضوع تهيئة قادرة على التكثيف الزارعي باعتماد الرّي ". فيما تتمثل هذه "الاعتداءات الخارجية"؟ وما هي أبعادها؟ في هذا السياق يمكن التمييز بين بعدين هامين على الأقل: الأول إجتماعي عميق، يعّ ير عن تفاوت الملكية العقارية أو تفتت الملكيات والن ازعات العقارية المختلفة داخل دوائر الجوار أو الق اربة أو يحيل على مشاكل التأجير والحرمان الاجتماعي. أما الوجه الآخر من الاعتداءات فهو مرتبط بمكانة تربية الماشية في النظام الزارعي العام. تمثل تربية الماشية الممتدة ذات الرعي الحر والممتد عائقا فعليا أمام انتشار الر ي. وعادة ما يصحب الر ي تسييج الحقول بغرض الحماية مما يعيق حركة مرور القطعان. وهي سبب ن ازع جوار زارعي دوري ويومي بين الأسر الفلاحية وبين السّقاة ومربّي الماشية.

يتطلب انتشار الري تجهي از كبي ار من الأسيجة والحضور المباشر للحماية، الشيء الذي يتلافاه الفلاحون وأسرهم قدر الإمكان ويفضّ لون الاستعاضة عنه بالزارعات الكبرى السنوية وأساسا الحب وب .

يملي هذا الخوف من "الاعتداءات الخارجية" سلوكا إنتاجيا معيّ نا يقصر الري على القطع المجا ورة للمسكن ويقلص كلفة التجهيز والحماية والنقل إلى الحد الأدنى. هذا يعني أن تملك المجال الم روي "الناشئ" بقي خاضعا للمسكن والعائلة كنواتات تمركز تقليدية، واستجاب إلى معطى القرب والى الحاجات الداخلية المعيشية. هذه الملامح للري اضعفت الانفتاح على التبادل على نطاق واسع وهو يقتصر بالكاد على تلبية حاجة الاسواق المحلية والأسواق الحضرية القريبة الناشئة.

بما أن السكن الريفي في السهل يميل إلى التشتت ولا يصل إلى تشكيل مجالات احتشاد سكنية منفصلة نسبيا عن الحقول، ولما كانت قاعدة الاستغلال في الاغلب عائلية بالكامل، )دون استبعاد أشكال التعاون الأخرى( ظل توسع المجال المروي المكتسب عبر المضخات معوقا بهذا الثقل الاجتماعي وبقي هذا المجال المروي شديد الالتصاق بالسكن الريفي. ولا يصل إلى تشكيل مجالات ممتدة وانما بقي مجالا نقطيا أو متلاشيا. تبدأ الطفرة الحقيقية للري في سهول حوض مجردة الاوسط مع الفترة التعاضدية) 1969-1965(. حيث ارهنت التجربة التعاضدية من جملة أهدافها المعلنة على تعصير الارياف وتحرير الطاقات الانتاجية النائمة. وفي هذا الإطار انتشرت المضخات الآلية في التعاضديات وخلقت مفعول حث ايجابي بأن انتقلت إلى ش ارئح مختلفة من الفلاحين الذين استطاعوا تجهيز ضيعاتهم عبر القروض والمساعدات لاستغلال الموارد المائية المتاحة الأخرى كالمياه الجوفية وخاصة مياه الأودية التي يزخر بها الوسط. وكان ارتفاع المداخيل المحسوس المرتبط بالري حاف از على الاقبال عليه والانخ ارط فيه حتى في ظل غياب رصيد عقاري كاف.

شهدت مجالات ذات تقاليد حبوب عريقة تحولا نحو الري، لأول مرة ربما، والذي لم يكن متاحا في السابق، بحكم عمق المائدة الجوفية مثل بن بشير أو الجريف أو وادي مليز. كما أصبح الضّخ مباشرة من الأودية يمثل فرصة لتثمير الأ ارضي الزارعية المجاورة للشبكة المائية دون الحاجة إلى حفر الآبار أو الحاجة إلى ملكية العقار الذي سيتم حفر البئر فيه مثال في المعاريف أو الجريف قرب جندوبة. أصبح لمجاورة الوادي فرصة ثمير مورد آخر غير القطيع وهو الارض بعد حل مشكل رفع الماء نحو القطع الزارعية عبر المحرّكات.

ولما كان تجهيز الأ ارضي المجاورة لحافات الأودية مرتبطا بكلفة مد القنوات والتقسيم القطعي الشريطي والمتعامد عادة مع المجرى المائي، تشكل مجال مروي شريطي حول حافات الأودية.

ويتسع هذا الشريط المروي كلما توفرت توافقات بين الفلاحين المتجاورين على مدّ القنوات. يتقلص عند الحافات المقعّرة والمهددة بالجرف ويمتد في الحافات المحدّبة "الولجة" مغتنيا من الغرين المرسّب والمجدد لخصوبة التربة مع كل فيضان. انتشر الري إذن حول الحافات كلما كان ذلك متاحا، وامتد شمالا وجنوبا نحو العالية )السّ فوح المجاورة( خاصة حول بوهرتمة في قرية "البلدية" وحول ك سّاب وتاسة وتيبار وملاق وطبعا حول مجردة.

تحرر الري من عوائق انتشاره القديمة المرتبطة بالارتفاع وبالملكية العقارية وامتد ليشمل مجالات كانت في السابق مهمشة كما امتد ليشمل ش ارئح جديدة من الفلاحين الصغار كانت تعوزها القدرة المالية والتقنية على حفر الآبار وتجهيز حقولهم. وظهر صنف جديد من المستغلين الزارعيين لا يستندون إلى قاعدة ملكية عقارية مسبقة ولكنهم يمتلكون تجهي ازت حديثة حصلوا عليها بإمكانات خاصة أو عبر حوافز الإق ارض .وأصبح بإمكان هؤلاء "السقاة الجدد" النفاذ إلى الأرض الزارعية عبر صيغ الاستغلال المتنوعة كالش اركة والك ارء و"الخضارة" أي ش ارء المحصول قبل نضجه. كما بدأت تظهر إمكانات حقيقية لتثمير اليد العاملة العائلية والأجيرة خارج الضيعات الدولية والتعاضديات وشركات الإحياء. وربما ساهم ذلك إلى حد ما في كبح تيار النزوح انطلاقا من سهول حوض مجردة الأوسط خلافا للمجالات الت اربية في السفوح المجاورة. لم يفعل النزوح في الأغلب سوى تخفيف الضغط البشر ي على الأرض واعادة نوع من التوازن بين السكان والموارد الزارعية بل ربما نقل بعض خب ارت ز ارعية بأقاليم اخرى لها تقاليد ري أسبق.

استفادت حركة التجهيز المائي عبر المحركات المضخات والقنوات المعدنية والبلاستيكية من مساعدات "سخية" نسبيا من قبل المصالح الجهوية لوازرة الفلاحة ومؤسسات القرض الفلاحي. تمثلت هذه المساعدات في توفير المحركات عبر الك ارء وحتى عبر الهبات المباشرة خاصة على اثر فيضانات مارس وديسمبر 1973 . أتاح تدخل الدولة غير المباشر على هذا النحو في تحفيز الفلاحين على التحول إلى الري والتجهيز المائي للمجال الريفي تجاوز الكثير من عوامل الانحباس التقنية والمالية السابقة، وأقحم صغار الملاكين في مسار التكثيف والتعصير الزارعي. ووجد هؤلاء في توسع الأسواق الحضرية المحلية وبداية العناية بتهيئة البنية الأساسية والطفرة الديمغ ارفية للزيادة السكانية حوافز حقيقية على التحول نحو الري. كما كان مناسبة وآلية لإعادة تملك المجال بما أعطاه من قيمة متنامية ونوعية لل رصيد العقاري المتاح، وما وفّره من فرص تثمير للموارد المحلية البشرية والعقارية والمالية والتقنية. كما وجد الفلاحون فيه فرصة لاكتساب مها ارت مستحدثة ستكون قاعدة فعلية وصلبة لنشأة واحد من أكبر أحواض الإنتاج الزارعي المروية في إقليم الشمال الغربي ولربما في كامل البلاد التونسية.

لقد حررت وسائل نقل المياه وتعبئتها الحديثة التارب من إكارهات الطوبوغارفيا والتاريخ وخلقت فرص تحديث فعلية وتنمية لموارد التارب وتثميرها. تنمية حاولت ان تتبلور في مشاريع

ضخمة للتهيئة المائية الزارعية وهدفت الى تعبئة المياه واعادة توزيعها إقليميا ومحليا بما يضمن الاستفادة من الطاقات الإنتاجية الكامنة والممكنة وتوليد الفاض .فكان الرهان على الري كبي ار ومن اجل ذلك وقع الاستثمار في بناء السدود الكب رى وتهيئة المناطق السقوية. من المؤكّد اذن، وجود اتجاه لتملك الري سابق لمشاريع التهيئة المائية الكبرى التي ميزت النصف الثاني من القرن العشرين.

إعتمد هذا الاتجاه على جوار الاودية وخاصة على الآبار السطحية. لكن بقي الانتشار محدودا لعاملين على الاقل هما مشكل رفع الماء كما أرينا سابقا ومشكل ندرة الحجارة في السهل لتجهيز الآبار بصفة دائمة .تأتي في درجة ثانية مشكلة ملوحة بعض الموائد المائية وهو ما لا يلائم الزارعات.

عبّر ظهور المحركات والج ارارت عن ثورة تقنية حقيقية في الاقليم وأمكن تجاوز المعوقات السابقة جزئيا ولذا ستظهر طفرة اولى للري في بداية الخمسينات والستينات من القرن العشرين. عزز ذك توجه الفلاحة العائلية الى حفر الابار وتجهيزها واستغلال حافات الاودية حتى ولو قاد ذلك الى تسريع تعريض هذه الحافّ ات الى الانج ارف. غير ان هذا التحوّل التقني كان متباينا من قطاع الى آخر ومن اسرة زارعية الى اخرى. وكان لهذا التوجه نحو الري مفاعيل جد إيجابية على السّ قاة الجدد من حيث الدخل والادخار وتوظيف اليد العاملة العائلية وتثبيتها ونسج علاقات اجتماعية جديدة قائمة على التبادل والتحالف والمصاهرة والتعاون فتوسع الافق المجالي للمجال الاجتماعي المحلي. وسيوفر تملك معدات الري خاصة المضخّات قوة تقنية شكلت الى حد ما بديلا عن تملك الارض لكنها مثلت ايضا شرطا تقنيا للاستغلال عبر الك ارء والشركة. وشكل هذا العامل فرصة حقيقية لح ارك عقاري وتوسعة الأفق المجالي للمستغلة الزارعية129.

لم يكن هذا الح ارك الجديد المرتبط بالتملك الحديث للري ليخلو من ن ازعات جوار هامة وعديدة محورها تنافر الاستخدامات المختلفة للأرض وتملك حافات الاودية بعد استصلاحها ومشكل عبور القطعان وحماية الحقول الجديدة عبر التسييج مثلا فضلا عن سرقة المعدات او مشكل تمرير القنوات. كما أيقظ الح ارك الجديد النزعة الى المطالبة بحقوق الملكية لدى اف ارد العائلة الموسّعة )الاخوة وبني العمومة( فيما كان مشتركا وهامشيا وارتفعت قيمته العقارية بعد ظهور الر ي كما تؤكده حوا ارتنا مع الفلاحين المعنيين أثناء البحث الميداني ولقد اشتغلت هذه الن ازعات الاجتماعية المستجدة ككوابح

129 Rey Violette,1982, Besoin de terre des agriculteurs. Economica Paris.

88

امام الانتشار الواسع للري في هذه المرحلة لكنها عبرت مبكّ ار عن أهمية الرهانات التي تتضمنها الهياكل العقارية ودورها في نجاح او فشل فكرة تعميم الري على نطاق واسع.

خاتمة فصل

في هذا السياق ستظهر التهيئة المائية الكبرى التي قامت على تعبئة واسعة للمياه الباطنية في سهل غا ارلدماء ومياه مجردة في مشروع بدرونة سيدي اسماعيل ثم على مياه سد بوهرتمة وهو أضخم مشاريع التهيئة المائية الزارعية بالإقليم. سيقحم مشروع الري كامل سهل جندوبة وغار الدماء في مسار تحديث زارعي جديد من نوعه أثر على مسا ارت التكيّف لإعادة تشكيل الت ارب وللنظام الزارعي والمجتمع الريفي .ورغم التحوّلات العميقة التي احدثها مشروع الري الجديد فان التحوّلات سارت في

اتجاه التواصل مع حارك وتحول سابق أكثر من فكرة القطيعة. ولقد ارهن مشروع الري العصري على تعديل زمني ومجالي لمياه الري مما اتاح انتشاره في كامل السهل تقريبا وحتى في السفوح المجاورة بمفعول الحث وتأثي ارت التجديد والجوار. حررت القنوات الري من كوابح المسافة والتغير الفصلي لمنسوب المياه في الاودية وفي الموائد المائية ومستوى ملوحتها. وتكفل المشروع بالتجهيز المائي الى مستوى المقاسم كما ارفق التجهيز داخل مقاسم الري من باب حفز الفلاحين على الاقبال على الري وذلك عبر مساعدات مالية وتقنية مختلفة وتسعيرة مائية متدرجة وتم التغاضي عن قسم هام من استخلاص مساهمة الفلاحين في كلفة التجهيز العامّة. وكانت النتائج متباينة من منطقة سقوية الى اخرى ومن مستغلة الى أخرى لكن من المؤكّد ان تغيي ارت جوهرية طالت علاقة الفلاح بالأرض وبمحيطها الت اربي. شملت التغي ارت تركيبة الزارعات والمسالك الفنية وتركيبة نظام الانتاج الزارعي والمشاهد والزمن الاجتماعي للفلاحين حسب عبارة بول بسكو ن130 من وتيرة موسمية تحكمها الزارعة البعلية والتفاوت الفصلي للتساقطات الى وتيرة عمل يومية وري دائم. تنزلت هذه التحولات الزارعية في سياق ديمغ ارفي ميزته ارتفاع الكثافات السكانية ونزعة طرد عبرت عن نفسها في حاصل هجري سالب مزمن. وكان من تحديات التنمية الزارعية استيعاب الزيادة الديمغ ارفية وتوفير مواطن الشغل لخفض مستوى البطالة العالي وتثبيت السكان بتعزيز مقومات البقاء في الإقليم. ولربما وفرت هذه

130Pascon Paul, 1978, De l’eau du ciel et l’eau d’Etat. Psychologie de l’irrigation, Hommes, Terre et Eaux, Vol.

8(28), pp 3-.01

89

ة

الزيادة السكانية الهامة طاقة عمل ارفده لمشروع الر ي. فإلى أي مدى استجابت هذه التنمية الزارعية للتحدي الديمغ ارفي وما اهم ملاح العلاقة بين الدينامية الزارعية والدينامية الديمغ ارفية؟

90

الفصل الثالث: ضعف النموّ الديمغارفي الحالي وتغاير انماط التعمير

ارفقت التحولات الزارعية بسهل جندوبة في الفترة المعاصرة تحولات ديمغ ارفية هامّة عكست استجابة الهياكل الاجتماعية والاقتصادية لهذه التحولات التي فرضت عليها من خارج نسقها سواء تعلق الامر بالتحولات المرتبطة بالاستعمار الزارعي او تلك التي ارفقت تدخلات الدولة لإعادة تشكيل الت ارب والمشهد الزارعي عبر التقسيمات الت اربية الجديدة او عبر التهيئة المائية الزارعية. ولقد المجال الت اربي يحوي كثافات سكانية عالية واستثنائية رغم الطابع الريفي العام وعرف في النصف الثاني من القرن العشرين ازدة سكانية هامة لم تفلح الهجرة إلا جزئيا في امتصاص آثارها هذا في ظل مستويات بطالة عالية ومؤش ارت مستوى عيش منخفضة إذا ما قورنت بالأقاليم الساحلية للبلاد التونسية. ت رافقت هذه الزيادة السكانية الهامة مع فترة تركيز مشاريع التهيئة المائية الكبرى المعاصرة بالإقليم وتفاعلت معها مما كانت له انعكاسات ت اربية متباينة من حيث التعمير والانتشار السكاني ونسق التحضر والاستهلاك والح ارك. ومع تجاوز المرحلة الانفجارية للانتقال الديمغ ارفي يبدو ان الإقليم يتجه الى حالة ركود ديمغ ارفي يعكسها النمو الضعيف والسالب.

1-من النمو الضعيف الى النمو السالب: تأثير مزدوج للهجرة وتارجع الانجابية

سجلت ولاية جندوبة حسب التعداد الاخير لسنة 2014 نسبة نمو ديمغ ارفي سالب لأول مرة بـ – 0.37 لتلتحق بمسار نمو ضعيف لباقي ولايات الشمال الغربي اتضحت معالمه في التعداد السابق) 2004(. ويعبر هذا عن نزعة ثقيلة لكامل الاقليم في عجزه عن الاحتفاظ بنسق نمو سكاني ايجابي وبالتالي تكريس ملمح الط رد امام روافد سكانية خارجية محتملة وامام ساكنيه. يقف وارء هذه النزعة الى النمو السالب فعل مزدوج لهجرة سالبة هيكلية ميزت الاقليم طيلة القرن العشرين واتجاه مبكّ ر نحو تحول نوعي للسلوك الديمغ ارفي للسكان انخفضت معه وتيرة الانجابية الى حد لافت للانتباه، ولا يخلو من مفارقات إذا ما نزلناه في نسق الانتقال الديمغ ارفي العام الذي عرفته البلاد التونسية.

91

ة

جدول عدد6: مؤشارت ديمغارفية بولاية جندوبة) 1984-2010(

المصدر: المعهد الوطني للإحصاء

رسم عدد2: نسبة النمو والفارق السكاني بين 2004و2014 حسب المعتمديات

92

أ- إنتقال ديمغارفي ناجز لكن غير نمطي

عرف سهل جندوبة مثل سائر اقاليم البلاد التونسية طفرة ديمغ رافية هامة منذ بداية الستينات الى منتصف الثمانينات من القرن الفارط ارتبطت بزيادة هامة للولادات وت ارجع نوعي للوفيات العامة ووفيات الاطفال خاصة. تتناسب هذه الفترة مع الطور الاول للانتقال الديمغ ارفي في تونس. لكن بداية من منتصف الثمانينات لوحظ اتجاه مبكر الى ت ارجع الولادات ومستوى الانجابية حيث نزل المؤشر التأليفي للإنجاب من 6.2 سنة 1966 الى 2.72 سنة 1994 ثم لينخفض العدد الى ما دون مستوى تجدد الاجيال بـ 1.9 سنة 2010. وت ارجعت نسبة الولادات تباعا في نفس الفترة من 31‰ الى 21.2 و15.7 ‰. أما عن نسبة الوفيات فقد وصلت حدها الادنى الذي لا يمكن النزول تحته بفعل البنية الهرمية للأعمار. وسجلت اتجاها طفيفا نحو الارتفاع إلى نسبة 6.2‰ وهو ما يحيل على بدايات تهرم سكاني مؤكدة نعود الى تحليلها لاحقا. أثر هذا الت ارجع الهام للولادات واستق ارر نسبة الوفيات في مستوياتها الدنيا والعودة الطفيفة الى الارتفاع على نسق النمو الطبيعي للسكان الذي نزل من 2.42% سنة 1984 ليستقر في حدود 0.92 % بين 2004 و2010. ورغم أن هذا التطوّر يبدو متسقا مع المعدلات الوطنية العامة إلاّ انه يبدو مفارقا ولافتا مقارنة بباقي أقاليم البلاد التونسية التي تتشابه معها في مستويات التنمية والتحضر الضعيفة. خلافا لنسقية الانتقال الديمغ ارفي التي كانت أسرع واسبق واوضح في الاقاليم والبلدان الاكثر تحض ار وارتفاعا لمستويات العيش يبدو هذا الانتقال في جندوبة ناج از ومؤكدا لكنه جاء في سياق مستويات تحضر ضعيفة) %27 سنة 2014( ومستويات عيش مؤش ارته هي دون المعدلات الوطنية. وتكاد تكون هذه الحالة مميزة لولايات الشمال الغربي عامة.

يظهر الرسم البياني وجود علاقة عكسية بين مستوى الانجاب ومستوى التنمية الجهوية حسب الولايات ولكنها علاقة ضعيفة إحصائيا. وتبدو جندوبة كحالة غير نمطية في الرسم تتميز عن باقي الولايات بانخفاض مؤشري التنمية الجهوية والمؤشر التاليفي للانجاب معا. هذا ما يطرح السؤال حول أسباب هذا الانتقال الديمغ ارفي العميق والمبكر في ظل مستوى تنمية ضعيف؟

93

المصدر: – المعهد الوطني للإحصاء / وازرة التنمية والتعاو ن الدولي

رسم عدد 3: العلاقة بين المؤشر التأليفي للإنجاب والمؤشر التأليفي للتنمية الجهوية) 2011(

حاولت الباحثة بنديكت غاستينو بمعهد بحوث التنمية IRD التماس الاجابة عن هذا السؤال انطلاقا من د ارسة ميدانية ضافية في منطقة خمير. لاحظت الباحثة وجود علاقة بين الفقر واتجاه طوعي الى تقليص الانجاب، فالظروف الاجتماعية الضاغطة وأهمية النزوح الريفي والهجرة المغادرة تقود الى تاخير سن الزواج والمباعدة بين الولادات وكذا الاقبال على موانع الحمل المتاحة. واعتمدت الباحثة على مقارنات مع وضعيات شبيهة في امريكا الجنوبية لتصل الى نتيجة مفادها ان الانتقال الديمغارفي وت ارجع مستويات الانجاب يرتبط بما تسميه "مالتوسية الفقر". من المعلوم ان تونس قد توخت منذ ستينات القرن الماضي اي بعيد الاستقلال سياسة سكانية ممنهجة ومنتظمة وشاملة لكامل الت ارب الوطني بعنوان "التنظيم العائلي" توافقا مع سياسة سكانية عامة تحذر من خطر الانفجار الديمغ ارفي واختلال التوازن مع الموارد المتاحة ووعيا محليا بتواضع الموارد وضرورة الرهان النوعي على المورد البشر ي كما يعكسه الخطاب الرسمي للدولة. لكن هذه السياسة السكانية وعبر ب ارمجها القطاعية والمجالية لم تكن لتجد تأثيرها المباشر لولا الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة والتي دفعت بالأسر الى الاقبال الطوعي على وسائل منع الحمل خاصة الطبية منها إضافة الى الح ارك المجالي الهجري الذي يبقى في عمقه الت اربي محاولة لتعديل التوازن بين السكان والموارد. ب- حارك هجر ي سالب: نزعة ثقيلة

لئن كان لهذه الحركة الطبيعية للسكان تأثير مباشر على نسق ال نّمو الديمغ ارفي فان التأثير الابرز يرتبط بالحركة الهجرية الداخلية وبدرجة أقل بالهجرة الخارجية. فبعدما كان الاقليم وجهة موسمية للانتجاع الدوري لقبائل وعشائر الوسط التونسي وحتى لروافد اجتماعية تجارية هامة مثل الج اربة، تحول الى منطقة طاردة وعاكسة للهجرة. ولقد تعددت التفسي ارت لهذا التحول الاجتماعي المجالي ولهذه المفارقة الجغ ارفية بين "الوفرة" الطبيعية الظاهرة )خصوبة التربة ووفرة المياه( ونزعة الطرد التي اتخذت ملمحا قا ارّ وربّما هيكليا. ويمكن حصر ثلاث فرضيات على الاقل: تقول الفرضية الاولى بان الهجرة المعاصرة في حوض مجردة لا تعدو ان تكون سوى تعديل للتوازن بين السكان والموارد ولا تمس بعمق الهياكل الاجتماعية والاقتصادية وأنها تعني "الفائض السكاني "أكثر من مجموع السكان. أما الفرضية الثانية: فعكس الاولى فتعتبر الهجرة هيكلية سواء في دوافعها او مآلاتها وتداعياتها على هياكل الانتاج الزارعي خصوصا والهياكل الاجتماعية عامة من حيث تركيبة الاسر وعلاقات الملكية المختلفة وملامح العلاقة مع الارض. وتستند الفرضية الثالثة الى فكرة "الظرفية" التاريخية أي ان الهجرة في حوض مجردة هي مجرد هجرة ظاهرة او عابرة عكست انسداد آفاق الانتجاع التقليدي وبحث عشائر الوسط عن وجهات جديدة ستكون بالأساس المناطق الساحلية واقليم تونس خاصة بعد أزمة الثلاثينات الاقتصادية.

من الصعب المتابعة الكمية لظاهرة الهجرة الداخلية لفترة ممتدة من الزمن فالإحصائيات الدقيقة حول الأدفاق والدوافع والتركيبة تعتبر حديثة نسبيا وتختلف دقتها حسب المسوح والتعدادات. لكننا نملك بالمقابل مقاربات هامة للموضوع و منها د ارسة لع ازلدين مخلوف نشرت عام 1969132: يعتمد الباحث على مقارنة بين تعدادين متباعدين للفترة الاستعمارية وهما تعداد 1921 و تعداد 1956 ويلاحظ ان نسبة الزيادة السكانية ظلت ضعيفة ولا تتجاوز حدود 50% ، وهو نسق يختلف تماما عن باقي اقاليم البلاد التونسية ويربط ذلك تحديدا بالهجرة . ويعتبر ذلك حالة هيكلية. حيث قادت المكننة وسحب قاعدة الانتاج المتمثلة في الم ارعي فضلا عن تركّ ز الملكية العقارية بيد المعمّرين

132Makhlouf Ezzedine,1969 « L’évolution de la population de la Tunisie septentrionale depuis 1921 : milieu rural et

structure de la population » Revue tunisienne des sciences sociales N° 17-18, Tunis. pp 525-569

95

وبعض الملاكين التونسيين الى اجبار أعداد واسعة من الفلاحين دون ارض على المغادرة في الوقت الذي احتفظت فيه السفوح الجبلية المجاورة بثقل بشري هام. وكان إقليم تونس وظهيره الزارعي ثم بدرجة أقل ساحل بنزرت الوجهة الابرز لهذه الهجرة. استوعبت هذه الحركة السكان المحليين وهجرة الانتجاع وحركة سكان الوسط نحو الشمال بعد ازمة الثلاثينات الاقتصادية وازمة الجفاف لسنة 1947. ويلاحظ ع ازلدين مخلوف ان فترة الستينات، ورغم بوادر زيادة سكانية هامّة ارتبطت بت ارجع نوعي للوفيات، أن حركة الهجرة المغادرة شهدت كبحا لنسقها طيلة العشرية في تباين واضح مع باقي اقاليم البلاد التونسية ويعزو ذلك الى تأثير ايجابي لتجربة التعاضد في الاحتفاظ المؤقت باليد العاملة الزارعية واستيعاب جزء من "العائدين" او المطرودين من الاحياء القصديرية بالعاصمة. ويؤكد: "لا يجب المبالغة في دور التعاضديات.. فهي لا تمنع الهجرة المغادرة بل تكبح نسقها".

إحتدّ نسق الهجرة المغادرة منذ السبعينات وأصبح الحاصل الهجري السالب معطى هيكليا ممي از للدينامية الديمغ ارفية للإقليم لكن دون ان يقود ذلك الى ت ارجع مستوى الكثافة السكانية او تغيير نوعي للبنية السكانية حيث لا نلاحظ اختلافات جوهرية بين هرم الاعمار الوطني وهرم الاعمار للولاية في مختلف التعدادات الاخيرة.

جدول عدد7: تطور صافي الهجرة بجندوبة بداية من 1969

)*( إسقاطات سكانية

المصدر: ديوان تنمية الشمال الغربي، جندوبة بالأرقام والمعهد الوطني للإحصاء، التعداد العام للسكان والسكنى.

رسم عدد4: تطوّر مؤشر صافي الهجري بجندوبة والشمال الغربي

)مؤشر 100 فترة 1969-1975(

المصدر: المعهد الوطني للإحصاء

يعكس تطور الحاصل الهجري بجندوبة والشمال الغربي التونسي معطيات هيكلية اهم ملامحها:

تهيمن نزعة المغادرة على الهجرة طيلة الفترة المعنية مما يعني عجز الاقليم عن الاحتفاظ بسكانه وتحفيز دينامية جذب سكاني جديدة رغم مشاريع التنمية المختلفة في مختلف القطاعات الاقتصادية ورغم الترقية الحضرية وظهور معتمديات جديدة. وترجّح الاسقاطات السكانية الحديثة ت ارجعا كبي ار للحاصل الهجري السالب الى حدود سنة 2024 دون التحوّل الى حاصل ايجابي. كما نلاحظ تباينا واضحا لنسق الهجرة من فترة الى أخرى تأث ار بالظرفية الاقتصادية العامة للبلاد حيث شهدت الفترة 1984-1989 ت ارجعا ملحوظا للحاصل الهجري حيث ينزل المؤشر الى 72. ومن المعلوم ان هذه الفترة قد شهدت صعوبات اقتصادية كبيرة ارتبطت بأزمة الديون الخارجية وتفاقم نفقات الدعم واعباء المالية العمومية فضلا عن سنوات الجفاف) 1987( والاضط اربات الاجتماعية والسياسية) 1984 و1987(. الشيء الذي انعكس على التشغيلية خاصة في قطاعات الإنشاء والأشغال العمومية وهو القطاع الذي يجتذب نسبة هامة من النازحين من الاقليم .

لكن بالمقابل، من المهم الاشارة الى الدور الايجابي الذي لعبته المناطق السقوية العمومية في الاقليم بدخول الجيل الاول والثاني من هذه المشاريع المائية الضخمة حيز الاشتغال والشروع في انجاز الجيل الثالث من مشروع بوهرتمة للري. ولئن كان تأثير هذه المناطق السقوية نسبيا محدودا على هجرة العمالة باعتبار مست وى التأنيث العالي لليد العاملة الزارعية وضعف الاجور فان توفر الخضروات والمواد الغذائية بالقرب وبأسعار مناسبة فضلا عن ارتفاع قيمة الارض الزارعية كل ذلك

97

قد ساهم في خفض الاحساس بالأزمة الاقتصادية وشكل عامل لجوء للقطاع الزارعي. لكن ما الذي يفسر استئناف ارتفاع الحاصل السالب بداية من التسعينات؟ يؤكد هذا التأثير الظرفي لأزمة النصف الثاني للثمانينيات وعجز التهيئة الزارعية الحديثة عن تجاوز مجرد كبح التيار الى عكسه وامتصاص طلبات الشغل الاضافية محليا. ثم ان اتجاها جديدا، بدأت تتضح معالمه امام حالة التشبع للم اركز الحض رية الحاضنة تقليديا لأدفاق الهجرة الوافدة من الاقليم، بظهور أدفاق جديدة خاصة نحو اقليم الوسط الشرقي والساحل التونسي والوطن القبلي. يعرف هذا الاقليم دينامية ت اربية هامة ترتكز على قطاع السياحة ونسيج صناعي كثيف نسبيا وفلاحة شبه حضرية .شهدت الفترة 2009-2014 تعمق الفارق بين مؤشري الهجرة للولاية وللإقليم )150 لجندوبة مقابل 115 للإقليم( وربما يعود هذا الى زيادة الوزن الديمغ ارفي للولاية داخل الاقليم والذي تطوّر من 20% سنة 1994 الى 34.9% سنة 2013 والى احتفاظ الولاية بكثافات سكانية عالية) 136 س/ك م2 كمعدل للولاية سنة2013(.

باعتبار اختلاف نسق ت ارجع مستوى النمو الديمغ ارفي بين الولاية والاقليم بين التعدادين الاخيرين هناك

ما يدفع الى القول بان الهجرة في سهل جندوبة تواصل تخفيف الضغط البشري على الوسط الطبيعي الى ما يعيد التناسب بين السكان والموارد. ما هي خصائص هذه الهجرة وما هي أبرز ادفاقها؟ جدول عدد8: دوافع الهجرة وتوزعها محليّا )النسبة(

المصدر: المعهد الوطني للإحصاء/ تعداد 2004/ إقليم الشمال الغربي 2008

لا تبدو خصائص الهجرة لسهل جندوبة في دوافعا مختلفة عن التوزيع العام الوطني. وتشهد هذه الدوافع عن تحولات نوعية في الخصائص: فهجرة العمل تقلص حجمها ليساوي حوالي 20%

98

لصالح هجرة عائلية بالأساس حيث يصل دافع مصاحبة العائلة الى ما يقارب 60%. يشير هذا الدافع الى اهمية الهجرة العائلية وهي مقدمات لهجرة نهائية يصحبها تغيير نهائي لمقر الاقامة واعادة

ترتيب للعلاقة مع الموطن الاصلي. لكن هذا لا ينفي إمكانية هجرة العودة وان كان يصعب حصرها من الناحية الكمّية فان ارتفاع فئة الشيوخ في هرم الاعمار بجندوبة مقارنة بالنسق الوطني يمكن ان يؤكّد اهمية ظاهرة عودة المهاجرين. ومن حيث التوزيع المجالي تبقى الهجرة انطلاقا من

المعتمديات الجبلية والغابية) عين د ارهم وفرنانة( هجرة عمالة في حين ترتفع نسبة هجرة مصاحبة العائلة بشكل لافت في سهل جندوبة لتصل الى 65% بمعتمدية جندوبة و63% بوادي مليز. هذا التغير في اوازن دوافع الجرة يصحبه ايضا تغير نوعي للهجرة حسب الوسط. فلقد ت ارجع حجم النزوح الريفي كثي ار ضمن تركيبة المهاجرين . ورغم ان نسبة سكان الريف بجندوبة تقدر بـ 72% فان نسبة هجرة الريفيين لا تتعدى 26% وهو ما يعني ان الح ارك هو حضري بالا ساس ويهم التجمعات الحضرية واحيائها أكثر من غيرها.

المصدر: المعهد الوطني للاحصاء

رسم عد5د: الهجرة بين جندوبة وباقي الولايات انطلاقا من وسط ريفي 2004

ة

خريطة عدد 6: اهم الادفاق الهجرية بين جندوبة وباقي الولايات في 2004

100

لعل هذا ما يفسر ت ارخي مستويات النمو الديمغ ارفي بين 2004 و2014 للكثير من العمادات في مدينتي جندوبة وبوسالم أين يرتفع مستوى التحضر نسبيا مقارنة بمحيطها الجبلي )فرنانة وعين د ارهم وجزء غا ارلدماء.( إذن، قاد تظافر نسق الحركة الطبيعية ونسق الحركة المجالية ليقود الى تجاوز مفاعيل المرحلة الانفجارية للانتقال الديمغ ارفي واستق ارر النمو في مستويات ضعيفة بل سالبة حسب معطيات التعداد السكاني الاخير لسنة 2014. غير ان الاسقاطات السكانية ترجح تقلص الحصيلة الهجرية السالبة في المدى القريب والمتوسط للإقليم كما أن هناك بوادر عودة الى ارتفاع الولادات على المستوى المغاربي وعلى المستوى الوطني أيضا مما إعتبره بعض الديمغ ارفيين "مفاجأة جديدة" تدفع الى تنسيب نسق التطور الديمغ ارفي الحالي ومآلاته. حيث يسير النسق العام الى عودة قاعدة الهرم الى الاتساع النسبي والى استق ارر مستوى الانجابية عند مستوى تجدد الاجيال. هذا التطوّر يرتبط بالبنية العمرية للسكان ويحمل تأثير المرحلة الديمغ ارفية السابقة، فالأجيال التي ولدت فترة الطفرة الديمغ ارفية بين 1965 و1985 أصبحت معنية كلها تقريبا بالزواجية والانجاب. وربّما يكون من السابق لأوانه الحديث عن ولوج المرحلة الاخيرة من الانتقال الديمغ ارفي المعروفة بالنضج الديمغ ارفي على غ ارر البلدان الغربية. ولكن من الاكيد ان تونس تقف على أعتابها وأن الانتقال الديمغ ارفي فيها كان سريعا و عميقا. وبعيدا عن المقاربات الكارثية للمشكل الديمغ ارفي يرى فيليب فارق Fargues أن الوضعية الحالية تمثل لبدان كتونس فرصة ديمغ ارفية او ما يسمّيه هو بـ" العصر الذهبي الديمغ ارفي". ذلك نسبة الاعالة تتقلص الى حدّها الادنى بتقلص نسبة الاطفال وضعف نسبة الشيوخ مما يرفع من طاقة العمل البشرية رغم تحديات التشغيل التي تطرحها أمام عجز السوق المحلية والاقليمية للشغل عن استيعاب الطلبات الاضافية وحتى الاحتفاظ بالنشطين المشتغلين فعلا. ماذا يعني التطور الديمغ ارفي الحالي لمنطقة الد ارسة؟

2- دينامية ديمغارفية مجالية متغايرة محّليا: ضعيفة في الجملة باستثناء الماركز الحضرية

يصعب تبين الدينامية الديمغ ارفية الطبيعية ما دو ن مستوى الولاية الاحصائي ولكن لا نعتقد ان هناك تغاي ار جوهريا بين أج ازء مجال الد ارسة وتميل السل وكيات الانجابية الى التجانس لتأثر الحضريين بأصولهم الريفية وعلاقات القرب الاجتماعي المحيطة ولميل الريفيين الى تبني انماط استهلاك وممارسات اجتماعية مجالية حضرية. وربما كان مؤشر عدد الاف ارد للأسرة الواحدة دالاّ على فروقات طفيفة بين بعض عمادات السهل كمستوى ت اربي اداري قاعدي وبعض عمادات السفوح كما يشير الى ذلك تعداد السكان لسنة 1984 ولكن هذا قد يكون مرتبطا بمساكنة الاسر التي تنتمي الى العائلة الواحدة وظروف السكن اكثر من نسق انجابي مختلف بين العمادات. ولذا تبقى الدينامية الهجرية هي المعبّر الاكثر عن التغاير في الدينامية الديمغ ارفية لمجال الد ارسة. تتأكد حسب التعداد الاخير لسنة 2014 النزعة الثقيلة نحو النمو الضعيف والسالب او ما يمكن ان نسميه "حالة ركود ديمغ ارفي" لأغلب الوحدات الادارية القاعدية بما فيها الاج ازء الحضرية لمدن سهل جندوبة. وفي هذا اتساق مع النسق العام لتغاير النمو الديمغ ارفي.

يتضح من خلال الخريطة ضعف النمو الديمغ ارفي لأغلب معتمديات الشمال الغربي والتي لا تتجاوز بالكاد 1% و تصل الى ما دون -3% في بعض اج ازء التل العالي والتي بدأت تظهر فيها بعض ملامح "مخالاة" ريفية déprise rurale. ومن تجلياتها ضعف النمو السكاني وانتشار المساكن الشاغرة فضلا عن البور الاجتماعي الممتد زمنيا وتدهور الارض الزارعية والم ارعي. وتظهر خريطة النمو الديمغ ارفي ايضا انحصار النمو الايجابي في بعض م اركز العم ارن التي تنفرد بوظيفة تسيير اداري اقليمية )م اركز الولايات(. كما تشير الخريطة الى تدعّم بعض المحاور المجالية الاقليمية في استقطاب واضح نحو إقليم تونس وهي تقريبا محاور ثلاث: حوض مجردة الاوسط بين مجاز الباب وجندوبة ثم محور تونس سليانة وبدرجة أقل انتظاما محور ساحلي شمالي حول مدينة طبرقة. اما محور الطريق الوطنية رقم 5 والذي يربط تونس بالكاف فلا يبدو انه يحتفظ بدينامية ديمغ ارفية بارزة.

ة

103

وتظهر خريطة التوزع السكاني في الشمال الغربي تماي از واضحا لميدان البحث والذي ينتمي الى محور سهول مجردة الاوسط فهو مجال يحتفظ بكثافة سكانية عالية تصل 303 س/كم2 بجندوبة في 2014 وأدناها بمعتمدية وادي مليز بـ 92 س/كم2. وهي كثافات تاريخية هامة على الاقل في القرن العشرون كما تشهد بذلك كتابات فرنسوا بونيارد في 1934 واحمد القصاب في اطروحته المنشورة في 1979. في هذا المجال لا تختلف النزعة نحو النمو الضعيف عما سجّل بباقي الاقليم من حيث التطوّر او التوزيع الجغ ارفي الحالي. ولكن إذا ما قورنت الدينامية الديمغ ارفية بمحيطها من السفوح والمناطق الجبلية شمالا وجنوبا تظل ايجابية مع تعزيز واضح لمركز الولاية بجندوبة غربا ومركز الولاية لباجة شرقا، في حين تواصل كل من بوسالم وغا ارلدماء ووادي مليز خسارة قسم من سكانها عبر الهجرة وكذا النمو الطبيعي الضعيف. غير ان هذه النزعة العامة تخفي تغاي ار محليا هاما إذا ما بحثنا في المستويات الجغ ارفية ما دو ن حدود المعتمديات. وهنا تعترض الباحث مشكلة إحصائية لا يخلو منها أي بحث في المجالات المحلية ألا وهي تغيير التقسيمات الادارية بتقسيم الوحدات الت اربية الى وحدات أدنى )عمادات ومعتمديات(. وهو ما يعيق تتبّع الدينامية الديمغ ارفية المحلية لفترة ممتدة من الزمن. إضافة الى هذا فان المنشوارت الاحصائية السنوية لديوان تنمية الشمال الغربي تتوقف غالبا عند مستوى المعتمدية ويختلف مستو ى دقة وحينية المعطيات المتاحة من المعهد الوطني للإحصاء من تعداد الى آخر.

حا ولنا تتبع هذه الدينامية الديمغ ارفية المحلية من خلال سلسلة زمنية من نتائج التعدادات تمتد بين 1956 و2014 واخترنا التركيز على الثلاثة معتمديات الاهم في مجال الد ارسة والتي تتوفر بها معطيات لكامل الفترة مع م ارعاة تحوير التقسيمات الادارية داخلها الا وهي غا ارلدماء وجندوبة وبوسالم .

ثم وانطلاقا من المتاح للنشر من تعداد السكان والسكنى لسنة 2014 الى حين كتابة هذا الجزء من البحث وتحيين معطياته، حاولنا التعرف على التوزيع الجغ ارفي للدينامية الحالية حسب العمادات كوحدات ت اربية ادارية واحصائية قاعدية من خلال تتبع العلاقة بين فوارق احجامها السكانية ونموها الديمغ ارفي بين التعدادين الاخيرين) 2004 و2014(.

رسم عدد6: النمو الديمغارفي الريفي في سهل جندوبة بين 1956و2014

يتضح من خلال الرسم تذبذب مستويات النمو الديمغ ارفي من فترة الى اخرى في علاقة مباشرة بنسق الهجرة، وبحكم ثقل نسبة سكان الريف فان الدينامية العامة لمجموع السكان تكاد تحاكي في نسقها الدينامية الديمغ ارفية الريفية بين 1956 و2014 رغم اهمية نسبة النمو الحضري خاصة بين 1956 و1994. لكن في كلا الوسطين تتجه النزعة الى تكريس النمو الضعيف ويعود هذا الى تغير طبيعة الهجرة كما ذكر آنفا بت ارجع كبير للنزوح الريفي وهيمنة نمط الهجرة العائلية على باقي دوافع الهجرة. ورغم اهمية نسبة النمو الحضري فان النسبة العامة للتحضر في الولاية لا تتجاوز 31% في 2014 وتصل الى 46.5% في مركز الولاية الذي انقسم اداريا الى معتمدتين فاحتفظت جندوبة الشمالية بالنسبة الاكبر للرصيد السكاني لجندوبة. هذا التحضر الضعيف مقارنة بالمعدلات الوطنية وحتى الاقليم يعبر عن خصائص هيكلية مميزة: منها ان مدن سهل جندوبة هي بلا استثناء مدن جديدة ارتبطت بالظاهرة الاستعمارية وسياسات تشكيل الت راب في الفترة المعاصرة وتقطع التواصل في الزمن لتطور المدن التاريخية )بلاريجا وشمتو( ورغم نشأتها الاستعمارية هذه فلقد ظل تطورها بطيئا لرهان التعمير الزارعي على الاستيطان الريفي داخل ضيعات المعمرّين او التغيبي بدلا من المدن المحلية والاقليمية كسوق الخميس او سوق الاربعاء. وبعد الاستقلال كانت البنى الحضرية هشة والنسيج الاقتصادي كان عاج از تجاوز وظائف السوق التقليدي بضعف تنوع وظائفه. كما انه واجتماعيا، لكم تكن هناك طبقة إجتماعية متماسكة تذكر من السكان الحضريين des citadinsقادرة على تثوير انماط الاستهلاك والادخار والتعمير والهندسة المعمارية والمدنية.

105

ظل انتشار الصناعة ضعيفا فلم نشهد ظهور احياء عمالية تذكر باستثناء بعض الاحياء "الريفية" التي ارتبط ظهورها بالعمل الزارعي كحي حشاد شمال غربي مدينة بوسالم او حي التطوّر في الجنوب الشرقي لجندوبة. لقد ظل الاستق ارر الريفي جاذبا للسكن أكثر من المدن ولهذا فالانتشار السكني والتشتت هو الغالب وهو يعبر عن نمط للحياة لم تؤثر فيه الحياة الحضرية الدافعة للتركز إلا قليلا )من جهة انماط الاستهلاك( ولا يرتبط ضرورة بالنشاط الزارعي. ثم إن الارتفاع الهام للقيم العقارية في سهل خصب لا ت ازل الزارعة محور استخداماته للأرض الاساسية لا تشجع إلا فئات محدودة من السكان على الاقبال على ش ارء العقا ارت بالأحياء الجديدة. هذه الاحياء تستقطب في الاغلب طلبات اعادة الانتشار السكني من داخل الاحياء القديمة المتقادمة في النواة الحضرية الاولى او احزمتها مثال احياء السنيت في شمال بوسالم او حي المروج في جنوب جندوبة او حي الفردوس شمالها. تهيمن على باقي المجال الريفي كثافات عالية تنتظهما ثلاثة أشكال للتعمير هي الوحدات السكنية التقليدية القاعدية التي تسمى "دوّار" والقرى المحدثة والاحزمة شبه الحضرية المتاخمة لحدود المدن.

صورة عدد11: قرية البارهمي، غلبة التنظيم المجالي الخطي )علوي س(.

106

تجدر الاشارة الى صعوبة تمييز هذه الوحدات إحصائيا وتقدير احجامها الديمغ ارفية فعليا وبدقّة. ذلك ان الوحدة الاحصائية الادارية القاعدية هي العمادة ويمكن ان تضم واحدة او أكثر من اشكال التعمير السابقة الذكر كما يمكن ان تجمع أج ازءا حضرية واخرى ريفية مثال بير الاخضر ببوسالم. وهي وحدة ت اربية متغيرة في الزمن والمجال. تعد جندوبة 91 عمادة في 1994 و95 سنة 2009. كما انه يصعب تمييز التجمعات السكنية المجاورة للعم ارن الحضري والتي يمكن تصنيفها كمجالات ثالثة غير حضرية وغير ريفية او ما يسمى بالأحزمة شبه الحضرية لكنها تطبع المشهد بوضوح ولها تمايز وظيفي ومجالي عن باقي اشكال التعمير.

 التعمير الذاتي داخل الدوّار:

ما يميز تشكل هذه الن واتات الت اربية هو الروابط الدموية والعائلية وعلاقات الجوار القديمة والمتوارثة. يغلب على هذا النمط السكن المشتت والذي يمليه توزيع الهياكل العقارية ونظام المستغلة العائلية. ويكون انقسام العائلات ومعها الت ارث العقاري سببا مباش ار للتوسع المجالي لوحدة الدوّار او حتى نشوء نواتات جديدة للتعمير مستقلة مجاليا عن المجالات الام. هذا المعطى السوسيولوجي يجعل استقبال وافدين جدد او تعمي ار من الخارج لوحدة الدوار مستعصيا ويكاد يكون ناد ار خارج دائرة المصاهرة والعلاقات العائلية الموسّعة. ثم ان اقتناء ا ارضي صالحة للبناء عادة ما يصطدم بنظام للملكية والح ارك العقاري يمنح "حق الشفعة" )اولوية قانونية في انتقال او انج ارر الملكية( للجوار يستعصي معه انتقال الملكية خارج "الوحدة" الاجتماعية التاريخية للدوّار. ولذا نرجّح غلبة منطق التعمير الذاتي لهذا الصنف من السكن على اي دور مفترض لهجرة داخلية في الدينامية الديمغ ارفية لهذه الوحدات الت اربية. ونلاحظ من خلال الرسم التالي ما يعزّز هذا التصور. فاغلب العمادات التي تنتمي الى هذا الصنف من اشكال التعمير تعرف ما يشبه حالة "الركود" الديمغ ارفي من ملامحه ضعف النمو وضعف الفارق السكاني بين التعدادين الاخيرين.

 القرى المحدثة: دينامية تاربية جديدة

يتمثل الصنف الثاني من أشكال الاستق ارر الريفي في القرى المحدثة الفترة المعاصرة حول الضيعات الكبرى ومحاور الطرق الرئيسة كحاضنة عمّالية للضيعات او كمحاولة للتجميع السكني بإش ارف مباشر من الدولة على إثر الكوارث الطبيعية المتواترة المرتبطة بفيضان وادي مجردة تحديدا .بعض هذه التجمعات القروية الجديدة ارتبط بتجربة التعاضد في الستينات مثال قرية الارتياح ببلاريجا او العزيمة او الشلايبية على مسافة منتصف بين جندوبة وبوسالم. وعلى إثر فيضان مجردة وروافده )ملاق وتاسة تحديدا( في 1969 و1973 أعيد توطين بعض السكان المتضررين من الفيضان فيما يعرف بالملجى) الملجأ( في سوق السبت او جنوب مدينة بوسالم. ما يجمع هذه التجمعات تغاير الاصول الاجتماعية وضعف الرصيد او الاحتياطي العقاري او انعدامه احيانا. ولقد كان من السهل اقتطاع جزء من الا ارضي الدولية لإعادة توطين هؤلاء السكان حيث تجمعاتهم الحالية في الستينات قبل تسويغ هذه الا ارضي وانتقالها الى تعاضديات او شركات احياء او ضيعات نموذجية. هذا الجوار للملكيات الكبرى كان يمنح فرص عمل زارعي للمتساكنين لكنه مثل حاج از أمام تفتيت الملكية وبالتالي الح ارك العقاري الذي يسمح لهؤلاء السكان بالتملك. ولذا كان التوسع الداخلي لهذه القرى يستهلك الرصيد العقاري المتاح في حدود ضيقة الى ان بلغ حالة التشبّع واستنفاذ قابلية التوسع الافقي.

والجدير بالملاحظة ضعف الاقبال على البناء العمودي الذي يمكن ان يكون فرصة للتكثيف السكني والتحكم في المجال. والواقع ان السكن العمودي ذو تقاليد ضعيفة الى معدومة في غالبية الاقليم.

ورغم انه في بلاريجا الاثرية لا ت ازل هناك شواهد على سكن الطوابق وتحافظ على تماسك لافتا. لكن وكما أشرنا سابقا ظل التواصل بين انماط التعمير القديم والمعاصر ضعيفا وناد ار مما حرم الت ارب من م اركمة ت ارث ومها ارت تعمير.

تعبّر حالة قرية الروماني عند مدخل مدينة بوسالم التي تعرف مستوى نمو ديمغ ارفي لافت بـ 94,4% بين 2004 و2014 عن حضور مباشر للدولة في تشكل مشهد التعمير عبر إعادة توطين السكّان. لقد تكونت هذه القرية حول مصنع ألبان الشمال الغربي) لينو( أحدثت فيها نواة سكنية عم ارنية في 2008 على إثر فيضان مجردة وغمره الكامل لمدينة بوسالم في جانفي 2003. لقد اجبر السكان المتوطنين في مجرى قديم للوادي )حي ديامنتة( على اخلاء مساكنهم قصد انشاء قنال عرضية نصف مكشوفة تستجمع مياه الامطار وما يفيض على حافات مجردة القريبة مع التعويض. واستقبلت النواة

108

السكنية بالروماني ايضا المتضررين من الانزلاقات الارضية المرتبطة بإنشاء بحيرة جبلية على مستوىقرية بني محمّد شمال معتمدية بلطة بوعوان. سلمت المساكن لـ"المنتفعين" دون عقود تمليك كامل لتثبيت السكان والحيلولة دون بيع سريع للعقا ارت. وهنا نلاحظ مرّة أخرى دو ار كبي ار للمياه في العلاقات الت اربية الجديدة وفي تشكيل الت ارب عامّة. يرتبط افق الدينامية الديمغ ارفية لهذه القرى المحدثة بعلاقات القرب وآفاق التشغيل الزارعي التي تظل محدودة من حيث توزيع ايام العمل السنوية )غلبة التشغيل الموسمي( او قطاع الخدمات والقطاع الصناعي في المناطق الصناعية المحدثة والتي لا ي ازل آداؤها محدودا لعوامل عديدة نعود الى تحليلها لاحقا. ما يلاحظ من خلال الرسم البياني انه باستثناء قرية الروماني شرقي بوسالم تواجه التجمعات السكنية التي تنتمي الى هذا الصنف الثاني نفس حالة الركود الديمغ ارفي وان كان بدرجة أقل مقارنة بالنطاقات الريفية الجبلية ذات الاكتناف الواضح او باقي الت ارب الريفي باستثناء الاحزمة شبه الحضرية حول بوسالم او جندوبة او غا ارلدماء.

رسم عدد8: النمو الديمغارفي السنوي والفارق السكاني بين 2004 و2014 وحجم السكان حسب العمادات بولاية جندوبة

109

ة

خريطة عدد9: توزع انماط السكن الريفي بسهل جندوبة

110

 توسع المجال شبه الحضري حول محاور الطرق الرئيسية:

يستفيد هذا المجال من معطى القرب ويعرف دينامية ديمغ ارفية إيجابية لكن يبقى مستوى النمو فيها محدودا وكذلك اوازنها الديمغ ارفية إذا ما تجاوزنا المشكل الاحصائي في مقاربة هذا الصنف من المجالات في تونس والذي لا تعترف به الاحصائيات الرسمية بعد في التعدادات والمسوح. نشير في هذا السياق الى عسيلة في بلطة بوعوان او الشرفة وسعادة في جندوبة. وهي نطاقات شملها التوسع العم ارني دون ان يستوعبها تماما في النسيج الحضري. كما تستفيد من الروافد السكانية الجديدة وهي مختلفة الاصول بعضها خرج من الاحياء المتقادمة للمدينة وبعضها الاخر من اصول ريفية محلية مستفيدا من قيم عقارية أكثر انخفاضا مما هو عليه الحال في الضواحي القريبة وهي شديدة الالتصاق بمحاور الطرق الرئيسة مثال طريق الكاف وتونس وبلاريجا بالنسبة لجندوبة. وتعبّر كثافة الطلب عن بداية ح ارك في السوق العقاري لهذه المجالات يغذيه الفارق بين القيم العقارية الزارعية وغير الزارعية .تجمع هذه المجالات سكانا ذوي اصول غير متجانسة مهنيا ومن حيث الروابط العائلية الدموية. وهي مجالات شديدة الاستقطاب الحضري ولكنها تستعيض عن الضغوطات المختلفة في المدن بهامش أكبر من التملك والتعدد النشاطي حيث تظهر الفلاحة الهاوية اوالحدائقية وتنتشر تربية الماشية دون تربة بحكم نفاذية أكبر لشبكات التزوّد بالعلف والمياه والاقت ارب من شبكات التجميع داخل حوض الانتاج اللبني. ويضم هذا المجال نطاقا واسعا من المناطق السقوية العمومية خاصة في غا ارلدماء بوسالم ويوفر وجود مياه القنوات دعامة استق ارر مهمة حيث يلاحظ توظيف لمياه الري في استخدامات مختلفة غير زارعية. وهنا تظهر م ازحمة شديدة بين الاستخدامات الزارعية للأرض والوظيفة السكنية وحتى وظائف التخزين التي تمثل قاعدة خلفية للنشاط التجاري الحضري. من المهم الاشارة الى ظه ور ملامح تغيير اجتماعي مجالي لفئات ميسورة تتمايز من حيث نمط سكنها عن باقي السكان من جهة الهندسة والاسوار العالية وسلوكها الاستهلاكي. هذا دون ان تظهر في المشهد علامات انقسام مجالي حاد على اساس طبقي واضح.

111

3-البنية السكّانية تتأثر بعامل الهجرة السالبة أ- تارجع الفتوّة وبوادر تهرم مبكّر

يحاكي هرم الاعمار بجندوبة في ملامحه العامة هرم الاعمار في البلاد التونسية بقاعدة عريضة نسبيا اتجهت منذ منتصف الثمانينات الى تقلص تدريجي وقمّة ضعيفة واتساع عند الوسط، دون أن نسجل تجويفات لافتة دالة على هجرة عارمة او حوادث ديمغ ارفية تاريخية. إذا ما تجاوزنا هذه الملامح العامة الى تتبع ملامح البنية العمرية حسب ش ارئح الحجم وحسب الجنس تبدو تأثي ارت الهجرة الداخلية جلية في هرم الاعمار لسنة 2010. يظهر هذا التأثير في مستويات عدة من ش ارئح الحجم لعل أبرزها شريحة ما بين 30 الى 50 سنة خاصة لدى فئة الذكور. هذه الفئة النشيطة معنية أكثر من غيرها بالهجرة الداخلية والخارجية وان كان وزن الهجرة الخارجية محدودا في جندوبة ومحليا أكثر منه عام )غا ارلدماء تحديدا(. ما بعد هذه الشريحة يأخذ الهرم تدرجه المتجانس نسبيا بين الجنسين مع اتساع واضح لقمة الهرم اذا ما قارناه بالهرم الوطني او بهرم تونس العاصمة مثلا .تتأثر هذه الشريحة العمرية بأوضاع اجتماعية واقتصادية سابقة "حددت" خيا ارت النشاط والح ارك عندها ولا تعكس التوزيع الحالي لدوافع الهجرة الذي يغلب الهجرة العائلية على هجرة العمالة ويطبعها بملمح المغادرة النهائية. هذه القمّة العريضة نسبيا تعكس طبعا ارتفاع امل الحياة عند الولادة وانخفاض مستوى الوفيات ولكنها بالمقابل تعكس ايضا ظاهرة عودة مهمة لهذه الش ارئح المعنية بالهجرة سابقا تعني فئة واسعة من المتقاعدين وحتى قبل سن التقاعد. هذه الفئات كانت معنية بما يسمى "المغادرة من اجل البقاء" حسب العبارة الموفقة الى حد بعيد للباحثة كوريتاس(partir pour rester) حيث ترى الباحثة ضرورة مقاربة الهجرة في سياق اشمل من الح ارك ذاته وادفاقه وضرورة ربطه باست ارتيجيات إعادة انتاج المنظومة العائلية محليا في علاقتها بما تسميه الكاتبة "الدائرة الاجتماعية المجالية" بكل تعقيداتها علاقاتها لفهم منطق هذا الح ارك الداخلي. في الواقع تشتغل الهجرة كنظام تعديلي ضمن منظومة الفلاحة العائلية حيث تنمي الاسر الزارعية اشكال تنويع للدخل والنشاط ويشمل هذا صاحب المستغلة كما يشمل اف ارد الاسرة او تسميه الاحصائيات "المعينين العائليين". ويت اروح هذا النظام التعديلي بين است ارتيجية قاعدية لتامين البقاء وبين است ارتيجة تنمية تجمع بين المداخيل الزارعية والمداخيل غير الزارعية في رعاية شؤون العائلة والمستغلة معا. ومن هذه الناحية تبدو أرياف جندوبةأكثر قدرة على الاحتفاظ بسكانها عبر هذا النظام التعديلي مقارنة بالكاف وسليانة جنوبا في علاقة بخصوبة التربة والمناخ وبعوامل تاريخية مختلفة ومقارنة بباجة شرقا أين تمتد الملكيات الكبر ى وتهيمن زارعة الحبوب الاحادية. فيما يخص النتوء اللافت للشريحة العمرية 19-24 نعتقد ان لذلك علاقة بالوظيفة الجامعية الجديدة بعد انشاء المركب الجامعي بجندوبة الشمالية والذي يضم ق اربة 9000 طالب. لقد كان لهذا القطب الجامعي تأثي ارت ايجابية ملحوظة سواء على مستوى التطور الديمغ ارفي لمدينة جندوبة او توسعها العم ارني. غير ان ضيق آفاق التشغيل محليّا يجعل من الاقليم مجرد محطة عبور مؤقتة غير حاثة على الاستق ارر إذا ما قورنت بأقطاب جامعية اخرى على الخط الساحلي الشرقي. وفيما يخص قاعدة الهرم فهي تعكس نسق الولادات الضعيف والانخفاض المبكر للخصوبة اضافة الى نمط الهجرة العائلية الغالب. غير ان اتجاها لم تتضح معالمه بعد نحو عودة الى اتساع القاعدة يظهر بوضوح في هرم الاعمار للبلاد التونسية لسنة 2014 وبشكل جزئي في شريحة ما دون خمس سنوات لدى فئة الاناث في هرم اعمار جندوبة لسنة 2010. من السابق لأوانه الحكم بانعكاس خط الحركة الطبيعية والديمغ ارفية عامة وفي انتظار ان تصبح النتائج التفصيلية لتعداد 2014 متاحة على مستوى الولاية، يمكن ان نرى في هذا التطور الجديد "تأثير بنية" اي مفعولا مباش ار للطفرة الديمغ ارفية السابقة) 1985-1965(. ولكنه تطور يعزز استق ارر السلوك الانجابي عند مستوى تجدد الاجيال.

جدول عدد9: توزيع الفئات العمرية للولاية مقارنة بالمستوى الاقليمي والوطني

المصدر: المعهد الوطني للإحصاء

113

يعكس الجدول ارتفاع نسبة الفئة العمرية الوسطى النشيطة وتطورها اللافت من 54% سنة 1984 الى 64 % في 2011 وهي نسبة لا تبتعد كثي ار عن المعدّل الوطني رغم المفاعيل السلبية للهجرة الداخلية على وزن هذه الشريحة حيث تستفيد من تجدد اجيال سريع لكنه محكوم وبسلوك ديمغ ارفي سابق ولا يعكس النسق الحالي. يقلص هذا التواز ن الايجابي مع باقي ش ارئح الاعمار نسبة الاعالة الى حد أدني فمع تقلص نسبة الاطفال ما دون 14 سنة من 39.2 % سنة 1984 الى 23.2% سنة 2011 وتطور نسبة الشيوخ من 6.7 الى 13% في نفس الفترة تنخفض جزء من اعباء الاعالة نظريا )نسبة الاعالة من 84.9% الى 56.6%(. وهي وضعية الفرصة الديمغ ارفية كما يصفها فيليب فارغ . لكن هذه الوضعية الديمغ ارفية تحمل معها تحديات جمّة مرتبطة تحديدا بحجم الموارد المتاحة وآفاق التشغيل. ويطرح هذا المشكل للإقليم تحديات مضاعفة بحكم ضعف النسيج الاقتصادي ومفاعيل قرب سلبية )البعد عن احواض التشغيل الكبرى(. وهو ما يلقي بضلاله على مستويات العيش والنشاط واعادة انتاج المجموعة القروية.

ب- السكّان النشطو ن: مفارقات ضعف النسبة

تسجل جندوبة أضعف نسبة للنشاط وطنيا حسب تعداد 2014 بـ 37 % مقابل نسبة وطنية بـ 46% وهو رقم لافت بالنظر الى وفرة الموارد الزارعية مقارنة بولايات الوسط الغربي او الجنوب وحتى مقارنة بجي ارنها. من السهل ربط هذه النسبة الضعيفة بعامل الهجرة ومحدودية آفاق التشغيل محليا وهو ما يمكن التعرف عليه من خلال د ارسة التوزيع القطاعي للنشاط الاقتصادي للسكّان. لكن بالمقابل ألا يكون ضعف هذه النسبة عاكسا لمشكل إحصائي؟ فعامل الهجرة السلبية لا تنفرد به جندوبة فهو خاصية عامّة لكامل الاقاليم الداخلية تقريبا بما فيها منطقة الجريد حسب الاحصائيات الاخيرة .و كما أن مستويات التنمية لهذه المناطق الداخلية تبدو متقاربة. ألا يكون ضعف هذه النسبة مرتبطا بالتصريح بالنشاط ذاته والذي على أساسه تبنى الاحصائيات؟ بالنظر الى التوزيع القطاعي للتشغيل تهيمن قطاعات يكون تسجيل النشاط فيها ضعيفا لدى مكاتب التشغيل او انظمة الضمان الاجتماعي او الرقابة الجبائية. كما ان طلبات الشغل الجديدة لا تعبّر عن حجمها الحقيقي محليا او اقليميا وانّما تعبّر عن نفسها انطلاقا من الهجرة ويتم التسجيل في مجالات الاستقبال )إقليم تونس اوإقليم الساحل حديثا(. وعلى الرغم من امتناع مكاتب التشغيل عن التسجيل لغير مواطنيها من الوحدات الادارية المشمولة بالنظر محليا إلا ان قسما هاما من طلبات الشغل الاضافية سواء عبر القنوات الرسمية او الوسيطة يعبر عن نفسه خارج الاقليم. هذا المعطى بالذات يدفع الى تنسيب مصداقية نسبة النشاط وكذلك البطالة في مجال الد ارسة.

من المهمّ ايضا البحث في آليات التعديل للنشاط وتوزيع طاقة العمل البشرية داخل منظومة الفلاحة العائلية والحال ان نسبة سكان الريف لا ت ازل مرتفعة بـ 69% سنة 2014. فالجمع بين النشاط الزارعي وانشطة اخر في إطار تعدد نشاطي يهم صاحب المستغلة والمعينين العائليين له ويؤمّن البقاء ويعيد توزيع مصادر الدخل بين مواسم السنة وبين حاجات الانتاج وحاجيات الاستهلاك الاجتماعي لأف ارد العائلة. هذه المنظومة تملك آليات تعديل تشغيلية ذاتية لا تفصح بوضوح عن است ارتيجياتها في المنظومة الاحصائية العامة للتشغيل لتغايرها و صعوبة ضبط نمطيتها .

 الت وزيع العمري للنشطين: تقلص نسبة الاعالة و"الفرصة الديمغارفية" الضائعة

يظهر الرسم البياني للتوزيع العمري للنشاط تباينا واضحا حسب الجنس واتساقا بين منحنى الذكور ومنحنى المجموع وانحصار النسبة الاغلب للنشطين في الفئة العمرية ما بين 30 و50 سنة وتواصل لافت للنشاط لدى فئة الشيوخ مقارنة بالمعدل الوطني. تكاد نسبة النشاط لدى الاناث تنحصر في الفئة العمرية ما بين 25 و35 سنة لينهار المنحنى تماما بداية من سن الاربعين معلنا عن "انسحاب "جماعي من سوق الشغل للتفرغ لشؤون الاسرة. ومن المعلوم ان كل جيل يتأثر بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل فترة ومنها مستو ى التمدرس وقابلية سوق الشغل لاستيعاب الطلبات الاضافية للتشغيل. ويعبر النتوء الحادّ للمنحنى عند عتبة الثلاثين سنة عن نزعة جديدة للنشاط لدى فئة الاناث من المهم متابعة تطورها. يترجم هذا النسق الى حدود هذه العتبة العمرية إقبالا متازيدا على س وق الشغل) شغل فعلي او بطالة معلنة ومصرح بها( مرتبط على الاقل بعاملين متفاعلين وهما تنامي تمدرس الاناث الى م ارحل تعليمية متقدمة. ويتمثل العامل الثاني في تأخير سن الزواج.

ة

كما يعتبر تواصل النشاط لدى الشيوخ بنسبة هامة لافتا حيث تمثل نسبة النشطين ما فو ق 60 سنة 8% مقابل معدّل وطني بـ 4.5% سنة 2010. هذه الظاهرة تجد تفسيرها في عوامل عديدة منها ما هو مرتبط بالتركيبة العمرية للسكان وكذلك أهمية الشغل الزارعي وضعف نسبة التغطية الاجتماعية وضعف المداخيل فضلا عن وجود سلوك إعانوي منتشر لدى هذه الشريحة العمرية التي واجهت انسداد آفاق التشغيل محليا ولم ت اركم ما يلبي مستويات عيش مناسبة علاوة على ضعف الادخار الاسري.

رسم رعدد9: السكان النشطون حسب الفئة العمرّية والجنس بجندوبة في2010

 التوزيع القطاعي للنشاط: ضعف تنوع الهيكل التشغيلي

رسم عدد10: التوزيع القطاعي للنشطين بجندوبة والشمال الغربي في 2010

116

قطاعيا، تشغل الزارعة 34% من السكان النشطين المشتغلين وهو ما يساوي ضعف المستوى الوطني) %16( وهي بهذا تحافظ على وزن تشغيلي تقليدي بحكم الصبغة الزارعية للجهة ووزن الكثافات الريفية لكنها تبقى نسبة ضعيفة مقارنة بكامل الاقليم) %43(. هذه النسبة ما تنفك تسجل ت ارجعا حيث كانت 4,45 سنة 1999 وهو هو نسق عام تعرفه تشغيلية الزارعة على المستوى الوطني يما يقود الى تسريح "الفائض" والتحوّل نحو تناسب بين الوزن في التشغيل والوزن في القيمة المضافة العامّة.

من المهمّ الاشارة الى دور تحوير النظام الزارعي عبر مشاريع الري من شبه زارعة احادية محورها الاساس الحبوب الى زارعة متعددة تنامى فيها وزن الخضروات البقول والاعلاف والزارعات الصناعية والاشجار المثمرة فضلا عن تربية الماشية المكثفة، وهي مسالك تتطلب ايام عمل اكثر من مسلك الحبوبلكن يبقى التشغيل الزارعي معتمدا على اليد العاملة العائلية )المستغل والمعينين العائليين( مع ضعف التأجير وهيمنة التشغيل الموسمي على التشغيل الكامل او الدائم. ان ارتفاع النسبة للنشاط الزارعي يرتبط أكثر بضعف باقي القطاعات أكثر من قدرة للقطاع الزارعي على الجذب مما يجعله يضطلع بدور القطاع الملجأ. فقطاع الصناعات المعمليّة لا يتجاوز وزنه 5% وقطاع السياحة )النزل والمطاعم( لا يتجاوز 4% وهو مرتبط بتأثير طبرقة وعين د ارهم التان تقعان خارج ميدان البحث. ثم يأتي من حيث الاهمّية قطاع البناء والاشغال العامّة بنسبة 15% وقطاع خدمات غير مصنفة )ترد في الاحصائيات تحت لفظ خدمات أخرى( بنسبة 20%.

ويكاد قطاع البناء والاشغال العامة يتحوّل الى "تخصّص" للجهة. وهو قطاع شديد الصلة بالزارعة من حيث الاصول الاجتماعية للنشطين ويهم فئة الفلاحين الصغار او الفلاحين دون ارض وأسرهم .وعادة ما يجمع هؤلاء النشطين بين است ارتيجيات تعديليّة مختلفة لتنويع الدخل على مدار السنة. يمثل القطاع الزارعي بالنسبة للقطاعين المذكورين )البناء والخدمات غير المصنّفة( قطاعا ملجأ يؤمّن البقاء ويفي بحدّ أدني من الاحتياجات الاستهلاكية الاجتماعية كما يلعب وظائف اكتناز مرنة خاصة في مسلك تربية الماشية او في مسلك الزيتون. هذه الم اروحة بين النشاط الزارعي وانشطة اخرى لا يصحبها تغيير فعلي لمقر الاقامة )موسميّا أحيانا( و يظل محورها التعدد النشاطي والفلاحة العائلية أو منظومة الضيعة- العائلة.

المصدر: ديوان تنمية الشمال الغربي. جندوبة بالأرقام 2013 تعداد 2004

خريطة عدد10: التشغيل الصناعي بولاية جندوبة في 2013

يشغل قطاع التجارة ق اربة 10% من النشطين المشتغلين بالولاية مسجّلا زيادة طفيفة) 9% سنة 2008( وهو قطاع حيوي يرتبط بتنامي الاقتصاد الحضري والقرب من حوض انتاج زارعي هام نما حول المناطق السقوية. ويستفيد هذا القطاع من تحويل لل أرسمال الزارعي ومعه اليد العاملة الزارعية .

يمنح هذا القطاع حلولا مرنة لل أرسمال الزارعي من حيث الادخار والاستثمار والانتصاب وانتداب اليد العاملة مقارنة بقطاع الصناعات المعملية. تحتفظ هذه الظاهرة بتشابك علاقات بين قطاع التجارة والزارعة منها حركة الاموال في الاتجاهين والمضاربة العقارية واستغلال الفضاءات الزارعية مثل الاسطبلات كمستودعات وقواعد خلفية للنشاط التجاري.

من جهة المؤسسات المشغّلة، من المهم الاشارة الى ضعف وزن المؤسسات الكبرى وحتى المتوسّطة من حيث العدد والطاقة الاستثمارية والتشغيلية في حين تهيمن عدديا المؤسسات الصغرى ذات القدرة التشغيلية المحدودة. ونشير الى وجود عوائق هيكلية منها ما هو مرتبط بمناخ الاستثمار العام بالجهة كالبنية الاساسية ونظام الرقابة الجبائية ونظام النفاذ الى الق روض. ولذا تميل المؤسسات الى اختيار انظمة قانونية ما دو ن وضع الشركة وتنقسم على نفسها في مرحلة معينة من الرسملة في غياب حوافز فعلية وامام الضغوطات العائلية المختلفة لاقتسام الثروة الناشئة.

خاتمة فصل

لقد ارتبط التعمير في سهل جندوبة بتاريخ الهياكل العقارية وبأنماط مختلفة لتشكل الت ارب .

ولكن مجال التعمير هو في حالة إعادة تشكل مت واصلة امام الركود الديمغ ارفي وضعف الدينامية الاقتصادية للمرتفعات المجاورة وازمة الزارعة البعلية وتحولاتها بها وامام مشروع تهيئة مائية زارعية كبرى ارهنت على تثمين موارد السهول من تربة ومياه. تشير الديناميات الديمغ ارفية الحالية الى التهاث النموّ واتجاهه نحو وضع سالب باستثناء طفيف لصالح الم اركز الحضرية ولصالح إعادة انتشار سكاني عبر الهجرة تستفيد منها اقاليم اخرى ساحلية. لا تعدو هذه الدينامية في نظرنا سوى ان تكون تخففا متواصلا من الثقل السكّاني لإعادة التناسب مع الموارد، ثقل عجزت ظاهرة التحضّر الحديثة عن استيعابه وعكس نسق الهجرة وتحسين مستويات العيش امام مفاعيل قرب سالبة وضعف التثمير المحلي للموارد وللمنتوج الزارعي. ولقد ارفقت الطفرة السكانية ما بين 1965 و1985 فترة تركيز اهم المناطق السقوية العمومية بالسهل ووفرت بذلك طاقة يد عاملة عائلية وفيرة ساهمت الى جانب عوامل أخرى في تحول المستغلات الزارعية من الأنظمة البعلية نحو التكثيف الزارعي عبر الري. فساهم بذلك الري في امتصاص الاثار السلبية للزيادة السكانية الهامة في هذه الفترة. لكن نفس هذه الزيادة السكانية ستخلق صعوبات لاحقة وضغوطات على المستغلات الزارعية ستترجم بانقسام سريع لهذه المستغلات مما ي اركم مشكل تفتت إضافة الى التوسعات السكنية الافقية والتي تقلص من حجم المساحات المروية وتزيد من تعقيد أوضاع مقاسم الري المشترك. هذه الزيادة السكانية ستستوعبها المدن المحلية والقرى جزئيا خاصة مع ت اركم محسوس لمداخيل الري ورغبة لدى قسم من السكان واسرهم في إعادة توظيف هذه المدخ ارت المالية الزارعية في اقتناء المساكن والمحلات التجارية داخل مدن السهل وحتى خارجها.

خاتمة باب

ساهمت المعطيات المناخية وكثافة الشبكة المائية في جعل سهول حوض مجردة الأوسط واحدا من أهم الاحواض المائية في البلاد بل لعله أهمها على الاطلاق. ورغم التفاوت الفصلي الكبير للتساقطات وبالتالي لمناسيب المجاري تبقى هذه الأخيرة من صنف المجاري دائمة السيلان… ولقد جلبت اليها تعمي ار مبك ار وظلت طيلة تاريخها الطويل منطقة عبور لروافد بشرية متباينة ومتعاقبة. لكن قطائع تاريخية هامة حرمت الإقليم من م اركمة الثروة ومن التحكم الكامل بالمجال. وقد كان على السكان الذين توطنوا السهل ان يختاروا بين تلافي مخاطر الفيضان وركود المياه او التكيف مع ذلك عبر الجمع بين زارعة الحبوب وتربية الماشية فكانت السفوح جاذبة للتعمير أكثر من عمق السهل .

ولقد شهدت الفترة المعاصرة تهميشا تدريجيا لهذه السفوح لصالح السهول وخاصة مع دخول الاستعمار وذلك ضمن مسار إعادة تشكل ت اربي. لم يكن هذا التحول ممكنا دون رفع الاكتناف عن هذا السهل وتحرير النفاذية داخله من خلال السكة الحديدية وتدعيم شبكة طرقات عبر إقليمية وتجسير الاودية الرئيسية التي تعبر المجال مثل مجردة وروافده. وموا ازة مع الاستعمار الزارعي فقد شهد السهل إعادة انتشار سكاني وتغيير أنماط العيش لتنحسر مظاهر البداوة كليا لصالح الاستق ارر والزارعة الدائمة واستصلاح الأ ارضي واجتثاث جزء هام من الغطاء الغابي في السفوح الشمالية والجنوبية لحوض مجردة. ستظهر الحاجة ملحة الى التحكم في المياه والى إعادة تملك جديدة للمورد المائي وتمثل للمنفعة بما يتجاوز مجرد تامين البقاء او التزود بالماء الصالح للش ارب الى مضاعفة

120

القيمة الاقتصادية واعادة ربط مورد الأ رض بالمورد المائي عبر الر يّ. وعلى هذا النحو سنشهد بداية تعميم للري وتملكه لا فقط من المعمرين الوافدين بل وأيضا من الفلاحين المحليين، غير ان مشكل رفع المياه بقي حائلا امام الانتشار الواسع له. لقد عزز ظهور المحركات تحولا سابقا ومحتشما نحو الري والتكثيف الز ارعي وفتح الباب نحو عصر جديد للتجهيز المائي للمجال على نطاق واسع، تجهيز سيحمل معه رهانات كبرى في جعل الري محور تنمية إقليمية تنمي الثروات وتثبت السكّان وتسند باقي القطاعات الاقتصادية.

هذا التعاكس المجالي بين السفوح وعمق السهل له ابعاد اجتماعية وديمغ ارفية معقدة. فمن مجال ظل مفتوحا طيلة تاريخه للعابرين ولمن ينشد الاستق ارر من أصول عشائرية مختلفة أصبح المجال الت اربي طاردا ويضيق بسكانه. فبعد منع ح ارك قبائل الوسط الانتجاعي وتثبيت قسم منهم في شكل مجموعات عائلية على ضفاف الاودية واستيعاب البعض الاخر ضمن الضيعات الفلاحية الاستعمارية وم ارقبة التنقلات الجماعية، ستظهر بوادر ضغط ديمغ ارفي منذ ثلاثينات القرن العشرين وسيتحول المجال الت اربي الى تسريح فائض سكاني هام خارجه ليتحول الإقليم كله الى إقليم طارد.

ولقد كان من اهداف التجهيز المائي للمجال وبعث المناطق السقوية في سهل جند وبة تثبيت السكان وتحسين المداخيل وخلق فرص م اركمة للثروة. ولذا كانت الأج ازء التي شهدت انشار الري منذ الخمسينات )مع انتشار المضخات الالية( أقل نزعة الى المغادرة مقارنة بأحزمة التعمير في السفوح مثلا. ويمكن القول ان الزيادة السكانية الهامة التي ميزت فترة الستينات الى الثمانينات وهي فترة تعميم الري بالإقليم كانت ارفده لهذا التحول الزارعي النوعي من الزارعة البعلية الى الزارعة المر وية لكنها ربما خلقت مع الوقت وربما سريعا حالة ضغط ديمغ ارفي حاد على المجال المروي وعلى المجال الزارعي والوسط الطبيعي والمجال الريفي عامة. ولذا ننظر الى ضعف النمو الديمغ رافي الحالي والاتجاه السالب له تحت وقع مزدوج لت ارجع الانجاب والهجرة المغادرة ننظر اليه على انه تخفف من الفائض السكاني واستعادة للتناسب التاريخي بين السكان والموارد خاصة الأرض والمياه.

121

الباب الثاني: التجهيز المائي الحديث للمجال والتهيئة العقارية

مقدمة باب

لئن كانت التهيئة المائية قديمة وارتبطت بتاريخ ظهورها الحضا ارت النهرية القديمة المع روفة فان التهيئة المعاصرة ترتبط برهانات جديدة معقدة تقنية وسياسية وت اربية عامة، وهي تستجيب لزيادة سكانية هامة ميزت النصف الثاني من القرن العشرين خاصة ولتعقد الطلب على المياه وتنوعه بين قطاعات اقتصادية متنافسة ومتكاملة وبين أقاليم ومناطق ترسم مع بعضها حدود مجالات ت اربية واحدة او متجا ورة تشترك في تقاسم المورد المائي. ولذا تتخذ التهيئة المائية المعاصرة ابعادا است ارتيجية الى جانب الوظائف الانتاجية وتهدف الى تعبئة الموارد المتاحة وتعديل توزيعها الزمني والمجالي بما يواجه مشاكل الندرة ويستبقها ويعيد توزيع الفائض بين مجالات مختلفة. ولأنها منظومات ضخمة ومكلفة فقد تطلب انجازها وربطها قد ارت تقنية ومالية عالية لكن نجاعتها على المدى المتوسط والبعيد كانت تبرر المشاريع الضخمة التي انتظمتها والتداين الذي ساهم في تمويلها.

لقد اعتبرت التهيئة المائية في الشمال الغربي التونسي، خ ازن المياه السطحية الاول في البلاد، ارفعة تنمية إقليمية وزارعية واسعة أعادت تشكيل المجالات الزارعية وأقحمت أنشطة فلاحية جديدة او قليلة الانتشار في السابق مثل الخضروات والزارعات الصناعية وتربية الماشية المكثفة ضمن الانظمة الزارعية القائمة وهدفت الى تكثيفها وتثويرها. وقاسمت مياه الاقليم مع الاقاليم الاخرى الساحلية عبر التحويل البياقليمي للمياه ،وتنزل ذلك ضمن منظومة تقنية وقانونية وادارية متكاملة ع رفت بالمثال المديري لمياه الشمال وهو ما يكرس البعد الاست ارتيجي الذي يستوعب الابعاد الانتاجية ويتجاوزها الى رقابة عامة للمجال الت اربي واعادة تشكيل متواصلة له بتحرير طاقاته الانتاجية ورفع الاكتناف عن مختلف اج ازئه وربطه بالمجال الوطني ومن ثم المجال العام.

اعتمد مشروع الر ي في بعده التقني بسهل جندوبة على مكونين اساسيين: مكون تقني هيدرولوجي ومكون عقاري. لقد تطلب التجهيز المائي للمجال ربط منظومة التعبئة للموارد السطحية والباطنية عبر السدود والابار العميقة المجهزة والمضخات على الاودية بمنظومة تحويل نحو المناطق

122

السقوية عبر قنوات خرسانية مختلفة الاحجام ومنظومة تحكم وتزويد مفوتر للمياه عبر تركيز عدادات وتقسيم الا ارضي الى مقاسم ذات سقوف معيارية مضبوطة وتدعيم ذلك بمنظومة لصرف المياه سطحية وباطنية. في حين تمثل المكون العقاري في اصلاح زارعي ضبط سقوفا للملكية وحدودا دنيا للمقاسم وتسجيلا عقاريا اضافة الى إعادة تجميع قطعي يعيد رسم التقسيم القطعي داخل المقاسم بما يستجيب لشكل شبكة التزود بالمياه وما يحرر النفاذية داخل هذه المقاسم، هذا إضافة الى اقتطاع جزء من الا ارضي لمد شبكة كثيفة نسبيا من المسالك وخنادق الصرف. ارفق كل ذلك تركيز ادارة محلية واقليمية ومركزية للتصرف في توزيع المياه واستخلاص معاليم استغلالها والسهر على تطبيق الدورة الزارعية المعتمدة داخل كل منطقة سقوية.

123

الفصل الأول: سياقات التهيئة المائية الزارعية المعاصرة

مقدمة

تحيل الابعاد النظرية لعلاقة الماء بالت ارب على تعقّد المكوّنات وتشابك عناصرها مما يجعل عملية التعبئة او التهيئة ما بعد- تقنية أي مركبة وتشمل ضرورة أبعادا إجتماعية واقتصادية وسياسية.

ولذا فالتهيئة تصحب معها تغيي ار للمنظومات المائية السابقة واحلالا لمنظومات جديدة تتجاور معها او ت ازحمها وتتنافس معها حول المورد لكنها في كل الاحوال تقحمها في دائرة واسعة للفعل أين يلتقي فاعلون إجتماعيون ذوي است ارتيجيات متباينة وموازين قوة مختلفة. ولئن كان الفاعلون القاعديو ن يتنافسون حول التملك المباشر للمورد والمجال المرتبط به فان الفاعل الرسمي المتمثل في الدولة يتجاوز التدخل الانتاجي الى خيا ارت است ارتيجية وادوار تحكيمية بين مختلف الفاعلين. ويجعل من التهيئة ارفعة تنمية محلية واقليمية ووطنية. فالمطلوب بالنسبة إليه ليس الزيادة الكمية والنوعية المباشرة في الانتاج فحسب وانما إعادة تشكيل المجال الت اربي وتغيير مفاعيل الاستقطاب داخله ورفع الاكتناف عنه واعادة ربطه بالمجال الوطني. ولذا فالتدخل التقني المباشر ليس سوى التعبير المباشر عن حضور الدولة وشرط لنمط جديد من التحكم في المجال يستوعب انماط التحكم التاريخية ويتجاوزها.

والدولة تعيد بسط نفوذها على المجال الت اربي بتقنين تملك الم وارد )خاص وعمومي( واق ارر الرقابة الدائمة وتجديد شرعية الحكم من خلال تثبيت شرعية الانجاز على الارض.

I-الماء وانتاج المجال: في نشأة ال تّارب المائي الحديث

الماء مورد متعدد الأبعاد متعدد الاستعمالات وربما كان أقدم مورد نشأت حوله المجتمعات المستقرة تاريخيا. وحتى المجتمعات المترحّلة كان مجال تحركها دوما تحكمه جغ ارفية المياه ويتشكل على منوال شيكات من المسالك تتوارد نحو نقط المياه ومجاريها. لكن التطور الحاسم في علاقة الإنسان بالمورد المائي قد كان ولا شك ظهور الري حوالي الالفية السادسة ق.م في بلاد ال ارفدين

124

وتشكل الحضا ارت النهرية القديمة المعروفة. وينتشر الري اليوم في العالم لكن يبقى مترك از في مجالات ت اربية دون غيرها. ما الذي يفسر هذا التركز؟ ما الذي يفسر ظهور "مجتمعات ري" وت اربات مائية" ؟ في مجالات دون غيرها؟ ما الذي يفسر نجاح "الثورة الخض ارء" وقد كان الري أحد أبرز عناوينها ،في جنوب شرقي آسيا وجزئيا في أمريكا الجنوبية وفشلها في افريقيا؟ ما الذي يفسّر محدودية نتائج "المناطق السقوية الكبرى" الحديثة بالنظر إلى ضخامة الاستثما ارت التي تطلبتها؟ انطلاقا من مقاربة تاريخية للري يقدم بيتيم و ن ما يسميه "عناصر نظرية" للإجابة عن الأسئلة المطروحة آنفا:" لقد ارتبط ظهور المحالات المائية بمسار معقد قائم على التبعية المتبادلة لكل عناصره و ما يظهر على انه عامل او شرط في مرحلة ما يصبح نتيجة في مرحلة لاحقة. ويتوقف هذا المسار على ثلاثة متغيارت هي استحثاث التغيير ووج ود عناصر مساعدة وتقبل ال وسط للتغيير". إذا ما توفرت هذه الدعائم مجتمعة يمكن ان تتشكل حول المورد المائي مجالات متماسكة ومتواصلة في الزمن تجمع بين انتاج المورد واستهلاكه والانتاج عبره. وهو ما يختزله مفهوم "الت ارب المائي "Le territoire de l’eau. وتعبر المنظومات المائية التقليدية كالواحات عن تجسيد فعلي لهذا "المجال الخصوصي "الذي نشأ حول المورد المائي بما يعنيه من تملك للمجموعة للمورد ومن العلاقات التي تنشأ حوله وحجم الرهانات في التوزيع والتنظيم والتبادل.

تتميز المنظومة المائية المحلية التقليدية بتفاعل تاريخي بين المجتمع الريفي والوسط الطبيعي تفاعل يتخذ مسا رين مختلفين لكنهما غير متناقضين: مسار تكيف ومسار بلوره هندسة مجالية تستهدف تحوير الوسط. يعبر مسار التكيف عن استجابة المجتمع الزارعي للتطرف المناخي والوضع الطوبوغ ارفي للشبكة المائية حيث تترك المجالات المنخفضة والتي تركد بها المياه مدة معينة في السنة او لسنوات متعددة كم ارعي في حين تستغل السفوح والمواقع الجبلية في الزارعة المتعددة. وهذا التكامل التقليدي بين تربية الماشية الممتدة والزارعة المتعددة يتيح لهذه المجتمعات تامين المعاش والادخار العيني. فما يبدو تاريخيا على انه ضعف استغلال للثروة المائية المتاحة قد لا يعدو ان يكو ن سو ى ق ارءة "خاطئة" للمنظومة المائية التقليدية أو على الأقل تعبير عن قصور في التحليل.

فيما يخص المسار الثاني، فقد طورت المجتمعات الزارعية تاريخيا أيضا آليات معقدة تعبر عن هندسة

"موفقة" في التعامل مع ضغوطات الوسط المختلفة وتقدم تفاعلات محلية متوافقة مع الهياكل الاجتماعية والتقنية المتاحة في التعامل مع مشكلتي الندرة والطفرة. هذه التقنيات انطبعت بخصوصيات مجتمعاتها وهي اليوم جزء من ت ارث مائي عالمي. ت اروحت هذه التقنيات بين حصر العيون وحفر الآبار والحد من تطرف السيلان وخزن المياه واعادة توزيعها داخل الت ارب وتقاسمها بين المستعملين وهو ما يعبر عنه في سياق المناطق الجافة و شبه الجافة تحديدا بحصاد المياه.

يبقى المشكل دائما في العلاقات بين سافلة الأحواض المائية وعاليتها، حيث عادة ما يتعلق الأمر بجماعات مختلفة وت اربات مختلفة فلا يحصل تعديل داخلي للعلاقات الص ارعية والتعاونية فيما بينها كما يحدث داخل الت ارب الواحد والبنية الاجتماعية الانقسامية تفتح على التنافر أكثر من التعاو ن.

لذا ،يخضع تنظيم المجال في المنظومة التقليدية بقوة الى علاقات القرب من منابع المياه أو المسالك وعلاقات القرب الإجتماعي كعلاقات الق اربة والجوار والمصاهرة. علاوة على ذلك ،تبقى المفاعيل المجالية الخارجية les externalités محدودة بحكم التناغم الضمني مع حجم الموارد لكن الاف ارط في الإستغلال المشترك يكون أحيانا سببا في تدمير منظومات بكاملها خاصة في حالات الندرة.

تعبر المشاهد المائية المتولدة من أشكال تعبئة المياه والتقسيم القطعي للأرض عن تواصل تقني وثقافي عبر الأجيال مما يعني نقل الت ارث )التقنيات، المها ارت، الرمزي…( واعادة إنتاج العلاقات الممتدة في الزمن في علاقة الجماعة المحلية ببعضها وفي علاقتها بالأرض فيتم تكريس الهياكل العقارية القديمة والتقسيمات القطعية المتوارثة والتي تطبع المشهد لزمن طويل. تعيش المنظومة المائية التقليدية هذا التوازن التاريخي لكنها تصبح مجبرة على التحول من داخلها أو من خارجها في لحظة تاريخية ما وفق ديناميتين داخلية وخارجية: من العوامل التي يرد ذكرها كثي ار في تفسير انهيار المنظومات المائية المحلية التقليدية أساسا الضغط الديمغ ارفي بما يضيفه من تضخم مجال الاستهلاك على حساب مجال الإنتاج وعلى حساب قابلية الوسط الطبيعي لاستيعاب الروافد البشرية الجديدة .

لكن نموذج الا ارزة الآسي وية او مجال الواحات يقدمان دليلا مختلفا على قدرة المنظومات المائية التقليدية على استيعاب الضغط الديمغ ارفي وتحول الروافد الجديدة إلى طاقة عمل تنتظم جمعويا من أجل مضاعفة الإنتاج بما يستجيب للحاجيات الجديدة داخل المجال الت اربي.

1. إنتاج المجال في المنظومة المائية الحديثة

تقود الديناميات المختلفة داخل المنظومة المائية المحلية والتنافس الجديد حول المورد فضلا عن التم ثّلات المختلفة للاستعمالات الممكنة )الطاقة؛ الصناعة؛ السياحة؛ الاستشفاء؛ الاستهلاك الحضري..( إلى تحول المنظومة المحلية إلى منظومة مفتوحة أكثر فأكثر على محيطها، وينتهي الأمر في احيان كثيرة الى إقحامها في منظومات اوسع فتنشأ منظومة جديدة مت اركبة مع الأولى لكنها أكبر وأكثر امتدادا وتعقيدا وتستجيب لعلاقات ت اربية territorialité متعددة.

يهدف إنتاج الماء )التعبئة( الى توفير المياه بكميات وجودة مقبولة تستجيب لحجم الطلب الجديد ونوعه، وتضمن الت زود الدائم. وتفتح تعبئة المياه على هذا النحو على رهانات مجالية عديدة أهمها: حجم الحوض المائي وهو ما يعطي المسألة أبعادا جيوسياسية إذا ما كانت الشبكة الهدروغ ارفية ممتدة على مجالات ت اربية متباينة تماما )بلدين مثلا(، ثم العلاقة بين المجال الريفي والمجال الحضر ي والعلاقة بين السافلة والعالية في الاحواض المائية الواسعة ثم توزيع المياه بين القطاعات الاقتصادية المختلفة والمتنافسة دون ان ننسى التوازن بين الاحتياجات البشرية والتوازنات البيئية. يمكن أن نميز خمس وضعيات لهذه العلاقة بين الت ارب والحوض المائي حسب علاقات السافلة والعالية كما يتضح من خلال الرسم أعلاه: في الحالة الأولى نجد تطابقا بين المجال الت اربي والحوض المائي، حيث يمتدّ الت ارب على كامل الحوض المائي وينفرد باستغلال المورد لكن حاجته تتوقف على كمية ونوعية هذه المياه وكذلك على القدرة على تثميرها بما يكفل ديمومتها وانتظامها. في الحالة الثانية يتطابق الت ارب مع عالية الحوض ويشترك مع ت اربات أخرى في الانتفاع بالمورد وهي حالة الت اربات الجبلية في الغالب بالنسبة للموارد المائية السطحية .في الحالة الثالثة: يتناسب الت ارب مع سافلة الحوض المائي وينتفع بالمورد المائي بشكل كلي نسبيا نظ ار لضعف التعمير أو صعوبة الاستغلال عند العالية لتضرّس الوسط وصعوبة تثميره أو فقر السكان وهشاشة التعمير. لكن رغم هذه الوضعية الإيجابية للت ارب، يبقى هذا الأخير مرتهنا إلى مورد خارجي والى تطور مستوى التعبئة والتحكّم في المياه عند العالية والى قدرة الفاعلين على الاحتفاظ بحصة المجال الت اربي كاملة من الثروة المائية. في الحالة ال اربعة: يكون المجال الت اربي جزءا من حوض مائي كبير: وهو لا يغطي العالية ولا السافلة ولذا فهو يشترك مع ت اربات أخرى في الانتفاع بالثروة المائية ويتأثر ضرورة بالتغي ارت الحاصلة في المنظومات المائية المجاورة. في الحالة الخامسة: لا يمتلك الت ارب أي ثروة مائية طبيعية خصوصية فكون

127

المنظومات المائية التي تغذيه هي منظومات اصطناعية وحصيلة عملية تعبئة ونقل بي-إقليميhydrosystème régionalisé. وتكشف قدرة المجال الت اربي على مقاسمة الثروة المائية لت رابات أخرى عن علاقات سلطة قوية او مركزة سياسية تبرر نقل المياه وفق منطق التضامن الوطني او الاستقطاب المجالي الحاد. ت ارفق هذه الوضعيات المختلفة للوضع المجالي للحوض المائي وعلاقات السافلة والعالية داخله مجموعة من الرهانات وتحديات عديدة ترتبط بمستوى التفاعل والتوافق بين هذه المستويات المختلفة والمتنافسة أصلا، كما تتطلب إيجاد حلول ناجعة )اقتصاديا( ومنصفة )اجتماعيا( ومستدامة )بيئيا( لحسن إدارة الموارد المتاحة ومقاسمتها بين مختلف الفاعلين ومختلف المجالات الت اربية او أج ازء المجال الت اربي الواحد. واي خلل يط ار على مكونات هذه المنظومة المائية المستحدثة من شأنه إستبطان عناصر ن ازع خفي او معلن قد لا يظهر إلا في الازمات ويكون من عناوينها المباشرة او غير المباشرة كم يحمل بذور خلل وظيفي في المنظومات التقنية يضعف من نجاعتها واستدامتها. فيما يخص ميدان الد ارسة فهو يطابق تقريبا الوضعية ال اربعة اين يكون الت ارب جزءا من حوض مائي كبير هو حوض مجردة.

رسم عدد11: التارب والأحواض المائية: علاقة معقدة ومتغايرة

128

تتميز المنظومة الجديدة بالانفصال الت اربي بين مجالات الإنتاج ومجالات الاستهلاك ونشأة مجال تبادلي قوي يتخذ شكل شبكات ذات عقد وت اربطية متباينة )شبكات مائية للتحويل والري؛ طرقات؛ معلومات؛ بضائع؛ أدفاق قيم مختلفة..( كما تتميز بتعقد الفعل وتنوعه. لكن تبقى الدولة هي ذلك الفاعل الرئيسي الذي يسعى قبل أي عملية تهيئة، إلى تغيير الصفة القانونية لملكية الموارد الطبيعية بما يجعله صاحب المشروعية الكاملة في التصرف في هذه الموارد. لذا تتميز المنظومات المائية الحديثة في أغلبها بدولنة كاملة للمياه. إنها في الجوهر عملية قانونية سياسية تسبق كل تدخل تقني أو اقتصادي لتعبئة المياه ونقلها واعادة توزيعها بين القطاعات الاقتصادية وبين الأقاليم. يعني هذا

الإجارء، ميدانيا، فك الارتبـاط في الملكية بين المياه والأرض الزارعية وهو مقدمة لفك التاربط بين المورد التاربي الخصوصي والمجال التاربي.

يتطابق مجال الانتاج في العالية طبيعيا وت اربيا مع مصادر المياه أو عالية الأحواض المائية .

وفيه يتجاور مجالان للإنتاج: مجال تعبئة المياه ومجال إنتاج عبر الماء )تقليدي أو حديث( متداخل مع مجال استهلاك محلي داخل الت ارب المائي. تتميز المنظومات المائية الحديثة بقدرة هامة على تخزين المياه بما يتجاوز حاجيات الموسم الواحد152ويحدّ من تفاوت التوزيع الزمني والمجالي لهذه المياه. ويتخذ الخزن ثلاثة أشكال كبرى: خزن المياه داخل الطبقات الجوفية والسدود الخ ازنات الصغيرة والسدود الكبرى. على أن العملقة الفعلية للمنظومات المائية الحديثة قد ارتبطت ولا شك بالمنشآت الكبرى لخزن المياه )السدود الكبرى(. مثلت هذه المنشآت في الفترة 1930- 1970 رم از فعليا للتحديث ولحركة الإنسان تجاه الطبيعة، ذلك ان هذه المنشآت استجابت إلى حد كبير إلى الحاجيات المتعاظمة للماء الصالح للش ارب وانتاج الطاقة، ومكنت من توسع هام في الزارعة المروية153. تطلبت

Keller (A); Sakthivadivel (R) et Seckler (D) (2000) Water scarcity and the role storage in development.

International Water Management Institute (IWMI). Research Report 39. Colombo (Srilanka).

حسب تقرير "اللجنة الدولية للسدود الكبرى بعنوان "السدود والتنمية" يرتبط بالسدود الكبرى من 30 إلى 40 % من الأ ارضي المروية في العالم و1 % من إنتاج الطاقة. ويصل عدد السدود الكبرى مع نهاية القرن العشرين نحو 45000 سد كبير بعد أن كان هذا العدد لا يتجاوز 5000 سد مع سنة 1949، أي أن الجزء الأعظم قد أنجز في الفترة الممتدة بين الستينات والثمانينات .وقد شهدت بدايـة السبعينات) 1975-1970( أوج فترة الإنشاء بحوالي 5000 سد. ويصل معدل الأعمار للسدود الكبرى اليوم 35 سنة .

شملت هذه المنشآت ما يزيد عن 60 % من الأنهار في العالم وتسببت في نقل مابين 40 إلى 80 مليون من السكان.

WCD report 2000 op cit 73-92.

129

هذه المنشآت المائية الفرعونية استثما ارت ضخمة تجاوزت بكثير القدرة المالية لغالبية الأقطار النامية ،ولكن طموحات التحديث والتعصير فضلا عن "المناخ الملائم" لمثل هذه الاستثما ارت برعاية البنك العالمي، كل ذلك جعل منها الحل "الأمثل" الذي يمكن إذا ما دخل حيز الاشتغال أن يغطي كلفته في المدى المتوسط والبعيد. تقف مشاريع السدود الكبر ى في جزء كبير منها وارء أزمة الديون الحادة التي عصفت باقتصاديات البلدان النامية في ثمانينات القرن الماضي فلقد كان تمويلها بنسبة 4\5 تمويلا عموميا. لسنا الآن بصدد تقييم مردود مشاريع السدود الكبرى، وما نريد التأكيد عليه في هذا المستوى من التحليل هو ضخـامة الاستثما ارت وضخامة التدخل التكنولوجي في الأحواض المائية المعنية بمشاريع السدود بما أقحم هذه المجالات في شبكة جديدة من الفاعلين متنوعة ومعقدة وممتدة وبتغييرها لخصائص المكان بشكل طويل المدى ولربما نهائي. لقد مثلت رؤية الج ارّفات الضخمة والترسانة التقنية النوعية صدمة فعلية لكثير من الت اربات الجبلية التي احتضنت هذه المشاريع. وربما و فّرت فرصا مؤقتة للتشغيل لأعداد واسعة من المحليين. إن التصوارت السلبية المتداولة اليوم بخصوص هذه المنشآت هي في أغلبها جديدة )لاحقة لفترة الانجاز(، وهي حصيلة د ارسات وأحداث وتأثي ارت إعلامية نبهت كلها للمضاعفات السالبة للسدود، لكن الصورة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين وهي الفترة التي شهدت إنتشار هذه المنشآت كانت مختلفة نوعا ما وأكثر إيجابية وتقبلا.

أصبحت منظومة التعبئة المائية منظومة مستقلة بذاتها داخل الت ارب لها مجالها وتقنيوها وأمنها الخاص وتدار من الخارج أي من خارج الت ارب المحلي. وتتجاور مع المنظومات الأخرى داخل الت ارب لكنها ما فتئت أن حورت من هذه المنظومات على المستويين الطبيعي والبشري. وهناك ميل في عديد الد ارسات الى إعتبار الكلفة البيئية للسدود عموما سالبة. وربما ساهمت منظومة التعبئة المائية في تحسين البنية الأساسية لكنها خلقت ف ارغا بشريا حولها ونقلت مركز الثقل الفعلي من الجبال والسفوح نحو الأوساط السهلية وهذا ما يطابق وضع التهيئة المائية بحوض مجردة الاوسط والاسفل.

ة

رسم عدد12: إنتاج المجال في المنظومة المائية البي- إقليمية )الحديثة(

131

استفادت المنظومة الت اربية المحلية من تحويل جزئي للمياه المعبأة والمعدّ لة بدرجات متفاوتة بين الأقاليم والأقطار. يهدف التحويل الجزئي للمياه محليا الى تغطية جزء من حاجيات الت ارب الذي يحتضن هذه السدود، والى خلق دينامية تنمية زارعية عبر الري الحديث وامتصاص الشعور بالحرمان من مورد متملك تاريخا . هذا التحويل المحلي استفادت منه السهول أكثر من المجالات الجبلية بحكم قابلية التشبيك وسهولة النفاذية فيها والهياكل العقارية الأقل تعقيدا.. في ظل مقاربة تقنويّة techniciste للتحديث، فالتهيئة الت اربية تقدم إعتبا ارت النجاعة التقنية والإقتصادية على الإعتبا ارت الإجتماعية وحتى البيئية.

تقوم التهيئة المائية الحديثة على مقاسمة "الفائض" المائي بين الأقاليم والت اربات التي تتوفر بها موارد مائية هامة أكثر من غيرها. وبصرف النظر عن مشكل السافلة والعالية داخل الت ارب المائي الواحد، يعتبر هذا التحويل الجزئي للمياه محليا نوعا من التعويض. يصحب هذا التحويل تهيئة لمناطق سقوية عمومية كبرى لتثمير المورد المائي محليا. كما ت ارفق هذه التهيئة، رغم صبغتها التقنوية الغالبة، تحوي ارت جذرية للتقسيم القطعيك"تقسيم ت اربي قاعدي" أو تجميع قطعي واصلاح زارعي للملائمة بين نجاعة شبكات الري والملكية الزارعية والمردودية الاقتصادية والإك ارهات الاجتماعية. وتخضع هذه المناطق السقوية إلى إدارة جديدة تميل الى مركزية مفرطة في غالب الأحيان مقارنة مع النمط التقليدي لإدارة المياه في المنظومات المائية التقليدية.

لقد ساهمت التهيئة المائية الزارعية الحديثة في انتشار الري خارج الأحواض والمزدرعات التقليدية والتي شهدت ضغط التحضر وتناقص قد ارتها المائية. وأصبحت المجالات المروية الجديدة مندمجة في شبكات تسويق وشبكات إنتاج صناعي غذائي متنوعة. ولا غرو أن الطلب المتعاظم على المواد الغذائية المروية قد حفز على تخصص إقليمي والإنتقال فعلا من منطق وشكل المزدرع إلى بنية ومنظومة حوض الإنتاج. تمثل المساحات المروية اليوم في العالم 17 % من جملة المساحة الزارعية وتوفر ما يزيد عن 40% من قيمة الإنتاج الغذائي. وفي تونس تقارب المساحة المروية 8% وتوفر 35 % من قيمة الانتاج الزارعي.

يحسن التأكيد على أن مجالات الإنتاج الزارعية الجديدة بقيت موضعية لكنها حملت معها مفاعيل حث متفاوتة على محيطها من حيث التشغيل أو الاستهلاك او فرص إعادة إنتاج الدخل والاستثمار. وقد استفادت المدن الصغرى والمتوسطة من هذه الدينامية أكثر من الأرياف بحكم تركز الاستهلاك والخدمات. لكن ضعف أحواض الاستهلاك المحلية المتطابقة مع أحواض الإنتاج كثي ار ما أضعفت قدرة الت ارب المحلي في جملته على تثمير الفائض والاستفادة من القيم المضافة التي يتيحها التحويل جوهر ما نعنيه بالتنمية المحلية158. وربما كان ضعف أحواض الاستهلاك المحلية من بين الأسباب القوية وارء ضعف أداء المناطق السقوية العمومية في كثير من الأقطار.

تقوم المنظومة المائية الحديثة على تعبئة المياه واعادة توزيعها إقليميا بين مجالات الوفرة ومجالات الندرة. ويقود هذا إلى نشأة مجال تبادلي لا ت اربي يتوسّ ط العلاقات بين مجالات الإنتاج ومجالات الإستهلاك ويتخذ هذا المجال شكل الشبكات المت اربطة متعددة العقد والأدفاق159 . يهدف التحويل إلى تعديل تفاوت التوزيع الطبيعي للمياه160 ويتم في إطار تصور شامل لتهيئة الت ارب الوطني قائم على فكرة "التضامن الوطني" حسب عبارة "سيباستيان ت ارير". ولكنه يخفي تفاوت موازين قوى وتباين است ارتيجيات إقليمية. فنقل الماء في العمق هو نقل لقد ارت إنتاجية تعزز من تنافسية مجالات الاستقبال ومن قدرتها على الجذب. كما يساهم في تثبيت السكان وتنوع الأنسجة الاقتصادية بما يقدم مردودية أكبر للماء خارج المجالات والقطاعات التقليدية. وهذه المردودية المنتظرة فضلا عن

Campagne P.et al. (2003) Nouvelles stratégies pour un développement rural durable dans les pays méditerranéens. Options Méditerranéennes : Série A. Séminaires Méditerranéens ; n. 54. CIHEAM-IAMM, Montpellier. 137 p.

Dupy Gabriel,1985, Systèmes, réseaux et territoires : principes de réseautique territoriale. Presses de l'École Nationale des Ponts et Chaussées, Paris, 1985 – 168 pages.

Lassere(F.), 2005 "Les Projets de transfert massif de l'eau en Amérique du Nord" in L'eau en Amérique du Nord facteur de coopération, outil de développement ou enjeu de conflit ? Hors série Vertigo N°1

الإعتبا ارت الإنسانية )الماء كحق إنساني( هي التي تبرر ضخامة الاستثما ارت في تحويل المياه .على هذا النحو يساهم التحويل البيإقليمي للمياه في إعادة تشكيل الت ارب في مختلف المستويات الجغ ارفية)المحلي- الإقليمي والوطني(. هناك أسئلة كثيرة لا ت ازل تغذي السجال حول جدوى التحويل البي-إقليمي للمياه وأهمها:

إدارة المياه على المدى البعيد: استش ارف الطلب.

التوازن الإقليمي أمام السوحلة الكبيرة للاقتصاد والتحضر

الكلفة العالية للاستثمار في التحويل.

ديمومة العرض المائي أمام ما أصبح يدخل تحت عنوان التغي ارت المناخية وأمام الصبغة غير المتجددة لصنف من الموارد المائية )الموارد الأحفورية(

ديمومة جودة المياه بنقلها وبتغير أنماط استعمالاتها

اختيار المست وى الجغ ارفي الأمثل لإدارة المياهLe territoire pertinent .

ينقل التحويل خارج المنابع الماء من المادة المشاعة إلى صفة المادة الاقتصادية والخدمة وهذا ما يب رر تسويقه. يتخذ التسويق شكل "الشبكة الصلبة" والمتمثلة في قنوات التحويل ذات الأنابيب الخرسانية وكذلك شكلا مرنا يحاول أن يقترب أكثر من المستهلك ويثمّن بُعد الخدمة في العرض المائي وهو تعليب المياه وصناعة المشروبات المختلفة. ي ارهن تعليب المياه على تغير أنماط الاستهلاك وتنامي الطلب الحضري كما ونوعا والحرص على مستوى معين من الجودة )المياه المعدنية( بالوصول إلى المنابع التي توفر امتيا ازت تفاضلية أكثر من غيرها. ما يحصل هو انزلاق شهرة جودة المياه من المجال الت اربي كعلامة ت اربية ثابتة نسبيا إلى الاسم التجاري للشركة المستغلة والذي ق لما يعكس هوية ت اربية معينة وانما يحكـمه منطق تجار ي a-territorialصرف لا ت اربي.

يشتغل هذا المكوّن من المجال التبادلي المائي بآليات اقتصادية بحتة ويحمل خوصصة مباشرة للمورد المائي وي ارهن على سوق واسعة تتجاوز أحيانا كثيرة الأسواق الوطنية بحيث يصبح مادة تصديرية وامتيا از تفاضليا تتهافت عليه الاستثما ارت العالمية. تبقى حجة تسويق المياه هي تسويق "الخدمة المائية" وليس الماء ذاته) !( ولكونه يقدم تثمي ار اقتصاديا "أفضل" ومؤكدا للقطرة. غير أن هذا لا يحسم السجال حول طبيعة المورد )عمومي/ خاص/ جمعوي(. ويتخذ هذا التسويق صيغا مختلفة. على أن العنوان الأبرز الذي تقترحه مؤسسات الإدارة المائية الدولية هو «الش اركة خاص/عمومي" مع تحاشي الحديث عن "الخوصصة."

في نفس السياق ظهر الى التداول مفهوم الماء الافت ارضي وهو مفهوم حديث النشأة يعود إلى منتصف التسعينات ويطرح نفسه تجاو از لمفهوم الأمن الغذائي وحلا «واقعيا" لمشكل الندرة الهيكلية ويتوافق مع مفهوم "اقتصاد الماء ."وبدأ يأخذ طريقه إلى الخطاب الرسمي والسياسات المائية. يعني هذا المفهوم إمكانية إستعاضة الدول عن إنتاج بعض الزارعات المروية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه باستي اردها من الخارج وتوفير المياه لإنتاج واستخدامات أكثر مردودية وربحية، سواء في الري أو في قطاعات أخرى. وغالبا ما يكون في قطاعات أخر ى غير زارعية. تكو ن الدول بذلك قد استوردت مياها في شكل منتج نهائي فوفّرت مواردها المائية او أعادت توزيعها قطاعيا. تبقى لهذا المفهوم استتباعات خطيرة: فهو قبل أن يكون حلا للد ول النامية ذات الندرة المائية هو تصريف لفوائض الإنتاج الزارعي المتكدسة في الأقطار المتقدمة والتي تحكمها لعبة "الحرب الخض ارء" )المنافسة الزارعية العالمية(. كما ويمثل موضوعيا تضحية بقطاع واسع من الفلاحين الذين لا ي ازلون يحتشدون بأعداد واسعة في أرياف الدول النامية. كما يرهن أيضا مستقبل الت ارب المحلي إلى تقلبات السوق العالمية للمنتجات الزارعية والى منطق "السلاح الأخضر" الذي لم يفلح تحرير تجا رة المواد الزارعية في تجاوزه بل ساهم في تكريسه أكثر. ويحمل المفهوم في ثناياه "خوصصة" فعلية للمورد المائي وعلى نطاق واسع. وفي سياق إعادة التوطين الحثيثة في الاستثما ارت العالمية والتي انزلقت من الميدان الصناعي والخدمي الى الميدان الزارعي، توشك عديد الانظمة الزارعية المعاشية ان تفقد تنافسيتها على الارض والمياه لصالح استخدامات متخارجة بالكامل او تصديرية كزارعة الورود المعدة للتصدير مثلا )كما هو الحال في اثيوبيا.(

فيما يخص المجال الاستهلاكي في المنظومة المائية الحديثة فهو أساسا مجال حضري منفصل ت اربيا عن مجال انتاج المورد ومجالات الانتاج الزارعي نسبيا. ويستفيد في التزود من قوة المجال التبادلي وامتداده ومن قدرته المالية على تلبية حاجياته المتنوعة والمتغايرة والمتغيرة. وهو مجال ممتد لا تربطه علاقات ت اربية فعلية بالت ارب المائي الأصلي. يمتد داخل البلد الواحد وخارجه. لقد مكنت المنظومات المائية الحديثة من انتظام التزود الدوري للمجتمع الاستهلاكي، وت ارجع تماما سلوك الادخار أو تحولت طبيعته كليا، فمن تكوين المدخ ارت الغذائية السنوية أصبح الادخار يقوم على الصيغة النقدية أكثر من الإدخار العيني. وي ارهن على تلبية احتياجات استهلاكية غير غذائية كالسكن الخاص أو منتجات الرفاهية الحضارية. كما تنوعت العادات الغذائية نحو مزيد تنويع مكونات الوجبة والحرص على المادة الطازجة بدلا عن المصب ارت الغذائية. إن التحول في السلوك الاستهلاكي، مع ما ارفقه من تطور كبير للصناعة الغذائية وقدرتها على تكييف وتجديد العرض وتسويقه من خلال طفرة قطاع الخدمات، قد ساهم في تعاظم الطلب وانتظام دوريته. وانبثقت عن هذا التحول أسواق وازنة خلصت الت ارب المائي وأحواض الإنتاج الزارعي من مشكل تثمير الفائض وضعف الإنتاج.

تتخذ العلاقة بين المجال الاستهلاكي والمياه أبعادا أخرى، لتشمل العلاقة الرمزية والاستهلاك المشهدي السياحي والثقافي والدعائي باعتباره "مصدر حياة" وجمالية. يكرس هذا التمثل قيمة ثقافية للماء ويكشف عن قيمة الوساطة médiation القوية الثاوية في علاقة المجتمع مع المياه. فالمسبح والنافورة والبحي ارت الاصطناعية وأحواض المياه الصغيرة داخل ملاعب الصولجان تعبر كلها عن نمط مختلف لاستهلاك رمزي للمياه يجمع بين القيمة المشهدية الجمالية والقيمة الرمزية للمياه الصافية المرتبطة بالرفاه الاجتماعي. تعبر هذه المنشآت المائية الحضرية عن عملية "استدخال " intériorisationأو إعادة إحلال لما يُتم ث ل على أنه "الطبيعة" داخل المجال الحضر ي.

لئن كان مشكل النفاذ إلى المياه داخل المجال الاستهلاكي من بين المؤش ارت العميقة على مستوى التمايز الاجتماعي، فان هذا المؤشر يضعف نسبيا اليوم أمام مشكل الصرف والتطهير.

فمستوى التزود الحضري بالماء الصالح للش ارب يقترب في غالبية الأقطار من نسبة 100% أمام حرص الدول والمنظمات الدولية على ضمان هذا التزود كحق إنساني أدنى .وترتبط النسب الضعيفة في هذا المؤشر بهامشية البنى الأساسية والتوسع العشوائي للأحياء غير المبرمجة، ويعبر الامتناع عن تمكين الربط مع الشبكة في بعض الدول عن آلية م ارقبة وكبح للتوسع العم ارني أو عن اختلال فعلي في ب ارمج وسياسات التهيئة. لم يعد لهذا المؤشر دلالة قوية بالنظر إلى ضخامة مشكل التطهير والصرف الصحي حيث تنخفض نسبة الربط مع الشبكات الى ما دون 50%. يعبر هذا المؤشر عن عمق التماي ازت الاجتماعية والنفاذ المتغاير جدا للماء، حيث تصبح مجاورة المياه في الأحياء الفقيرة هي مجاورة لمخاطر التلوث والفيضان فحسب. فأمام صعوبات الصرف تتدهور جودة المياه كليا ،داخل مجل الاستهلاك. وتعبر تقنية معالجة المياه المستعملة عن إعادة تملك جديدة للمورد داخل المجال الاستهلاكي يبررها خطاب "ندرة المياه" وضروارت بيئية واجتماعية أصبحت تفرض نفسها في ظل تصور شمولي للتنمية المستديمة. تنتج معالجة المياه المستعملة صنفا جديدا من الموارد المائية غير التقليدية لكنها لا تصل الى استعادة جودة المياه الأصلية ولا تدخل من جديد في دورة الاستهلاك التقليدية. ولذا يقع توظيفها من جديد في استعمالات تتناسب وجودتها كري ملاعب

الصولجان مثلا. إذا وعلى هذا النحو يتحول مجال الاستهلاك إلى وسـيط جديد بين مجالات إنتاج للمورد المائي ومجالات استهلاك جديدة.

في هذا الدور المتواصل للماء كوسيط في المنظومات المائية الحديثة يقود "تعدد المجالات وأنماط الإدارة إلى تجزئة المجال المائي إلى وحدات جغ ارفية تجهل بعضها البعض، ونشهد داخل المجال الواحد تجاوار دون ت اربط ثقافي أو تقني لمجالات افت ارضية بمواصفات وقيم متناقضة" .

يسعى الفاعلون داخل هذه المنظومة المجالية الضخمة والمعقدة وغير المتجانسة إلى تلبية حاجياتهم من المورد بصفة فردية وعلى أساس مصالحهم المتعارضة دون اعتبار هذا الت اربط الموضوعي بين عناصر المنظومة، وهو ما يفسر اختلالها وحتمية التوافق بين الفاعلين ماضيا وحاض ار من أجل ديمومة المورد و"التطور الايجابي للمنظومة المائية". تتأكد جدوى المقاربة الت اربية للمنظومة المائية باعتبار أن المجال هو إنتاج اجتماعي وان ممارسة المجال هي إنتاج له واعادة إنتاج للمجتمع داخله.

2. الماء عامل إعادة إنتاج اجتماعي

انطلاقا من التصور الذي يتجاوز حصر الماء في بعد "المادة" ويعترف له بأدوار وأبعاد أخرى تنتج مجالات مختلفة متباعدة كما أرينا، يمكن اعتبار الماء أيضا عامل إنتاج اجتماعي .يقترح فريديريك بلوت مدخلين لق ارء العلاقة بين المجتمع والماء هما العلاقة التقنية technicité والعلاقة الت اربية territorialité ولئن كانت العلاقة الأولى تهم المادة بتحويلها الى مورد فان العلاقة الثانية اشمل وتهم العلاقة مع المجال الت اربي. يعرّف كلود ارفنستاين العلاقة التقنية بـ: "مجموع العلاقات التي يربطها الإنسان باعتباره عضوا من المجموعة مع المادة التي يمكن النفاذ اليها وهي جزء من العلاقة الت اربية".

إن النظر إلى العلاقة بين المجتمع والماء من ال ازوية التقنية أي اعتبار مشكل الماء هو مشكل تحكم تقني لا يمكن إلا ان يحجب الأبعاد الكلية والإطار الأشمل لهذه العلاقة المعقدة ألا هو المجال الت اربي. فهذا الأخير هو ذلك "البناء للموارد المادية والرمزية القادرة على هيكلة الشروط العملية لوجود الفرد او المجموعة ثم الإخبار عن الهوية الذاتية لهذا الفرد أو تلك المجموعة" .إذن، بإنتاج المجتمع للموارد ومنها الماء يعيد إنتاج ذاته وذلك بتجديد شروط البقاء وتطويرها ورسم الحدود الواقعية والرمزية التي تكفل خصوصية الأف ارد والمجتمعات وصولا إلى خصوصية الت ارب ذاته. هذه الحدود قائمة على منطق الإدماج والإقصاء وهي التي تحدد "حق" الانتفاع بالموارد وتعيد توزيع الأدوار حول إدارتها وترسم مشروعية هذا الحق حاض ار ومستقبلا فهي تتحكم في العلاقات الاجتماعية القائمة داخل المجال وتميز هذا المجال المتملك من قبل المجموعة عن باقي المجالات الأخرى.

هذه العلاقة للمجتمع او الاف ارد هي ما نعنيه "العلاقة الت اربية" وهي علاقة ت ارفق التحولات والديناميات التي تط أر على المجال الت اربي )النشأة والتطور واعادة التشكل(..176. وتتألف من علاقة أولية ووجودية مع الأرض، ثم من الشبكة الفعلية للأماكن الممارسة والمعيشة )المجال الاجتماعي والمجال المعيش( إضافة الى التمثلات المتعددة للمست ويات الجغ ارفية المرتبطة بالت ارب. يخترق الماء مختلف هذه المكونات للعلاقة الت اربية وهو حاضر في كل واحد منها ووسيط بينها وكان تاريخيا ولا ي ازل وارء جغ ارفية الطرد والجذب الت اربيين. ولا يبدو ان المنظومات المائية الحديثة القائمة على التحويل وعلى تفريع وتعدد المجالات المائية غير الطبيعية قد قلصت من دور الماء في العلاقة الت اربية وانما حورت من طبيعتها واكسبتها ابعادا جديدة. وتقف هذه المنظومات المائية الحديثة وارء نشأة وتطور وحتى تلاشي علاقات ت اربية حسب مستوى تمثل المورد والتباينات المجالية في توزيعه أو إعادة توزيعه177 وحسب موقع الفاعلين واست ارتيجياتهم حيال تملك المورد والمجال المرتبط به.

يبقى الماء في بعديه، المورد والخدمة، عامل تثبيت للسكان داخل ت ارب معين ويمنح قيمة جديدة لعوامل الإنتاج الأخرى كالأرض. ففي المجالات الحضرية يكفي الاستظهار بفاتورة المياه للاعت ارف القانوني بالإقامة كما هو الحال في المدن التونسية أما في الأ وساط الريفية يعتبر التزود بالماء الصالح للش ارب من شروط تحسين تأمين البقاء للسكان المحليين أو تطوير وظائف الاستقبال امام الوافدين. ويعتبر تشبيك الأ ارضي ال زارعية بقنوات الري عامل تثمير لل ريع العقاري وفرصة لإنتاج المجال وتحرير الطاقات الإنتاجية للأرض بعد تجاوز العوائق المناخية أو الطبوغ ارفية أو حتى إعادة إنتاج

قاعدية178 )تأمين البقاء(. لكن تجاوز هذه الوظيفة القاعدية الى منطق تنمية هو رهين جملة من الشروط بعضها مرتبط بعامل القرب الجغارفي والمؤسساتي داخل التارب ذاته وبعضها الآخر مرتبط بمحيط المنظومةوعلاقات المحلي بالمجال العام.

Di Mio G.1998 Géographie sociale et territoire. Nathan.

Bret B.1996,"Les inégalités une question de géographie politique", in : L’information géographique n°60, 1996 pp

10-.91

Rey V.1982, Besoins de terre des agriculteurs. Economica.

تنجح بعض المنظومات الت اربية في تنمية مواردها الخصوصية وتثميرها على عين المكان مستثمرة امتيا ازت القرب والجوار وتحولات الطلب في محيط المنظومة وتنجح في الربط مع شبكات القيم والمعلومات. فعلى غ ارر مفهوم "نظام الإنتاج المحلو ي" système de production localisé )SPL( الذي ينطبق أكثر على المجالات الصناعية ذات البعد المحلي والتي تتألف من نسيج متماسك من المؤسسات الصغرى والمتوسطة المتجانسة وتنمي مها ارت محلية واعتمادا على طاقات محلية181 ظهر مفهوم مماثل يحاول سحب المفهوم الأول على المجالات الزارعية:" نظام الانتاج الزارعي الغذائي المحلوي" Systeme agroalimentaire localise SYAL يع بّر هذا المفهوم الجديد عن تطور لمفهوم حوض الانتاج182 دون ان يتطابق معه تماما حيث يفترض الخصوصية المحلية او الت اربية183 في حين ان حوض الإنتاج يمكن ان يغطي مجالا إقليميا واكثر من ت ارب وانتظامه شبكي اكثر منه ت اربي.

هكذا يشمل دور الماء في إعادة الإنتاج الاجتماعي تامين وظائف البقاء وتنشيط وظائف الانتاج ويفتح على علاقات تاربية متفرعة ومتنافرة حسب الموقع المباشر من المورد. ومنظوار للماء كمورد وخدمة وكخطر ايضا تنشأ لدى المجموعة آليات تعديل وتجديد حيال مشكل الندرة وحيال المخاطر المختلفة سواءا منها ما ارتبط بضغوطات طبيعية او ما ارتبط بتقلبات الاسواق. وعندما تضعف آليات التعديل هذه تضعف معها قدرة المجموعة الت اربية على تجديد نفسها. هذه الآليات عديدة ومتنوعة كالتضامن والادخار والتعدد النشاطي والاستثمار واعادة توظيف او توزيع الموارد والتجديد التقني والمؤسساتي…الخ. فالمشكل يبقى مرتبطا جوهريا بمدى النفاذ الى المياه من حيث الكم والج ودة واستم اررية التزود على مدار السنة ومستوى اتاحة هذا النفاذ امام ش ارئح وقطاعات مختلفة.

Jouve Ph. 2000, "Dynamique agraire et développement rural. Pour une analyse en terme d’analyse agraire", in :

Dynamique agraires et construction sociale du territoire. Séminaire CNEAR-UTM 26-28/04/1998 Montpellier pp 23-.82

Diry JP, 1999, les espaces ruraux SEDES, Paris p 39.

Colloque INRA Territoire et enjeux du développement régional. Lyon 9-11 Mars 2005 Actes disponible sur le site:

www.inra.fr/rhone-alpe/symposium

140

ة

في الواقع يمنح مفهوم "الفقر المائي" la pauvreté hydraulique مدخلا جيدا لق ارءة دور الماء في إعادة الإنتاج الاجتماعي184. يهم هذا المفهوم النواحي التالية: وفرة الموارد والنفاذ اليها والقدرة على تثميرها، استعمالاتها والمحيط. وأي خلل عميق في أحد هذه المكونات للمنظومة

مؤشر الفقر المائي Indice de pauvreté hydraulique: الفقر المائي مفهوم حديث النشأة ينطلق من تصور شمولي لمختلف أبعاد المسألة المائية )الاجتماعيةوالاقتصادية والبيئية.(. ويحمل نقدا حقيقيا لمختلف المؤش ارت المتداولة لتكميم الندرة المائية وخصوصا فولكنمارك. ينطلق من ملاحظات ميدانية بسيطة لكن لها دلالتها العميقة مفادها أنه يمكن توفر المياه بكميات كبيرة ومع القرب لكن لا تتوفر القدرة على النفاذ اليه )مالية؛ تقنية؛ سياسية..( وبهذا المعنى يمكن لأقطار وأقاليم وش ارئح اجتماعية أن تكون في فقر مائي مع توفر كامنات مائية هامة. تحول هذا المفهوم بسرعة إلى با ارديغم )مشروع نظري مفتوح( يفتح آفاقا واسعة للبحث العلمي القائم على دمج المقاربات والاختصاصات ويفتح مباشرة على الفعل الاجتماعي في ظل مشاريع متعددة الفاعلين. تحوّل المفهوم بسرعة إلى التكميم. وظهر مؤشر الفقر المائي water poverty index وهو المؤشر تأليفي على غ ارر مؤشر التنمية البشرية ويؤلف بين خمسة مكونات أخرى بدورها مكونة من مؤش ارت فرعية:

الموارد المائية المتاحة Availability

النفاذ لمختلف الاستعمالات للمورد Access

القدرة المالية والمؤسساتية على استغلال العرض المائي Capacity

الاستعمالات Use

Enivronnement المحيط

وتشير د ارسة تطبيقية لهذا المؤشر بجامعة كيلي )لندن( الى مفارقات كبيرة. فالطوغو بـ 2500 م3 /الفرد/ السنة يسجل مؤشر فقر مائي46، والسودان بـ 3200 م3 /الفرد/ السنة يسجل مؤشر 49.4 أما ألمانيا وبنصيب للفرد 1700م3 /الفرد/ السنة تسجل مؤشر 64.5 وقبرص بـ 1100 م3 /الفرد/ السنة تسجل مؤش ار بـ 61.8. هذا المؤشر رغم القوة النظرية والمنهجية التي يضيفها الى مسألة تكميم الندرة المائي فانه يحمل في طياته أيضا عيوب المؤش ارت التأليفية الأخرى المعقدة وصعوباتها الإحصائية.

Lawrence Peter, Meigh Jeremy and Sullivan Caroline. 2002. The Water Poverty Index: International Comparisons. Keele University, and Centre for Ecology & Hydrology. London. url: http://www.nwl.ac.uk/research/WPI/ consulté le

15/03/2004

من مشاكل تطبيقات مفهوم الفقر المائي، مشكل المستوى الجغ ارفي échelle والمشكل الإحصائي. فهو يتوقف على مدى قيمة وحين يّة مكوناته الجزئية المعنية مثلا بالوضع البيئي أو بمستوى تقويم القدرة وتكميم النواحي الكيفية. يمكن اعتبار المفهوم إطا ار جديدا وأنموذجا نظريا مفتوحا قد نقل الفقر المائي من المعالجة الكيفية الوصفية إلى التحليل الكمي ووضع الندرة المائية في سياقها الاجتماعي والت اربي الحقيقي. كما نبه الى ضرورة معالجة ظاهرة الندرة ككل un tout وتجاوز المقاربة القطاعية والمقارنات التي يضعف الواقع من صدقيتها وقدم تصوار يدمج مختلف أبعاد المسألة المائية .كما نجد فيه إق ارار بالماء كحق انساني وكمورد مشترك تميل المنافسة حوله إلى خوصصته ورهنه إلى لعبة الس وق. يعبر أنصار هذا المفهوم عن وجهة نظر تنتقد السياسات الد ولية الرسمية للمسألة المائية والتي تنتظمها مظلة البنك العالمي وب ارمج التكييف الهيكلي للاقتصاد. لقد نبهت د ارسات عديدة إلى خطورة انسحاب الدولة من التدخل المباشر في المجتمعات الريفية وعلى البيئة وعلى خوصصة المو رد المائي ولقد بين ديفيد ريد آثا ار بيئية واجتماعية خطيرة لما بعد التكييف الهيكلي في بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية وفي جنوب آسيا.

Reed D. (s.dir), Ajustement structurel, environnement et développement durable. L’harmattan 1999. 377p.

A. Richard, P. Caron, J.Y. Jamin, T. Ruf (éd.), 2004. Coordinations hydrauliques et justices sociales. Actes du séminaire, novembre 2004, Montpellier, France. Cirad, Montpellier France, Colloques.

141

الاجتماعية المجالية المائية يضعف القدرة على إعادة الإنتاج او التح وّل الى منطق تنمية ويفتح على وضعية "فقر مائي". فالمشكل الحقيقي يبدو أنه يكمن في مدى النفاذ الى المورد من قبل الجميع لا في مدى توفره او وجود قدرة تقنية او مالية على استثماره على اهمية هذه العوامل ايضا.

ويرتبط بهذا المشكل ايضا المشكل الغذائي برمته. لقد كان وارء الرهان على التهيئة المائية الحديثة خاصة في فترة ت ارفقت مع ما كان يعرف بالانفجار الديمغ ارفي) "1985-1965(، رهان أكبر يتمثل في إنتاج الغذاء. انتاج يستجيب للحاجيات المتعاظمة الآنية ويستبق المشهد الكارثي للانفجار الديمغ ارفي الذي كانت تنبه إلى خطورته الاسقاطات السكانية لفترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. وربما نجح هذا الرهان إلى حدّ بعيد في الحالة الهندية وفي بعض أقطار أمريكا الجنوبية في تلافي مشهد الكارثة الغذائية حيث كان الري من أبرز مكونات الثورة الخض ارء لكن الري في الجملة ورغم الانتشار الواسع ظل مترك از في عدد محدود من الاقاليم والأقطار. نعلم اليوم وحسب المنظمة العالمية للأغذية والزارعة FAO أن ق اربة 800 مليون نسمة في العالم يواجهون مشكل نقص خطير في الغذاء اليوم) 2010( أي انه ما ازل هناك الكثير لإنجازه لجعل الغذاء في متناول طالبيه بما يكفل الحد الادنى الضروري للحياة وهو جوهر مفهوم "الأمن الغذائي". ربّما كان الانتقال الديمغ ارفي في طور متقدم نسبيا في جميع الأقطار وهذا سيعدل من نسق الزيادة السكاني الحالي ،لكن الطلب يتحول كما ونوعا أيضا، وما نشهده عن تعميم أنماط الاستهلاك الغربية المعولمة وتغيّر معاييرها وت ارجع تقاليد الادخار الغذائي أمام انفجار خدمات العرض الغذائي سيقود ذلك الى مزيد من الضغط على الموارد المائية وعلى الأوساط الطبيعية.

في الواقع يكمن المشكل الغذائي اليوم في العالم في طبيعة المبادلات وتدهور اط ارف التبادل ،فالدول الغنية الماسكة بثلاثة أرباع تجارة الغذاء تواجه مشكل فوائض إنتاج كبيرة ومجالات الطلب في الأقطار الفقيرة لا تملك القدرة على الدفع، وخفض الأسعار يؤدي إلى انهيار المداخيل للفلاحين وعجزهم عن سداد ديونهم، والمعونة الغذائية على أهميتها تقود إلى نتائج عكسية أهمها : تغيير السلوك الغذائي ورهنه لمواد لا يسمح الوسط بإنتاجـها أو التبعية التكنولوجية والمالية الخانقة إذا ما أريد تطويع المنتجات الجديدة لقابلية هذه الأوساط.

لقد استندت أغلب المشاريع المائية المعاصرة في العالم النامي الى مفهوم الامن الغذائي بما يعنيه من ضروارت تامين تزود دائم بالغذاء كما ونوعا لأعداد سكانية تت ازيد باضط ارد .في البداية كان الأمن الغذائي يعني قدرة الأقطار او الأقاليم التي تواجه النقص سنويا على تحقيق مستويات استهلاكية مرضية. وهذا التعريف يستند الى مستوى الاستهلاك الغذائي كمحدد للأمن الغذائي وهو تعريف يظهر ملامح العرض والطلب. بالنسبة للبنك الدولي، يكمن الأمن الغذائي في نفاذ كل الأف ارد في كل الأوقات لما يكفي من الغذاء للتمتع بحياة صحية ونشطة. هذا التعريف الثاني يربط توفر المواد بقدره الأف ارد على التوصّ ل إليها وهو يتصل بالمقاربة حسب الحاجيات الأساسية التي طورها البنك الدولي خلال السبعينات. وتستند هذه المقاربة الى: استهلاك فردي أدني )غذاء، سكن، لباس( والنفاذ الى الخدمات الأساسية )المياه، الصحة، التعليم( ثم النفاذ الى شغل منتج ودخل عادل.

بداية من الثمانينات شهدنا عودة قوية للنظريات اللب ارلية خاصة حيال متطلبات "التكييف الهيكلي للاقتصاد" منذ 1986 لحل مشكل التداين بعد ازمة الديون التي عصفت بجل البلدان النامية بداية من امريكا الجنوبية. أصبحت جدولة الديون مشروطة بإصلاحات اقتصادية )كلية وجزئية( عميقة. أهم مفاصلها تحرير الاسعار والخصخصة وم ارجعة الدعم للمواد الغذائية. هذا الدعم الذي أعتبر انه "منظومة عمياء" تستفيد منها كل الش ارئح الاجتماعية بما فيها الميسورة. ووفق هذ التصور يكون على الدولة ان تقصر الدعم على مستحقيه من الش ارئح الاجتماعية الدنيا .وعليه يرتبط مفه وم الأمن الغذائي اليوم بسياسات التكييف الهيكلي للاقتصاد التي وضعها صندوق النقد الدولي. يقع فيه تخصيص حقل للتدخل لفائدة بعض الفئات الاجتماعية الضعيفة.

في سياق العولمة الحالي يبدو ان شعار "الأمن الغذائي" قد خفت نسبيا وأصبح جزءا من اجندا شاملة تدخل تحت عنوان "خفض الفقر" وينتظمها إطار دولي جديد هي "أهداف الألفية" وب ارمج المتابعة القطرية المرتبطة بها. وقفزت الى التداول مفاهيم جديدة لكن طرحها قديم مثل مفهوم "الماء الافت ارضي" ونذكر بان هذا المفهوم يعني تعويض المنتوجات المستهلكة المياه بالاستي راد لتحقيق شعار "اقتصاد المياه." الامن الغذائي والماء الافت ارضي هما شعا ارن متقابلان في العمق لكن ما يجمعهما هو هذا الارتباط الشديد بالخارج )الأسواق والمبادلات والسياسات الزارعية والسياسات المائية.. وتوزيع الاستثما ارت العالمية(. أي ان كلاهما يفتح على مقاربة اقتصادية .هذا يعني في النتيجة آن إعادة الإنتاج الاجتماعي في الت ارب المائي وفي الت ارب الوطني مهددة على الأقل بالنسبة لبعض المجالات الت اربية أو الش ارئح الاجتماعية التي تجد صعوبة في "التكامل" مع الاقتصاد الكلي وفي الملاءمة بين هياكلها الانتاجية وهياكلها الاجتماعية.

II- من التهيئة الإستارتيجية إلى التهيئة الإنتاجية

يرتبط عهد التهيئة المائية الكبرى في تونس بخيا ارت وطنية للدولة الوطنية الناشئة في إعادة توزيع المورد المائي وتثميره في إطار منظومات إقليمية وعبر إقليمية ووطنية. وان كانت جذور هذه التهيئة تعود الى الأربعينات من القرن الفارط أساسا فإن تكريس الخيا ارت الأساسية في التهيئة المائية ودخول المشاريع الكبرى حيز الإنجاز إرتبط بمرحلة ما بعد الإستقلال. ولقد إرتبطت التهيئة المائية بسهول حوض مجرة الأوسط بدو رها عضويا بهذه السياسة المائية الجديدة فكانت أبرز إنجا ازتها بل محورها واهم نماذجها الإقليمية على الإطلاق .هذا بحكم إمتداد المجال على واحد من اهم الأحواض المائية بالبلاد بل إنه أهمها على الإطلاق من حيث كثافة الشبكة المائية وخصوبة التربة والوضع الطوبوغ ارفي القابل للتثمين. ومن الطبيعي أن تتأثر التهيئة المائية بهذا الإقليم بكل مجريات التحولات العميقة التي ارفقت هذه السياسة المائية الوطنية.

1. التهيئة المائية الحديثة في سياقها الوطني

ارهنت تونس مبك ار على تعبئة واسعة للموارد المائية المتاحة واركمت ت ارثا مائيا عريقا عبر الزمن كما طورت توجها سابقا بدأ مع الاستعمار خاصة بعد ازمة الثلاثينات الاقتصادية وبلغت اليوم مستويات متقدمة من التعبئة ت اروح مستوى 85%. ولقد ارهنت التهيئة الوطنية المعاصر على التعديل الفصلي والمجالي للموارد والدمج بين الموارد الباطنية والموارد السطحية والتحكيم بين الاستخدامات القطاعية المختلفة وبين الحاجات الزارعية والحاجيات الحضرية المتنامية. فتكونت بذلك منظومة

144

مائية وطنية متكاملة ومندمجة. يمكن حصر ثلاثة م ارحل كبر ى187 لهذه التهيئة المائية الوطنية الكبرى:

مرحلة التجهيز المائي للمجال:

تمثلت هذه المرحلة في إنجاز منشآت مائية كبرى للخزن والتحويل )سدود كبرى وآبار عميقة..( وتهيئة المناطق السقوية العمومية خاصة في الشمال188. وكانت تعبئة المياه من أجل الماء الصالح للش ارب وتزويد المدن الساحلية وخاصة منها تونس العاصمة من أوكد أولويات هذه المرحلة إستباقا لأي ندرة هيكلية تهدد الإستهلاك والتنمية في هذه المدن. وقد شهدت هذه المرحلة توسع المجال المرو ي خارج أحواض الري التقليدية نحو دواخل البلاد في شكل مزدرعات موضعية أو أحواض إنتاج فعلية )سهل القيروان؛ حوض مجردة؛ سهل سيدي بوزيد(…189 كما تم مد شبكة هامة نسبيا من القنوات للتحويل البي إقليمي ربطت السدود الكبرى بالمناطق الحضرية الشرقية.

مرحلة التأطير القانوني والإدار ي

موا ازة مع أشكال التجهيز المائي للمجالات الزارعية سعت الدولة التونسية إلى تأطير قانوني للتهيئة في إطار ما يعرف بقانون المياه190 والامثلة المديرية الإقليمية للمياه. أكدت هذه الامثلة من جديد على البعد الوطني وعلى الصفة القانونية للمياه كملك عمومي وعلى الصيغة المندمجة للتعبئة )الجمع بين الموارد السطحية والموارد الباطنية والمياه المعالجة( واعادة التوزيع المجالي والقطاعي والإقليمي. أما التأطير الإداري فأوكل الى دواوين إحياء وطنية تأكيدا للبعد "الإست ارتيجي" ولمركزية تدخل الدولة في المجال الزارعي المرو ي مثال ديوان إحياء أ ارضي مجردة.

Le Goulven P. Ruf Th, Gestion territoriale de leau : le baassin de Mergeuellil en Tunisie Centrale, Rapport de

mission en Tunisie nov- dec 1996.

– Cherif A. " Aménagement hydro agricole et problèmes d'exploitation des périmètres publics irrigués dans le Nord

de la Tunisie" in : Géographie et Développement N° 12 et 13 Janvier 1994 pp6

Cherif A. RTG 1995.

داود عبد الكريم, "حصيلة تعبئة الموارد المائية وآفاقها في تونس" في: المجلة التونسية للجغرافيا عدد 32 لسنة 2001 ص 7- 34

Henia, Latifa (S. Dir) Atlas de l’eau en Tunisie. Unité de recherche GREVACHOT, FSHST Tunis 2008 p 103-1.50

صدر أول قانون للمياه في 1896 وقام على دولنة كاملة للمياه السطحية والباطنية وتم تحديثه في 1975

145

ج- مرحلة إعادة الهيكلة والاقتصاد في المياه

مع أواخر الثمانينات أخذ إنجاز مشاريع الري والتجهي ازت المائية الكبرى في التباطؤ. واتخذ التوجه العام مسا ار جديدا إرتبط إلى حد كبير بالتوجهات الإقتصادية الجديدة لما أصبح يعرف بعد 1986 ببرنامج التكييف الهيكلي للإقتصاد PAS ولعزوف مؤسسات الإق ارض الدولية عن تمويل المشاريع المائية الكبر ى الجديدة وأيضا لكون المواضع القابلة لإحتضان هذا النوع من المشاريع لم تعد إجمالا موجودة )وقع تهيئتها(. في هذا السياق، وبعد تقييم للمرحلة السابقة وما افرزه من الوقوف على التباين بين المشروع والمنجز وامام ت اركم اللاّمقتصدات، أصبح التركيز منصبّا أكثر على تأطير ما هو موجود نحو مزيد من النجاعة الإقتصادية والتقنية وتلافي اللآمقتصدات كالتبذير وضعف التكثيف واستعمال التجهي ازت191. فأصبح العنوان المركزي للسياسة المائية الجديدة هو "الإقتصاد في المياه". ومع ذلك إستمرت تعبئة المياه في “المنشآت المائية البينية” hydraulique intermediaire كالسدود الصغ ر ى والبحي ارت الجبلية إستكمالا لمشاريع منظومات مائية إقليمية سابقة تعطلت بسبب التمويل ولمواجهة ندرة هيكلية منتظرة بإقت ارب الطلب من سقف العرض في حدود سنة 2030. من الناحية الإدارية أصبحت العناوين الجديد لإدارة المياه: "التحول من إدارة العرض إلى إدارة الطلب" و"اللامركزية". شهدت هذه المرحلة إعادة توزيع لإدارة المياه بين المستوى الوطني والإقليمي بحل دواوين الإحياء ودمجها في المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية192 وتفويض الإدارة على المستوى المحلي عبر تشريك الفاعلين الأساسيين خاصة في المجال الفلاحي في إدارة المجالات الزارعية الى هياكل وسيطة )الجمعيات والمجامع المائية ومجامع التنمية(193. وأمام تنامي الطلب غير الزارعي )السياحي الحضري والصناعي( بدأت تتجلى معالم إعادة التوزيع قطاعي للماء وتعالت الاصوات المطالبة بم ارجعة حصص الزارعة من المياه.

191Elloumi Md,1991, Gara Mohsen et Lasram Mustapha,” Irrigation et developpement agricole: L’experience Tunisienne” In: MEOIT N °1-2/91 pp 8-10

193 Latiri R. " Evolution institutionnelle et réglementaire de la gestion de l'eau en Tunisie : vers une participation accrue قانون عدد 44 لسنة 1989 مؤرخ في 08 مارس 1989 يتعلق بإحداث مندوبيات جهوية للتمنية الفلاحية 192

des usagers de l'eau" in: L’avenir de l’agriculture irriguée en Méditerranée. Nouveaux arrangements institutionnels pour une gestion de la demande en eau. Actes du séminaire Wademed, Cahors, France, 6-7 novembre 2006. Cirad,

Montpellier, France.

146

لا تنفصل التهيئة المائية الزارعية الكبرى بالشمال الغربي التونسي وفي حوض مجردة الاوسط عن هذا السياق العام والوطني للتهيئة المائية وتثر بحيثياته ورهاناته ولكنها تتنزل في مجال خصوصي يغلب عليه انخفاض مستويات العيش وضعف تثمير الموارد مما يتجاوز بالتهيئة ادوارها الانتاجية المباشرة الى ادوار است ارتيجية تهدف من خلال تعبئة المياه وبعث المناطق السق وية الى إعادة تشكيل المجال الت اربي المحلي والاقليمي ودمجه أكثر في المجال الوطني.

2. التهيئة المائية الكبرى واشكالية التنمية للشمال الغربي التونسي

ينتمي الشمال الغربي جغ ارفيا الى الاقاليم التي تضعف فيها المؤش ارت التنموية بشكل هيكلي وممتد في الزمن والمجال كما انه مجال لهجرة طاردة ومستويات فقر تفوق المعدلات الوطنية. فكان الرهان على تعبئة المياه داخل الاحواض المائية التي تتميز بوفرة نسبية وقابلية للتهيئة ك ارفعة للتنمية .

نستند في هذا الجزء من التحليل إلى مقال لحبيب عطية حاول فيه ما تبيّن ما أسماه "إشكالية التنمية بالشمال الغربي التونسي" وحاول فيه تتبع "جذور التخلف" ومفارقاته في هذا الإقليم مؤكدا على محورية التنمية الزارعية في استحداث نسق تنموي داخلي يستثمر الموارد الفلاحية المحلية الهامة ومنها المياه. هذه التنمية المرجوة تتطلب تدخلا مباش ار للدولة عبر التجهيز وتذليل عوائق الاستثمار الصناعي في الإقليم وأهمها ضعف البنية الأساسية. تكمن جذور التخلف بالإقليم حسب عطية في ما يسمّيه حالة "التفقير التاريخي" الي شهدتها شريحة الفلاحين في تاريخها القريب وخلخلة بناها الإجتماعية والمجالية مما أضعف الت اركم في الثروة والتقاليد الحرفية والزارعية. يقول: " هذا العجز في التقاليد الفلاحية هو حصيلة علاقات الإنتاج ما قبل الإستعمارية والإستعمارية والتي حولت الشريحة الفلاحية الحرة إلى جيش من الأقنان ثم إلى إحتياطي يد عاملة موسمية، يمثل اليوم أحد عناصر تعطيل إعادة هيكلة المجتمع الريفي والتنمية الزارعية". كما تكمن جذور التخلف في مستوى ثان في ما أسماه "المقاربة المتناقضة للتنمية الإقليمية لما بعد الإستقلال" والتي جمدت أسعار المواد الزارعية في الوقت الذي تتنامى فيه أسعار المدخلات بشكل أسّي رغم سياسة الدعم التي تتوخاها الدولة لتوفير هذه المدخلات بأسعار انتاجية. نتج عن هذا تدهور أط ارف التبادل بين الشمال الغربي والشريط الساحلي، مما إستحث نسق هجرة داخلية كثيفة فعمّ ق بدوره مسا ارت الخلخلة السابقة .

ونجد لدى العروسي العامري في د ارسة حول الم أرة الريفية بالشمال الغربي التونسي ومن خلال بحث سوسيولوجي ميداني أجري في مجال الد ارسة197 أريا قريبا وأكثر ارديكالية: يعتبر العامري أن الشمال الغربي التونسي قد ظل طيلة تاريخه الطويل و كما يقول عمر السعيدي" مجال يعيش لغيره"198 وتتألف ثروته الطبيعية التاريخية الخصوصية من ثلاثة: الغابة والقمح والمياه .امّا الغابة والمياه فهما ملك عمومي للدولة وأ مّا القمح فهو يخضع إلى تسعير يلتهم هامش الربح لدى الفلاحين ويحرمهم من فارق السعر على مستوى عالمي. وعليه فسكان الشمال الغربي "محرومون" مسبقا من تملك ثروتهم الطبيعية الخصوصية وفق هذا التحليل مما أضعف الت اركم وبقي الاقليم يمثل مجال "جباية وتصريف منتوج الثروة" حسب عبارة عمر السعيدي.

تعود فكرة التهيئة المائية الواسعة لسهول حوض مجردة الأوسط إلى فترة الثلاثينات والأربعينات .ونجد صدى مباش ار لها في عديد وثائق الأرشيف كم ارسلات أو د ارسات تمهيدية للتربة. لكن الد ارسات الفعلية التي تع بّر عن ت وجه جديد وواضح لتكريس هذه الفكرة تعود أساسا إلى النصف الثاني من ستينات القرن العشرين )1967-1966(. ت ازمنت هذه الد ارسات مع فترة التجربة التعاضدية وعبرت عن الطموحات التنموية للدولة الوطنية الناشئة في "تحديث المجال الزارعي" وتحرير الطاقات الإنتاجية النائمة للأارضي التي ظلت طويلا رهينة زارعة الحبوب الأحادية وأنظمة انتاجية ممتدة.

وعليه يصعب القول بأن التوجه نحو الري في هذا الإقليم قد جاء كبديل تكثيفي بعد الفشل المعلن لتجربة التعاضد، بل إن المؤسسات الزارعية التعاضدية هي التي كانت نواتات التجهيز المائي العصري

Amri L., 2003, La femme rurale dans l’exploitation familiale, Nord Ouest Tunisie : Pour une sociologie des

ruptures. L’Harmattan.583p.

"يبدو أن هذه المنطقة )جندوبة( عبر تاريخها لم تعش أبدا وتتطور لذاتها، كما لم تتمتع بأي مبادرة كانت. وعلى العكس من ذلك، فقد كانت د وما في مؤخرة ماركز أخرى صاحبة القارر والمبادرة. ولم تنجح أبدا في أن تكون مركز إشعاع، بل بالأحرى فقد كانت مركز تموين، منطقة لجوء ومجال عبور لكل من يسعفه الحظ".

Saidi O.,1975 "le peuplement de la haute vallée de la Majerda". In: Revue Tunisienne des Sciences Sociales N°

40-41-42-43, année 1975

العشي رضا2005، أضواء على إنتفاضة علي بن غذاهم) 1864( لدى عروش جندوبة و أولاد بوسالم و خمير والرقبة- تونس

الأولى وجلبت مفعول حث أكيد سواء بفعل قد ارتها التجهيزية الذاتية أو بحكم عامل القرب. إنتظمت هذه المشاريع الإقليمية ضمن تصوارت عامة لتعبئة كاملة للموارد المائية لحوضي مجردة واشكل من أجل تزويد العاصمة والمدن الساحلية بالماء الصالح للش ارب وتحويل فائض مياه الري نحو المجالات الزارعية التي تواجه عج از هيكليا في موازناتها المائية مثل سهل مرناق والوطن القبلي.

أخذت د ارسات المشاريع المعنية بعين الاعتبار في إعتماد المشاريع النهائية للتهيئة جودة المياه ومدى إنتظامها وكذلك طبيعة التربة والقابليات الزارعية للأرض. نق أر وفي وثيقة "المخطط المديري لإستعمال مياه الشمال" التالي:" تعديل المياه عملية مكلفة تستدعي مردودية قصوى عبر استثما ارت الأقل كلفة والأكثر إنتاجية"، ولذا فعند إعتماد المشاريع النهائية تبنت الإدارة المقاييس التالية: الإقت ارب أكثر ما يمكن من مصادر المياه ومستوى ملوحة ملائمة للمياه ) ليس هو الحال بالنسبة لمياه وادي تاسة مثلا( واختيار الأ ارضي الأكثر ملائمة للري مثال الترب الممتازة لسهل غا ارلدماء ثم الجمع بين المياه السطحية والجوفية. ستكون لهذه الاعتبا ارت التي تلح على المردودية من منظور اقتصادي إستتباعات هامة في التجهيز المائي للإقليم والتحول نحو الري العصري. إعتبا ارت إقتصادية بحتة تعاملت مع المجال مع "تجاهل" واضح للاعتبا ارت الت اربية المحلية فأهملت المجالات الجبلية والأ ارضي المنخفضة لصالح السهل الذي يوفر قابلية تقنية وعقارية أفضل للتجهيز وحتى في السهل وقع انتقاء كبير للمساحات القابلة للتجهيز.

في إطار تهيئة شاملة لمياه الشمال، حرصت الد ارسات الأولية الخاصة بحوض مجردة الأوسط في 1968 على بحث الإنعكاسات الممكنة للتجهيز المائي لسهول حوض مجردة الأوسط على مشروع الري بحوض مجردة الأسفل من حيث كمية المياه وجودتها. وهذا يعني ضمان تهيئة دنيا "غير مشروطة " في حوض مجردة الأعلى وضمان تزويد الحوض الأسفل صيفا عبر سحب كمية المياه المعدّ لة اللازمة والمعبئة في سد ملاق وضمان تخفيف ملوحتها بعد اختلاطها بمياه الروافد الشمالية ومنها بوهرتمة. هذا في انتظار تعديل كامل لمياه الشمال عبر سد سيدي سالم) 1982( وعبر إستكمال تعبئة الأحواض الصغرى الشمالية التي يتنظمها حوض إشكل ذات الملوحة المنخفضة قصد توفير مياه إضافية وأكثر جودة )المثال المديري لمياه الشمال(.

منذ البداية اندرجت التهيئة المائية الزارعية بسهل جندوبة في سياق تعبئة شاملة ومندمجة وبقيت ادارتها شديدة التركّز. واستغرقت عملية الانجاز وقتا طويلا فاق ما كان مبرمجا. في الاثناء لم يستفد الاقليم من تحويلات استثمارية تذكر عدى تلك المرتبطة بالمشاريع المائية في انتظار مفعول الحث المرجو للري ك ارفعة تنمية. وبقيت البنية الاساسية خاصة تلك المرتبطة بالنقل ضعيفة ومعطلة للح ارك والتبادل بل طاردة للقوى الحية والاستثمار. في الاثناء أيضا تغيرت مفاصل السياسات الزارعية واولوياتها وفاعلوها.

خاتمة

لقد كانت التهيئة المائية الزارعية بسهل جندوبة جزءا من عملية تهيئة كبرى تشابكت فيها الابعاد القطاعية التقنية مع الابعاد الت اربية وأ ريد لها ان تكون ارفعة تنمية. ولقد انتظمها المثال المديري لمياه الشمال والذي حاول ربط الاحواض المائية ببعضها وتقليص السيلان نحو البحر لمياه مجردة وحوض أشكل الى حده الأدنى. تهيئة على درجة عالية من التعقيد فالمطلوب تزويد المدن الساحلية بمياه الشرب والتحكم في خطر الفيضان وتحويل الأنظمة الزارعية البعلية في حوض مجردة جزئيا نحو الريّ. واعتبرت الاحواض المائية في الشمال الغربي ذات فائض مائي قابل للتحويل والمقاسمة مع باقي الأقاليم. كانت تكلفة الإنجاز باهضة وكان يفترض ان يقع استخلاص الكلفة تدريجيا من مجالات الإنتاج الجديدة. هذه السياسة المائية الممتدة في الزمن أتت تقريبا على كل ما وقع برمجته رغم تأخر الإنجاز أحيانا والكلفة المالية ويمكن القول ان مستوى التعبئة قد بلغ عتبة محترمة أبعدت شبح الندرة الهيكلية القصوى للمورد. غير ان تغير الظرفية الاقتصادية وتقلبات السوق العالمية للمدخلات والمواد الزارعية بدا يملي أولويات جديدة وم ارجعة عميقة للأولويات السابقة ومنها م ارجعة الدعم وانسحاب الدولة من عملية الإنتاج مع احتفاظها بأدوارها الرقابية والتعديلية. لا يمكن احتساب الاستثما ارت المائية الضخمة في الشمال الغربي كامتياز لهذا الإقليم فقد كانت استثما ارت وطنية واستفادت منها الأقاليم الأخرى أيضا بالتحويل وعليه فالرهان على التهيئة المائية الزارعية لوحده لاستحثاث نسق تنمية شاملة وخفض الفقر في الواقع ربما كان رهانا مبالغا فيه.

150

الفصل الثاني: التجهيز المائي الحديث للمجال بسهل جندوبة

مقدمة

قام التجهيز المائي للمجال على إرساء منظومة مائية ضخمة لتعبئة المياه المتاحة بالخزن والتحويل وتعديل التوزيع المجالي بمد شبكة كثيفة من القنوات واعدة رسم التقسيم القطعي للأرض بما يلائم خطوط الشبكة واندفاقها وعقدها وارساء منظومة تحكم آلي عن بعد . وقد استفاد مد الشبكة من تجربة المناطق السقوية لحوض مجردة الاوسط وصعوبات التجهيز خاصة عندما تصطدم بمعارضة المتساكنين واصحاب الحقوق العينية فوقع مد قنوات تحت ارضية واعتماد الري بالرش بدلا عن الر ي الانسيابي مع تدعيه بشبكة كثيفة من مصدات الرياح. اعتمد مشروع الري الذي انطلق فعليا في بداية السبعينات من القرن العشرين على مياه مجردة وبوهرتمة أي المياه السطحية اساسا في القسم الش رقي من سهل جندوبة وعلى الجمع بين مياه مجردة ومياه المائدة العميقة في القسم الغربي اي في سهل غاردماء ووادي مليز. انجز المشروع على م ارحل ثلاث وتدريجيا الى حدود 2003. سنحاول في هذا الفصل تبين الجوانب التقنية للشبكة المائية وهي وان كانت منظومة تقنية بالأساس فلقد أعادت تشكيل المجال عبر التجهيز المائي لتصبح منظومة مجالية معقدة ومتعددة المكونات والاط ارف المتدخلة.

ي ارعى تقنيا في تصميم شبكة متفرعة للري عبر ضخ المياه الم ارحل التالية : تصميم الشبكة واحتساب الصبيب عند الذروة اليومية او الفصلية واختيار القطر المناسب للأنابيب بما يستجيب لطاقة الضخ وطول الشبكة وحاجيات الاستهلاك من المياه واحتساب نظام مائي للري مستمر وغير متقطع وتصميم محطات الضخ وانجاز أنظمة محاكاة لاشتغال المنظومة والأخذ بعين الاعتبار لإمكانات توسيع الشبكة لاحقا. فالتجهيز المائي ضمن التهيئة المائية الزارعية الحديثة هو عملية تقنية متكاملة ومركبة قائمة على بنية أساسية ضخمة وغير مكشوفة في مجملها . بنية تستند إلى القوة التقريرية والتنفيذية للدولة وحدها الكفيلة بالتدخل في مجال ت اربي واسع تتنازعه استملاكات مختلفة، بشكل مباشر او عبر ش اركات مندمجة بين القطاع العام والقطاع الخاص الوطني والدولي. فالتهيئة من هذه الناحية تتخذ بعدا است ارتيجيا ينطلق من تحوير الهياكل واحلال شبكات جديدة وفاعلين جدد لينتهي الى إعادة تشكيل للمجال وانماط تملكه بحيث يفتح التملك التقني للشبكات على تملك المجال ذاته بما يحول العلاقة التقنية مع المورد الى علاقة ت اربية.

1. الجيل الأول من المناطق السقوية العمومية

نشأ مشروع تهيئة حوض مجردة الأوسط للري فعليا في الستينات من القرن العشرين لكن الفكرة سابقة وتعود الى العشرينات و تأكدت في الأربعينات بعد تأثي ارت أزمة الثلاثينات الاقتصادية التي وضعت موضع التساؤل الاستم ارر في الرهان على الزارعة الأحادية للحبوب. انطلقت د ارسات اولى لإمكانات التربة في الأربعينات لكن التوجه الفعلي نحو التكثيف الزارعي سيظهر في الستينات.

في هذه الفترة سيظهر الرهان على تحديث القطاع الزارعي قصد توليد الفائض الضروري لمعاضدة جهود التنمية.استند مشروع التهيئة الزارعية الى اتفاق الحكومتين التونسية والألمانية، ففي عام 1966 عهد الى مكتب الد ارسات الألماني AHT Agrar-Hydrotechnik بإنجاز د ارسة عن التنمية الاقتصادية في منطقة حوض مجردة . وانبثق عن هذه الد ارسة العديد من المقترحات لتطوير الزارعة في المنطقة عبر الري بالرش بعد إستكمال منظومة لتعبئة المياه السطحية عبر السدود وانجاز البنية الأساسية الضرورية. لم تكن هناك بنية تحتية لتعبئة المياه قصد الري تذكر قبل 1967بإستثناء السد في نبّر على وادي ملاق )1954( ويستخدم لتوليد الطاقة والوقاية من الفيضانات( ،وسد بني مطير على وادي الليل في مستجمعات المياه العلوية لبوهرتمة )تستخدم المياه لتوفير مياه الشرب إلى تونس الكبرى(. وكانت تقنية الر ي بالرش لا تازل غير معروفة في تلك الفترة في المنطقة.

أنجزت د ارسة مكتب الد ارسات الألماني AHT في عام 1967 ونصّت على تهيئة منطقة حوض مجردة الاوسط بصفة تدريجية بإنشاء مجال مروي واسع نسبيا على أن تقع تعبئة المياه اللازمة للري من مجردة وارفديه الرئيسيين ملاق على الضفة الجنوبية وبوهرتمة على الضفة الشمالية .وكانت شركة هندسة "كوين وبيليه" (Coyene&Bellier) الفرنسية قد أنجزت العديد من الد ارسات الأولية حول هذا الموضوع فيما يخص إستغلال مياه وادي بوهرتمة العذبة وذات مستوى الملوحة الملائم للر ي. وعلى الرغم من إج ارء تغيي ارت كبيرة في التصوارت الأولية للمشروع من النواحي التقنية الهيدرولوجية ومن حيث النطاقات المعنية بالتثمير المباشر عبر الري، فقد تم الحفاظ على الفكرة الأساسية لعام 1967 والتي ارهنت على تهيئة منطقة الري في سهل جندوبة وبوسالم بشكل تدريجي وانتقائي لأقسام المجال الت اربي الانسب من النواحي الطوبوغ ارفية والبيدولوجية والعقارية خصوصا.

بدأ إنجاز أول مشروع ري يعتمد التهيئة المائية الكبرى في عام 1969 بإحداث المنطقة السقوية بدرونة سيدي إسماعيل، واستخدمت بالفعل أج ازء من التجهي ازت في عام 1970 من خلال تزويد بعض أج ازء الشبكة عبر استخدام المضخات المتنقلة لري حوالي 300 هكتار من اللفت السكر ي. تم الانتهاء من أعمال التجهيز المائي في مو فّى عام 1972، وشرع في استغلالها في بدايات 1973، بعد أربعة أسابيع فقط من فيضان استثنائي وغير مسبوق )مارس 1973(. وت وزعت تكاليف الإنشاء على النحو التالي: قرض من بنك التعمير الألماني 65٪ وقدرت المساهمة التونسية بنحو 35٪. بعد إستكمال البنية الأساسية للمشروع والشروع في الري ارفق سير اشتغال المنطقة السقوية فريق ألماني للإرشاد الزارعي من 1975 إلى عام 1978، لأن الرهان على نجاح الأطوار اللاحقة كان يفترض إنجاح إقبال الفلاحين على طرق الري بالرش الحديثة كتجديد تقني في المجال الزارعي يفترض احاطة وارشادا الى الطرق الانجع في الري وم ارعاة حاجة الزارعات ومتطلبات الشبكة واستعدادات الفلاحين للقبول بالتحديث الزارعي. وعلى كل فقد كان الارشاد وم ارفقة الخبرة من حلقات المشروع ومكوناته.

من الناحية التقنية ،يرفع الماء مباشرة من وادي مجردة عبر عتبة لا يتجاوز إرتفاعها 0.5م

ثم ينقل الماء بواسطة أنبوب خرساني طوله 40 مت ار ) قطره 1200 ملم( من نقطة التحويل إلى محطة الضخ المزودة بأربعة مضخات عمودية )واحدة في وضع الاحتياط(. يقع بعد ذلك تحويل المياه عبر أنبوب طوله 4كم وقطره 1000 مم والذي يحمل الماء إلى حوض خ ازن يقع على السفح الجنوبي لوادي مجردة. وقع تجهيز الخ ازن بمفيض بسعة 25م3/ثانية. يرتبط الخ ازن بشبكة توزيع مياه الري عبر أنبوب )قطره 1000مم( ثم تنحدر المياه بواسطة الانسياب الطبيعي في شبكة التوزيع التي تت وفر على المعدات اللازمة مثل الصمامات وصنابير مياه الر ي. أما عن المسالك الفلاحية فقد وقع تبليطها عبر سطح حصوي. ولتلافي ركود المياه ومشاكل التغدق للتربة اما ضعف الانحدار تم انجاز نظام للصرف يتكون في معظمه من المصارف الخنادق المفتوحة على طول هذه الطرق والمسالك الفلاحية، وهي تقود مياه الأمطار ال ازئدة عن حاجة الأرض نحو مجرى مجردة.

153

من حيث إستدامة المشروع تجدر الملاحظة إلى أن تصور المشروع قد درس الإمكانية التالية:

عندما تنتهي أشغال سد سيدي سالم ينتظر أن يمتد نطاق مياهه المحجوزة خلف جدار السد إلى نقطة التحويل ببدرونة مما ينجم عنه إرتفاع مستوى الترسيب في سرير الوادي وهوما يمكن أن يعطل اشتغال المحطة. لهذا السبب، أقر المشروع إمكانية التخلي عن محطة الضخ المباشر من مجردة وربط شبكة التجهيز المائي للمنطقة السقوية ببدرونة بشبكة القسط الثاني من مشروع المنطقة السقوبة لبوه رتمة وهو ما تم فعلا لاحقا.

2. الجيل الثاني من المناطق السقوية العمومية: مشروع بوهرتمة للر ي

أنجز مكتب الد ارسات Bellier& Coyene د ارسات الجدوى وملفات طلبات العروض، وكان إنجاز السد موضوع مناقصة دولية كانت من نصيب الشركة اليوغوسلافية Hidrotehnika. لم يكتمل السد كما كان مقرار في أواخر عام 1973بسبب التأخير في بدء البناء، ولكن في وقت لاحق بعد سنتين. وافتتح رسميا 19 في مارس 1976 ولكنه لم يكن في وضع إستخدام إلآ في ربيع عام 1977. تأخر استخدام السدّ كثي ار نظر لتأخر إنجاز قناة الإمداد الرئيسية (A0) والحوض الخ ازن B1 و لم تكتمل أشغالهما واختبارهما سوى في شهر سبتمبر عام 1978. تم بناء السد وتمويله في إطار القسط الأول لمشروع بوهرتمة.

صورة عدد12: سدّ بوهرتمة

)علوي س. 2013(

154

ة

رسم عدد13: شبكة مياه الريّ لمشروع بوهرتمة

155

تبلغ طاقة إستيعاب السد 117م م3 وحددت الكمية القابلة الإستغلال عند إنطلاق الد ارسات الأولى لعملية التهيئة بـ 60 م م3 لكن م ارجعات لاحقة في سنة 1984 من قبل مكتب الد ارسات Coyen et Bellier قد بينت أن هذه الطاقة هي ارفع قليلا وهي في حدود 75 م م3، وهذا ما يمنح السدّ والمنظومة المرتبطة به طاقة تعديلية أكبر من حيث حصة المياه العذبة في مياه الر ي باعتبار ماكان مبرمجا في البداية. كما ان إنجاز سد بربرة على الحدود الج ازئرية وربطه بسد بوهرتمة في السن وات الأخيرة من شأنه زيادة طاقة السد التعديلية .غير انه والى حدود كتابة هذه الاسطر لم يقع اللجوء الى ضخ المياه باتجاه سد بوهرتمة نظ ار الى ارتفاع كلفة الطاقة ويظل مخزون سد بربرة تعديليا لسن وات الجفاف. وامام تواتر مشكل الفيضان في سافلة الحوض وخاصة على مستوى مدينة بوسالم ونظ ار لطبيعة التصميم للسد الذي لا يسمح بتسريح المياه الا عند عتبة معينة من ارتفاع المياه بالح وض هناك اتجاه الى الترفيع في علو الحاجز الرئيسي حيث تبقى المعطيات الطوبوغ ارفية لموضع السد ملائمة لذلك .وسيسمح هذا بزيادة طاقة الخزن للمنشأة والحد من خطر الفيضان. كما يجري حاليا تركيز وحدة لإنتاج الطاقة الكهرمائية انطلاقا من مياه السد. خلافا لباقي سدود حوض مجردة الأوسط تخصص المياه كلها للري وتخلط بمياه مجردة وملاق في إطار منظومة تعديلية لجودة المورد.

تشمل المرحلة الأولى من مشروع بوهرتمة للر ي، إلى جانب إنشاء السد إمداد قناة رئيسية A0 كما يهم إنشاء منطقة سقوية اولى في السم ارن وبوسالم منطقة ثانية في الب ارهمي كقسط اول، وتبلغ مساحتها حوالي 10000 هكتار، منها 800 هكتار للر ي التكميلي فقط. تقوم الشبكة التقنية على مجموعة من القنوات الرئيسية والفرعية ومجموعة من الاحواض للترسيب والتعديل وخلط المياه. وترتبط هذه القنوات والاحواض بمحطات ضخ قريبة من مجاري الاودية مزودة بمحركات ضخمة ترفع المياه من مجردة وملاق لخلطها بمياه بوهرتمة. كما تقوم بضخ المياه نحو احواض صناعية تم تركيزها في مرتفعات السفوح المجاورة ومنها يقع سحب المياه للري بشكل انسيابي يسمح بالاقتصاد في الطاقة الضرورية للضخ.

بدأت أشغال البناء لهذه الشبكة من القنوات والمضخات والاحواض الخ ازنات في عام

1974. وعهد إلى مؤسسات خاصة بإنجاز محطات الضخ والتجهي ازت والقنوات في حين تكفلت الادارة العامة للد ارسات والأشغال المائية الكبرى بإنجاز المسالك الفلاحية وشبكات الصرف وخ ازن

156

خلط المياه وجزء من مصدات الرياح. في عام 1976، لأول مرة، وقع ري ما بين 500إلى 600 هكتار باعتماد آلية متنقلة إنطلاقا من وادي كساب ووادي مجردة. وتم الانتهاء من إنجاز القسط الأول من مشروع بوهرتمة، بما في ذلك المسالك الفلاحية وشبكة الصرف، في عام 1978وتواصل إنجاز محطات الضخ وربطها بالبنية الثقيلة للأنابيب الخرسانية الثقيلة الرئيسية والفرعية في نهاية عام 1980.

وقع تزويد الشبكة بجملة التجهي ازت المائية الضرورية مثل الصمامات ،والسكور، وصنابير مياه الري. ويرتبط كل مقسم من 10هك بهذه الشبكة الوسيطة من الانابيب الباطنية ولهذا روعي في التقسيم القطعي الجديد هذا الجانب. وجهز التقسيم القطعي بشبكة من المسالك كثيفة نسبيا. كل مقسم من 10هك على كلا الجانبين تحاذيها مسالك ذات تبليط حصوي. خلافا للمخطط الأصلي وقع مد هذه المسالك دون حفر خنادق الصرف الجانبية. ولذا ففي مناطق واسعة من القسم الثاني من مشروع الري حيث توجد مشاكل صرف المياه، تغمر المياه المسالك الفلاحية بعد سقوط الأمطار من 15 ملم أو 20 فقط ،وتكون في بعض الأحيان غير منفذة مما يجعل هذه الحلقة من التهيئة من الحلقات الأضعف في المشروع من حيث ديمومة التجهي ازت والنفاذية. يرتبط الصرف بهذه الشبكة من المسالك ويكون مجاوار لها بحيث تجمع مياه السيلان وتنقلها خارج الحقول. في المنطقة السقوية الاولى)السم ارن( على مستوى شمال عسيلة، وقع حفر خندق عميق نسبيا يقوم على تصريف مياه الأمطار مباشرة في وادي كساب. أما عن المنطقة السقوية الثانية )الب ارهمي( فتعبرها بالطول الطريق ال اربطة بين بوسالم وبلاريجيا موا ازة مع السكة الحديدية بين بوسالم وجندوبة مما يشكل حاج از جديدا عطل الصرف الطبيعي القديم واضاف عوائق جديدة ما بعد التهيئة الزارعية المائية للمجال الت اربي.

تشمل المرحلة الثانية من مشروع بوهرتمة استكمال مد القنوات الخرسانية نحو الضفة الجنوبية لمجردة وتهيئة المنطقتين المرويتين: المنطقة الاربعة )بير الأخضر( والمنطقة السادسة )سوق السبت( حسب التقسيم المعتمد في مشروع الر ي. وتم تمويل هذا القسط الثاني من خلال قرض من بنك التعمير الألماني والتم ويل العمومي التونسي بنسبة 36٪. في هذه الم رحلة ،وقع إعتماد خريطة المناطق السقوية النهائية والتخلي عن مناطق أخرى مثال المنطقة الثالثة جنوب بلاريجا او المنطقة الخامسة في منطقة الريابنة جنوب غربي بوسالم وفق مقايسس خصائص التربة والطوبوغ ارفيا والكثافة التعميرية للسكان والوضع العقار ي. تمتد المنطقتان السقويتان لبير الاخضر وسوق السبت على مساحة إجمالية

157

قدرها حوالي 8000 هكتار إضافة الى 320 هكتار كانت تابعة للمنطقة السقوية بدرونة سيدي إسماعيل وقع الحاقها بالشبكة. ويتم تزويد كل من المناطق من مياه بوهرتمة ومن وادي مجردة بعد إرتباطه بشبكة مشروع بوهرتمة التعديلية. أما فيما يخص شبكة المسالك فقد روعي أن تكون أقل كثافة في الم رحـلة الثانية مما هو عليه في المرحلة الأولى من المشروع، ولكل مقسم أرض منفذ واحد على المسالك الفلاحية. يفسر هذا بالوضعية العقارية علاوة على الصعوبات السابقة في تجهيز المسالك الفلاحية وحفر شبكـات الصّرف في المناطق السقوية للقسط الأول )الب ارهمي وبن بشير(. ونظ ار لارتفاع مستوى المائدة المائية في بعـض أج ازء من بئر الأخضر وسوق السبت، توجب اخضاع 2200 هكتار إلى الصرف الباطني، والذي يوضع عادة ما لا يقل عن عمق 1.8 متر. وفيما يخص الصّرف السطحي لمياه السيلان فهو مماثل لما انجز في المرحلة الأولى أي بشكل محاذي للمسالك.

في نطاق المرحلة الثالثة من المشروع وقع إعتماد تجهيز المنطقة السقوية غربي مدينة جندوبة )منطقة الجريف والسعادة(. بدأ ضخ مياه الري في المنطقة السقوية لهذه المرحلة الثالثة في أفريل

2002. ولقد إستغر ق إتمام مشروع هذه المرحلة ثماني سنوات) 1997الى 2004( .في الواقع، أسباب عديدة تفسر تأخير الإنجاز منها إج ارءات التمويل وتكوين الهيئة المشرفة على المشروع وتاخر إنجاز الد ارسات اللازمة ومعارضة الفلاحين لأشغال الصرف فضلا عن الأمطار الإستثنائية في جانفي 2003 والتي صاحبتها فيضانات كبيرة عطلت أشغال مد الأنابيب نظ ار للصعوبات الميدانية وفي الأخير يمكن ذكر بطئ إج ارءات جبر الضرر والتعويض للفلاحين الذين إستخدم جزء من أ ارضيهم للإمداد البنية الأساسية.

تنقسم كل المناطق السقوية إلى كتل الري او مقاسم تختلف مساحتها من منطقة إلى أخ ر ى: في بدرونة 16 هكتار؛ في بوهرتمة المرحلة أولى 10هك هكتار) 10.48هك على وجه التحديد(؛ بوهرتمة المرحلة الثانية: 10 هكتار – 5 هكتار – 2.5 هكتار. واعتبا ار لتفاوت خصائص كل منطقة من حيث خصائص التربة ومستوى الإنحدار ووضع الهياكل العقارية وقعت برمجة مستويات لكثافة الر ي تت اروح بين 50 الى 200مم/شهر/ هك. إلآ أن النتائج على الارض أثبتت محدودية النموذج المعتمد في توزيع دورة الري وحصة المياه لكل مقسم خاصة في المقاسم ذات الريّ المشترك ولذا ففي المرحلة الثانية، قسمت الإدارة العامة للد ارسات والأشغال المائية المقاسم في بعض الأماكن الى ما يصل الى 2.5 هكتار )سوق السبت مثلا وينزل المقسم الى ما دون ذلك حسب الوضع الطبوغ ارفي كمجاورة حاجز طبيعي مثل وادي تاسة(. وفي بدرونة ونظ ار لتفاقم مديونية الفلاحين وغلق قسط مهم من الصنابير وقع تركيز شبكة إضافية تسمح بتقليص حجم مقاسم الري من 16 هكتار الى 8 و4 هكتار. يرتبط كتلة الري بشبكة متنقلة من الأنابيب الفرعية ومحولاتها ثم تتوزع الشبكة الفرعية داخل المقسم على المرشات عبر خ ارطيم مرنة. يقع تغيير اماكن المرشات كل 8 ساعات على مسافة بمعدل 12م. ويناسب وضع الأنبوب المتنقل خمسة وضعيات للمرشات داخل مقسم الري، 12 وضعية للإنبوب المتنقل بحيث يلزم 60 موقع للمرشات لتنفيذ دورة ري كاملة. وبالتالي، بواسطة ري فترتين في اليوم الواحد، تكون مدة تناوب الدورة 30 يوما. نفس هذا النمط من حصّة الري يطبق في باقي المناطق الم ر وية ولكثافات ري متباينة مع تغاير طفيف.

صورة عدد13: الري بالرش بالمنطقة السقوية بسوق السبت. )علوي س.(

3. توسع المجال المروي الحالي وتوزعه الجغارفي أ- المنطقة السقوية لغاارلدماء

تعتمد هذه المنطقة السقوية على مياه المائدة الجوفية) 14م م3( ذات الملوحة ما بين 1و1.5غ ومياه مجردة وعلى مساحة مهيأة للري بـ 5600هك على الضفة اليمنى لوادي مجردة وتهم المنطقة تحديدا سهل غار الدماء ومنطقة وادي مليز .تعود تهيئة الآبار العميقة الى نهاية الستينات وعند

159

الإنطلاق الفعلي للمشروع في سنة 1978 كان هناك 14 بئر عميقة على عمق125م جهزت بداية من سنة 1967 وما يقارب 250هك كمساحة مروية. يقوم التجهيز المائي على المكونات التالية:

20 بئ ار عميقة مجهزة بمضخات كهربائية ذات محور عمودي.

محطة لضخ المياه من مجردة بـ 150م2 كمحطة إسناد للمركب المائي وهي شبيهة بمحطة الضخ بمنطقة بدرونة السقوية. وهي تزوّد في الشتاء غالبية المقاسم وهو ما يسمح بإعادة تغذية الموائد المائية. هذه المحطة مجهزة بخمس مضخّات بسعة 250ل/ث.

خ ازن يومي يعمل على ضمان ساعات ري يومية بـ 16ساعة ويحدد مدة الري عند هذا المستوى تناسبا مع الإمكانات المائية المتاحة. تصل سعة الخ ازن اليومية 50.000م3

شبكة موحدة للأنابيب الخرسانية )قطر بين 400مم و600مم( توزع المياه على مقاسم الري.

شبكة المسالك الفلاحية الرئيسية التي تربط مركزي المعتمديتين غا ارلدماء ووادي ملز ي بالقرى المجاورة وتربط المقاسم الفلاحية المروية إضافة الى خنادق الصرف الجانبية حيث اعتبر ان 70% من المنطقة السقوية في حاجة الى مصارف مياه امطار.

شبكة من مصدات الرياح الضرورية لحماية المزروعات وخاصة لضمان نجاعة الري بالرش بالنظر الى أهمية الرياح خاصة الرياح الشمالية الغربية.

في الصيف تتغذى الشبكة مباشرة من الآبار العميقة بمعدل 1400ل/ث أما في الشتاء فتغذية الشبكة تتم كليا أو جزئيا من مياه مجردة حيث يكون المنسوب أرفع مما هو عليه في فترة تحاريق الصيف كما تكون المياه أقلّ ملوحة وتغذي محطة الضخ على مجردة الخ ازن خارج ساعات الري.

ب- الحصيلة المجالية للتجهيز المائي

تواصل تجهيز بعض أج ازء المجال الت اربي بمد القنوات والتوسع في الري بعد استكمال القسط الثالث من مشروع بوهرتمة )منطقة الجريف والسعادة( لكن التوسعات طالت أساسا السفوح ببعث المنطقة السق وية غ ازلة والبلدية في بلطة بوعوان وبعث المنطقة السقوية بفرنانة كما نشأت مجالات مروية محدودة حول السدود والبحي ارت الجبلية. كما شهد المجال المروي توسع مناطق مروية خاصة على ضفاف الاودية تستخدم المضخات مباشرة من هذه الاودية او تعتمد على الآبار السطحية خاصة في معتمدية جندوبة الشمالية. يعبر هذا الانتشار للري عن تأثير إيجابي للحث لمشروع التهيئة المائية العصرية يدفع فلاحي الجوار بالمناطق السقوية إلى الاستفادة من مصادر المياه المتاحة خارج شبكة الري الرسمية وامكانات التجهيز الذاتي للمستغلات عبر المضخات. وتوضح الخريطة التالية الانتشار المجالي للري حسب نسبة الأ ارضي السقوية من جملة الأ ارضي المحترثة بمعتمديات السهل والتوزيع

حسب طبيعة المناطق السقوية ان كانت خاصة او عمومية.

خريطةعدد11: التوزع الجغارفي للمجال المروي حسب طبيعة المناطق السقوية

161

من حيث مصادر مياه الر ي يعتمد المجال المروي في معتمديات سهل جندوية بنسبة 82% على مياه السدود خاصة في القسم الشرقي )جندوبة وبوسالم( وعلى12 %مياه الآبار العميقة خاصة في وادي مليز وغاردالدماء. في غار الدماء وقبل ان يرتبط مجردة ب ارفديه الجنوبيين )ملاق وتاسة( اين ترتفع الملوحة تعتبر جودة المياه مناسبة للري فترتفع المساحات المروية مباشرة من الاودية الى 55%. في وادي مليز يعتمد الري أساسا على المياه العميقة بنسبة 94% والباقي يعتمد الضخ من مجردة تؤلف مزدرعات شديدة الالتصاق بمجرى الوادي ومنعطفاته. في جندوبة الشمالية تبقى المساحات المروية محدودة ولا تمثل سوى 829 هك 53% منها مناطق سقوية خاصة وتعتمد على مصادر مياه متباينة كما يشير الى ذلك الرسم البياني. يبقى الري إنطلاقا من المائدة المائية السطحية محدودا ولا تتجاوز المساحات 1% وترتفع الى 10% في جندوبة الشمالية وهو عبارة عن ري حدائقي لمزدرعات صغرى شديدة الالتصاق بالمجال السكني.

رسم عدد13: توزع المجال المروي بمعتمديات سهل جندوبة حسب مصادر مياه الر يّ في2013

نذكر ان تركيز المناطق السقوية العمومية في سهل جندوبة كان جدّ إنتقائي روعي فيه الوضع الطوبوغ ارفي وخاصيات التربة والاوضاع العقارية وكلفة التجهيز والمردودية المرجوة فوقع التخلي حتى عن بعض المناطق السقوية المبرمجة ضمن مشروع بوهرتمة مثل المنطقة السقوية بالريابنة او بلاريجيا

162

خريطة عدد 12: المناطق السقوية بسهل جندوبة

163

ج- ثورة مشهدية

وعموما فقد قاد تعميم الري سواء عبر المناطق السقوية العامة او الخاصة الى تغيير كل للمشهد الزارعي والمشهد الريفي عامة. لقد خضع المشهد الزارعي في سهل جندوبة طيلة القرن العشرين الى تغي ارت عميقة في علاقة بتحولات متعاقبة ومتداخلة في النظام الزارعي وفي انماط تملك الارض والتعمير والاستغلال. وساهم مشروع الري الحديث في إعادة تشكيل التقسيم القطعي التاريخي وشبكة الطرقات والمسالك الريفية كما عزز مكانة الشجرة في السهل سواء كمغارس وكأسيجة ومصدّات رياح. وقلصت مصارف المياه حول المسالك من نطاق الاوساط الرطبة ومناطق ركود المياه.

صورة عدد14: ال ري وتنوع المشهد الزارعي بسهل بوسالم )علوي س. 2016(

لقد أضاف الري الى المشهد الطبيعي المائي الذي تشكله اساسا المجاري الدائمة وضفافها عناصر جديدة ووسّع نطاقه خارج إطار القرب المباشر للمجاري المائية. لا تطبع القنوات المشهد بشكل لافت فهي باطنية وما يظهر من شبكة الريّ هو نقاطي يتمثل اساسا في السدود والاحواض ونقاط توزيع المياه أو خنادق تصريف المياه المطرية. ما يظهر بوضوح أكثر في المشهد هو الغ ارسات والزارعات المروية ومصدّات الرياح وعمليات التدخل في التقسيم القطعي للأرض أو التجميع القطعي

164

وعززت الخضرة الرغبة في الاستق ارر في عمق السهل وعلى امتداده وهو ما استفادت منه المدن حديثة النشأة التي ما نفكت تعرف توسعا مضطردا. اعتبرت المناطق السقوية خاصة تلك التي تمتدّ حول الاحياء الحضرية "مناطق تحجير "بناء سكنى. وينطبع ذلك في المشهد حيث تميل التوسّعات الحضريّة التي استنفذت رصيدها العقاري الافقي مثال في بوسالم وغا ارلدماء، تميل الى التوجّه نحو التوسّع العمودي. لكن بالمقابل تعرف بعض الاج ازء اتجاها حثيثا الى تآكل المساحات المرويّة في شكل مقاسم عشوائية مثال منطقة عسيلة والعشايشية او البئر الاخضر من بوسالم.

صورة عدد15: المسالك الفلاحية المحاطة بأسيجة تحولت الى ما يشبه المنتزهات الحضرية. )علوي س.2013(

تشكل المناطق السقوية منتزهات فعلية للأسر في ظل غياب مناطق خض ارء مهيأة داخل المدن. كما أن جوار المجرى الرئيسي لمجردة يحمل مشاهد مميزة. لكن مورفولوجيا المدينة في الاربع مدن لمجال الدارسة )غا ارلدماء، وادي مليز، جندوبة، وبوسالم( تحيل على ضعف اندماج للمشهد المائي في النسيج الحضري كما لو ان المدينة تدير ظهرها باستم ارر للوادي الذي كان سبب تموضعها الاوّل. ولا تظهر في الاج ازء المطلة على الوادي سوى الاحياء الفقيرة او المقابر او الحدائق البسيطة .بين تلافي خطر الفيضان واستهلاك المشهد يميل السكان الى الخيار الاول مع ما في ذلك من تبديد لقيمة مشهدية عالية حاملة لريع ولت ارث حضري وطبيعي هام. ويعبّر ضعف اندماج المشهد المائي في النسيج الحضري على نقيصة كبرى في أمثلة التهيئة الحضرية والاقليمية. وتكفي المقارنة بين الجسور القديمة والجسور التي احدثت بجانبها، والتي تفتقد الى أي صبغة معلمية قابلة للتورثة عادة

165

ما ت ارفق الجسور، لنفهم طبيعة تنظيم المجال الخطي والمتخارج وما يصحبه من تبديد للقيمة المشهدية. والواقع ان المشهد المائي يمكن ان يتحول الى مورد لتركيز المدينة على نواتها المركزية وتشجيع التوسّع العمودي وهو وحده الكفيل بجعل هذه المدن قابلة للحياة وجاذبة من ناحية وللحد من تبديد مورد الارض الزارعية عبر التوسع العشوائي للسكن. يعطي التوسّع العمودي فرصة أكبر لتثمير المشهد المائي والمشهد الزارعي عامّة. على هذا النحو يخرج استهلاك المشهد المائي عن كونه مجرد رفاه اجتماعي ليتحول الى ضرورة وآلية تعمير وحوكمة ت اربية تعيد ترتيب العلاقة بين السكان والمجال الزارعي وبين المدن والارياف وبين الت ارب المحلي والمحيط العام.

خاتمة

اذن، إعتمد مشروع الري الحديث بسهل جندوبة على الدمج بين الموارد السطحية والموارد الباطنية للمياه وعلى خلط المياه المالحة بالمياه العذبة واعادة توزيعها في المجال المروي مع م ارعاة خصائص التربة. واعتمد على بنية تقنية مائية ثقيلة تطلبت استثما ارت ضخمة وكلفة زمنية ومالية هامّة ركيزة هذه البنية التقنية سد بوهرتمة ومياهه كلها مخصصة للري وشبكة هامة من القنوات الرئيسية والفرعية تحت ارضية اصافة الى المضخات واحواض خلط المياه العذبة بالمياه ذات المل وحة المرتفعة نسبيا. كما وقعت تهيئة مناطق سقوية اختيرت حدودها بعناية م ارعاة لمستوى الارتفاع وخصائص التربة. ولم يكن التجهيز المائي ممكنا دون تهيئة عقارية رديفة مثلت بدورها حلقة اساسية من حلقات مشروع الري وهدفت الى تطويع التقسيم القطعي للحقول الزارعية الى هندسية شبكة الري وتحرير النفاذية الى القطع الزارعية وتعديل نسبي لحدّة التفاوتات العقارية بين الفلاحين المتجاورين. يمكن القول إن تصميم نظام الري في المقاسم لم يتلاءم كثيار والوضع العقاري القائم والذي لم تفلح إجارءات التهيئة العقارية والتجميع القطعي في تعديله على نحو يتوافق مع النظام المائي

الزارعي الجديد. لقد حاول هذا التصميم على أساس الاشت ارك في الري فرض نمط في التحديث قائم على الهياكل التقنية الضخمة وأسقط على بنيات اجتماعية مجالية منقسمة ومفككة ضعفت فيها الروابط العائلية الموسعة وتقاليد التكافل والتعاون القديمة. وكان يمكن لهذا التحديث ان يخلق مفاعيل جوار جديدة من شأنها تغليب علاقات التعاون والتكافل على علاقات التنافر والإنقسام العائلي، لكن وفي غياب هياكل وساطة تقليدية أو حديثة من نوع مجامع الري باستثناء المناطق السقوية حديثة النشأة من الجيل الثالث، كان هذا التصميم من أهم أسباب ت اركم اللآمقتصدات )ت اركم الديون وغلق نسبة هامة من صنابير الري( في المناطق السقوية كما سنرى ذلك لاحقا. ورغم ملاءمته نسبيا للهياكل العقارية الكبرى خاصة ضيعات القطاع المنظم او الضيعات العائلية الوسطى والكبرى فان الاقبال على الري لدى هذه الضيعات ظل محدودا لإعتبا ارت عدة نأتي على تحليلها لاحقا. وجه المفارقة اذا ،هو ان الضيعات الصغرى ذات الري المشترك هي الاكثر تكثيفا عبر الريّ والتي لم يستوعبها المشروع إلا جزئيا. كما أن ش ارئح واسعة من متساكني المناطق السقوية وجدوا أنفسهم مقصين تماما من الر يّ بحكم ضعف رصيدهم العقار ي. لكن هؤلاء ومن خلال البحث الميداني تبين لنا انهم معنيون بالري بدرجات متفاوتة ويلجؤو ن الى الربط مع الشبكة ضمن تضامنيات جوار لري أحواض الخضروات العائلية او الك ارء او بيع قوة عملهم كأج ارء.

الفصل الثالث: التهيئة العقارية للمناطق السقوية العمومية بسهل حندوبة

مقدمة

تستهدف التهيئة العقارية التدخل في توزيع الهياكل العقارية المتوارثة لامتصاص التفا وتات الاجتماعية الحادة داخل المجالات الزارعية وتطويع هذه الهياكل لمتطلبات التحديث بما يتلاءم ووسائل النقل والاستغلال الحديثة وبما يحقق النجاعة الاقتصادية الامثل. وهي عملية مركبة وذات ابعاد عدة قانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية وبالضرورة مجالية تتخذ منحيين: منحى قانوني اجتماعي يعيد توزيع الملكية الزارعية وفق منظومة قانونية مضبوطة تحدد سقوفا ومستويات دنيا واطا ار للانت ازع لفائدة المصلحة العامة المشتركة )مد الطرقات او خنادق الصرف(، ويهم المنحى الثاني التدخل المجالي الافقي لإعادة رسم التقسيم القطعي بما يحد من التفتت وتعدد القطع للمستغلة الواحدة وتوزعها بين مقاسم عدّة وما يسمح بفك الانحباس على مختلف اج ازء المجال الزارعي وهو ما يصطلح عليه بالتجميع القطعي remembrement. يعتبر الاصلاح الزارعي الذي ارتبط بالتجهيز المائي للمجال الزارعي من اهم دعائم نجاح الري بدرجات متفاوتة في تونس منذ سن قانون 1963. وكان ضرورة تاريخية ملحّة لملاءمة طرق الري الحديث للإرث التاريخي للتقسيم القطعي ولأنماط تملك الارض المختلفة وكان فرصة فعلية لإعادة رسم معالم الخارطة الزارعية، غير ان التطبيق على الارض اصطدم بعوائق كثيرة والتفافات كثيرة على القانون مما اضطر القائمين عليه الى تمطيط الاج ارءات ومدا ارة بعض نوازع المصادمة للإصلاح.

1. التهيئة العقارية واعادة إنتاج التقسيم القطعي

تعبّر التهيئة العقارية مجموعة من الإج ارءات التي من شأنها تحسين التقسيم القطعي للأرض الزارعية ما يعني الهياكل القاعدية للمجال الزارعي. ويدخل ضمن إج ارءات التهيئة العقارية هذه إعادة تشكيل الملكية الزارعية والتجميع القطعي وتحديد الاستخدامات الزارعية بالمقارنة مع غيرها من

168

استخدامات الأرض كالأ ارضي الحرجيّة والا ارضي البور والمباني والبنية الأساسية والتجمعات السكنية العم ارنية التي تحمل تغيي ار نهائيا لاستخدامات الأرض حيث يطبع التغيير الزمن والمجال لأمد طويل.

يقوم التجميع القطعي على دمج او إعادة هياكله الأ ارضي قصد إنشاء ضيعات أقل تعددا من حيث عدد القطع وفي أكبر حجم اقتصادي ممكن وأشكال هندسية معقولة للقطع الزارعية لتيسير استغلالها وتجاوز التفتت والتشتت داخل الضيعة الواحدة. وي ارفق هذه العملية تجميع الأ ارضي على ذمة مالك واحد او مجموعة من المستغلين، يساعد هذا على الحد من التنقلات الهامشية للفلاح ونقل معداته الإنتاجية كما يهدف الى تكييف التقسيم القطعي ووضع الأرض الطوبوغ ارفي مع التقنيات والآلات الحديثة )السيا ارت والج ار ارت وشاحنات النقل الكبيرة والحاصدات..(. وغالبا ما يكون التجميع القطعي فرصة لإعادة تشكيل شبكة المسالك الفلاحية التي سطرتها ظروف وهياكل تاريخية مرتبطة بتشكيلات اجتماعية مجالية سابقة وأشكال قديمة لتملك المجال قد تكون جمدت الطاقات الإنتاجية الفعلية للأرض أو أبّدت أنماطا من تقاسم المجال تخدم فئات اجتماعية بعينها وتقصي غيرها عاكسة توازنات جماعوية قديمة. لذا يصاحب العملية بناء طرق جديدة وتدمير كلي أو جزئي لشبكة الطرق والمسالك القديمة وتحويل خنادق الصرف المحاذية لهذه الطرق وتسطيح بعض المنحد ارت واعادة تشكيل شبكة الأسيجة القديمة والتي تجمّد إستغلال جزء من الأرض )أسيجة التين الشوكي الممتدة عرضيا مثلا(. كما يتطلب الأمر التدخل لإعادة تقويم المجاري الطبيعية للسيلان لحماية الأ ارضي والحفاظ على ديمومة نفاذية المسالك الزارعية أو حفر خنادق جديدة لص رف المياه ال اركدة في المواسم الممطرة.

هناك وجهان متقابلان لعملية التهيئة العقارية: فهي من ناحية أداة تقنية ضرورية للتهيئة، نظ ار لأنها تعيد تشكيل التقسيم القطعي من الصفر داخل المنطقة المعنية، لكن العملية على الأرض لا تخلو من تعقيد الإج ارءات اللازمة لنقل الملكية، واعادة التوزيع الكاملة للتقسيم القطعي، تحت رقابة الدولة، رغم المردودية الإقتصادية المنتظرة. ومن جهة ثانية، هو إج ارء ملزم لا يخلو من إك اره، فباسم المصلحة العامة يقوم بتغيير حدود الملكيات وينتج علاقات جوار جديدة ويفكك أخر ى. ويكون تعلق المالكين بقطعهم، حيث ماضيهم وذكرى عائلاتهم وجوارهم المباشر غالبا أكبر عقبة أمام تبادل ودّي للقطع المشتتة، فما بالك إذا تعلق الأمر بإج ارء إجباري. وحيث ما يكون التجميع القطعي ضرورة،

169

فالتوت ارت التي تصحب العملية لا ترتبط بالتجميع القطعي ذاته بقدر ما تستثير التوت ارت السابقةوالكامنة في المجتمع المحلي .

المصدر: وكالة الاصلاح الزارعي بجندوبة

خريطة عدد13: المنطقة السقوية الجريف السعادة قبل التجميع القطعي )أ( وبعده )ب(

170

كما تحيي التناف ارت الإجتماعية المجالية القديمة التي خفتت عبر الزمن واستوعبتها علاقات جواروتبادل جديدة. فالأمر يتجاوز البعد التقني للتجميع ليطال علاقات التشكل الت اربي القاعدية وليحوّر من خصائص المجال المعيش مجال الح ارك ومجال اليومي.

تولت الإش ارف على عملية التهيئة العقارية إدارة الشؤون العقارية )DAFL حتى عام 1977 وبعدها وكالة الاصلاح الزارعي للمناطق السقوية ARAPPI ثم وكالة الاصلاح الزارعي AFA( تحت إش ارف وازرة الفلاحة، هي الجهة المخولة بالتصرف في الشؤون العقارية. بالرغم من وجود السجل العقاري في إدارة الملكية العقارية، فإن عددا هاما من الم ازرعين المعنين بمشروع الر ي لم تكن لديهم سندات ملكية الأ ارضي، وكثير هم الفلاحون الذين لديهم قطع متناثرة في المناطق المروية لجندوبة. وهذا يعني أن وضع الأ ارضي الفلاحية لقانوني عند انطلاق عملية التجهيز المائي للسهل لم يكن ملائما ولم يكن واضحا، فضلا عن غموض نظام الحيا زة.

من المهم التأكيد على ان الاصلاح الزارعي في المناطق السقوية لم يقد الى تغيي ارت جوهرية في توزيع الملكية الزارعية رغم ضبطه لسقوف واضحة للملكية ولذا سيختزل هذا التدخل في الهياكل العقارية اساسا في عملية التجميع القطعي. تخضع المناطق المروية في تونس الى قانون الإصلاح الزارعي الذي ضبطه القانون 63-18 من 27 مايو 1963، المعدل بالقان ون رقم 71-9 المؤرخ 16 فيفري 1971. هذا القانون يحدد الإطار الذي تتم داخله خطوات التهيئة الزارعية المائية ويضبط إج ارءات وم ارحل إنشاء المناطق السقوية العمومية وصولا الى الإصلاح الزارعي ذاته. حددت المراسيم

التالية الإطار القانوني لإنشاء المناطق السقوية لسهل جندوبة في مختلف مراحل المشروع.

جدول عدد12: مارسيم إنشاء المناطق السقوية لمشروع بوهرتمة

المرسوم 74-961 من 7 نوفمبر 1974 المنطقة السقوية بوههرتمة 1 )السمارن( مرسوم 77-90 في 24 جانفي1977 المنطقة السقوية بوهرتمة 1 )بن بشير(: النطاق 2

مرسوم 80-277 من 12 مارس 1980 المنطقة السقوية بوهرتمة 2 )بير الأخضر(: النطاق 4 مرسوم 81-841 من 18 جوان 1981 المنطقة السقوية بوهرتمة 2 )سوق سبت:( النطاق 6 مرسوم 2283من11 أكتوبر 1999 المنطقة السقوية بوهرتمة 3 )الجريف(: النطاق7 يمكن تلخيص أهم البنود الرئيسية لهذه النصوص، التي اتخذت وفقا للقانون الإصلاح الزارعي في المناطق السقوية على النحو التالي: تقييد الملكية وتحديد السقوف القصوى والحدود واشعار المستفيدين بحصتهم من المساهمة في تمويل مشروع الر ي. تختلف المناطق السقوية المبرمجة من حيث إمكانات

171

التربة ولذلك وقع تحديد مستويات مختلفة للتكثيف )مكثفة جدا ومكثفة( ويرتبط بهذا تحديد حصصالري الشهرية واليومية والحد الأقصى والأدنى للمقاسم وقيمة المساهمة النقدية التي يتوجب على الفلاحين دفعها لتمويل مشروع الري برمته )250د/هك في المكثف جدا و200د/هك في المكثف في السم ارن وبن بشير و400د/هك لكل الأ ارضي في بئر الأخضر وسوق السبت ويفسر الاختلاف في القيمة بين هذه المناطق السقوية بالتفاوت الزمني للتجهيز ايضا(. ويتم تحديد هذه المناطق بعد خصم الأ ارضي المقتطعة إجباريا للدولة لأغ ارض البنية التحتية) المسالك، وتكبير المقاسم الدنيا.. إلخ(.. وقع تحديد درجة التكثيف الزارعي بعد د ارسات للتربة والد ارسات الإقتصادية التي أجريت من قبل هيئة الإصلاح الزارعي. في جميع الحالات، فإن الإدارة تقتطع 10٪ من مساحة الملكيات قبل الإصلاح الزارعي كمساهمة في البنية التحتية )الطرق، وأحزمة الحماية، والأنابيب.(… تتمثل الخطوة الأخيرة لعملية التهيئة العقارية في إشعار المستفيدين بحصتهم من المساهمة في تمويل مشروع الري والتي يتوجب دفعها للقباضة المالية على مدة 10سنوات. تم إصدار م ارسيم الإشعا ارت في البداية في منطقة البئر الأخضر التي تكفلت وكالة الإصلاح الزارعي للمناطق السقوية ARAPI فيها منذ البداية بعملية التجميع القطعي ولأنها المنطقة "الأسهل" باعتبار أن ثلثي الأ ارضي هي أ ارضي دولية وحيث أن الأ ارضي الخاصة التي تكون 148 مقسما بمعدل مساحة ب 6 هك هي مسجلة تقريبا بنسبة 60 %.

2. صعوبات تطبيق التجميع القطعي على الارض

خضع الجيل الاول من المناطق السقوية )بدرونة سيدي اسماعيل ثم السم ارن والب ارهمي( الى تجميع قطعي بعد تنفيذ أعمال التجهيز المائي. وأمام تعدد الإشت ارك في الملكية في منطقة بدرونة وقع التجميع القطعي للمساحة الجملية للمنطقة والمقدرة ب 3180 هك بتحديد حد أدني للمقسم ب 4هك عوضا عن 8 كما كانت بداية المشروع وحدد سقف الملكية ب 64هك . وتم تجميع إجمالي مساحة 8880 هك لمشروع المرحلة الأولى لبوهرتمة، من خلال حد أدنى ب 1.25 هك) وتهم 300 هكتار في السم ارن( و5 هك للمساحة المتبقية ووقع ضبط حد أقصى بـ 60 هكتار. لكن، على الرغم من هذه الجهود، لا ي ازل الإشت ارك في الملكية هو القاعدة في الكثير من المقاسم الموزّعة، مما يعيق بشكل كبير إنتشار الر ي وهذا ما يفسر التردد الكبير الذي يطبع ممارسة الفلاحين في الاقبال على الر ي. وعلاوة على ذلك، يمكن ذكر العديد من الصعوبات التي ارفقت عملية التجميع القطعي أو

172

عقبتها منها: نقص عمليات التقصي قبل تجميع الأ ارضي، الأمر الذي انعكس بتعدد مطالب الم ارجعة في مرحلة ما بعد التجميع. بعض المطالبات الأخرى تعلقت بالمقاسم الموزعة، والتي لم يتم توضيح أوضاعها القانونية حتى بعد نهاية التجهيز. كما تجدر الإشارة إلى وجود عديد المقاسم التي هي دون الحد الأدنى القانوني وأخ رى تجاوزت السقف الذي حدده الإصلاح الزارعي للمناطق السقوية.

ولقد استغرق البت في إمكانات التعويض لهؤلاء وتسديد المستحقات للدولة من قبل الآخرين وقتا طويلا دون الت وصّ ل الى تسويات ناجعة وهو ما إنعكس على آداء مشروع الري برمته.

تم إنشاء المناطق المروية بير الأخضر بمساحة جملية 4766 هكتار بموجب المرسوم رقم 80-277 المؤرخ 12 مارس 1980. وحددت في المرسوم المذكور أعلاه مساهمة الفلاحين في تكلفة التجهيز ب 400 دينار / هكتار. شرعت وكالة الإصلاح الزارعي للمناطق السقوية العمومية في التدخل موا ازة مع أشغال التهيئة المائية بعد مدّ المسالك الفلاحية من قبل الإدارة العامة للد ارسات والأشغال المائية EGTH. حاولت الوكالة أيضا إنجاز حصر ميداني للأ راضي والأصول المختلفة )منزل ،أصل زيتون( للم ازرعين لتجنب أخطاء الماضي. ولقد استمرت عملية التجميع القطعي ستة أشهر، بما في ذلك 3 أشهر لتركيز الم از رعين داخل مقاسمهم المستحقة. شملت العملية 2710 هكتار صافية، بما في ذلك 821 هكتار خاصة و92 هكتار من المقاسم المقتطعة والموضوعة على ذمة وازرة الفلاحة. بلغ عدد مجموع المستفيدين 139. وقع تحديد سقوف محددة لأحجام الملكية في المنطقة السقوية حيث لا تتجاوز 60 هكتا ار من الأ ارضي القابلة للري ولا تقل عن 2.5 هكتار للأ ارضي ذات التكثيف العالي إلى 5 هكتار بالنسبة للأ ارضي الأقل تكثيفا.

في سوق السبت شمل التجميع القطعي إجمالي 5552 هك ووقع تحديد منطقتين داخل المنطقة السقوية: "المنطقة أ" ذات حد أدنى ب 1.25هك و "المنطقة ب" ذات حد أدنى بـ 5هك وهو ما روعي فيه كثافة التعمير في هذه المنطقة بالذات وصغر حجم القاعدة العقارية للإنتاج الزارعي والتي يقع تعديلها عبر كثافة تربية الماشية كنشاط تقليدي وتعديلي. واعتمد التجميع القطعي طرق مبادلة للأ ارضي في الاغلب ودّية أقحمت ا ارضي كانت منطقة لركود المياه ولتربة مالحة نسبيا )منطقة الشطّ غربي سوق السبت( بع استصلاحها مما اقنع البعض بمبادلة مساحة صغيرة وخصبة بمساحة أكبر اقل خصوبة. ولقد استغرقت عملية الاصلاح الزارعي وقتا طويلا تجاوز السقوف الزمنية للتجهيز.

ولعل ما يسجل في المحصلة هو التفاوت الزمني بين زمن التهيئة العقارية وزمن التجهيز المائي ونهاية الإصلاح الزارعي مما يجعل التجميع القطعي والإصلاح الزارعي عامة من الحلقات الأضعف

173

للمشروع المائي بسهل جندوبة الى جانب مشكل صرف مياه الامطار. مثال ذلك فتجهيز المنطقة السقوية للسم ارن انتهى في 1978 في حين ان الاصلاح الزارعي تواصل الى سنة 1981.

ما مدى مطابقة ما أنجز من تجميع قطعي لما هو منصوص عليه في بداية المشروع في تصميمه الشامل داخل المناطق القائمة؟ من حيث الحدّ الأدنى والحد الأقصى، يمكن ملاحظة النقاط التالية: كان يفترض أن يتم توسيع المساحات التي هي دون الحد الأدنى القانوني عبر مساهمة عينية من قبل كبار ملاك الأ ارضي وجزء من الأ ارضي الدولية من خارج المنطقة السقوية بما يسمح لوكالة الإصلاح الزارعي بتوسعة القطع الصغرى ورفع سقفها بما يستجيب للحد الأدنى المطلوب في عملية التهيئة. هدفت هذه الآليات إلى هيكلة مستغلات منسجمة مع نموذج التهيئة المائية المقترح ولها من النجاعة الإقتصادية ما يمكن من استخلاص القيم المضافة الزارعية القصو ى او الممكنة، لكن هذه الأهداف لم تتحقق كليا لعدة أسباب منها ضخامة عدد أصحاب الحقوق العينية خاصة في سوق السبت )7200 مستحق لأقل من 5000 هك. )معدل0.7هك( وترتبط هذه الظاهرة بالطابع العائلي للضيعات وكثافة التعمير وقدمه. وتطلبت الإستجابة لكل المستحقين رصيدا عقاريا إضافيا بحوالي من 2000 الى 3000 هك لمنطقة سوق السبت وحدها.

على الرغم من أن المجال المرو ي يضم أكثر من 4000 هكتار من الأ ارضي الدولية، إلا أن است ارتيجية لاستغلال هذه الأ ارضي خلال سبعينات القرن الفارط لم تسند للإصلاح الزارعي سو ى الأ ارضي المشتتة والمتباعدة أي القطع الصغيرة غير المدمجة في الضيعات الدولية والتعاضديات الفلاحية. وقعت م ارجعة هذه الخيا ارت في إتجاه تركيز الضيعات النموذجية وشركات الأحياء ومقاسم الفنيين الزارعيين )موظفون سابقو ن في وازرة الفلاحة( على هذه القطع الصغيرة. وفي السياسة السابقة أو الجديدة بقي الفلاح الذي لا تستجيب أرضه للحد المطلوب آخر المستفيدين حيث لم تتجاوز مساحة الأ ارضي الدولية المسندة لهم 1000 هك ومتأتية أساسا من ال 10% المقتطعة لفائدة المشروع بموجب قانون الاصلاح.

لقد كانت المساحة القصوى المنصوص عليها في البداية )40و60 هكتار حسب كل منطقة سقوية(، وشرط دفع مساهة كبار الملاكين في التهيئة عينا أي جزء من الأرض مجرد تصوارت قانونية لم تأخذ طريقها الى التحقق ميدانيا. لكن هذا المعطى بقي ورقة مساومة و"ضغط" أحيانا امام الادارة في حالات الن ازعات الادارية مع أصحاب المستغلات المعنية. من خلال بحثنا الميداني يظهر انه

174

في بوهرتمة كما هو الحال في معظم المناطق السقوية الأخرى، ناد ار ما طبقت هذه الإج ارءات لقد حاول كبار الملاكين الالتفاف على هذه الأحكام من خلال تبادل الأ ارضي بين أف ارد الأسرة او العائلة الموسعة وقد حالت هذه الممارسات دون تمكن وكالة الاصلاح الزارعي من إستعادة الأ ارضي التي يمكن تعبئتها لتكبير الضيعات الصغيرة. وبالنسبة للفلاحين الذين تقع ملكياتهم ضمن السقف والحد الأدنى القانونيين ترك لهم الخيار بين دفع مساهماتهم في التهيئة عينا )أي في الحين( أو نقدا على مدة 10 سنوات. وقد تم "الاختيار" على الصيغة الثانية في أغلب الحالات نظ ار لمرونتها. لم يكن الإج ارء الملزم للفلاحين للشروع في الري في أجل أقصاه عامين واقعيا حيث لم يتضمن القانون إمكانية تفعيل عقوبات معينة أو آلية م ارقبة ولا تحديد الجهة المخولة بتطبيق وم ارقبة ذلك خاصة في مناطق الري بالرش حيث توجب على الفلاح تجهيز ضيعته بمعدات الري الضرورية على نفقته الخاصة وحيث يتوجّب على الفلاحين في الشريحة ما دون 10هك ذوي الري المشترك الوصول الى وفاق داخلي لتنظيم عملية الري فيما بينهم.

في مواجهة هذه المعوقات، اتبع القائمون على المشروع نهجا أكثر واقعية للمضي قدما في عمليات التقسيم واعادة تنظيم الأ ارضي. كانت عملية "تقنية" ولكن لا تخلو من تعقيد: فيما يخص المساحات الصغرى تم إقتطاع بعض المئات من الهكتا ارت من ضمن ا لـ 10٪ المصادرة لفائدة المشروع وذلك لتوسعة الملكيات التي هي دون الحد الأدنى المقترح. وكان الحل أمام العدد الكبير من المستحقين هو إعتماد "المجموعات العائلية" بدلا من الأف ارد في إحتساب توزيع المقاسم مما مكن من إد ارج عدد من المستغلين ضمن المقسم الواحد ضمن الحدود التي ضبطتها أحكام الإصلاح الزارعي. في معظم الحالات، كان لهذه المقاسم العائلية مساحات دنيا قزمية استغلت بشكل حدائقي كفافي. واتخذ تشكيل المقاسم طريقا التمس التوافق مع القرب الاجتماعي لكنه في حالات كثيرة رجّح القرب الجغارفي على معطى القاربة العائلية. هكذا أخذ الإصلاح الزارعي طريقه الى التطبيق

ولو نظريا. وانتهت هيئات الإصلاح الزارعي المخولة إلى إق ارر هذا التقسيم العائلي واعتماده بشكل واقعي. وبعد انتهاء عمليات التجميع القطعي للإصلاح الزارعي أعيد توحيد المقاسم واعادة إنتاج الملكيات الكبرى. ولم يكن هناك أي إج راءات قانونية اردعة لهذه الممارسة مع تواطئ إداري في كثير من الحالات.

175

فيما يخص الأ ارضي الدولية، أعطيت الأولوية لشركات الإحياء الزارعي بما في ذلك شركة المرجى SMADEA التي تلقت ما يقرب من 50٪ من مساحة المنطقة السقوية بئر الاخضر، وثانيا للفنيين الساميين الزارعيين: 26 فنيين استفادوا من مقاسم من 5 إلى 15 هكتار في أوائل 80، مع مساحة إجمالية قدرها 244 هكتار) 9 منهم في سوق سبت بمساحة 79 هكتار.( يعكس توزيع الأ ارضي التي استجمعتها وكالة الإصلاح الزارعي في منطقة سوق السبت مثلا أولويات الإدارة ،وحتى في المنطقة التي تهيمن عليها «المقاسم العائلية": على 715 هكتار المتاحة) 10٪ من المساهمة المطلوبة و400 هكتار لتعاضدية العزيمة UCP التي تمت تصفيتها(، تم تخصيص 500 هكتار للفنيين أو أعوان التعاضدية السابقين) 50 مستفيد( و215 هكتار استخدمت لرفع حجم المساحات الصغيرة.

3- حصيلة التهيئة العقارية لمشروع بوهرتمة

في مشروع بوهرتمة ومقارنة مع عدد المقاسم، بلغ عدد المستغلات الفعلي 2826 مستغلة لحوالي 2120 مقسم أي بمعدل 1.33 لكل مقسم. ويختلف هذا التوزيع حسب المناطق السقوية كالتالي:

جدول عدد13: توزيع عدد المستغلات والمقاسم في مشروع بوهرتمة للر ي

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية

وبعد إستكمال القسط الثالث لمشروع بوهرتمة توزعت البيانات العقارية كالتالي: تجميع الأ ارضي على 3774 هكتار في 463 قطعة زارعية مستجيبة للمعايير الإقتصادية) 1900 قطعة وقع تجميعها في

320 قطعة )باستثناء التمديد( و143 للتمديد إستفادت منها 626 مستغلة و2140 مستفيد. ويدل استع ارض الوضع حسب ش ارئح الملكية أن المقاسم الصغرى هي الأكثر تفتتا، كما يلي:

176

جدول عدد14: توزيع معدلات المقاسم حسب المستغلات وشارئح الحجم

GFA 1993 VOL I :المصدر

انطلاقا من عتبة 20 هكتار تنعكس النسبة مقارنة بالش ارئح الاقل اما بعد عتبة 40 هك فتوزيع المقاسم على عدد المستغلات لا يبتعد كثي ار عن الوضع العقاري لما قبل التجميع القطعي. لا تمثل الش ارئح الوسيطة الأكثر ملاءمة لزارعة اللفت السكري )5-20 هكتار( سوى 57٪ من المساحة )وتهم 41٪ من الم ازرعين(، وما تبقى هو من نصيب الشريحة الصغرى )17٪ من الأ ارضي لفائدة

54 ٪ من الم ازرعين(، وشريحة الملكيات الكبرى )٪26 من الأ ارضي لفائدة 4٪ فقط من الم ازرعين.( إن غلبة الضيعات الصغيرة في مجال قد خضع للإصلاح الزارعي يظهر أن هذا الأخير لم يجد حلا ناجعا لإعادة إدماج لهذه الفئة من الفلاحين في التحديث الزارعي والتي تمثل بالنسبة لكامل ولاية جندوبة 72٪ )بسبب هيمنة الملكيات القزمية في خمير والمرتفعات المطلة على حوض مجردة( ولكن فقط 50٪ لولايات الشمال الغربي و43٪ على المستوى الوطني.

يكشف توزيع الهياكل العقارية الجديد عن الخصائص التالية: أهمية المقاسم الصغيرة الحجم

46٪ أقل من 5 هكتار وتغطي 19٪ من مساحة المنطقة السقوية. هذه النسب هي، في سوق السبت:

50٪ و26٪ على التوالي. وزن هذه المقاسم الصغيرة من 1.25 هكتار الى 5 ويوضح القيود المفروضة على الإصلاح الزارعي وضغوطات الواقع أمام محاولات تكبير أحجام المقاسم. ثم إن ما يقرب من 30٪ من المساحات توجد في 6.6٪ من المقاسم التي تتجاوز 20 هكتا ار وهناك 40 مقسما )2.5٪( يغطو ن 15٪ من المساحة، مما يدل على حدّ ة التفاوتات السابقة للإصلاح الزارعي وتصلبها امام مجرياته. ولهذا التباين في توزيع المقاسم فضلا عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية للملاكين

177

تأثي ارت حتمية بالضرورة على عملية الاستغلال للمناطق السقوية. وعموما ما لوحظ هو، ضعف

ملائمة المقاسم القزمية للدورة الزارعية المعتمدة. خاصة التداول الرباعي ذي العمرة الخاصة باللفت السكر ي من ناحية ومن ناحية ثانية، ضعف استعداد الملكيات الكبرى للتكثيف المرجو عبر الري نظار لمصاعب تسيير اليد العاملة.

حص رت التهيئة المائية الزارعية 16605 هك ضمن المرحلة الاولى والثانية لمشروع بوهرتمة هك 3970 هك بقيت ضمن وضع الأ ارضي الدولية )القطاع المنظم( تسيرها شركات إحياء أو تعاضديات. تتوزع هذه الأ ارضي كالتالي:

جدول عدد15: توزيع المساحة المروية داخل شركات الاحياء والتعاضديات بعد الاصلاح الزارعي

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة

في الواقع، يوجد بالإقليم قسم هام من مساحات الا ارضي الدولية التي تم تأميمها في 1964 وكانت التجربة التعاضدية محاولة للتصرف فيها ورهانا للتعصير وتجاوز الازدواجية بين القطاع العصري الاستعماري والقطاع الاهلي التقليدي. مهما كان الحكم على هذه التجربة القصيرة في الزمن )1969-1964( لها او عليها فقد كانت محاولة لإعادة هيكلة الرصيد العقاري الكبير الموروث عن

178

الفترة الاستعمارية وشكلت نواتات للتحديث الزارعي214. هذا الرصيد العقاري وبعد "فشل تجربة التعاضد" بقي تحت تسيير وتصرف ديوان الا ارضي الدولية OTD والوحدات التعاضدية للإنتاج الزارعيUCPA. غير أن ضعف الأداء وت اركم اللامقتصدات كان السّمة الابرز لسير عمل هذه الوحدات الانتاجية الزارعية والتي تملك اجود الا ارضي، في وقت يلح فيه الخطاب الرسمي على الامن الغذائي والتنمية واسناد الزارعة لباقي القطاعات الاقتصادية.

في بداية الثمانينات من القرن العشرين ظهر توجّه نحو إعادة الهيكلة وترشيد التصرّف في الا ارضي الدولية بنفس لب ارلي. وشهدت الفترة اقحام بنوك التنمية على غ ارر البنك الفلاحي وال أرسمال الاجنبي ممثلا خاصة في الهيئة العربية للاستثمار والتنمية الزارعية )أرسمال سعودي أساسا( بشكل واسع في ادارة الا ارضي الدولية. فتشكلت ما عرف بالضيعات النموذجية اوشركات الاحياء والتنمية SMVD.

جدول عدد16: شركات الاحياء والتنمية الفلاحية بجندوبة في 2013

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية

تتصرف هذه الشركات اليوم في 7144 هك منها 2421 هك داخل المنطقة السقوية وبطاقة تشغيلية بحوالي 900 عامل. استفادت هذه الشركات من استثما ارت ضخمة خاصة في قطاع تربية الماشية المنتجة للحليب والاشجار المثمرة. ولها اشعاع متفاوت على محيطها وتفاوتت النتائج من شركة الى اخرى. واستطاع بعضها الاحتفاظ بنوع من التوازنات المالية مثال شركة المرجى لتربية الماشية SMADEA أو شركة SEDAN في حين ت اركمت مديونية البعض الاخر لدى البنوك والعمّال في

214 Cherif A., 1999 « Terres domaniales et sociétés de mise en valeur en Tunisie du Nord » in : La Tunisie du Nord :

Espace de relations, Actes du 2e colloque du département de geographie 14, 15et 16 Décembre 1995. Faculté

de Lesttres de Manouba. Pp243-.772

179

شكل أجور متخ لدة بالذمة على غ ارر شركة ازما-بوزيد التي انقسمت لاحقا الى شركتين أعيد التفويت فيهما. حاولت الدولة تصفية الاوضاع المالية لهذه المؤسسات عبر تخفيض أرس المال وتحويل الديون الى سندات. استمرّت الوضعية الى حدود سنة 2000، حيث سيظهر توجّه واضح الى الخصخصة والتفويت واعادة هيكلة شاملة لهذه الشركات سواء منها ما يشكو صعوبات او المؤسسات المتماسكة نسبيا. لم تشمل الخصخصة سوى شركة المرجى لتربية الماشية التي تهيمن على أرسمالها الهيئة العربية للاستثمار والتنمية الزارعية وبنك STUSID.

موا ازة مع تكوين شركات الاحياء والتنمية الزارعية بدأ التفويت فعلا بصيغ مختلفة) تفويت وك ارء( للأ ارض الدولية نحو موظّفين سابقين وفنّيين في الادا ارت الفلاحية والتعاضديات )فنّيين( ونحو شريحة جديدة من الفلاحين سمّيت "الفلاحين الشبان" كتشجيع على الاستثمار الزارعي وتثبيت للسكان. يكشف الجدول التالي أن 90 مقسما اسندت الى فنّيين وأن 255 مقسما اسندت الى فلاحين شبّان بمساحة جمليه قدرها 3668 هك منها 1024 هك ا ارض مروية. في الواقع، تحيل الارقام والتوزيع على ان الا ارض الدولية التي تم التفويت فيها هي الا ارض المشتتة والمتباعدة والتي تواجه صعوبات التسيير. كما ان اسناد هذه الا ارضي توخّى نفس التمشّي "ال زبوني" في توزيع شركات الاحياء دون شفافية تذكر. فرغم ان عدد مقاسم الفنّيين لا يمثل سوى 26% من عدد مقاسم الفنّيين والفلاحين الشبان فان المساحة المسندة لهؤلاء الفنّيين ترتفع الى 53.47% اما المساحة المروية فتصل الى

.%87.89

مهما يكن من أمر فان هذا التفويت الجزئي في الا ارض الدولية لصالح ش ارئح متفاوتة من الفلاحين قد ساهم بقدر في تحرير بعض الطاقات الانتاجية المعطلة خاصة في المجال المروي ويمكن ملاحظة ذلك بيسر على مستوى منطقة الصّخيرة في بلطة بوعوان او في منطقة سيدي علي جبيني او سيدي اسماعيل شرقي بوسالم. ميدانيا ما يلاحظ هو ميل بعض الفنّيين الى سلوك تغيّبي في الانتاج عبر إعادة ك ارء مقاسمهم لفلاحين آخرين يمارسون الريّ ويملكون المعدات والتمويل لذلك خاصة في سيدي اسماعيل او في وادي مليز اين يستغل عدد هام من هذه المقاسم على وجه الك ارء او الشركة فلاحون من سوق السبت. مهما كانت التسميات فلاحين شبّان أو فنّيين فان صغر احجام المقاسم ونمط الاستغلال يعزز نمط الفلاحة العائلية القائم على علاقات القرب والتداخل بين وحدة الانتاج والوحدة العائلية في الانتاج والادخار والاستثمار وكذا التشغيل.

جدول عدد17: مقاسم الفنيين ومقاسم الفلاحين الشبان )تفويت وكارء( بجندوبة في 2013

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة

جدول عدد18: المساحة على ملك ديوان الا ارضي الدولية) 2013(

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية

من جهته يحتفظ ديوان الا ارض الدولية بق اربة 5030 هك منها 1735 هك ا ارض تنتمي الى النطاق المجهّز للري. ولكن الاقبال على الري فيها يبقى ضعيفا.

هذه الخصخصة التدريجية للأ ارضي الدولية بغرض البحث عن النجاعة الاقتصادية قد اختزلت انماط الاستغلال في نمطين واضحي المعالم: نمط خاص على شكل شركات إحياء متفاوتة النتائج ،

181

ونمط فلاحة عائلية تملك قد ارت متفاوتة أيضا في التأقلم مع تقلبات السوق والمناخ. يشكل انسحابالدولة من الانتاج بالتفويت في القاعدة الانتاجية بدعوى البحث عن النجاعة وخصخصة قطاع الخدمات الزارعية علامة تحول للنموذج التنموي الزارعي للدولة تصحب معها تداعياتها على مستوى التنمية العام. وبعد ثورة 14 جانفي تنامى السجال حول دور الدولة في التنمية الزارعية وحول وضع الا ارضي الدولية التي وقع استعادتها من المستفيدين الذين لم يلتزموا بك ارس الشروط او من الضيعات المصادرة. وصعد الى السطح خطاب ينادي بالعودة الى التأميم غير انه ظل خافتا ولا يحمل حلولا واقعية على الأرض ،بل إن بعضهم عمد الى استيلاء عشوائي على مقاسم من الا ارضي الدولية في منطقة بلاريجا في ظل حالة من الانفلات الامني في 2011، وأظهرت صعوبات التصرف القضائي في الا ارضي المصادرة صعوبة العودة الى صيغة التسيير الكامل من الدولة. ما استقر عليه الامر هو المضي في صيغ التفويت السابقة مع م ارجعة مقاييس الاسناد في تكوين شركات الاحياء وجعلها شفافية أكثر. وهو ما تكشف عنه في اقليم الد ارسة حالة تصفية ضيعة النموّ )حوالي 200هك( في جندوبة الشمالية والتي آلت بعد د ارسة الملفات ونشر المقاييس وك ارس الشروط على الانترنات، آلت الى مستغل زارعي أصيل الجهة.

لابد من الاشارة في الاخير، الى ان وضع الا ارضي الدولية ومهما كانت الصعوبات التي مرّت بها ولات ازل قد ساهم على وجه المفارقة في كبح تفتيت الملكية في سهل جندوبة والانزلاق السريع نحو الاستخدامات العشوائية غير الزارعية للأرض بما يرفع من حجم المضاربة العقارية، وبالتالي ساهمت بشكل او بآخر في كبح نسق التعمير والتآكل السريع للرصيد العقاري الزارعي.

خاتمة فصل

كانت التهيئة العقارية شرطا ضروريا لنجاح عملية التجهيز المائي للمجال وتطويع التقسيم القطعي للأرض لضروارت الشبكة واعتمدت على ضخامة التدخل التقني والإداري والقانوني للدولة.

وساهمت في تجاوز نسبي للهياكل العقا رية الموروثة وتحديثها وتسجيلها ضمن سجلات عقارية دقيقة .

ولما كانت الشبكة مغطاة فان ذلك ل يثر ن ازعات جوار تذكر إلا فيما تعلق بحفر خنادق لصرف والتي لقيت معارضة من الفلاحين أخ رت إنجازها وحولت بعض مسا ارتها وقلصتها الى حدها الأدنى .استفادت بعض الاسر من تكبير رصيدها العقاري بما يسمح لها بالتحول الى الري ووجدت بعض الاسر الأخرى نفسها مجبرة على معاوضة أ ارضيها مع مجالات أخرى. وساهمت التهيئة العقارية

182

عموما في استصلاح الكثير من الأ ارضي المنخفضة التي تركد بها المياه وتحرير طاقاتها الإنتاجية وتيسير نفاذيتها إضافة الى عملية تحيين السجل العقاري فرفّع ذلك بشكل محسوس من قيمة الأرض مما خلق بدوره تباينات جديدة داخل المجال الريفي العام. حاول الإصلاح الزارعي ضبط سقوف واضحة للملكية وحدود دنيا للمقاسم المروية لكن التفافا كبي ار باللجوء الى التقسيمات العائلية الصورية للملكية حد من نجاح تحوير كلي للهياكل العقارية. وساهم الري المشترك في تيسير ربط صغار الفلاحين بالشبكة المائية لكن ذلك قد حمل معه الكثير من عناصر ضعف نجاعة الشبكة وت اركم المديونية لدى الفلاحين.

خاتمة الباب الثاني

اعتمدت المنظومة المائية على دمج الموارد الباطنية والسطحية وعلى خلط المياه المالحة بالمياه العذبة وعلى طاقة خزن وتوزيع وتعديل وشبكة كثيفة من القنوات والمسالك الفلاحية. فقاد ذلك الى تشكل مجال جديد ونمط جيد لتملكه و ادارته. وقد استوعب المجال الروي الجديد مزدرعات الري السابقة وادمجها في مسار التحديث والتعصير والتألية. ولقد استغرق التجهيز كلفة مالية وتقنية وزمنية عالية كان من المفترض ان تستجمع كل الشروط لتغطيتها وتثمير الموارد المتاحة من تربة ومساحة ويد عاملة وبنية أساسية.

كان لابد من تلازم بين التجهيز المائي للمجال الزارعي واعادة حد أدني من التوازن الى الهياكل العقارية عبر الاصلاح الزارعي والتجميع القطعي. ومن هذه الناحية يمكننا ملاحظة نجاح نسبي للتجميع القطعي من حيث ملائمته للشبكة المائية الثقيلة وتغييره للمشاهد الزارعية مقارنة بواقع الهياكل العقارية في باقي الت ارب، غي ارن مشروع الري لم يستطع مجابهة مشكل التفتت العقاري والغلبة العددية للمستغلات الزارعية الصغ ر ى القزمية وتعدد القطع للمستغلة الواحدة والعدد الكبير لمقاسم الر ي المشترك ،إلا جزئيا وبتفاوت من منطقة سقوية الى اخر ى. بالمقابل كان تأثير مشروع الري على التركّز العقاري محدودا فقد ظلت صيغ تحديد سقوف الملكية غير واقعية وغير ناجعة فقد نجح الملا كون الكبار عبر مقاسمات صورية داخل العائلة في تجاوز هذه السقوف المحددة للملكية والانسجام شكلا مع روح الإصلاح دون تغيير جوهري في العمق. نشير أيضا الى تأخر الإنجاز في الاصلاح الزارعي والتجميع القطعي مقارنة بالتجهيز المائي مما ترك بذور ت اركم اللآمقتصدات:

183

إك ارهات الري المشترك وضعف التكثيف وضعف حلقة صرف المياه واصطدامه بمعارضة الفلاحينعند التجهيز المائي ومدّ القنوات فضلا عن تذرّر عمليات تجهيز صرف المياه بين عديد المتدخلين )فلاحيين إداريين وفنّيين وبنوك(. هذا ما يطرح صعوبات نفاذية فعلية في المواسم الممطرة، وي ؤثّر على مستوى التكثيف الزارعي وأنماط التعمير وآداء المناطق السقوية عامة من حيث مستوى التكثيف وفرص استخلاص القيمة.

ساهم التجهيز المائي لسهل جندوبة مع ما ارفقه من تحوير للهياكل العقارية وتجميع قطعي والتحول من الزارعة البعلية الى الري الدائم في تغيير كل للمشاهد الزارعية والريفية عامه وقد انعكس ذلك على المحيط المباشر للمدن التي تتوسط السهل والمناطق السقوية مما ساهم في ترفيع القيم العقارية بها. واضافة الى القيمة الاقتصادية المباشرة لهذه المناطق السقوية فقد حملت التهيئة معها قيما مشهدية متفاوتة حاثة على الاستق ارر والتعمير وعززت من قدرة المجال الحضري على الجذب بما اضافه من تثمين للمشهد المائي. يمكن لهذا الاخير ان يضيف الى الزارعة وظائف جديدة ومقتصدات خارجية غير وظائفها التقليدية في شكل منظومة سياحية زارعية. من شان هذه المنظومة ان تسوق الخضرة لطالبيها كسياحة داخلية وتغذي البيع المباشر للمنتجات الطازجة ذات الجودة العالية كما ان من شانها إدماج الت ارب في المسالك السياحية وربطه بالمواقع الاقليمية ذات الجذب السياحي كالمناطق الاثرية والغابية وتجاوز حالة "القطيعة الت اربية" بين هذه المواقع السياحية ومحيطها.

184

الباب الثالث: الريّ والدينامية الزارعية والاجتماعية

مقدمة

هدف التجهيز المائي للمجال وبعث المناطق السقوية الى تثوير أنظمة الإنتاج الزارعية وتجاوز ثنائية البور/ الحبوب المهيمنة على التداول الزارعي قبل انتشار الري فلقد كان البور يحتل ما بين 20 الى 30 % من المساحات. واعتمد مشروع الري تداولا زارعيا ثلاثيا ورباعيا حسب إمكانات التربة في كل منطقة سقوية وأقحم الخضروات والأشجار المثمرة والزارعات الصناعية )اللفت السكري أساسا( هذا الى جانب تكثيف نشاط تربية الماشية وادماجه كليا في نظام الإنتاج الفلاحي وربطه بمسالك التسويق المختلفة. بعض هذه الأنشطة والمسالك كان موجودا وبصفة محدودة ومنحصرة مجاليا وبعضها الآخر عبر عن تجديد كامل داخل المنظومة الزارعية المحلية والإقليمية. تم هذا التحويل (conversion)للنظام الزارعي بصفة متدرجة وتحت م ارفقة واش ارف مباشر من الهياكل الفلاحية للدولة وارفق تنامي المساحات المروية بدخول مناطق سقوية جديدة حيز الاشتغال وظهور مناطق سقوية خاصة على هامش المناطق السقوية العمومية لتشكل مجالا مرويا يمتد على ق اربة 31000 هكتار حاليا.

كانت استجابات الفلاحين للتحول في النظام الزارعي متفاوتة ولكنها تجاوزت سريعا التردد الذي طبع سلوك الفلاحين في البداية أمام تعريفة للمياه دون مستوى الكلفة الفعلية وأمام دعم مباشر من الدولة عبر توفير المدخلات وتمويل المواسم الزارعية والارتفاع المحسوس للمداخيل في المناطق المروية. ولقد كانت ضيعات القطاع المنظم نواتات تحديث وتكثيف هامة داخل المجال المروي خاصة في انشطة تربية الماشية المكثفة المنتجة للحليب وزارعة اللفت السكر ي والأشجار المثمرة في حين كان إقبال المستغلات الخاصة بمختلف ش ارئحها على نشاط الخضروات ملحوظا أكثر وربما كان وضع التسعير عند البيع هو ما يفسر هذا التفاوت في القبول بالتحديث الزارعي من نشطا فلاحي

185

الى آخر ومن منطقة سقوية إلى أخرى. مع اتساع المجال المروي وتقادمه يمكن القول ان التحول

في النظام الزارعي أصبح ام ار ناج از داخل المجال الت اربي وان هذا التحول كان أداة فعالة في إعادة التشكل الت اربي من حيث تثمير الموارد وتنويع الأط ارف المتدخلة وربط المجال بالمسالك الفلاحية الغذائية المختلفة وتثبيت السكان واعادة رسم ملامح ح اركهم الدوري واليومي. ولكن في هذا التحول العام ما يدعو الى تنسيب الصورة من حيث عمق هذا التحول وشموليته واستدامته ومدى استجابته من ناحية الى الأهداف المبرمجة والمعلنة لمشروع الري العصري ومن ناحية ثانية لحجم التحديات المجالية والاجتماعية الهيكلية المطروحة والتحولات الجديدة في السياسة الزارعية العامة للدولة .

لقد صحبت الدينامية الزارعية معها دينامية ت اربية تعلقت بالمسالك الغذائية الصناعية وبوضع المستغلات الفلاحية والتشغيل ومسالك التوزيع والتزود والتحويل الصناعي وظهرت ملامح تخصص فلاحي خاصة في نشاط انتاج الالبان وبعض مسالك الخضروات. هل يمكن الحديث بالنتيجة عن تشكّل لحوض إنتاج bassin de productionعام ام أن الامر يتعلق بتجاور لأحواض انتاج صغرى وت اركبها داخل إقليم فلاحي تبقى ميزته التعدد الزارعي la polyculture؟ ما هي أهم التحولات التي طالت النظام الفلاحي واتجاهات التكثيف الحالية للري وانعكاسات ذلك على المستغلات الزارعية والمجال الت اربي عامة؟

186

الفصل الأول: الريّ ودينامية التكثيف الزارعي: من المزدرعات الى أح واض الإنتاج؟

ساهم التجهيز المائي للمجال في سهل جندوبة في استحثاث نسق تحولات هامة في النظام الزارعي وحقق ثورة في المشاهد. سجلت زارعة الحبوب والزارعات السنوية ت ارجعا ملحوظا لصالح نظام زارعات أكثر تنوّعا وتوزيعا موسميا كما تدعّم التكثيف على مستوى قطاع انتاج الالبان وشهد الاقليم لأول مرّة تركيز زارعات صناعية محورها الاساسي مسلك اللفت السكري. اندرجت هذه المسالك الجديدة في مسالك زارعية غذائية متباينة وأقحمت في المجال فاعلين من ش ارئح مختلفة .فانتقل

المجال الزارعي من النمطية السائدة والتقليدية للمزدرعات الحبوبية الى تاركب وتداخل لأحواض إنتاج متباينة الخصائص والحدود والاحجام والعلاقات التاربية لعل أهمها الحوض اللبني في طور

التشكل والتوسّع. غير انّه، لا يمكن ان نعزو كلّ هذه التحولات الى عامل التهيئة المائية العصرية لوحده فهناك ديناميات إجتماعية مجالية )ت اربية عامة( سابقة في المجال الت اربي تعززت في عهد مشروع الر يّ وتفاعلت معه ولذلك كانت الاستجابات للري لدى الفلاحين متفاوتة من شريحة الى أخرى ومن منطقة سقوية الى أخرى وفق است اريجيات تعديلية متباينة وهذا ما يجعل التطور متباينا بين مستغلات المنطقة المروية الواحدة.

1. التكثيف الزارعي عبر الر يّ: الثوابت والتحولات

تسمح معطيات التربة والتساقطات بإقليم الد ارسة بتعاطي زارعة دائمة سنوية وهو ما ميز الاقليم منذ العصور القديمة رغم القطائع التاريخية على مستوى التعمير ومكانة تربية الماشية المميزة في النظام الزارعي فلقد ظلت زارعة الحبوب الزارعة المهيمنة تتدا ول على الارض مع القطعان صيفا او اثناء فت ارت ا ارحة الارض والتبوير الا اردي او القسري. دعّم الاستعمار الزارعي زارعة الحبوب وجعل منها زارعة احادية عبر تكثيف نمط الاستغلال وادخال الالية في مختلف مارحل المسالك الفنية الانتاجية ودفع نحو التوسع الافقي والعمودي في المساحة عبر المكننة والتخلي عن التبوير الدوري للأرض. ولم يظهر التوجه الى تنويع الزارعات والتنبه الى مخاطر الزارعة الاحادية الا لاحقا بعد

187

ازمة الثلاثينات الاقتصادية والحرب العالمية الثانية، حيث بدأت تظهر العناية بالغ ارسات والاعلاف وتربية الماشية المكثفة وبدرجة أقل بالر يّ. ساعدت الاليات الجديدة في الحرث والحصاد على استصلاح الا ارضي الرطبة وحفر خنادق لتصريف مياه الامطار ال ازئدة عن حاجة الارض. كما عززت الفصائل الجديدة من البذور المحسنة وتقنية البور المحروث وما ارتبط بها من زيادة محسوسة في المردود والإنتاج تكثيف المضاربة وربط المجال الزارعي أكثر بالسوق. وانفتح المجال على ش ارئح من المعمّرين من أصول اوروبية مختلفة كالإيطاليين والمالطيين والفرنسيين. ورغم اتجاه عام الى تنويع المجال الزارعي في اقاليم اخرى بالبلاد التونسية مثال في ساحل بنزرت او الوطن القبلي بظهور الغ ارسات و خاصة الكروم و القوارص وتربية الابقار الحلوب المؤصلة إلا أن الحبوب ظلت النشاط الاساسي للمعمرين في مجال الد ارسة.كانت هذه اللمحة التاريخية الموجزة ضرورية لفهم المكانة التي تحتلها الحبوب في سياقات زمنية متباينة تغيرت فيها عناصر التشكل الت اربي )الفترة الرومانية ثم مع العرب ثم الاستعمار( لكن بقيت وجهة الحبوب ثابتا هيكليا في نظام الزارعات. كيف تعاطت التهيئة المائية الزارعية مع هذا المعطى الهيكلي؟

لا شيء يحيل في وثائق التهيئة التي أمكن لنا الاطلاع عليها او في الممارسة والخطاب الرسمي الى رغبة في تجاوز كامل لمكانة الحبوب ضمن النظام الزارعي القائم او المقترح فالهدف المعلن هو "التكثيف" و"التعصير" وهو ما يعني زيادة كمية ونوعية للإنتاج في المتاح من المساحة الزارعية القابلة للتجهيز المائي والتي سمّيت "منطقة سقوية". يمر هذا التكثيف بعد عمليات التجهيز المائي عبر اعتماد تركيبة زارعات ضمن تداول زارعي ثلاثي ورباعي حسب المنطقة السقوية المعنية. وهو تداول م ارقب من قبل الجهات المشرفة على ادارة الري طيلة الموسم الزارعي يحدد مستوى سحب المياه والتسعيرة التفاضلية لكل مساحة مزروعة. ويهدف التداول المبرمج الى ادخال زارعات جديدة وتدعيم اخرى موجودة وذلك في علاقة بسياق سياسة زارعية غذائية وطنية عنوانها المعلن "الامن الغذائي". غير ان استجابة الفلاحين للتداول الزارعي المبرمج تظل محكومة بعوامل عدّة منها تقلبات السوق والمناخ )رغم امكان تجاوز هذا العامل جزئيا عبر الري( وجدوى شبكة الري وانماط التعديل المختلفة داخل المستغلة لتوظيف عوامل الانتاج المختلفة ووجود حوافز ودعم للعملية الانتاجية عند التزود او عند تصريف المنتوج من عدمها.

يعبّر اختيار تركيبة الزارعات عن مستوى الانخ ارط في التحديث عبر الري وانتظامه في الزمن والمجال خاصّة وان الماء المفوتر ليس محددا للإنتاج الزارعي في ظل امكانية تواصل تعاطي انشطة بعلية في نطاق بيومناخي انتقالي بين المناخ شبه الرطب و المناخ شبه الجاف كسهل مجردة217. ومع ذلك يمكن القول بان تحولات جوهرية قد طالت نظام الزارعات بالإقليم داخل المناطق السقوية وخارجها رغم تباين مستويات التكثيف والاستعمال من منطقة سقوية الى اخرى ومن فترة الى اخر ى.

ولمتابعة هذه التحولات كان ل ازما علينا العودة الى مختلف الاستقصاءات حول المعطيات الهيكلة للمستغلات الزارعية إضافة الى البحث الميداني وذلك لتبين المسا ارت الكبرى والنزعات الثقيلة للتطور.

أ- تارجع مساحة الحبوب والبقول

تكشف المقارنة بين معطيات الاستقصاء عن المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية الاخيرين )1995 و2005( عن ت ارجع هام لمساحة الحبوب من 60 الى 52% )أكثر من 70% في بداية السبعينات من القرن العشرين( واستق ارر نسبي لمساحة البقول في حدود 11%. هذا التحول يرتبط بالتوسع في زارعات جديدة كالخضروات والزارعات الصناعية والأشجار المثمرة كما يرتبط بتحولات داخلية تعديلية داخل هذه المسالك. من الناحية الكمية تحتفظ الحبوب بمكانه اولى في ترتيب مساحة الزارعات وهذا يؤكد الرهان على استم اررية هذه الزارعة في الاقليم واضفاء صبغة الاست ارتيجية عليها كمقوم من مقومات الامن الغذائي ونظ ار لما تحتله النشويات من اهمية في الطبق الغذائي الاستهلاكي التونسي تؤكدها مختلف مسوح الاستهلاك الوطني التي ينجزها دوريا المعهد الوطني للإحصاء. وامام تذبذب اسعار الحبوب في السوق العالمية وميلها الى الارتفاع هناك حماية معلنه لهذا المسلك الغذائي في السياسة الزارعية الوطنية. ولذا ارهنت التنمية الزارعية في الاقليم على تقليص جزئي للمساحة

التقليدية للحبوب وتشجيع مسالك ذات مردودية اقتصادية )وتشغيلية( عالية موازية مع الاتجاه نحو تكثيف داخلي لمسلك الحبوب. تجلى هذا التكثيف عبر المكننة القصوى واختيار بذور محسنة واسمدة

217Hsainiia J. 1991, Irrigation et développement agricole. L’expérience tunisienne. Options Méditerranéennes.

Série B N° 3. CIHEAM – INAT. Montpellier

189

كيميائية. فانتشرت بذلك في الاقليم بذور جديدة اختفت معها الاصناف المحلية تقريبا ومنها اصناف القمح الصلب من نوع "كريم" و "بن بشير" وهي اصناف قصيرة التيلة تختزل مدة نضج المنتوج في تدعيم السنبلة على حساب طول الجذع. وهذا الاختيار وان ساهم في زيادة المردود ومعه الانتاج فقد قلص من حجم الاعلاف )الاتبان( المرتبطة بها. فتعاطي نشاط الحبوب يلازمه لدى الفلاحين رهان على الاعلاف لتخزينها واستهلاكها خاصة في الموسم الشتوي ويسوق الفائض لباقي الأقاليم.

لا يعتبر الفلاحون المستجوبون من خلال البحث الميداني الحبوب بنسبة 63 % نشاطا مربحا أمام ت ارجع الدعم عن المدخلات وارتفاع تكلفة المسالك الفنية المختفة للحبوب )تهيئة الارض والحرث والزارعة والمداواة وصولا الى الحصاد ثم التخزين والتسويق(. ويختلف تقدير مستوى الربحية حسب حجم المستغلة ونوع اليد العاملة قارة او موسمية اجيرة او عائلية. فالفلاحون الصغار الذين أقحموا في عملية التحديث يجدون صعوبة في الملاءمة بين الكلفة والربح. واغلبهم يتعاطون مع الحبوب كنشاط لإنتاج العلف ويبيعون المنتوج بالكامل تقريبا امام ضعف جدوى التخزين للبذور من الاصناف الجديدة ثم تقع تلبية حاجات الاستهلاك العائلية من الحبوب عبر الطحين المدعّ م مستفيدين من ربحية الفارق. يندرج هذا السلوك الانتاجي ضمن ما يسميه حميد اية عمارة "التلبية القصوى للاستهلاك بدلا عن التلبية القصوى للربح".

صورة عدد15: التعاضدية المركزية للقمح ببوسالم

خريطة عدد14: إستخدامات الارض بسهل جندوبة

191

جدول عدد19: تطور الاستخدامات الزارعية للارض بين 1995 و2005

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية جندوبة 2007 ص14

صورة عدد16 تجاور الحبوب والأشجار المثمرة والخضروات في عسيلة )علوي س. 2012(

192

تمثل الحبوب داخل المجال المروي 37%في 2005 وهو ما يعني ان ت ارجع مساحة الحبوب كان أكبر من مستواه في باقي المجال الزارعي وهذا متسق مع اهداف مشروع الري. وتبقى النسبة مرتفعة عموما إذا ما استحضرنا الصعوبات التي تواجهها الزارعات الصناعية ومنها زارعة اللفت السكري تحديدا. فالانسحاب الظرفي لهذا المسلك من التداول الزارعي منذ سنة 2000 استفادت منه الحبوب وتحول التداول الزارعي في المناطق السقوية لبوهرتمة من رباعي الى ثلاثي وثنائي في حالات كثيرة .هناك في الواقع خيا ارن على الارض متقابلان: من جهة يقع تشجيع الفلاحين على زارعة الحبوب المروية عبر إق ارر التسعيرة التفاضلية التي تتيح تسعي ار منخفضا للمياه المسحوبة لري الحبوب، ومن جهة اخرى ي ارد تشجعيهم على التكثيف في اتجاه زارعات متنوعة وذات مردودية انتاجية وتشغيلية عالية. غير ان ري الحبوب يبقى محدودا ما عدى في ضيعات القطاع المنظم.

رغم ان نسبة انتاج الحبوب لإقليم الد ارسة ضمن الانتاج الوطني تظل محدودة ولا تتجاوز

2% في السنوات العادية لكنها ترتفع في سنوات الجفاف مثلا الى ق رابة 9% سنة 1988. وهذا ما يفسرّ ان الاحتفاظ بقطاع حبوبي يمثل خيا ار وطنيا است ارتيجيا وان الجهة معنية به أكثر من غيرها بحكم امكانات الزارعات البعلية وخصوبة التربة. تعبر استم اررية الحبوب ضمن المجال المروي وبالحجم اللافت للمساحة عن مفارقة في التكثيف الزارعي. فضعف نسبة التكثيف داخل المجال المروي )%35 سنة 2013( مع ضعف نسبة البور يجعل من الحبوب قطاعا ملجأ و قطاعا تعديليا امام "احتماليات مخاطر الري" المختلفة البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وهو قطاع يعني كامل ش ارئح الحجم للمستغلات الز ارعية باستثناء الضيعات الصغيرة ما دون الهكتار والتي لا تتجاوز فيها مساحة الحبوب 13% وباقي الش ارئح تفوق النسبة 35% وترتفع النسبة أكثر في الضيعات الكبرى ما فوق 10 هكتار الى ما يفوق 45%.

ب- طفرة الخضروات والاعلاف

عرفت الخضروات تطو ار بـنسبة 11 % بين الاستقصاءين ورغم انها لا تمثل سوى 6% من المساحة الزارعية لكامل الولاية فان هذه النسبة ترتفع الى 31 % في المناطق السقوية لشدة ارتباط هذا المسلك بالري وتركزه بالسهل حول الاسواق الحضرية. وعند بداية مشروع الري لم تكن تثمل سوى 4% من مساحة الزارعات ولكنها سجلت تطوار لافتا فاق توقعات مشروع الري عند البداية) 10%لسنة

1979(. يهم مسلك الخضروات اساسا شريحة المستغلات الصغرى التي تعتمد على اليد العاملة العائلية وتصل نسبة مساحة الخضروات 80% في المستغلات ما دون الهكتار الواحد فيما يشبه الاستغلال الحدائقي شديد التركز حول مركز الاقامة للعائلة بما يتيح مشاركة واسعة لكافة اف ارد العائلة في العناية بالحقل موا ازة مع باقي الانشطة المنزلية.

194

يسجل التطور بين 2005 و2015 تغيي ارت هامة في تركيبة زارعة الخضروات لصالح تدعيم مكانة الطماطم المعدة للتصبير وهو ما يشير الى أهمية اند ارج المجال المرو ي في مسالك غذائية صناعية.

بالمقابل تسجل الجلبانة والدلاع ت ارجعا هاما وهذا مرتبط بشدة المنافسة من قبل أقاليم فلاحية أخر ى وارتفاع كلفة اليد العاملة. وتحافظ البطاطا تقريبا على ميزتها التفاضلية الإقليمية بحوالي ثلث المساحة.

تتيح زارعة الخضروات استغلالا اوفر للمساحة الزارعية فقصر فترة نضج المنتوج يسمح بتعاطي زارعات مختلفة ومتتابعة على نفس المساحة الزارعية تصل الى ثلاث محاصيل )البدرية والفصلية وما بعد الفصلية( فضلا عن الإمكانات الهائلة التي تتيحها الزارعات البينية مع الأشجار المثمرة. وتطبع الخضروات المشهد الزارعي على كامل السنة وتمثل عنوانا للتكثيف عبر الري في هذا المشهد. ويعتبر القطاع كثيف الطلب على اليد العاملة حيث يبلغ معدل أيام العمل في الهكتار الواحد سنويا 117 يوم عمل مقابل 10 للحبوب و17 للبقول و14 للأشجار المثمرة في موسم 2014-2015 . ولئن كان ذلك يمثل ضغطا على المستغلات العائلية في حالات الندرة الموسمية لهذه اليد العاملة فانه يعتبر ايضا فرصة لتوظيف فائضها وخفض النزعة الى المغادرة الجماعية للأسر الزارعية .

صورة عدد18 زارعة الخص بخيلج ملاق )علوي س.2014(

لئن كانت الخضروات نشاطا اساسيا للمستغلات الصغرى ما دون 5هك العائلية فإننا نلمح ميدانيا ميلا الى التخصص لدى صغار السقاة ما دون الهكتار الواحد فيما يعرف محليا بـ "المحش" أي الخضروات ذات أوارق مثل المعدنوس والسلق والملوخية.. في حين لا تظهر البطاطا والدلاع والطماطم الموجهة للتصبير بوضوح الا بعد عتبة 2هك للمستغلة الواحدة وخاصة في الا ارضي المكت ارة )ذات الاستغلال غير المباشر( وهي زارعات شبه مضاربية شديدة الصلة بالأسواق الحضرية وتعتمد تكثيفا أكثر لليد العاملة ومدخلات الانتاج كالأسمدة والادوية والبذور المحسنة وتنتظمها مسالك غذائية صناعية معقدة عند السافلة أو العالية. ورغم اننا نجد هذه الزارعات في جميع المناطق السقوية فان متابعة سلسلة زمنية لمساحات الزارعات حسب المناطق السقوية بين 1971 و2010 يشير بوضوح الى انتقال تركز هذا الصنف من الزارعات من منطقة سقوية الى اخر ى. واذا اعتبرنا التفاوت الزمني لم ارحل تجهيز القطاعات المجالية المروية وأهمية ظاهرة ك ارء الا ارضي التي تت اروح بين 30 و50% في الب ارهمي وسوق السبت وسيدي عي الجبين حسب البحث الميداني نفهم طبيعة الاستغلال المنجمي الاستن ازفي لهذا الصنف من الزارعات. فهي تستفيد من رصيد الخصوبة في التربة التي دخلت ميدان الري حديثا وكذلك تستفيد من حوافز وفرة مياه الري والتسعيرة التفاضلية المرتبطة بـالتداول الزارعي المعتمد داخل كل منطقة سقوية . وهي بوجه من الوجوه "زارعة متنقلة". ولا تعبّر عن تملك فعلي للمجتمع الزارعي للري فهي عادة ما تفتح على تدخل فاعلين لا علاقة مباشرة لهم بالري ويتدخلون في مرحلة معينة من نضج المنتوج )الخضارة( او عند التسويق الحقلي. كما انه مسلك محفوف بتقلبات المناخ والسوق وانتشار الام ارض الفطرية )المديو بالنسبة للبطاطا مثلا(. ويعتبره بعض الفلاحين المستجوبين في البحث الميداني مقامرة لكن في ذروة المواسم الجيدة ي اركم القطاع ارباحا هامة بعد استخلاص التكلفة والديون.

196

لقد عرفت الاعلاف بدورها طفرة ملحوظة من حيث المساحة والانتاج وتدعمت مكانتها داخل نظام الزارعات ونظام الانتاج عامّة. فالجهة مزوّد تقليدي لباقي الاقاليم بالأعلاف لكن التطور مرتبط اكثر حسب ارينا بدينامية هامة يعرفها قطاع تربية الماشية، فجندوبة على سبيل المثال تملك قطيعا للأبقار يقدر سنة 2013 بـ 62000 أرس. يشهد قطاع تربية الماشية تكثيفا متناميا ولقد كان تكثيف القطاع من أهم مفاصل مشروع التهيئة المائية الزارعية ولذا فنمو قطاع الاعلاف بزيادة ملحوظة تقدّر بـ 150% بين الاستقصائين الاخيرين يعبّر عن تحوّل نوعي باتجاه مزيد من تدعيم مكانة ت ربية الماشية في النظام الزارعي والخروج التدريجي من احادية الحبوب وهيمنتها المطلقة على نظام الانتاج هذا التحول تترجمه من حيث المساحة المكانة المتنامية للأعلاف )من 6% الى 13% بين 1995 و2005 لكامل الولاية وحوالي 21 % سنة 2005 و %19داخل المجال المروي لسنة 2015( كما تترجمه مكانة تربية الماشية في قيمة الانتاج الفلاحي للولاية) 42% سنة 2007 و45% سنة 2014(.

تهيمن الاعلاف السنوية على تركيبة الاعلاف بنسبة 80 % ولا تظهر الاعلاف المروية الفصلية الا في المجال المروي وفي المستغلات التي تتجاوز عتبة الهكتار وتبقى نسبها متقاربة في باقي ش ارئح الحجم ما بين 7 الى 23%. ويشكل تجميع الاعلاف وتخزينها ومعالجتها نشاطا مربحا لعدد هام من الاسر الزارعية التي لا تمتلك رصيدا هاما من الا رض ولكنها تتملك بالمقابل شاحنة او اكثر. وتصبح تجارة الاعلاف خارج ذروة مواسم الري نشاطا تعديليا للمداخيل الزارعية ونوعا من الادخار والرسملة .ويمكن الحديث عن تشكل مسلك واضح المعالم للأعلاف والذي وان كان شديد الارتباط بتربية الماشية فهو من حيث التسويق يختط مساارت خاصة به لا تتطابق تماما مع مسلك الحليب او اللحوم.

صورة عدد19: تخزين الاعلاف في المستغلات العائلية في سوق السبت.

)علوي س. 2010(

صورة عدد20: تخزين الاعلاف ensilage في ضيعة المرجى )علو ي س .2013(

تصل نسبة الاعلاف الى مجموع الزارعات 35% في شريحة الضيعات الكبرى ) 100هك( في النطاق المروي وهو ما يحيل على ارتباط نشاط الاعلاف بالحبوب وبحجم المساحة. وكذلك يكشف عن نزعة حثيثة نحو التخصص داخل ضيعات القطاع المنظم وهي هياكل انتاج وازنة داخل المجال الت اربي مقارنة بالمستغلات العائلية. فكل هذه الضيعات تمارس نشاط تربية الماشية المكثفة لكن بعضها ينفرد أكثر من غيره بمقتصدات حجم أكبر مثال ضيعة المرجى لتربية الماشية ببوسالم او ضيعة سودان طريق بوعوان.

صورة عدد21: شركة الاحياء المرجى )علوي س. 2013(

198

المصدر : الاستقصاء جندوبة 2007

ارسم عدد17: توزيع الزارعات المروية حسب شارئح الحجم للمستغلات. 2005

الص ورة عدد22: تربية الماشية المكثفة والمنتجة للحليب بشركة المرجى )علوي س. 2013(

199

ج- تعّثر تركيز الزارعات الصناعية وتكثيفها

ارهن مشروع الري الذي صيغ في ستينات وسبعينات القرن العشرين اي بعيد الاستقلال على احلال زارعات صناعية جديدة كفيلة بتعويض التوريد لمواد استهلاكية اساسية كالسكرّ في إطار مقاربة وطنية للأمن الغذائي. عبر هذا الرهان عن نفسه في تركيز مصنعين لتحويل السكر بباجة في الستينات ومصنع آخر بطاقة تحويل أكبر في الثمانينات ببن بشير بجندوبة. كما واحتل انتاج اللفت السكّري عمرة اساسية في التداول الزارعي الرباعي المبرمج في مشروع بوهرتمة للري قدّر بربع المساحة) %25(. ولدفع الفلاح الى الاقبال على هذه الزارعة الجديدة بالكامل قدّمت حوافز عديدة للفلاحين منها التسعيرة التفاضلية المخفضة للماء والم ارفقة التقنية طيلة الموسم الز راعي )توفير البذور والاسمدة والج ار ارت وآليات جمع المحصول..( مع اقتطاع الكلفة عند تصريف المنتوج. كان اقبال الفلاحين على زارعة اللفت السكري متفاوتا لكن نفوار عاما لدى صغار الفلاحين من هذه الزارعة كان ملحوظا كما تظهره الد ارسة الميدانية ولا تظهر الاهمية من حيث المساحة والمنتوج الا بعد عتبة 5 هك وهي العتبة الملائمة أكثر لنشاط عرف ذروة المكننة.

من المهم الاشارة الى المقتصدات الخارجية ومقتصدات الحجم التي حملتها زارعة اللفت السكري وهي محاولة بعث مركب صناعي غذائي بإقليم ظل زارعيا بالأساس مع ما يصحبه ذلك من تشغيلية هامة عند التحويل او على مستوى العمل الزارعي تهم العمال كما الاطا ارت والموظفين. كما وفرت الفواضل الصناعية اللفت السكري بعد التحويل مادة علفية مهمة لقطاع تربية المشاية خاصة للضيعات المجاورة لمصنع السكر ببن بشير.

كان ارتفاع الكلفة عند الانتاج وانهيار اسعار السكر في السوق العالمية وتهرّب الفلاحين من زارعة اللفت السكري وتأثي ارت المسلك في تجارب زارعية قريبة جغ ارفيا وزمنيا مثل المغرب مدعاة لم ارجعة مكانة هذه الزارعة ضمن التداول الزارعي الرباعي .ولذا اتجهت مساحة اللفت السكري الى الت ارجع بداية من 1997 كما يشير الى ذلك الرسم البياني أعلاه وبعد الغلق الجزئي لمصنع بنبشير انهار الانتاج تماما وقد احتفظ بوحدة لإنتاج الخميرة تقوم بتحويل مادة اولية موردة.

200

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة

رسم عدد 18: تطوّر مساحة الزارعات المروية بين1994 و2004 )سلم لوغاريتمي( جدول عدد20: تطور المساحة والانتاج للفت السكري بالبلاد التونسية بين 1990 و2000 )هك /ألف طن(

المعهد الوطني للإحصاء. الموقع الالكتروني في 9مارس 2005

لا يمكن الحديث عن فشل مطلق او نهاية لتركيز زارعة صناعية محورها اللفت السكري فلقد تعددت المحاولات لإعادة استئناف انتاج هذه زارعة في الاقليم بداية من 2010 غير ان كميات الانتاج والمساحة )اقل من 200هك( ظلت محدودة ولا يمكن الجزم بمصير هذه الزارعة بعد. حيث تسجل المساحة والكمية المنتجة انتعاشة نسبية لتصل المساحة المبذورة الى 787.5 هك منها 134 هك في القطاع المنظم موسم 2014-2015 ولترتفع كمية الإنتاج من 2475 طن سنة

2012 الى 51720طن سنة 2015. فم ارجعة الاسعار عند البيع للمستهلك باتجاه خفض الدعم يسير في اتجاه الاقت ارب من السعر عند الانتاج ويمكن ان يعدّل ذلك التوازن مع تقلبات السعر العالمي ويجعل من اللفت السكري مسلكا مربحا محليا وطنيا. ويكمن وجه التعقيد في هذا المسلك بالذات في شدّة تخارجه أي تأثره بتقلبات الأسعار العالمية وضعف انسجام الابعاد الاقتصادية فيه مع الابعاد الاجتماعية وكذلك الابعاد التنموية والبيئية.

بالنسبة لباقي الزارعات الصناعية فهي تنحصر تقريبا في انتاج التبغ خاصة في سهل غار الدماء وهو نشاط تمارسه كليا تقريبا المستغلات العائلية من الاعمال الحقلية الى التجفيف والتهيئة للتحويل. وتبقى المساحات محدودة وكذلك الإنتاج ويشهد هذا المسلك ت ارجع الإنتاج في السنوات الأخيرة تحت وطأة التهريب والتجارة الموازية فلقد مر الإنتاج من 600طن سنة 2012 الى 504 سنة 2013 ثم الى 480 سنة 2014.

د- اتساع نطاق الاشجار المثمرة لكن بنسق بطيء

تحتل الاشجار المثمرة 18 % من المساحة الزارعية للولاية و9% من مساحة الزارعات المروية وهي تعرف زيادة متنامية تقدر بـ 55% بين 1995 و2005. وتهيمن الزياتين بنسبة 78% على تركيبة الاشجار المثمرة لكن تطوار ملحوظا بدأت تشهده بعض النطاقات المروية خاصة في بوسالم )عسيلة والسم ارن والب ارهمي( ووادي مليز للتفاح والاجاص وللكروم والحمضيات التي ارتفعت مساحتها من 400هك الى 700هك مسجلة زيادة نسبية بـ 75%.

صورة عدد23: إتشار الغارسات على ضفاف بوهرتمة )علوي س.(

202

لا تظهر الاشجار المثمرة بوضوح في المستغلات إلا عند عتبة 10 هك وتصل الى 30 % في شريحة المستغلات المروية ما بين 50 و100 هك. ويبدو أن انتشار الاشجار المثمرة حول المدن المحلية مرتبط في كثير من الحالات بنمط من السكن الفاخر الشبه حضري ولذا فهذا التحوّل نحو الشجرة يعكس تحولا موازيا في ممارسة المجال وتغي ار للوظيفة الإنتاجية للأرض لتتسع الى وظائف سكنية ومشهدية. لقد عز زت المسيجات التي صممت توافقا مع ضروارت الري بالرش وحماية المزروعات المروية والاشجار المثمرة صورة مغايرة للمشهد الزارعي والمشهد الريفي عامة وغذّ ت الرغبة في السكن "الضاحو ي" وشبه الحضري لدى فئات ذوي اصول زارعية وغيرهم.

موا ازة مع هذا التحول الاجتماعي لنمط اشتغال الارض تتجه عديد الضيعات الخاصة والدولية او شركات الاحياء الزارعية SMVD الى التكثيف الزارعي عبر الاشجار المثمرة فيما يبدو انه نزعة نحو التخصص وهذا ما يظهر عند شركتي ازما بوزيد )الب ارهمي( او سيدان SEDANشرقي بوسالم في اتجاه بوعوّان.

تجدر الاشارة الى ان نسبة الزارعات المتداخلة مع الاشجار المثمرة لا ت ازل ضعيفة ولا تتجاوز 2% حسب نتائج الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية لسنة 2005و ترتفع النسبة الى 6%بالنسبة للأعلاف لكنها ترتفع في بعض الأج ازء ذات الكثافة السكانية العالية مثال جنوب سوق السبت او في السم ارن الى 35 % حسب البحث الميداني .وهذا ما يعني ان هامشا مهما للتكثيف العمودي ضمن الزارعات المتداخلة لا يازل متاحا.

صورة عدد24: بداية انتشار الغارسات في الضيعات الخاصة منطقة البارهمي )علوي س.(

203

صورة عدد25: الخضروات المتداخلة مع الزياتين في سوق السبت، افق واسع للتكثيف )علوي س. 2012(

2. التهاث التكثيف عبر الري

تبقى د ارسة مستويات التكثيف الزارعي ونسقه قاصرة إذا لم نتجاوز التوزيع المساحي للزارعات وتطوره لتشمل تط ور الإنتاج من حيث الكمية والقيمة وتأخذ بعين الاعتبار لمكانة تربية الماشية ضمن النظام الزارعي. فما مدى استجابة مستوى التكثيف الحالي لأهداف مشروع الريّ وماهي ملامح النسق الحالي لاتجاهات التطور؟

أ- اتجاهات التكثيف الحالية من خلال تطور التوزيع النسبي لقيمة الانتاج الفلاحي

يكشف الرسم البياني لتطور قيمة الانتاج الفلاحي بجندوبة بين 1999و2014 تصدّر ثلاث مسالك اساسية لقيمة الانتاج الفلاحي بنسبة 87% سنة 2014 وهي الحبوب والخضروات وتربية الماشية. وتتصدر هذه الاخيرة قيمة الانتاج بما يقارب النصف) %42( تليها الحبوب ب 27% والخضروات بـ 17.2%. وتحافظ تربية المشاية خلال الفترة على قيمة ثابتة نسبيا بحوالي 41% في حين تسجل قيمة الحبوب ت ارجعا مضطردا )من 29 % الى27%( لصالح الخضروات والتي مرت من 11% سنة 1999 الى 21% سنة 2007 ثم الى 17 % سنة 2014. يكشف التطور المذكور عن رهانات التحويل في النظام الزارعي بعد الصعوبات التي تواجهها الز راعات الصناعية والبقول ومكانتها في التداول الزارعي وكذا عن مسا ارت التكيف للفلاحة العائلية وضيعات القطاع المنظم مع

الظرفية الاقتصادية .هل نحن إازء مسار تارجع للتكثيف؟ ام امام تبسيط للتداول الزارعي بما يتيح واقعية ومرونة أكثر في استخدامات الارض واستغلال الكامنات المتاحة؟

204

بالنظر الى تطوّر مؤشر كمية الانتاج وقيمته لنفس الفترة القريبة )مؤشر 100 لسنة 1999( نلاحظ تطوار متذبذبا مسنّنا لأغلب المسالك باستثناء وحيد تقريبا يهم الخضروات وبدرجة اقل قطاع تربية الماشية .يواجه التطور للقيمة والانتاج صعوبة الاحتفاظ بنسق تصاعدي أسّي وحتى عن الاحتفاظ بمستوى عشرية التسعينات. من الممكن ان نجد تفسي ار لهذا النسق ظرفيا في بعض السنوات في علاقة بحالات تطرف مناخي مثال فيضانات 2003 والتي غمرت اج ازء واسعة من سهل بوسالم ورفعت نسبة تبوير الارض الى 8%. لكن يبدو ان النسق يتخذ منحى هيكليا نحو التهاث نظام الانتاج الزارعي essoufflementينعكس في ضعف نسب الاستعمال للري وللتكثيف الزارعي )نسبة التكثيف في جندوبة للمناطق المروية 35% حسب التقرير الاحصائي السنوي لوازرة الفلاحة لسنة 2013. يعزى ضعف التكثيف الى ت اركم مجموعة من اللامقتصدات كت اركم المديونية وضعف الجدوى التقنية للشبكة )نأتي على تفصيلها لاحقا(. يعبر الاستثناء بالنسبة للخضروات عن حيوية المستغلات الفلاحية الصغرى التي تتعاطى انتاج الخضروات أكثر من غيرها والى المرونة السعرية لهذا المسلك عند البيع وامكانات تعاطي محاصيل متعددة على نفس المساحة سنويا.

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية المي ازن الاقتصادي سنوات مختلفة.

رسم عدد19: تطور قيمة الانتاج الفلاحي بجندوبة بين 1999 و2014

205

يكشف نسق التطور المذكور والتفاوت بين الانشطة الزارعية ان هناك إمكانات هامة لزيادة الانتاج والتكثيف لا ت ازل متاحة إذا ما وقع العمل على تجاوز العديد من الصعوبات التي تواجهها المستغلات الزارعية بدرجات متفاوتة. كما يكشف نسق التطور المذكور عن اختلالات عميقة في التصرف في الموارد وعجز الادارة المركزية عن الالت ازم بتطبيق تداول زارعي ناجع ومربح ومستدام.

لا يمثل قطع المياه حلا ناجعا )لوحده( للضغط من اجل استخلاص الديون وترشيد استهلاك مياه الري في حال امكان تعاطي انشطة بعلية او تبوير ظرفي للأرض او امكان حفر الآبار. في الاثناء تسعى المستغلات العائلية للتكيف مع الظرفية والتحوّل نحو انشطة بعينها وأهمها تربية الماشية.

المصدر وازرة الفلاحة ، المي ازن الاقتصادي ، سنوات مختلفة

رسم عدد20 : تطور مؤشر الانتاج الفلاحي بجندوبة من حيث القيمة والكمية بين 1999 و2014 )مؤشر100 سنة 1999( ب- مكانة متنامية لنشاط تربية الماشية

قاد ت ارجع الم ارعي الطبيعية والتخ لي عن التبوير الدوري للأرض مبك ار الى تقلص هام لتربية الاغنام والماعز والتوجه أكثر الى تربية الابقار. ولما كانت المكننة وانتشار الج ارر تجاواز كليا لأنماط

206

ح ارثة الارض التقليدية فلقد اصبحت تربية الابقار موجهة أساسا لإنتاج الحليب واللحوم مما يعني تجديدا متواصلا للقطيع حسب امكانات كل مستغلة. وقد ساعد نمو الطلب الحضري والريفي على هذه المواد إضافة الى ادخال انواع جديدة مؤصلة وهجينة على تجديد نوعي وكمي للقطيع بالإقليم.

كما ارهنت التنمية الزارعية ضمن مشروع الري على تكثيف نوعي لإنتاج الحليب واللحوم فكانت ضيعات القطاع المنظم م اركز لاستدخال هذا التجديد ونواة لانتشاره في باقي الاقليم.

يهدف الجمع بين الزارعة وتربية الماشية المكثفة الى تطوير التكثيف المندمج والمت ازمن داخل الضيعة وذلك بتثمين الجر الحيواني وادخال عمرة للأعلاف وتثمين السماد الحيواني في التجديد البيولوجي لخص وبة التربة و تفادي انهاكها عبر الر ي المكثف. ويقتضي ذلك تعديل المسالك الفنية بتحسين اعداد الارض وزيادة المحاصيل بتكثف استخدام السماد الحيواني والتخصيب عبر تداول الزارعات مع الاعلاف وتحسين الانواع والتخلي تماما عن البور لصالح الزارعة الدائمة. ويقتضي هذا التكثيف تهيئة الاصطبلات والمستودعات بما يمنع تناف ار بين تربية المشاية وباقي الانشطة الزارعية وبما يوفر جودة المنتوج وسلامة القطيع وحسن التصرف فيه بشكل يومي )الترقيم والم ارقبة وتنظيم اوقات الحلب وفصل العجول والذكور عن الأارخي(….

صورة عدد26: التسميد الحيواني لتجديد خصوبة التربة والتكامل بين تربية الماشية والزارعات- طريق بوعوان )علوي س. 2015(

يشهد قطيع الابقار بجندوبة وبدرجات متفاوتة داخل مجالها الزارعي تجديدا نوعيا للقطيع باتجاه تبيئة الابقار المؤصلة والتعويض التدريجي للفصائل المحلية والمهجنة حيث تسجل الابقار المؤصلة نسبة زيادة تفوق 45% في بوسالم وجندوبة وما بين 11 الى 16% ما بين بلطة بوعوان وغار الدماء وتشهد الانواع المحلية والمهجنة ت ارجعا بنسبة 33%ببوسالم و30%بغا ارلدماء وجندوبة ف الفترة بين 2003 و2013. تكشف هذه الارقام وباقي الجدول ان نواة التكثيف والاشعاع هي المجال المروي وان الانتشار للأبقار المؤصلة شمل كامل الت ارب وان بدرجات متفاوتة حيث نلاحظ مثلا ان معتمدية فرنانة قد شهدت زيادة هامة لقطيعها من الابقار بنسبة 40%للابقار المؤصلة و50% لباقي الأصناف.

جدول عدد21: تطوّر تربية الابقار بجندوبة بين 2003 و2013

المصدر: ديوان تنمية الشمال الغربي. جندوبة بالأرقام 2004 و2014

لاشك ان اتساع السوق الحضرية وظهور مسالك لتجميع الحليب واللحوم وتدعمها وظهور وحدة تصنيع الحليب ببوسالم منذ بداية تسعينات القرن العشرين كان له اثر ايجابي في حفز الفلاحين على مغادرة انماط الانتاج المعاشية والانخ ارط في السوق ومسالك المبادلات. كما كان له إثر ايجابي في بداية تشكل حوض انتاج لبني هام هو طور التوسع والتخصص والهيكلة

208

رسم عدد21: التوزيع المجالي للإنتاج الحيواني) الابقار( 2003

المصدر: ديوان تنمية الشمال الغربي. جندوبة بالأرقام 2014

رسم عدد22: التوزيع المجالي للإنتاج الحيواني )الابقار( سنة 2013

تتركز غالبية الانتاج الحيواني من اللحوم الحم ارء والالبان انتاجا وتجميعا في ثلاث معتمديات تحتضن غالبية الا ارضي المروية وهي جندوبة وبوسالم وبلطة بوعوان بنسبة 77% للحوم الحم ارء و70%لانتاج الحليب وتنفرد بطاقة تجميع للحليب بـ 95% سنة و2013. وهي بهذا تمثل قلب حوض الإنتاج اللبني في المجال الت اربي.

209

المصدر جندوبة بالأرقام 2014

رسم عدد23:. تطوّر نسبة كمّيات الحليب المجمّعة بجندوبة حسب المعتمديات بين 2002و2013

من حيث نسق التطور لطاقة تجميع الحليب لا تنمو مساهمة المعتمديات المذكورة بنفس الوتيرة حيث يظهر تمايز مجالي لصالح معتمدية جندوبة التي اصبحت تستقطب لوحدها نصف طاقة تجميع الالبان بـنسبة 53% سنة 2013. لا تحتضن جندوبة وحدة التصنيع ولا تتوسط جغ ارفيا المناطق السقوية فهذه الاخيرة تشكل ح ازما دائريا حول ب وسالم ولكنها تستفيد من توسعة المجال المروي غربا بدخول القسط الثالث من مشروع الري بوهرتمة تحديدا منطقة الجريف السعادة جنوب غربي مدينة جندوبة حيز الاشتغال بعد 2003 وشمالا باتجاه فرنانة .وتستفيد من النمو الحضري السريع واحتفاظها بنمو ديمغ ارفي ايجابي مقارنة بباقي اج ازء الت ارب خاصة في السهل. لا ترتبط الزيادة الهامة في طاقة التجميع بنمو موازي لحجم القطيع عامة )- 4 % بين 2003 و2013( ولكن بتكثيف واضح على مستوى القطيع )زيادة بـ 48% لعدد رؤوس الابقار المؤصلة( ودينامية جوار وقرب بين المستغلات اللبنية. كذلك ترتبط الزيادة الهامة للتجميع بالاستقطاب الشديد للمدينة لمحيطها )وادي مليز وفرنانة وقرى طريق الكاف ونبّر وسوق السبت وبنبشير.( ويساهم ضعف مسالك التوزيع في المجال الجبلي وصعوبات تركيز م اركز محلية لتجميع الحليب هناك باتجاه جزء من الادفاق نحو جندوبة. مجاليا

يمكن الحديث عن بداية اتساع الحوض اللبني خارج المناطق السقوية العمومية ومزيد استيعابه لمجال السفوح واستيعابه للمجالات الريفية الجبلية والطرفية. من جهتها تحتفظ بوسالم وبلطة بوعوان

210

بمكانتها المحلية في قلب الحوض اللبني لكنها تعرف التهاثا في مستوى تصريف الانتاج واستقطابالأدفاق فتظل طاقة تجميع الحليب دون سقف الانتاج خاصة في بلطة بوعوان 25%للانتاج مقابل 16% للتجميع وهذا لان هذه المعتمدية تضم قطاعا جبليا لا يخلو من ضغوطات الاكتناف والفقر خاصة على مستوى عمادات بني محمد والعواوضة واولاد حسن والشواولة.

رغم ان توجها ملحوظا نحو تكثيف قطاع تربية الماشية والانخ ارط في مسالك التجميع بدأت تتضح معالمه منذ تسعينات القرن الفارط غير ان تذرية المنتوج بين عدد كبير من المربين الصغار يعقد مسالك التجميع ويفقدها النجاعة والمردودية. إضافة الى أن تعدد حالات نفوق الابقار المؤصلة خاصة عند الولادة يط رح مشكل ملاءمة هذه الانواع للبيئة المحلية ويطرح مشكل تملك الفلاح للتعصير في هذا الاطار ويرهن دخله الى صعوبات عديدة. وبغض النظر عن هذه الصعوبات المتفاوتة من ضيعة الى اخرى داخل نفس الجوار الجغ ارفي ساهم انتشار الانتاج اللبني واتساع الحوض ليشمل اج ازء مكتنفة من الت ارب في ارتفاع محسوس للمداخيل وتغطية جزء من كلفة الاعلاف المركزة وبالتالي تشجيع السكان على الاستق ارر وخفض مستوى الهجرة الريفية. كما حمل النشاط معه عديد المقتصدات الخارجية كتحسين الطرقات وتعبيدها وانتشار تجارة الاعلاف والخدمات الفلاحية والارشاد مما ساهم في رفع تدريجي للاكتناف.

تجدر الملاحظة الى ان وحدة تصنيع الالبان بالروماني )لينو( لا تستوعب الانتاج المحلي إلاجزئيا خاصة ما يتعلق بأقطاب انتاج الحليب الكبرى في ضيعات القطاع المنظم والتي تصرف منتوجها بشكل تعاقدي خارج الاقليم فضيعةSEDAN تصرف منتوجا يوميا نحو مصنع فيتالي بالمهدية و ضيعة المرجى تصرف منتوجها نحو المقر المركزي لمجمع دليس دانون لصناعة اليوغرط وهو ما تحرص عليه الشركات المصنعة للحليب لتعديل الجودة. وهذا وان كان يقحم حوض الالبان في دورة انتاج ومسالك أكبر ودورة عبر اقليمية فانه بالمقابل يضعف الاندماج الداخلي والمحلي والاقليمي لحوض الانتاج في الت ارب ويضعف من التحويل المحلي للمنتوج ويحرم من الاستفادة من القيمة المضافة للتحويل وم اركمة الثروة وتوسيع افق التشغيل.

لا تواجه المناطق السقوية محليا مصاعب الري بنفس الحدة فقد أثبت بعضها قدرة على التكيف والاستفادة في الحد الأدنى من فرص التكثيف المتاحة. وينمي فيها الفلاحون قد ارت تعديلية متفاوتة تمتص الحاجة الى المغادرة لدى صغار الفلاحين او تضطرهم الى ك ارء أ ارضيهم او تبويرها او إختيار مسالك ممتدة مثل العودة الى الحبوب. ويمثل مزدرع سوق السبت مثالا حيا لهذه المناطق السقوية التي تحتفظ بنسبة استعمال لمياه الري وتكثيف عالية مقارنة بباقي المناطق. وهي تستفيد من معطى تاريخي مرتبط بوجود تقاليد ري قديمة ومعطى القرب الذي يمنح الإقليم قد ار من الانفتاح فضلا عن وفرة اليد العاملة بحكم صغر حجم المستغلات والم اروحة بين وضع المستغل والاجير لدى قسم هام من السكان.

ج- مزدرع سوق السبت للخضروات

يغلب على المزدرع الانبساط شبه الكامل ما عدى حدوده الجنوبية وتحيط به المجاري المائية من جهات ثلاث حيث يقع بين ملاق غربا وتاسة شرقا ومجردة شمالا. وهو يتوسط المسافة بين أهم مدينتين في سهل جندوبة وهما جندوبة وبوسالم ويخضع الى استقطابهما كما يستفيد من مجاورة محور النقل الرئيسي المتمثل في الطريق الوطنية عدد6. ويقع في قلب المجال المروي لمشروع بوهرتمة للري ويحتل المنطقة السقوية ال اربعة منه. هذه المي ازت الطبيعية جعلت منه مجالا منفتحا ومنخرطا في علاقات السوق النقدية والتبادلية مبك ار مقارنة بباقي أج ازء السهل. للسكان أصول قبلية وعشائريةمتباينة لكن معلومة أغلبها يعود حسب عمر السعيدي الى قبائل السباسب. استقطب المجال الت اربي تاريخيا مقام الولي الصالح سيدي عبيد واليه ينتسب اهم الأصول العشائرية عددا الممتدة على ضفتي تاسة وهم العِبدًّة. بقي استقطاب السوق الأسبوعي )سوق السبت( ضعيفا وكل وحدة دوار منكفئة على نفسها تقريبا. بعد فيضانات 1969 وقع تجميع بعض الاسر المتضررة من الفيضانات في نواة قروية )ملجأ( حول السوق الأسبوعية والمدرسة الابتدائية ليتحول ذلك الى ما يشبه المجال المركزي لكن التشتت السكني ظل هو القاعدة في ارتباط شديد بالأوضاع العقارية.

وقعت تهيئة المنطقة السقوية في سوق السبت في بداية الثمانينات ودخلت حيز الاشتغال في 1984. ونظ ار للتفتت الحاد للملكية) 66.3 % من المستغلات دون الهكتار الواحد وتتصرف في13.4 % من المساحة الجملية في 2008( وصعوبات الصرف في بعض أج ازء ممتدة من المزدرع خاصة في منطقة الخليج، فلم تكن عملية التهيئة يسيرة خاصة فيما تعلق بالتجميع القطعي ولم تمر دون ن ازعات جوار كثيرة ولكنها كانت ن ازعات افقية ولم تتخذ شكلا عموديا برفض مشروع الر ي كلي اّ. فمن بين 890 مقسم ري بمساحة جملية 5304 هك شملها الإصلاح الزارعي للمنطقة السقوية سوق السبت نجد أن 7% فقط من المقاسم هي من صنف المقاسم ذات مالك واحد في حين ان 93 % من عدد المقاسم هي ضمن الري المشترك )تعدد المالكين بالمقسم الواحد( وتهم 4973 هك من المساحة .يفسر هذا التضخم في عدد مقاسم الري المشترك بضخامة عدد المستغلات دون الهكتار الواحد كما يكشفه الجدول الموالي .حيال ضيق المساحة الزارعية ورغم حرص التجميع القطعي على مد شبكة كثيفة من المسالك الفلاحية لرفع الاكتناف كليا عن القطع الزارعية والوحدات السكنية فان عددا هاما من هذه المسالك خرج بالتدريج وسريعا من الشبكة المفتوحة وأعيد تملكه فرديا وضمه للمستغلات ليختفي تماما كما في بعض الأج ازء من دوار المناصرية شرقي سوق السبت. وامام غياب الصيانة تقريبا أختزلت الشبكة في عدد محدود من المسالك متعامدة مع المحور الرئيس الذي يربط طريق تونس بسوق السبت ثم العيثة غربا وسيدي عبيد شرقا. لكن الفلاحين لا يعولون فقط على رصيد الأرض بل للمجال الت اربي تقاليد تربية ماشية وتقاليد ري وتقاليد تجارة اعلاف سابقة لمشروع التهيئة المائية الكبرى. كما لاحظنا ح اركا كبي ار للفلاحين خارج المنطقة السقوية لسوق السبت واقبالا

213

على ك ارء الأ ارضي والش اركة خاصة في المناطق السقوية الجديدة مثل سيدي علي الجبيني ببوسالماو الجريف بجندوبة أو وادي مليز.

خريطة عدد13: استخدامات الأرض بمزد رع سوق السبت في بداية الاربعينات

214

خريطة عدد14: تطور إستخدامات الأرض في مزدرع سوق السبت في 2013

215

جدول عدد22: توزيع الهياكل العقارية بالمنطقة السسقوية سوق السبت

المصدر: الوكالة العقارية الفلاحية بجندوبة 2008

كان التحول نحو الري سريعا ولافتا حيث لم يكن يمثل للمزدرع سوى تعميم لنشاط سابق خبر السكان قدرته على تحسين المداخيل وحسن توظيف اليد العاملة العائلية والاستفادة من جغ ارفية القرب .فت ارجعت مساحة الحبوب من 70 % في بداية السبعينات الى 24 % في 2012. لكن التحول اللافت من حيث المساحة هو طفرة زارعة الخضروات والتي تصل في 2012 الى 60.7 %.

جدول عدد22: هيمنة الخضروات في سوق السبت في 2012

المصدر: البحث الميداني + خلية الارشاد الفلاحي بسوق السبت

216

ترتبط هذه المساحة الهامة التي تحتلها الخضروات بالهياكل العقارية وهيمنة المستغلات الصغرى من

حيث العدد والمساحة .وهذا ما يمنح المزدرع نوعا من التخصص الزراعي في تناسب مع هياكله العقارية وأنماط التعديل المختلفة التي تتيحها الفلاحة العائلية باعتبار الغياب شبه الكلي لأنماط

أخرى . وي ارهن الفلاحو ن على التكثيف عبر الزارعة البينية والمتداخلة مع الزياتين أساسا ثم التكثيف في قطاع تربية الماشية المؤصلة الذي لا يحتاج توسعا في المساحة وعلى تجارة الاعلاف. هذه الأنشطة الفلاحية المتنوعة تتيح تعديلا للدخل وتتغذى من داخلها كما تتغذى من تعدد نشاطي يتيح حركة مرنة ل ارس المال الزارعي. نشير الى ان المزدرع ينفرد بتقاليد تجارية هامة نسبيا كان محورها قبل الري تجارة المواشي وتوسعت هذه التقاليد لتشمل الخضروات والاعلاف بعد تعميم الري.

يشير التعداد الأخير لسنة 2014 الى بداية ركود النمو الديمغ ارفي بنسبة نمو سالبة – 0.59% بين 2004 و2014 وهو ما يعكس بداية تخفف المزدرع من الضغط الديمغ ارفي والكثافة السكانية العالية. هذا المجال الت اربي هو اقل نزعة الى المغادرة خارج الإقليم لكن بدأت تستقطبه مدن السهل القريبة أساسا جندوبة ثم بدرجة اقل بوسالم. هذا المزدرع لا ينقل الى هذه المدن بعضا من ثقله الديمغ ارفي فحسب بل أيضا بعضا من ثقله الاقتصادي. فالمداخيل الزارعية يقع توظيفها في المضا ربة العقارية الحضرية بشكل نشط في مرحلة أولى ثم تتحول المضاربة العقارية الى حركة استثمارية فعلية خاصة في قطاع الخدمات التجارية وهو ما أمكن معاينته ميدانيا على طول محور شارع 20مارس في بوسالم وهو المحور الرئيسي الواقع على الطريق بين تونس وجندوبة اين تتركز محلات تجارية وسكنية ثلاثة ارباعها تقريبا تعود أصولهم الى سوق السبت. تغذي هذا الانتصاب الحضري روح منافسة عائلية وأحيانا تضامنيات جوار وحرص على تحويل المدخ ارت الزارعية الى مشاريع استثمارية لا تكو ن واضحة المعالم في البداية لكن يحكمها الحرص على التملك العقاري الحضري في المحاور الحضرية النشطة ويبقى اختيار الأنشطة لصيقا بحاجات الري والحاجات الاستهلاكية للمجتمع الزارعي. ويمكن القول ان هؤلاء التجار الجدد من سوق السبت المنتصبون ما بعد تركيز الري وذوي الأصول الريفية قد بدأوا في سحب قاعدة هامة من الحرفاء والمجال التجاري الذي كان يهيمن عليه بشكل شبه مطلق الج اربة. يحتفظ أغلبهم بنشاط فلاحي مروي في إطار تقسيم عمل عائلي.

217

3. مسالك تصريف المنتوج الزارعي

تتوقف دينامية احواض الانتاج على القدرة على تصريف المنتوج وبالتالي على حيوية مسالك التوزيع وانتظامها الت اربي (les circuits de commercialisation) المحلي والاقليمي والوطني.

ولئن كان يوحّد هذه المسالك التخصص ومنطق السوق )الاقتصادي( فان للأبعاد الاجتماعية والمجالية دور هام في رسم معالم هذه المسالك من حيث مسا ارتها وآدائها ودرجة اندماجها الت اربي. ولما كان المنتوج الذي تدفع به المناطق السقوية الى السوق حديث العهد نسبيا ولا ينفرد باي خصوصية جغ ارفية "كمنتوج مزدرع" يحمل تسميات جغ ارفية خصوصية مثبتة للأصل فانه يبقى محكوما بمنطق العرض والطلب وعنصر المسافة والنفاذية والسياسة السعرية العامّة. بمعنى آخر هو منتوج "لا ت اربي" او سلعة محكومة بوضع الأسواق، ثم إنّ طبيعة المخرجات الزارعية تجعل العرض متعددا وكذا الطلب، ولذا يتوقف تصريف المنتوج كمّ ا وكيفا وربحية على حالة هذه الاسواق من حيث حجم الطلب ونوعه وتوقيت دخول المنتوج الى السوق ونضجه وحجم المنافسة الت اربية بين أجازء الت ارب الواحد وبين المجالات الت اربية المتباينة.

لاشك ان تطوار كبي ار في نظام النقل قد حرر المنتوج الز ارعي نسبيا من عنصر المسافة وقابليته للتلف السريع خاصة منتوجات الخضروات و الالبان. وهما العنص ارن الاساسيان اللذان حكما نظرية السهل المثالي لفون تونان227. لكن الانموذج الذي وضعه فون تونان ورغم الم ارجعات الهامة التي ادخلت عليه يبقى يتمتع بصلابة هامة في التحليل المجالي وينطبق الى حدّ بعيد على انتظام المجال الزارعي المروي لسهول مجردة خاصة حول مدينة بوسالم او على الشمال التونسي إذا ما وسعنا استخدام الانموذج من النطاق المحلي الى الاقليم. مفهوم المسافة نفسه تطوّر ليرتبط بمفهوم رديف له وهو النفاذية واتسع ليشمل عنصر الوقت وعنصر التمثلات لدى الفاعلين لتقدير القرب او البعد.

من حيث التوزيع المجالي واعتمادا على عنصر المسافة يمكن التمييز داخل مجال الد ارسة بين صنفين كبيرين من المسالك: المسالك القصيرة وعادة ما تتطابق مع المجالين المحلي والاقليمي ثم المسالك الطويلة التي تتطابق مع المستوى الوطني او العالمي. ولقد تنامى دور الصنف الثاني من المسالك تحت تأثير مباشر للعولمة الاقتصادية واللب ارلية التنان اضعفتا دور المستوى الوطني المركزي وقلصاه الى دور تعديلي ودور وساطة بين المبادلات العالمية والمجال المحلي مع اخت ارقات متبادلة لكن غير متكافئة .ويمكن اعتماد مقاربات اخرى حسب المسالك الفلاحية الغذائية228 filières agroalimentairesكالحديث عن مسلك الالبان او مسلك اللحوم الحم ارء او مسلك الخضروات ..

الخ وهي مسالك تخترق المجال الت اربي وتتجاوزه وينتظمها مفهوم الشبكة وتتداخل فيها است راتيجيات مختلف الفاعلين المعنيين بالمسلك. انطلاقا من مقاربة ت اربية، أمكن لنا التمييز في ميدان الد ارسة بين سبعة انواع من المسالك التسويقية متداخلة ومت اركبة في أغلبها يمكن اخت ازلها الى نمطين من الاطر او المقتصدات: مقتصدات القرب ومقتصدات الحجم مع غياب ظاهر لمقتصدات التجمع بحكم ضعف مستوى التحضّر والدينامية الت اربية العامة.

التصدير

228 Vaudois Jean.2000, Les dynamiques spatiales des productions légumières : l'évolution récente des

bassins endiviers de NordPicardie. In: spéciales. pp. 65-74. Méditerranée, tome 95, 3-4. Dynamiques spatiales des cultures

219

أ- المسالك المحلية:

تتألف المسالك المحلية للترويج من الاسواق الحضرية واسواق الجملة المحلية والاسواق الاسبوعية والانتصاب الحرّ . تتغذّى هذه الاسواق من تصريف مباشر للمنتجات عبر المستغلين انفسهم او عبر شبكة محدودة من الوسطاء بحكم قرب هذه الاسواق من المستغلات وانتظام دوريتها. وهي اسواق مفتوحة بدورها على أدفاق عبر محلية translocal . غالبية التجار الذين شملهم البحث الميداني في س وق الخميس ببوسالم او بسوق الاربعاء بجندوبة في قطاع الخضروات تحديدا هم تجار محليون خلافا لباقي أصناف التجار. ويكشف توزيع القيمة الك ارئية وتطورها من خلال الرسم التالي ان الأسواق الأسبوعية لا ت ازل تحتل الثقل الأكبر مقارنة بأسواق الجملة ويرتبط ضعف هذه الأسواق بضيق الس وق الحضري وشيوع التزود الذاتي ضمن علاقات القرب الاجتماعي والجغ ارفي إضافة الى جاذبية الأسواق الإقليمية والوطنية الكبرى مثل سوق بير القصعة.

المصدر: بلدية بوسالم 2016

رسم عدد 25: تط ور القيمة الكارئية لسوق الجملة والسوق الأسبوعية ببوسالم بين 2007 و2016 )الوحدة: الف د ت( ب- المسالك الاقليمية:

تشتغل هذه المسالك الإقليمية بآليات المسالك المحلية لكن في مجال أكثر امتدادا وتتغذّى من وظيفة إعادة الت وزيع او الجوار الجغ ارفي للمناطق المروية. وتساهم بعض المنشآت الصناعية كمصنع الحليب لينو )ب وسالم( او مصانع الطماطم) عبيدة بالكاف وسيكام بمجاز الباب( في اندماج اقليمي

220

نسبي للمسالك الفلاحية. كما ويساهم النمو الحضري في توسع نطاق السوق الحضري التي توفر مقتصدات تجمع تعوض جزئيا تذرية نقاط البيع في المجال الريفي .وتعتبر المناطق السقوية بسهل جندوبة المزوّد الرئيسي للأسواق الاقليمية بالكاف وباجة وسليانة فضلا عن مدن سهل جندوبة وتزّود منطقة السباسب بالأعلاف الجافة المجمعة داخل السهل ومن السفوح المجاورة له. من المهم الاشارة الى ان حالة الركود الديمغ رافي التي بدأت تظهر في الاقليم واتجاه النمو نحو الحالة السالبة من شانه ان يلقي بظلاله على الطلب المحلي والإقليمي ويجعل هذه السوق ضيقة الأفق امام التكثيف والتسويق.

وهذا ما يجعل التفكير في تنويع وجهات الترويج ضرورة ملحة لحفز الانتاج واستخلاص القيمية.

مسالك القرب:

نعني بالقرب القرب الاجتماعي والقرب الجغ ارفي الذي تضعف معه المسافة الفعلية او الرمزية )المتم ث لة( وهو تسويق مباشر عبر الحقل مباشرة او عبر مركز المستغلة. يهم مرحلة معينة من م ارحل نضج المنتوج. فمخاطر المناخ وكذا مخاطر السوق والرغبة في التخلص من كلفة تصريف المنتوج عند الجمع والنقل والتسويق تدفع عديد المستغلات الى بيع المحصول قبل م رحلة النضج إذا ما وجد ذلك تلبية لمستوى الربح المنتظر او تلافيا لحجم الخسارة المتوقعة. تسمى هذه الآلية محليّا "الخضارة".

وهي شائعة خاصة في بعض المسالك المضاربية مثل الدلاع والبطيخ او حتى البطاطا. ويمكن للتجار المقبلين على هذا النوع من التسويق تقدير هامش ال ربح بدقة بعملية حسابية بسيطة للوحدة الحقلية القاعدية. كما تلقي هذه الآلية التسويقية إقبالا لدى فاعلين غير زارعين يمتلكون حدا أدني من ارس المال التجاري من فئات مهنية وطبقية متباينة. في قطاع الاشجار المثمرة حفاظا على المنتوج من التلف عادة ما يقع الجني قبل حالة النضج التامة، لكن توفر فرصة التسويق الحقلي المباشر )من الشجرة مباشرة( يوفر ذوقا مختلفا لشريحة من المستهلكين. ويندرج هذا فيما يعرف بالسياحة الزارعية l’agrotourismeلكن هذا النشاط يبقى محدودا جدا في مجال الد ارسة لضعف نطاق الشجرة وجدّته وضعف الاندماج في المسالك السياحية الوطنية رغم مجاورة السياحة الغابية )عين د ارهم، الفايجة( وسياحة الآثار )بلاريجا، شمتو(. لكن التسويق المباشر هذا يحمل آفاقا واسعة للمستقبل باعتبار الثروة المشهدية التي ت ارفق المنتوج ذاته وباعتبار ت ازيد اقبال السياحة الداخلية )سياحة عائلية تقريبا( على المجالات المحلية. ولهذا فمسلك القرب هذا يثمّن المشاهد والمنتوج على عين المكان وان كان لا يعبّر عن عرض فعلي ينافس انماط التسويق التقليدية فهو يدخل في باب الكامنات وهامش الربح )التنمية( الذي ينتظر التثمين. تدخل ضمن مسالك القرب ايضا، كل الهبات والاجور او الحقوق العينية التي تمنح داخل العائلة الموسعة لإعادة انتاج منظومة المستغلة العائلية ورصيدها الرمز ي.

هذا النوع من "التسويق" لا يقتصر على الفلاحة العائلية بل هو متواتر ايضا في الضيعات الدولية او شركات الاحياء الخاصة.

مسالك التعديل والتخزين:

يواجه توزيع المنتوج على مدار السنة تفاوتا حادا على مستوى الت زويد يلقي بظلاله على الاستهلاك وعلى المداخيل، ففت ارت الوفرة ال ازئدة عن حاجة السوق يقابلها في مواسم اخرى ندرة ظرفية وأحيانا هيكلية. ولذا تتدخل الدولة عبر بعض هياكل التعديل التابعة لها لجمع المنتوج وتخزينه واعادة توزيعه بين المواسم، يوفّر هذا الدور التعديلي فرصة لمنع تكدس الانتاج وانهيار الاسعار والعودة الدورية لندرة بعض المواد الاستهلاكية. من هذه الهياكل المجامع المهنية للخضر والفواكه على سبيل المثال او مجامع الحبوب. هذا الدور التعديلي للدولة بدا يترك مكانه تدريجيا لصالح القطاع الخاص، حيث بدأت تنتشر مخازن التبريد الخاصة في كل من بوسالم وجندوبة وغار الدماء.

جدول عدد23: مخازن التبريد بسهل جندوبة في 2013

المصدر وكالة النهوض بالصناعة و التجديد بجندوبة

222

صورة عدد27: طوابير طويلة امام المجمع المهني للخضروات ببوسالم لتخزين البطاطا )علوي س.(

صورة عدد 28: اتلاف كميات من الحليب في بوسالم احتجاجا على نظام الكوتا التي يفرضها معمل لينو على المجمعين ومنتجي الحليب في فترة ذروة الإلبان.

وتشكو بعض القطاعات ضغطا أكثر من غيرها خاصة في قطاع الخضروات والالبان. من المهم الاشارة الى ما أصبح يعرف بفوائض الانتاج في إقليم الد ارسة خاصة في مسلك الطماطم والالبان. فعجز م اركز التحويل عن استيعاب كامل المنتوج وشدة المنافسة بين المنتجين وتوزعهم على كامل الت ارب الوطني تقريبا يقابله ضعف القدرة التعديلية للخزن والتبريد او تعليب المنتوجات نصف الجاهزة .وأصبح من المألوف رؤية مشهد إتلاف كميات هامة من المنتوج بإلقاء الألبان في وادي مجردة في ذروة فترة الإلبان القصو ى )أفريل-ماي(. ويعرف قطاع الطماطم) %8 من الانتاج الوطني( صعوبات شبيهة.

223

ه- مسالك التحويل:

شهد الاقليم محاولات عديدة لتركيز صناعة غذائية عبر استثما ارت خاصة او دَولية فكان بعث المركب التونسي للسكر ببنبشير ويتضمن معمل للسكر بطاقة تحويل بـ 300 ألف طن ومعمل لإنتاج الخمير بطاقة 2000طن سنويا، ثم مصنع ألبان الشمال الغربي بالروماني شرقي بوسالم في منتصف الثمانينات، هذا اضافة الى عديد المصانع الخاصة الاخرى ومنها ما كان مصيرها الغلق مثل مصنع الطماطم "عسيلة" ببوسالم او مصنع اليوغرط "أصيل" ببلاريجيا او مصنع "فاغا" للحليب شرقي بوسالم .

ولم يكن مصنع لينو للحليب او جينور للسكر والخميرة بأحسن حال رغم ضخامة الاستثمار فلقد تعرض كلاههما للغلق م ار ار عديدة وانتقلت ملكيتهما ايضا م ار ار عديدة. لقد كان لبعث مصنع الحليب أثر ايجابي عموما بربط المجال الزارعي المحلي بالمسالك الغذائية الصناعية وادماج الاقليم في شبكة تسويقية اوسع عبر التحويل. لكن تبقى حلقة التحويل ضعيفة مقارنة بكميات الانتاج الهامة للإقليم. وتفتقر الى الاندماج والتجذر الت اربي. تبلغ طاقة التحويل اليومية لمركزية البان الشمال )لينو( 450الف لتر يوميا وبلغ الإنتاج 105200 طن )95.9 م لتر( في2013 في حين بلغ انتاج ولاية جندوبة في نفس الفترة 136 ألف طن وانتاج كامل إقليم الشمال الغربي 305.8 ألف طن وهذا ما يعني ان مستوى التحويل لدى مصنع الالبان الوحيد في الإقليم هو دون مستوى الإنتاج العام للحليب بكثير. تؤمن م اركز التجميع وعددها 22 نسبة 87 % من حجم الكمية المجمّعة في 2015)97.9 ألف لتر( وتقدر مساهمة مؤسسات القطاع المنظم بـ 13% )14.3 ألف لتر(. وتقدر نسبة الكمية المصنعة الى الكمية المجمعة بـ 89.6 % سنة 2015 والنسبة الباقية موزعة بين المسالك الموازية وتقدر الكمية المرفوضة في التصنيع ما بين 3 الى 5 % وتتعلق أسباب الرفض بدرجة الحموضة والكثافة واضافة الماء او الكحول او المضادات الحيوية .

من جهته يعبر مسلك الطماطم بجندوبة عن أهمية التحويل في ترويج المنتوج. حيث يحتل التحويل نسبة 78% من حيث وجهة الترويج تليه السوق بنسبة 20% ولا تمثل باقي انماط الترويج بما فيها الاستهلاك الذاتي سوى 2%. لا تملك جندوبة وحدة صناعية لتحويل الطماطم بعد غلق مصنع عسيلة والانتاج يجتذبه مصنع "سيكام" بمجاز الباب او مصنع "عبيدة" بالكاف. لكن الاستقطاب الاكبر هو للأول ويرتبط به الم ازرعون عبر عقود انتاج تمنح للمنتجين دعما ماليا على سبيل الدين يستخلص عند جمع المنتوج. يشكو المنتجون من ارتفاع الكلفة وطول الانتظار لتصريف المنتوج

224

واستخلاص الثمن امام الوضعية الاحتكارية للمصنع وصعوبة النفاذ الى م اركز تحويل أخرى. كما وان المنافسة بين منتجين محليين من مجاز الباب وباجة من جهة والمنتجين من جندوبة من جهة اخرى تتحول في بعض الاحيان الى ن ازعات جهوية تعبر عن نفسها في المضايقات امام المصنع واجبار البعض على مغادرة صف الانتظار نحو الخلف وهو ما أمكن لنا معاينته ميدانيا.

المصدر: وزارة الفلاحة، نتائج الاستقصاء الخاص بتقدير انتاج الطماطم الفصلية عن طريق القيس الموضوعي. موسم 2013/2014 ديسمبر 2014 ص13.

رسم عدد25: توزيع انتاج الطماطم الفصلية حسب وجهة الترويج بجندوبة موسم 2014

تعبر مشاكل فوائض الانتاج الموسمية وصعوبات تصريف المنتوج عبر السوق او عبر التحويل عن ضعف اندماج او تجذر تاربي لحلقة التحويل وصعوبة تشكّل مقتصادت تجمّع جاذبة.

ومن الحلول المعتمدة لتلافي مشكل فوائض الإنتاج الظرفية الاتجاه نحو تجفيف الالبان وتشجيع التصدير، لكن المؤسسة الوحيدة المعنية بالتجفيف والواقعة بالمرناقية من ولاية منوبة التي انطلق نشاطها في سنة 2000 ليتوقف في 2008 بسبب مشكل انتظام التزود وضعف اندماج شبكات التعديل والتجميع فضلا عن مشكل المنحة الخصوصية التعديلية وتأخر صرفها. من جهته يلاقي التصدير رغم وجود فرص فعلية خاصة في الجوار المغاربي مصاعب عدم الانتظام حيث يمنع التصدير خارج فترة ذروة الإنتاج اللبني لحماية السوق الداخلية من أي ندرة في مادة الحليب كمادة أساسية وهو ما يفرض صعوبة انتظام هيكلية للشبكة.

ان المجال الت اربي الذي ينفرد بإمكانات طبيعية تميزه عن غيره كوفرة الاعلاف الخض ارء المطلوبة في انتاج الحليب مثلا او خصوبة التربة يخسر تثمينا جغ ارفيا لمنتوجاته ويخسر قيمة مضافة

225

يمكن ان توفرها العلامة التجارية المجالية المثبتة للأصل والانتساب لمجال ت اربي معين. تجدر الإشارة الى ان اهم شركتي إحياء منتجتين للألبان تصرفان منتوجها لا نحو مصنع لينو القريب وانما نحو مجمع دليس بسليمان ومصنع فيتالي بالمهدية وتستخدم هذه الالبان ذات الجودة العالية لتعديل مستوى الجودة في هذه المصانع خاصة في صناعة الي وغرت. ثمّ ان ظاهرة غلق المصانع وانتقال ملكيتها خارج الاقليم تنتهي بخسارة العلامة التجارية الحاملة لقيمة تنافسية ت اربية ولمقتصدات خارجية مؤكدة (perte du label) وهذا يحد من إمكانات الرهان على تشكّل "منظومات انتاج فلاحية محلوية "

(SYAL) اين يمكن أن يمتد نسيج من المؤسسات التي يجمع بينها القرب والعلاقات الافقية والتجذر الت اربي. بين الاتجاه نحو التخصص والانفتاح وهي شروط تشكل حوض الإنتاج وبين التثمين الأقصى للمنتوج واستخلاص القيمة المضافة عبر التحويل داخل المجال التاربي يكمن هنا رهان تاربي كبير. رهان يتجاوز البعد القطاعي للإنتاج الفلاحي او بنية المسلك الفلاحي الغذائي ليطال التنافسية الت اربية للإقليم والمجال الت اربي ضمن افق تنمية محلية او تنمية ت اربية تثمن الموارد الخصوصية وتحسن وظيفة الجذب الت اربي للاستثمار وتحسن شروط التفاوض ضمن شبكات التحويل والتسويق.

و- مسالك اسواق الجملة الوطنية:

أمام ضيق السوق المحلي والاقليمي واتجاه المجال الوطني الى سوحلة عميقة وتدعيم حوضرة متسارعة يفتح الرهان على الاسواق الوطنية الكبرى وخاصة اسواق الجملة آفاقا كبيرة لتصريف المنتوج والاستفادة من مقتصدات الحجم التي توفرها هذه الاسواق بما توفره من ارباح ارفع مما تتيحه الاسواق المحلية والاقليمية وقدرتها على امتصاص كميات هامة من المنتوج. تعتبر هذه المسالك من المسالك الطويلة التي تتمتع بمقتصدات حجم كبيرة وهي مفتوحة على شبكة واسعة من المتدخلين والوسطاء.

فإلى جانب اتجاه الفلاحين من سهل جندوبة الى نقل منتجاتهم بإمكاناتهم الذاتية او عبر الك ارء بدا المجال ينفتح أكثر على ناقلين وتجار من أقاليم عديدة خاصة من الساحل التونسي والقيروان يستفيدون من ميل بعض المستغلات الى البيع المباشر في الحقل )الخضارة( ومن امتلاك الشاحنات ومعرفتهم الدقيقة بأسواق الجملة) بئر القصعة ببن عروس والوردانين بالمنستير( وامكانات الربح في الاس واق الحضرية الوازنة ديمغ ارفيا واستهلاكيا )القرب من المناطق السياحية وارتفاع مستوى الانفاق(.

صورة عدد 30: الطريق الوطنية عدد 6 مسلك مهم للخضروات نحو سوق الجملة ببئر القصعة بتونس )علوي س. 2016(

ي -مسالك التصدير:

يعتبر التوجه نحو التصدير المباشر كليا او جزئيا في اقليم الد ارسة محدودا ويمر عبر مسالك اخرى. ولا نجد من بين المؤسسات الصناعية الغذائية المصدرة كليا او جزئيا سوى ثلاث مؤسسات هي مؤسسة لينو سالفة الذكر ومؤسسة لتصدير الخمور وهي الشركة التونسية السويسرية للخمور المتوطنة بجنوب بوسالم )حجم استثمار بـ 1700 الف دينار( وشركة زويتة أصيلة ببلطة بوعوان

227

وهي عبارة عن معصرة زيت مصدرة جزئيا)حجم استثمار بـ 2000 الف دينار(. يتوقف نمو هذا القطاع على البيئة الاستثمارية عامة والتي تكشف عزوف القطاع الخاص عن المغامرة بالاستثما ارت الضخمة رغم الحوافز الجبائية الممنوحة للانتصابات الجديدة والتوطن الصناعي في الاقاليم الداخلية .

ويعبر انتشار الصناعة في مجاز الباب او زغوان عن سلوك استثماري يحاول الجمع بين الاقت ارب أكثر ما يمكن من الاسواق الحضرية الساحلية ومنها الى الاسواق الخارجية ثم الانتفاع في نفس الوقت من الحوافز والاعفاءات الضريبية الممنوحة للمناطق الداخلية. في هذا الإطار لا ت ازل التنافسية الت اربية لسهل جندوبة ضعيفة لكنها تحمل كامنات للمستقبل خاصة بعد استكمال اشغال الطريق السريعة ال اربطة بين تونس وبوسالم في مرحلة أولى ثم ربطها بالحدود الج ازئرية في قسط ثالث وتحسّن تمثل آداء البنية الاساسية وتجهيز المناطق الصناعية الموجودة بما يلائم الانتصاب الصناعي من خطوط كهرباء عالية الضغط وخطوط اتصالية وصرف صحي وهي بعض ما يلاحظ من ع ارقيل الانتصاب في هذه المناطق الصناعة. لا ت ازل نسبة استعمال هذه المجالات الصناعية المهيأة دون 75% في ولاية جندوبة في 2011.

خاتمة فصل

يكشف تنوع مسالك التسويق للمنتجات الفلاحية بسهل جندوبة عن دينامية نشطة وانفتاح على المجال العام عززه الري ويكشف التنوع عن خصوصيات المسالك الغذائية الصناعية والتي تختط مسا ارت متباينة ارتباطا بجغ ارفية التزود والتحويل والاستهلاك. ويترجم التنوع في مسا ارت التسويق تنوعا في النظام الزارعي يتلافى مخاطر السوق ويستند الى أنظمة تعديلية متباينة وهذا الوضع وان كان يمكن من تلافي المخاطر المرتبطة بالمناخ او السوق فانه يحد من توجه المجال الت اربي نحو نوع من التخصص وهو الشرط الضروري لقيام وتدعم أحواض الإنتاج . ويحتضن سهل جندوبة مجموعة من أحواض الإنتاج في طور التوسع والتشكل في نشاط الالبان والخضروات والزيوت والحبوب تشكل مع بعضها إقليما فلاحيا كواحد من أهم الأقاليم الفلاحية بالبلاد التونسية التي تشهد اتساعا وتنوّعا انتاجيا وهو لم يعرف بعد وطأة التوسّع العم ارني التي تعرفها احواض الانتاج التقليدية كساحل بنزرت والوطن القبلي او ظهير تونس او ساحل سوسة والمنستير. ويكشف مسار التكثيف عن إمكانات هائلة لزيادة الانتاج لات ازل قائمة. وتبقى ع ارقيل التكثيف مركّبة ومتداخلة منها ماله علاقة بالتصرّف في المورد المائي وما له علاقة بالمستغلات الزارعية وبضعف مسالك تصريف المنتوج وتحويله والبنية الاساسية وضيق السوق المحلي والاقليمي وشدة المنافسة الت اربية مع احواض انتاج اخرى قريبة من الاسواق الوازنة ومواقع التحويل والتصدير.

في ظل انسحاب تدريجي للدولة يتوقف نمو حوض الانتاج على قدرة المستغلات الزارعية على تجاوز مصاعب الانتاج والاك ارهات الذاتية والموضوعية والتوجه الحثيث نحو التخصص والانفتاح. كما يتوقف على حفز دينامية ت اربية تثمّن التنافسية الت اربية وتدمج المستغلات الصغرى العائلية في مسار تحديث تجد فيه مكانها وتفتح على تجذّر ت اربي للمستغلات الكبرى يتيح تحرير الطاقات الانتاجية وتعزز العلاقات الافقية للمؤسسة مع محيطها الت اربي. كما يتوقف نمو حوض الانتاج على تنمية مسا ارت التحويل والتسويق بما يعيد تعريف المسافة والنفاذية بشكل ايجابي وبما يدفع الاستثمار والتطوير والاندماج الاقليمي.

230

الفصل الثاني: إدارة الريّ ونجاعة الشبكة وحدود الاستثمار فيه

لم يعد الفلاح هو الحلقة الرئيسية في المنظومة المائية الزارعية الجديدة وانما أصبح حلقة من بين حلقات عدة داخل شبكة الفاعلين المعنيين وداخل مسالك فلاحية غذائية متباينة ومتقاطعة. فهو لا يتحكم بالمورد المائي إلا ضمن نمط حوكمة هذا المورد والدور الموكول له مسبقا، وهو لا يتحكم في مسالك التزود بالمدخلات ولا بمسالك التصريف والتحويل عند السافلة ولكنه يملك هامشا كبي ار للحرية والمناورة ويمتلك بدرجات متفاوتة آليات تعديل إجتماعية واقتصادية حيال مخاطر السوق والمناخ وي اروح بين تلبية حاجات الانتاج وحاجات الاستهلاك . وبما ان آليات التعديل هذه متفا وتة من مستغلة الى أخر ى فان المجال الزارعي محكوم بتطوّر متغاير حسب القطاعات والمستغلات.

يتوقف نجاح التكثيف الزارعي في المناطق المروية على نجاعة كافية للشبكة بما يتيح التحكم الكامل في المورد المائي وتثمي ار اقتصاديا للأ ارضي المروية عبر التكثيف والاستثمار. هذه ال رهانات المختلفة تعقد من نمط إدارة المجال المرو ي لكونها تفتح على تعدد الفاعلين ذوي موازين قوة مختلفة .

ويتجاوز نمط إدارة المجال المروي بعده التقني المباشر ليشمل أبعاد عدة اجتماعية واقتصادية وسياسية.

1- من المركزية المفرطة الى التشاركية المترددة

تمت برمجة المناطق السقوية لسهل جندوبة في الستينات من القرن العشرين واستغرق الإنجاز فترة طويلة تواصلت الى حدود بداية الالفية وتولت الدولة عبر مختلف الهياكل المعنية الإنجاز والاشارف المباشر. ولقد بررت ضخامة الاستثما ارت وتعقيد المكونات التقنية والمالية والقانونية وحداثة عهد الفلاحين بالري العصري برر كل ذلك نمطا من الإدارة المركزية "المفرطة" اضطرت الدولة لاحقا الى م ارجعتها امام ت اركم الاختلالات الوظيفية ونقص النجاعة وتحول عام في نمط تدخل الدولة الإنتاجي.

231

عهد في البداية الى ديوان إحياء المناطق السقوية العمومية بجندوبة (OMVPIJ) بتسيير شؤون المناطق السقوية العمومية من حيث سحب المياه للري والفوترة وصيانة التجهي ازت والمسالك الفلاحية والحرص على تطبيق التداول الزارعي المعتمد في كل منطقة سقوية. تتمتع هذه الدواوين بالاستقلالية الإدارية والمالية وهو ما أعطاها هامشا كبي ار من الحرية والحركة وتقديم المساعدات العينية المباشرة للفلاحين. في سنة 1989 وقع حل هذا الصنف من الدواوين وأصبحت اد ارة المناطق السقوية مسؤولية مباشرة للمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة. وان أتاحت إحالة التصرف في المناطق السقوية الى الهيكل الجديد تخففا من المركزية المفرطة السابقة فان اختلاف نمط الإدارة المالية الذي يمر عبر م ارقب مصاريف ونظام مختلف للصفقات العمومية انعكس ببطء الإج ارءات وصعوبات مختلفة للصيانة والم ارقبة والتدخل الميداني. ولئن تم حل الديوان فان الهياكل الادارية الوسطى والقاعدية المعنية مباشرة بالمناطق السقوية قد حافظت على نوع من الاستقلالية النسبية داخل المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية ولم يكن الانتقال سلسلا بما يكفي ولم يخل من تنازع الصلاحيات. )التقرير السنوي للديوان(…

في الواقع لا يمكن عزل هذا التحول في نمط ادا رة المجال المروي محليا واقليميا عن تحول عام يسجل على الصعيد العالمي والوطني ويهم التحول من نمط "إدارة العرض الى إدارة الطلب ."" ارجع" الفاعلون القدامى أدوارهم وظهر إلى السطح فاعلون جدد استثمروا اخفاقات وصعوبات "إدارة العرض" وأغلبهم من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. ونفضت الد ارسات الاجتماعية والمطلبية السياسية والنقابية الغبار عن الدور الحقيقي والثابت للمعنيين القاعدين )الفلاحون…( فظهر توجه جديد خاصة منذ تسعينات القرن الفارط يقوم على" إدارة الطلب المائي" واتخذ هذا التوجّه المناحي التالية: اولا، الاق ارر بحقيقة نهاية الاستثما ارت الضخمة والعودة إلى المشاريع المائية الصغيرة واعادة أحياء الت ارث المائي محليّا. ثانيا، الاقتصاد في الماء من اجل مردودية اقتصادية وبيئية أفضل وتعويض تقنيات الاستعمال القديمة بتقنيات جديدة مقتصدة للمياه. يقف وارء هذا الشعار سوق ضخم للتكنولوجيات الحديثة أعاد"إحلال" "المهندسين" في الإدارة الجديدة للمياه وفتح على تبعية تكنولوجية من نوع جديد وصاحبه إعادة توزيع قطاعي للمياه. لكن النجاعة الأكيدة على مستوى النتائج وبغض النظر عن هذه الاعتبا ارت جعلت من اقتصاد الماء العنوان الأبرز والمحوري لأغلب السياسات المائية الحالية. ولكن ليحقق شعار اقتصاد الماء دوار فعليا للانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب على الفاعلين أن يمروا بمسار تدريجي لا يحمل نتائج عاجلة وايجابية مؤكدة وانما تظهر النتائج بعد استكمال المسار .جوهر هذه الم ارجعة وشعارها الم ردودية الاقتصادية المباشرة. يطلب من الفلاحين التركيز على الزارعات ذات القيمة المضافة العالية مع ما يعنيه ذلك من تحويل للنظم الإنتاجية وتطور متغاير للمستغلات والمجالات الزارعية ومع ما يمكن أن يقود ذلك إلى تهميش لبعض الش ارئح الاجتماعية التي تجد صع وبة في التكيف مع متطلبات السوق ونمط الإدارة الجديد للمياه، إما بعجزها عن التجهيز أو بعجزها عن مواكبة التسعيرة الجديدة للمياه. تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد في الماء يعتمد بدرجة موازية للتقنية المقتصدة للماء على الرفع التدريجي في تسعيرة المياه وخدماتها المفوترة معها كأداة تعديل اقتصادية تجبر المستعملين على عدم تبذير المورد واختيار استعمالات قادرة على تغطية الكلفة الماضية وحتى المستقبلية للتجهيز المائي.

تقدم المقاربة التش ـاركية كأبرز مقومات إدارة الطلب المائي. وأص بحت الإدارة المركزية التي هيمنت على إدارة العرض منتقدة من الجميع وأص بحت هذه المقاربة ش رطا لمواص لة تمويل المشاريع المائية الزارعية من قبل مؤسسات التمويل العالمية وربما وجدت فيها بعض الدول النامية ذات المركزية المفرطة في الق ارر"فرص ة" إلى ما يس ميه س وادوغوRoago Antoine Swadogo "ص يد المعونة الخارجية "، يقول في كتابه حول تحدي اللامركزية الذي تواجهه الدولة الإفريقية:

"يمثل الس كان الحجة المثالية لص يد المعونة ويسـ تخدمون كأصـ ل تجاري للنخب الحاكمة في تنفيذ ب ارمجها." هناك اتفاق من حيث المبدأ على تجاوز الإدارة المركزية المفرطة للمياه من قبل جل الفاعلين، ل كن لا المنطلقات ولا تصـوارت الأدوار أو الصـيغ العملية مشـتركة أو متقاربة. فتشـريك الفاعلين من خارج الدولة في إدارة المياه هو تش ريك لهم في تحمل الكلفة وتحمل أعباء التس يير أيضا. ويتخذ هذا التشريك صيغا عديدة منها: المناولة الساندة والش اركة والخصخصة. يتوقف نجاح المسار التشاركي في إدارة المياه على مسار مؤسساته، مسار يرتبط حسب كالفو ماندياتا بم دى "امتداد وانسجام أنظومات المؤسسات والأخذ بعين الاعتبار لكل مستعملي المورد المائي وأصحاب الملكية وتحديد الفئة المستهدفة داخل أي مشروع مائي". ويبدو أن النجاح الحقيقي للمسار التشاركي مرتبط إلى حد كبير بتفعيل المؤس س ات وفي قدرتها التمثيلية وتعبيرها عن المص الح الحيوية لمنخر طيها أو باعثيها بما يتوافق مع مصـ الح مختلف الفاعلين والاّ تحوّلت إلى مدخل لزبونية سـ ياسـ ية politique recuperation تس تعيد الرقابة والولاء الس ياس ي لدى من لم تفلح الإدارة المركزية السابقة في استيعابه. ويبدو أن الصيغة الجمعياتية لمؤسسات المشاركة المائية هي الوضعية الأكثر تداولا و معايرة وهذه الجمعيات المائية لا تلاقي نفس حظوظ النجاح من مجال ت اربي إلى آخر وأغلبها يش تغل كمؤس س ات ش به رس مية relais administratifs دو ن تمثيلية فعلية لمنظوريها. ربما كانت المقاربة التش اركية فرص ـة في دمقرطة الإدارة المائية لكن تحديات الإطار التي تتحرك فيه وطنيا ودوليا تحد ولا شك من تفعيلها وأدائها. وميدانيا يبقى الرهان الت اربي في تملك الفلاح للمورد المائي بش ـكل ناجع ومس ـتدام هو المحك الحقيقي أكثر من الرهانات القطاعية والمقاربات التي تجزئ المشكل المائي.

مقارنة بباقي أقاليم البلاد التونسـ ية جات إحالة التصـ رّف في المناطق السـ قوية الى جمعيات مائية ومجامع تنمية متأخرة جدّا في س ـهل جندوبة وش ابها كثير من التردد والتدرج في الإنجاز. ولا يعود الامر الى غياب كلي لتقاليد محلية لهذا الصـنف من المؤس س ات التمثيلية ،فالثابت ان مزدرع الري في دجبة مثلا كانت تديره في بداية القرن العشـرين جمعية مائية. هذا التردد في الحاق المجال المروي بسهل جندوبة بالمسار الوطني للمقاربة التشاركية في إدارة المجالات المروية يتخذ في الواقع ابعادا اس ت ارتيجية ت اربية تكش ـف حرص الدولة على الاحتفاظ بدورها التعديلي فيما يخص برمجة التداول الزارعي المتوافق مع السياسة الفلاحية الرسمية والاحتفاظ بالرقابة على مجال حوله التجهيز المائي كليا وفق تص ور رس مي للتحديث والتهيئة. وربما كانت محدودية النتائج لهذه المقاربة التش اركية في باقي الأقاليم مثل س هل القير وان او الوطن القبلي مثلا هي ما أملى نوعا من التريث في تعميم التجربة، ولكن هذه الخيا ارت الت اربية الاس ت ارتيجية لم تكن متوافقة مع المعطيات الميدانية من حيث ض عف نجاعة الش بكة وص عوبة إل ازم الفلاحين بتداول زارعي معين وت اركم المديونية وضعف استخلاص الكلفة.

انطلقت إحالة التص رف الى الجمعيات المائية بس هل جندوبة مع القس ط الثالث من مش روع بوهرتمة )منطقة الجريف الس عادة( بداية من 2003 وهي منطقة س قوية جديدة بالكامل وتم فيها تطبيق تسـ عيرة مياه مزدوجة واعتماد الفوترة التقديرية مسـ بقة الدفع. ونظ ار لت اركم الصـ عوبات في المناطق الس قوية السـابقة وللتخوف من فش ل إحالة التس يير الى هذه الجمعيات فقد أعتمدت د ارسة جدوى انجزها مكتب د ارسـ ات وطني تم على إثرها تعميم هذا النمط الجديد من التس يير على غالبية المناطق السقوية باستثناء غا ارلدماء ووادي مليز) 5200هك( وطبرقة-ماكنة) 2500هك( والتي لا ت ازل تحت اش ارف مباش ر للمندوبية .ويكش ف الجدول التالي توزيع المجال المروي الخاضـ ع الى تسـيير مجامع الر ي ومن خلاله نتبين الانتقال من تقسيم مجالي maillage تقني الى تقسيم مجالي ت اربي يحاكي التقسـ يمات الت اربية القاعدية دون ان يتطابق معها تماما، فحدود مجال إدارة المجمع المائي لا تطابق حدود العمادة ولا تتجاوز الص لاحيات الاش ارف الحقلي على توزيع المياه واسـ تخلاص معاليم الري. مع ذلك ورغم التذرية الظاهرية للتسـ يير باعتبار العدد الكبير للمجامع )مجمعين او أكثر في العمادة الواحدة( يصل الى 49 مجمع ري ضمن مساحات محدودة فان هذا التحول – رغم ان المسار لا ي ازل في بدايته- ربما عبر عن تجذر ت اربي جديد لمشـروع الري والتقاء تاريخي جديد للسكان مع المورد المائي.

235

جدول عدد.. : المناطق السقوية تحت تصرف مجامع التنمية

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة. التقرير السنوي لنشاط دائرة استغلال المناطق السقوية بجندوبة جانفي 2014

236

2-الري ونجاعة الشبكة في المناطق السقوية لسهل جندوبة

تبقى نسبة الاستعمال ونسبة التكثيف بالمجال المروي بسهل جندوبة دون المرجو والمبرمج مما لا يتناسب وحجم الرهان الاست ارتيجي على الري ك ارفعة تنمية بالإقليم. ويمثل ذلك علامة اختلال داخل الشبكة والمنظمومة المائية عامّة كما يكشف عن مستوى استجابة "ضعيفة" للفلاحين للري واك ارهاتها. تواجه المناطق السقوية بسهل جندوبة مشكلا مزمنا لضعف نجاعة الشبكة المائية والتي تقاس بنسبة المياه المفوترة الى حجم المياه المسحوبة او الموزعة، وهي نسبة دون الحجم "المطلوب "أي 80% كعتبة "المقبولة" تقنيا واداريا باعتبار تعطل العدادات وحالات الانسداد والتسرب وغي رها .

تقدر النجاعة الشبكة بحوالي 41% في 2012 و2013، ويكشف التطوّر تذبذبا سنويا لهذه النسبة لكن الاتجاه العام هو نحو مزيد من التدهور. وربما كانت الفترة المعنية في الجدول استثنائية اجتماعيا وسياسيا لت ازمنها مع فترة "الثورة" وما يصحبها من "انفلات عام" وكذلك مع فيضانات استثنائية )فيفري 2012(، لكن بالرجوع الى معدلات سنوات سابقة لهذه الفترة يبدو ان الامر يتخذ طابعا هيكليا حيث تت اروح النسبة بين 40و 60% في 2005.

صورة عدد31: من الري بالرش الى الري الموضعي في سوق السبت )علوي س. 2013(

اجدول عدد25: نجاعة شبكة الري في المناطق السقوية بسهل جندوبة )2010-2013(

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، التقرير السنو ي لنشاط دائرة استغلال المناطق السقوية بجندوبة .

237

من المهم الاشارة الى التباين الواضح في مستوى نجاعة الشبكة بين المناطق السقوية حسب ما تسمح به المقارنة بين وضعية 2005 و2013 وتؤكده المعاينة الميدانية تنتمي هذه المناطق السقوية الى أجيال مختلفة بعضها بدأت تت اركم فيه اللامقتصدات من تقادم التجهي ازت وانسداد العدادات وغلق نسبة هامة من نقاط توزيع المياه بسبب ت اركم المديونية فضلا عن المشاكل العقارية المختلفة .

وتعتبر المناطق السقوية لغا ارلدماء ووادي مليز الاضعف من حيث نجاعة الشبكة) 48% سنة 2005 و25% سنة 2013( وترجع مصالح المندوبية تدني النسبة على هذا النحو في المنطقة السقوية لغا ارلدماء بعملية الصيانة للعدادات للقنوات.

جدول عدد24: تطوّر نجاعة شبكة الريّ حسب المناطق السقوية بين 2005 و2013

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، التقرير السنو ي لنشاط دائرة إستغلال المناطق السقوية بجندوبة 2005 و2013.

بالمقابل تنفرد المنطقة السقوية سيدي علي جبيني بنجاعة شبكة في حدود 75%. ترجع المصالح المعنية ضعف نسبة نجاعة الشبكة حسب تقرير دائرة المناطق السقوية لسنة 2013 الى الاسباب التالية: اولا، "تخلي المجامع عن مهامهم الرقابية والمتابعة الميدانية والمساهمة الفعالة في صيانة الشبكة واستغلالها والاقتصاد في مياه الري" ثانيا، "تعطيل العدادات المائية بطرق غير شرعية" وثالثا، "الاستعمال المفرط لمعدات الري والاستعمال العشوائي لتجهي ازت الشبكة المائية من طرف المشتركين". هذا التوصيف الاداري لمشكل نجاعة الشبكة يخفي في الواقع وضعية أعقد لاختلالات اشتغال منظومة الري. فإحالة التصرف في المناطق السقوية من الادارة المركزية عبر مصالح المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية الى المجامع المائية جاءت متأخرة مقارنة بباقي المجال المروي الوطني وهو ما اركم تقاليد تصرف سلبية يصعب تجاوزها. ويكشف التوصيف اعلاه عن غموض مهام هذه المجامع

238

المائية التي اريد لها ان تكون حلقة وسيطة بين الادارة والسّقاة ولم تكن احالة التصرف في الأغلب سوى تصدير لمصاعب نمط الادارة المركزية السابقة. اما بعد الثورة فضعف الرقابة على نقاط الري تغذيه عوامل عدّة منها تأثي ارت القرب الاجتماعي والتواطؤ الاداري وحالة من الانفلات الامني.

بغض النظر عن هذه العوامل الظرفية، فالر يّ بالإقليم يندرج في سياق بيومناخي شبه رطب الى شبه جاف وهو ما يجعل تعاطي زارعة سنوية مطرية تقليدا وام ار واردا الى جانب الزارعات المروية او بديلا عنها إذا ما تعذر الري لسبب أو لآخر. الى جانب هذا يطوّر الفلاحون است ارتيجيات تعديلية امام السياسة السعرية للمياه والتي تتجه نحو خفض الدعم وتغطية الكلفة، وامام تنامي ارتفاع كلفة عوامل الانتاج من مدخلات ويد عاملة يلجا السقاة الى تعطيل العدادات وهو سلوك شائع جدا خاصة في المناطق السقوية ذات مقاسم الري الصغرى اين ينتشر الري المشترك. حيال هذا، تلجا الرقابة إما الى غلق العدادات وتحرير محاضر في الغرض او اعتماد الاحتساب التقديري للمساحات المبذورة وحاجتها التقديرية من المياه. عند حالات غلق نقاط المياه يكون سداد الديون او قسما منها شرطا لاستئناف الانتاج. وفي حال توالي سنوات او مواسم ممطرة وتعذر الاتفاق بين المشتركين في نقاط المياه تت اركم المديونية ويتواصل غلق العداد الى حين رفعه في حالات كثيرة. وهي حلقة مفرغة تعاني منها أغلب المناطق السقوية العمومية. ولا يبدو ان ضعف الاستخلاص لمعاليم الري خاص بشريحة معينة من المستغلين فهو يبدو عاما كما يكشف عن ذلك الجدول التالي:

جدول عدد27: توزيع نسبة ديون الري حسب المستغلين سنة 2012

المصدر: المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، التقرير السنو ي لنشاط دائرة إستغلال المناطق السقوية بجندوبة 2012، جانفي 2013.

يتضح من خلال الجدول أعلاه أن مجامع الري ت اركم نصف حجم المديونية لمياه الري بنسبة

56 % تليها شريحة القطاع الخاص من الفلاحين غير المنضوين تحت المجامع بنسبة 38% ثم

239

تأتي شركات الاحياء بنسبة 7 % لكن في هذا التوزيع ما يدعو الى التنسيب بالنظر الى حجم المساحة المروية )26الف هك تحت تصرف المجامع و 7700 هك خارج نطاق تصرفها وقرابة 4000 هك

لدى شركات الاحياء والأراضي الدولية في 2013 لكامل الولاية( وهذا يعني ورغم تدني نسبة

الاستخلاص وارتفاع حجم المديونية لدى المجامع أن الصيغة التشاركية ربما كانت أنجع من حيث مستوى استخلاص معاليم الري مقارنة بالصيغة السابقة .في بداية تركيزها، إعتمدت المجامع المائية في المنطقة السقوية بوهرتمة 3 )الجريف السعادة( على توزيع للمياه تقدير ي مسبق الدفع وقد مكن ذلك من نتائج أعتبرت جيدة في مجال سداد معاليم الري، لكن تعميم إحالة التسيير إلى المجامع على باقي المناطق السقوية لم يلق نفس النجاح حيث انخفضت نسبة استخلاص المديونية للمجامع في كل المناطق السقوية الى 5% سنة 2013 حسب التقرير السنوي لدائرة استغلال المناطق السقوية 2014(.

هل هناك علاقة بين ضعف استعمال نقاط الريّ وتغطية المديونية؟ قمنا بمعالجة بيانية احصائية لمتغيرتي نسبة استعمال نقاط الري ونسبة تغطية المديونية لمختلف المناطق السقوية العمومية بجندوبة لسنة 2005 حسب ما توفّر من احصائيات. تبيّن ان هذه العلاقة غير ثابتة ولا تتخذ اي منحى واضح طردي او عكسي. ربما كان عامل المديونية واحدا من بين العوامل المحددة لإستعمال الماء لكنه ليس الوحيد وهذا يعني تعدد اسباب ضعف الاقبال على الري من ناحية ومن ناحية ثانية تتأكد ضرورة م ارجعة جذرية للتصرف في موارد ال ري يما يجنب هدر الموارد ويمنح الفلاحين فرصا أفضل لإعادة انتاج مستغلاتهم المروية ويحفظ التوازنات البيئية.

تتوقف نجاعة الشبكة إذن على اعتبا ارت تقنية وغير تقنية. ولا شك ان هناك مشكل صيانة امام تقادم أعمار التجهي ازت واهمية التسرب في القنوات مما يمثل هد ار للنجاعة ويضر بتوازنات تربة بكر تشكو اصلا من صعوبات صرف وظواهر تغدّق موضعية كما هو الحال في بنبشير وسوق السبت وبئر الاخضر. من السهل اخت ازل ضعف نجاعة الشبكة في بعض الصور النمطية، والتي لها ما يبررها في الواقع طبعا، من مثل "التبذير" او "الري المجاني" او "الاستغلال العشوائي" او "غياب

المسؤولية ."هذه الصور النمطية تعكس تقابل معقوليتين متنافرتين كما تعكس ضعف الاقارر بان مشروع الري قد كرس بنية شبكة متضخمة الحجم وغير مرنة أو متوافقة مع البنية الاجتماعية

المجالية، بنية قد برمجت وتشكلت في ظل مركزية مفرطة وتجد صعوبة في التكيف مع تحول لنمط الادارة نحو مركزة أقل تحت ضغط الدائنين )البنك الولي البنك الافريقي للتنمية وصندوق النقد الدولي(

240

ونحو التشاركية ومع تحوّل اجتماعي نحو تفريد أكثر للاستغلال الزارعي وللعلاقات الاجتماعية يصبح فيه الري المشترك من اهم عوامل إعاقة الري وضعف مردودية الشبكة.

يرى أغلب المستجوبين في البحث الميداني ان تركيز عدادات صغرى يمكن ان يحمل بوادر حل لمشكل الري المشترك ويساهم في تحرير طاقة انتاج لات ازل معطلة. لكن هذا يتوقف على توفر هذا الصنف من العدادات وخدمة توزيعه واعتماده من قبل الادارة المفوترة. في الاثناء ياروح الاستغلال مكانه ويفتح على ما يسميه هاردن "معضلة المشترك"the tragedy of the commons أي الاف ارط في استغلال المشترك لضمان تلبية قصوى للحصّة الذاتية مع ما يصحب ذلك من تبذير وضعف الصيانة وهدر الموارد. هكذا يعبر مؤشر نجاعة الشبكة وما يرتبط به من نسبة استعمال لتجهي ازت الري ونسبة تكثيف زارعي عبر الر يّ عن مدخل مهم لتقييم ـآداء مشروع الري والجدوى الاقتصادية المتولدة عنه، ولا شك ان الجدوى على النحو المشار اليه أعلاه تبقى ضعيفة وتعبر عن اختلالات عميقة تهم مستوى التكثيف واستخلاص الكلفة واستدامة الري بالإقليم. مدخل آخر لا يقل أهمية لفهم دينامية المناطق السقوية ويتعلق بمستوى الاستثمار الزارعي الخاص.

3- دينامية الاستثمار الزارعي الخاص

كان من المنتظر ان يحفز التجهيز المائي للمجال الفلاحين على مزيد من الاستثمار في القطاعات الفلاحية بما يمكن من تطوير اداء مستغلاتهم والاستفادة من ثمار الثورة الخض ارء وم اركمة الخبرة والثروة والمها ارت، غير ان الاقبال على الاستثمار لاي ازل ضعيفا ودون المعدلات الوطنية وتنحو نسبة التكثيف وكذلك نسبة الاستعمال للمناطق السقوية نحو الت ارجع )في حدود 35% في 2009 و2013(. يكشف هذا الضعف الهيكلي للاستثمار الخاص في القطاع الزارعي عن عوائق هامة متعددة الابعاد من الصعب اخت ازلها في بعض الصور النمطية المتداولة عن علاقة السكان المحليين بثقافة العمل ومدى استفادتهم من "فرصة" مشروع الري العصري وتثمير الموارد عبره.

المصدر: المستثمر الفلاحي عدد 66 لسنة 2005 ص 3

رسم عدد26: تطوّر معدل الاستثماارت الفلاحية الخاصة من صنف "ب" و"ج" حسب الولايات بين 1983 و2005

تبدو الاستثما ارت الزارعية الخاصة متواضعة مقارنة بحجم الاستثمار في التجهيز المائي الذي تكفلت به الدولة ومقارنة بالإمكانات الزارعية للولاية. حيث مرت قيمة هذه الاستثما ارت الزارعية الخاصة من 4مليون دينار في الفترة 1983-1987 الى 5.6 مليون دينار في الفترة 1988-1985 وهو تطوّر ضعيف بل هو الاضعف وطنيا تقريبا كما يظهر من خلال الرسم البياني. يطرح ضعف استجابة الفلاحين بالإقليم الى ضرورة الاستثمار اسئلة عديدة حاولنا تلمس الاجابة عن بعضها من خلال البحث الميداني وبالمقارنة مع الاستقصاءات الرسمية المختلفة التي تتناول الموضوع. من جهة مصادر تمويل الاستثما ارت الزارعية، يتضح من خلال نتائج الاستمارة أنه من بين المستغلات التي حققت استثما ار معينا وعددها 522 مستغلة من بين 620 مستغلة التي شملتها الاستمارة، نجد لديها ضعف إعادة توظيف ارس المال في الاستثمار الفلاحي حيث لا تتجاوز النسبة العامة 28% مقابل 31% للقروض والايجار المالي و24% لدعم الدولة و9% للتمويل العائلي و2% قروض مزودين

و3% تمويل غير فلاحي. يكشف هذا التوزيع ضعف الادخار الزارعي وهروب ارس المال الفلاحي نحو قطاعات اخرى وبالمقابل ضعف جاذبية هذا القطاع لمصادر تمويل غير فلاحية. لذا يتوقف

حفز الاستثمار على النفاذ الى القرض والتأجير المالي وهذا يشترط القدرة على السداد ومع ذلك نجد ان ش ارئح الحجم للضيعات الصغرى ما دون 10 هك هي المعنية أكثر من غيرها بالتمويل البنكي

242

)50% من المستغلات المستجوبة.( ولا تظهر اهمية إعادة توظيف المداخيل الزارعية في الاستثمار إلا بعد عتبة 10 الى 50هك حيث تقدر النسبة بحوالي 77%.

جدول عدد28: توزيع الاستثماارت الفلاحية للمستغلات المروية خلال الفترة 2007-2012

المصدر استمارة خاصة 2012

المصدر: استمارة خاصة 2012

رسم عدد27: مصادر تمويل المستغلات الزارعية المستثمرة في سهل جندوبة حسب شارئح الحجم

243

لا تتمتع المستغلات بفرص متقاربة للنفاذ الى القرض البنكي وقد ارتها على الادخار الذاتي متفاوتة .ويكون ذلك مجال تعديل عبر دعم الدولة ولكن هذا الاخير يتخذ نفس مسار النفاذ الى القروض، فالمستغلات دون 5 هك يمثل دعم الدولة فيها 23 % مقابل 39 % لشريحة ما بين 5-10 هك.

ونلاحظ علاقة ت اربط طردية بين متغيرتي دعم الدولة والتمويل البنكي لتوزيع عدد المستغلات حسب ش ارئح الحجم في الرسم البياني التالي:

تفسّر هذه العلاقة بالبحث عن النجاعة الاقتصادية وت ارجع سياسة الدعم عامّة وان كانت المستغلات الصغرى والمتوسطة تبقى المستفيدة الأكبر من مصدر التمويل الفلاحي هذا، مقابل خصخصة متنامية تغطي انسحاب الدولة وتكون بديلا عنها في قطاعات عدّة. هكذا تكون شروط الدعم تقريبا هي ذاتها شروط اسناد القروض البنكية وفي بعض الاستثما ارت الفلاحية يكون التمويل متعدد المصادر ونجد فيه دعم الدولة جنبا الى جنب مع التمويل البنكي والمصادر الذاتية للمستثمر. في الواقع يتلافى المستثمر ون الفلاحيون اللجوء الى التداين البنكي قدر الامكان وهذا ما عايناه في البحث الميداني .

فضلا عن ضرورة الاستظهار بضمانات ووثائق الملكية او التسويغ تقف مخاطر المناخ والسوق عائقا امام الاقبال على التمويل البنكي تحسبا لمشاكل السداد. من جهته يجد التمويل البنكي صعوبة في استخلاص بعض ديو ن الاستثمار او القروض الموسمية ولفترة ممتدة وتقدر مصالح البنك الفلاحي بجندوبة نسبة الاستخلاص للقروض الزارعية بـ 70%.

يتغير التوزيع النسبي لميادين الاستثمار الزارعي من فترة الى اخرى ويكون ذلك سببا ونتيجة لدينامية التكثيف في النظام الزارعي وهذا ما يعكسه الرسم البياني التالي:

244

المصدر: وازرة الفلاحة الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية بجندوبة 1996 و2007

رسم عدد29: تطور نسبة الاستثماارت الفلاحية الخاصة بجندوبة بين 1995 و2005 حسب ميادين الاستثمار

حسب الاستقصاء لسنة 1995، هناك قطاعان اساسيان يجتذبان الاستثمار الزارعي) اعتمادا على نسبة المستغلات المستثم رة( وهما الاشجار المثمرة) %28( والبناءات الفلاحية )المستودعات والاصطبلات( )%36( وباقي النسب موزعة بشكل متقارب بين المعدات الفلاحية) %14( والتجهيز المائي) %11( ثم تربية الماشية) %7(. هذا التوزيع يعكس أولويات الاستثمار الزارعي في تلك الفترة )أوج أداء المناطق السقوية قبل دخول مسار الالتهاث( كما يعكس اتجاهات التكثيف وحجم الحوافز والرهانات للسياسة الزارعية. في 2005 يتغير المنحنى في رسم ال اردار ليصبح الاستثمار الزارعي أكثر تنوّعا لكن تهيمن عليه تركيبة ثلاثية تتألف من تربية الماشية) %31( والتجهيز المائي )22.1%( والمعدّات الفلاحية )%19.3( في حين ت ارجعت نسبة الاشجار المثمرة الى) %13( والبناءات الفلاحية) %12(. فارتفاع نسبة الاستثمار في تربية الماشية يمكن تفسيره بنمو مسلك الاعلاف وتطور انتاج الحليب واللحوم من حيث الكمية والقيمة والاستثمار السابق في البناءات الفلاحية والذي يلقى تشجيعا من الدولة ومن البنوك بغرض التكثيف في قطاع الالبان كضرورة وطنية لتحقيق الامن الغذائي وكتثمين للتجهيز المائي بالجهة واستجابة لاهم أهداف الري من تكثيف كما يمثل آلية تعديل فعلية اما مشكل نقص الأرض اوصعوبات التصرف في الإرث المشترك. في الوقت الذي يبقى فيه المربون الصغار للماشية مشتركين في الأرض مع باقي اف ارد العائلة وفي مقاسم الري

245

مع باقي المنتفعين بالمقسم فان تربية الماشية تمنح هؤلاء فرصة تكوين أرسمال خاص قابل للزيادة والتثمير فتنشأ مستغلات لبنية شبه مستقلة عن المستغلة الامّ . من جهته يعكس ارتفاع نسبة التجهيز المائي دخول مناطق سقوية جديدة حيز الاشتغال في غ ازلة وفرنانة) 2005( والتحول في ط ارئق الريّ نحو ما يعرف بالري الموضعي او الري المقتصد للماء )الري قطرة قطرة(. استفاد هذا التجهيز من دعم تدريجي للدولة يت اروح ما بين 25 الى 50% من كلفة التجهيز. وقد بلغت قيمة المنحة للهكتار الواحد بين 822د الى 1224د سنة 2005 حسب التقرير السنوي لنشاط دائرة استغلال المناطق السقوية بجندوبة في هذه السنة شملت عمليات الاستثمار 50هك كتجهيز اوّل و167 هك كتعويض لمعدات الرش بمعدات الري الموضعي أغلبها بالمناطق السقوية العمومية. هذا التحوّل من الري بالرش الى الري الموضعي بقي محدودا من حيث المساحة 3855هك مقابل 28422 هك للري بالرش في سنة 2013. وربما كان الرهان عليه مبالغا فيه فرغم انه يمكن من تحكم أكثر في مساحة الري وتواتره وجدواه غير ان ارتفاع نسبة الحمولة الصلبة العالقة في المياه خاصة التي يقع ضخها مباشرة من الاودية مثال منطقة بدرونة سيدي اسماعيل يقلص من عمر المعدات البلاستيكية عبر الانسداد السريع والتلف ويرفع بالتالي كلفة التجهيز والتعويض السريع للمعدات. فيما يخص الاستثمار في المعدات الفلاحية لا يبدو ان التطور يسجل نسقا حثيثا ملحوظا حيث مرت النسبة من14 الى 19.3% بين 1995و2005 نسق يمكن ان نفهمه أكثر بالنظر الى تهرّم الج ارارت.

يتضح من معطيات الجدول الموالي ان ق اربة 70% من عدد الج ار ارت تتجاوز أعمارها العشر سنوات وان الج ارارت الجديدة ت ارجعت نسبتها بـ 56%. بالمقابل هناك تطور إيجابي لعدد الج ار ارت ذات المحركات القوية )من 91 خيول وأكثر( بنسبة 68% وت ارجع للج ارارت دون قوة 40 من الخيول .

يكشف هذا التطوّر تكيفا مع ارتفاع كلفة التجهيز لدى الضيعات الصغرى بالاستمارر في الرهان على الجر الحيواني في بعض الاشغال من مرحلة معينة من نضج المنتوج واللجوء الى خدمات الحرث والجر بالمناولة. بالمقابل تسعى الضيعات الوسطى والكبرى الى تعويض الحاجة الى اليد

العاملة بالرهان على تعصير المكننة. هذه الاست ارتيجيات التعديلية المتباينة امام ارتقاع كلفة التجهيز الفلاحي من شانها ان تقود الى تطور متغاير للضيعات الفلاحية داخل نفس الجوار الجغ ارفي وهو تطور يفتح الباب امام عديد الفاعلين غير الزارعيين من مزودين وأصحاب معدات فلاحية للك ارء. لايجعل هذا من تملك المكننة شرطا وحيدا ممكنا لتعاطي النشاط الزارعي ولا يجعل من ملكية الارض ايضا شرطا للاستغلال بحكم ان ملكية معدات فلاحية يمكن ان تفتح على علاقات ش اركة وتسويغ مختلفة تساعد على زيادة الاستغلال الزارعي وهو ما نلاحظه أكثر في المجال المروي. بمعنى آخر فهذا النمط في التعاطي مع المكننة يفك الارتباط جزئيا بين الري والملكية الزارعية ويفتح على مرونة أكثر في أنماط اشتغال الريّ.

جدول عدد29: تقادم التجهيازت الز راعية بجندوبة) 1995-2005(

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية بجندوبة 2007

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية بجندوبة 2007

بالعودة الى معطيات الرسم البياني عدد 29 نلاحظ ضعف وجهة الميادين غير الفلاحية والبيوت المكيفة في الاستثمار الزارعي. بالنسبة للأولى، فهذا يكشف ضعف الت اركم داخل الدخل الزارعي وان وجد يمتص الاستهلاك الاجتماعي الفائض اكثر من الاستثمار، لكن ذلك لا يمنع حركة ارس المال بين الزارعة وغيرها من القطاعات في إطار نوع من الرسملة العائلية. هناك ما يمكن وصفه بـ"هروب ارس المال الزارعي". لكن ملاحظات ميدانية عديدة تسمح بالقول بان ارس المال يبقى ملتصقا بالزارعة او بالأرض عموما كقيمة عقارية حاملة لريع وكمنتجة. تملك هذه الاسر الزارعية المعروفة بالجهة مستغلات زارعية الى جانب انشطة تجارية وعقارية متنوعة ويشتغل ارس المال الزارعي في الاتجاهين من الزارعة واليها. اما عن البيوت المكيفة فلم تجد طريقها الى النظام الزارعي بالإقليم لكلفة التجهيز من ناحية ولخاصية الجمد المتواتر في التربة في الفصل البارد.

يرتبط الاستثمار الزارعي بمستوى توفر التمويلات المطلوبة والا تحوّل توظيف ارس المال الى مجرد اعادة انتاج بسيطة une reproduction simple للمستغلة الزارعية. ولما كان التمويل الذاتي ضعيفا كما أرينا، يرتهن الاستثمار الزارعي إلى موارد خارجية عبر الدعم او القرض او تداول القرب .ويعتبر اللجوء الى الاقت ارض حلا لمشكل التمويل قائما على تأجيل استخلاص الكلفة. يعكس الجدول التالي سلوك المستغلات الزارعية حيال هذا النوع من التمويل.

جدول عدد30: تطور مستوى الاستجابة الى طلبات الاقتارض.

المصدر: الاستقصاء 1995 و2005

248

يشير ضعف عدد المستغلات المقبلة على التمويلات البنكية بقطع النظر عن مستوىالاستجابة لمطالبهم الى عزوف عام عن الاقت ارض. تقف وارء هذا العزوف اسباب عديدة منها إج ارءات النفاذ الى القرض المعقدة وحجم توفر المعلومة والضمانات المطلوبة للسداد. غير ان نسق الزيادة لعدد المستغلات الطالبة يشير الى نسبة زيادة هامة بـ 94% )مقابل نسبة زيادة طفيفة بـ 1% في العدد الجملي للمستغلات(. وتطورت نسبة زيادة الذين تحصلوا على التمويل بـ 123%في نفس الفترة، وهو ما يعكس دينامية إيجابية، لكنها دينامية تغطي على انسحاب الدولة بت ارجع دعمها للمدخلات فالنفاذ الى عوامل الانتاج أصبح يعتمد أكثر على الامكانات الذاتية او القدرة على النفاذ الى الاقت ارض.

يعكس الجدول عدد30 تركيبة القروض الزارعية وتطورها بين 1995 و2005. تهيمن على تركيبة القروض الموسمية المرتبطة بالمواسم الزارعية كاقتناء البذور والمشاتل والاسمدة والادوية بنسبة 85% مقابل 9% فقط للقروض الاستثمارية و6% للقروض المزدوجة لسنة 1995. في الاستقصاء الموالي )2005(، نلاحظ هيمنة مطلقة للقروض الموسمية) %98( وت ارجعا لقروض الاستثمار الى نسبة

2%. في نتائج الاستمارة تتأكد نفس النزعة لكن مع تدعم مكانة القروض المزدوجة حيث تظهر الحاجة ملحة الى تمويل الموسم الزارعي الى جانب التوجه نحو الاستثمار وتكون القروض الاستثمارية فرصة لتلبية بعض احتياجات الموسم الزارعي والاستهلاك الاجتماعي .هذه التركيبة وهذا التطوّر يعكسان تكريس المنطق الانتاجي القاعدي القائم على إعادة الانتاج البسيطة أي تجديد ارس المال الانتاجي دون تنمية فعلية له. نفس المعطيات تؤكّد مصاعب المستغلات الزارعية في التحوّل نحو إعادة انتاج موسعة قائمة على الاستثمار. ي ارفق التقلص لنسبة قروض الاستثمار اتساع نسبة المطالب المرفوضة ضمن صنف القروض الموسمية من 80% الى 94% بين 1995وّ5002 و87% في

.2012

جدول عدد 31: التوزيع النسبي للمستغلين الذي تقدموا بمطالب تمويل بنكي حسب الصنف

المصدر: الاستقصاء 1995و2005+ بحث ميداني 2012

249

في الواقع، فان اتساع المديونية للفلاح )ديون المياه الى جانب ديون القروض الموسمية( ياركم الاحساس بالمخاطر لديه ويدفعه الى اختيار تركيبة انتاجية ت ارهن على تامين البقاء واعادة الانتاج البسيطة وتفضيل التلبية القصوى للاستهلاك على التلبية القصوى للربح. بالمقابل فان ضعف الاستخلاص ي اركم صعوبات البنوك الوطنية الدائنة ويجعل من الديو ن الفلاحية جزءا من حلقة مفرغة ضمن الحلقة المفرغة الموسعة لجدوى شبكة الري. تحيل د ارسة مطالب القروض المرفوضة على بعض اسباب ضعف آلية القرض الزارعي ك ارفعة تنمية. حيث تنتمي غالبية المستغلات المقصاة من القرض سواء ما تعلق بالقروض الموسمية او القروض الاستثمارية الى شريحة المستغلات الصغرى ما دو ن 5هك) %64 قروض موسمية و72% قروض استثمارية(. تفتقد هذه الشريحة الى الضمانات التي تطلبها البنوك، كما أن سطوة الاعتبا ارت الاجتماعية العائلية تجعل القبول بإج ارءات الرهن المطلوبة مستعصية ومحفوفة بالمخاطر في تمثل الفلاحين والمستحقين.

جدول عدد32: توزيع المستغلات التي رفضت مطالب قروضها حسب استقصاء 2005

المصدر: الاستقصاء 2007

من حيث مستوى التفرغ للعمل الزارعي لصاحب المستغلة تتوزع مطالب القروض المرفوضة كالتالي:

جدول عدد33: توزيع المستغلات المقصاة من القرض حسب مستوى التفرغ

المصدر: الاستقصاء 2007

250

يتضح من الجدول اعلاه أن 60% من المستغلات المقصاة من القروض الموسمية و78%للقروض الاستثمارية أصحابها هم مستغلون متفرغون للنشاط الزارعي بالكامل وبالتالي هم بحاجة للتمويل الفلاحي للإنتاج والاستثمار ولكن لا تستوعبهم المنظومة البنكية واشت ارطاتها ولا تستجيب لاحتياجاتهم. كما ان 12% ذوو ارس مال ضعيف بالنسبة للقروض الموسمية و22% بالنسبة لقروض الاستثمار يقفون خارج دائرة الشريحة المستهدفة بالقرض. هؤلاء لا يستطيعون التعويل على امكاناتهم الذاتية ولا على التمويل البنكي وخرج وا تدريجيا من دائرة الدعم بحكم انسحاب الدولة وهم مدعو ون لتامين البقاء كم ازرعين باستم ارر الرهان على المنطق المعاشي او مغادرة النشاط الزارعي واسرهم نحو انشطة اخرى وربما البحث عن مداخيل خارج المجال المحلي. هذه الشريحة ربما كانت أكبر مما تعبر عنه الفئة التي تقدمت بمطالب قرض ورفضت لتشمل فئات لها "يأس" مسبق من القرض الزارعي اوهي مطالبة بسداد ديون سابقة مت اركمة قبل الانتفاع بقروض جديدة. نشير الى انتشار عديد الجمعيات التنموية بالجهة خاصة بعد ثورة2011 والتي تقدم تمويلات صغرى للفلاحين لكن غلب على اكثرها العمل الخيري الذي غطى جزئيا على انسحاب الدولة. ومن الصعب الحكم على آداء دور هذه الجمعيات في التمويل الزارعي لتعثر اغلبها وانقطاع عمله ولقصر المدة الزمنية المعنية، لكنه نشاط يفتح الباب لدخول المجتمع المدني دائرة الفعل الزارعي إن لم يكن كفاعل مالي فعلى الاقل كوسيط بين الفلاح والمؤسسات.

خاتمة فصل

تكشف إدارة مياه الري عن اوجه تعقيد عديدة مرتبطة بتعدد الفاعلين المتدخلين في المنظومة وتعارض رهاناتهم. ولا يعدو الفلاح الاّ ان يكون حلقة أقحمها التحديث عبر الريّ والتهيئة المائية عامة في منظومة واسعة تتطلب تعديلا مستم ار وتكيفا مع التغيير. ويكشف مستوى نسبة استعمال شبكة المياه والتجهي ازت ونسبة التكثيف عن مدى نجاعة هذه الشبكة واقت ارب الحصيلة من سقف توقعات البرمجة وانتظا ارت الفاعلين، ولئن كانت نسبة الاستعمال والتكثيف ضعيفة في الجملة في ميدان البحث فان الوضع يكشف عن تطور سالب لا يمكن اخت ازله في عزوف الفلاح عن الريّ فالأسباب عديدة منها ما يتعلق بنمط ادارة المياه والتلكؤ في التحول من مركزية مفرطة الى تشاركية مفروضة من الدائنين .

ومنها ما يتعلق بطبيعة الشبكة والتي وان كانت تمنح نفاذا مباش ار للتزود بمياه الري فإن قفزها على

251

مشكل تباين الهياكل العقارية واك ارهات الريّ المشترك قد تركت بذور ت اركم اللامقتصدات منذ البداية. لقد كرس مشروع الري في البداية منظومة دعم سخية نسبيا قصد تحفيز الفلاحين على التحول نحو الريّ لكن التقليص التدريجي لهذا الدعم امام ت اركم المديونية وارتفاع اسعار المدخلات الزارعية وخدمات المكننة في غياب هياكل وسيطة صلبة وذات تمثيلية وحيوية هذا يدفع المستغلات في تطور متغاير كما تستجيب هذه الاخيرة للتحولات عبر انظمة تعديل مختلفة تت اروح بين تامين البقاء والتعدد النشاطي والاستثمار في إطار رسملة ذاتية في الاغلب.

252

الفصل الثالث: المستغلات الزارعية والدينامية التاربية للر ي

يتأثر تطور المستغلات الزارعية ومدى انخ ارطها في الريّ بعوامل داخلية وأخرى خارجية.

يعتبر الرصيد العقاري قاعدة الإنتاج الأساسية وهذا الرصيد يتفاوت من ضيعة الى أخرى غير ان الري قد أتاح النفاذ الى الأرض لش ارئح اجتماعية ومهنية متفاوتة عبر الش اركة والك ارء وصيغ أخرى عديدة فضلا عن التشغيل الزارعي. لكن نمط إدارة هذا الرصيد العقاري بغض النظر عن صيغ الاستغلال المباشر وغير المباشر تطرح ضغوطات عديدة منها التفتت كما التركز والن ازعات العائلية حول اقتسام المي ارث وارتفاع سقف الاستهلاك الاجتماعي الذي يلتهم هامش الربح ويغذي سلوكا ريعيا داخل المستغلة وهروب ارس المال نحو قطاعات أخرى في حين تنجح بعض المستغلات في توظيف الرصيد العقاري واليد العاملة وارس المال في اتجاه استثماري وباليات تعديل مرنة تتلافى المخاطر وتستفيد من إقتصاد القرب ومن الفرص المتاحة في محيطها. والمستغلة الزارعية تتحرك ضمن دينامية ت اربية عامة تتفاعل معها سلبا وايجابا من خلال نمط إدارة الموارد والمناخ الاستثماري العام وفرص تسويق المنتوج وتنويع الطلب كما ونوعا.

1-التشغيل الزارعي: ضعف التأجير وحيوية الفلاحة العائلية

يعبر ت ارجع التشغيل في الفلاحة عموما عن نزعة ثقيلة في تغيير الهيكل الاقتصادي للسكّان بتونس بمغادرة دائرة البلدان الزارعية باتجاه تنوع أكثر لنشاط السكان وثولثة عامّة للاقتصاد الوطني.

ويتسق هذا التطور مع تحضر هام وعميق أصبح يهم أكثر من 65% السكان وتدعيم نشاطي السياحة والصناعات المعملية الخفيفة والتجهيزية. غير ان للزارعة وظائف اخرى غير انتاجية اساسا اجتماعية وبيئية وهذا ما احتفظ لها بدور تعديلي مباشر وغير مباشر وبدور ملجأ خاصة في ذروة المواسم الزارعية وفي الازمات الاقتصادية الاجتماعية. ولذا فالتسريح المتواصل لليد العاملة الزارعية بدا وكانه فقد نسق سرعته التي كان عليها في السبعينات والثمانينات لتستقر النسبة تقريبا حول 14% )2010(

253

في العشرية الاخيرة) %46 سنة 1966 و32% سنة 1975(. وبهذا يقترب التشغيل في الزارعة من نسبة مساهمتها في الناتج الداخلي الخام )ما بين 8 الى 12%( وهو ما يعني تخففها من "الحمولة "الاجتماعية باتجاه وظائف انتاجية أكثر. إقليميا ومحليا يبقى اتجاه النزعة ذاته لكن مع تفاوتات هامة في السياقات الزمنية وفي النسق ومع تباين واضح في حجم التناسب بين الوظائف الاجتماعية والوظائف الانتاجية. ولقد كان من بين اهداف التهئية المائية الزارعية المعاصرة حفز التشغيل الزارعي وتثبيت السكان داخل المجالات المروية وحولها بالتوظيف المباشر للطاقة التشغيلية في الزارعة او عبر مفاعيل الحثّ المختلفة في أنشطة القرب المرتبطة بها. ويمثل مشروع الري لبوهرتمة واحدا من أهم هذه المشاريع الكبرى التي حملت معها رهانات تنموية كبرى واستفادت من تمويلات ضخمة عند التجهيز المائي.

أ- هيمنة التشغيل العائلي وضعف التأجير

في جندوبة يستند الشغل الزارعي بالأساس الى طاقة العمل العائلية أي المستغلون والمعين ون العائليون 41% و47% على التوالي سنة 2012 ولا يمثل التأجير الزارعي سو ى 12% من تركيبة اليد العاملة نصفهم اج ارء موسميون. ترتبط هذه التركيبة بالهياكل العقارية اين تهيمن المستغلات الصغرى من حيث العدد، كما ترتبط بنظام زارعات تهيمن فيه استخدامات للأرض قليلة الطلب على اليد العاملة كالزارعات الكبرى. ويشتغل تقليص التأجير ضمن منظومة تعديلية معقدة ومرنة للفلاحة العائلية توازن فيها بين حاجات المستغلة الموسمية وامكانات توظيف اليد العاملة العائلية واشاركها في الانتفاع بالمداخيل الزارعية دور المرور بعلاقات تأجير الا ناد ار أو عند الضرورة.

تهيمن اليد العاملة العائلية المؤقتة بنسبة 76% )مجموع الجنسين( واليد العاملة النسائية

)71%( على تركيبة اليد العاملة غير المستغلين. فالالت ازم بالعمل الزارعي خاصة لدى المعينين العائليين هو الت ازم اجتماعي غير تعاقدي وعادة ما يستجيب لتوزيع ادوار او تقسيم عمل عائلي يسمح بمرونة أكثر للذكور في مغادرة المستغلة للعمل خارجها. و يشير لعروسي العامري في بحثه حول الم أرة الريفية في ميدان الد ارسة الذي نشتغل عليه في هذه الاطروحة الى دور محوري للإناث في الاحتفاظ بالمستغلة الزارعية و ديمومتها كما يشير الى تقسيم ادوار عاكس للحاضنة الاجتماعية والثقافية تحتفظ فيه الم أرة الريفية بإدارة الوظائف الداخلية للمستغلة )وظائف انتاجية( في حين يتولى الذكور الوظائف الخارجية كالتسويق او العلاقة مع المؤسسات.

المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية. دائرة الاحصاء 2012

رسم عدد 30: توزيع أيام العمل حسب صنف اليد العاملة بجندوبة 2012

من حيث نسق التطوّر تكشف المقارنة بين معطيات الاستقصائين حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية بولاية جندوبة لسنة 1995و2005زيادة بنسبة 97% في عدد الاج ارء القارّين وت ارجعا بنسبة -22% للمعينين العائليين )غالبية نسائية( و -7% في أيام العمل الموسمي للاج ارء .

كما يسجّل التطوّر ت ارجع نسبة اليد العاملة النسائية ضمن الاج ارء الموسميين من 55% الى 40%.

هل يعني هذا المسار تحولا ظرفيا ام هيكليا؟ هل نتجه نحو ت ارجع التأنيث المهيمن للعمالة ال زارعية؟

لا شكّ ان الفترة المعنية قصيرة للحكم على التحول الهيكلي في تركيبة اليد العاملة. غير ان في التحول ما يعزز نزعة سابقة نحو تسريح "فائض" اليد العاملة الزارعية) الموسمية( أمام عجز الزارعة عن توفير مواطن شغل ومداخيل قارة واقت ارب شريحة العمال الزارعيين الموسميين من شريحة الفق ارء والعاطلين عن العمل على مستوى الاستهلاك والانفاق. وكذلك فان ارتفاع تمدرس الاناث وتاخير سن الزواج وجاذبية الخدمات والصناعة لليد العاملة النسائية اقليميا ووطنيا بدات تترجم على الواقع في انسحاب ملحوظ من النشاط الزارعي العائلي والمؤجّر ونزعة ملحوظة الى الح ارك والهجرة الداخلية باتجاه احواض اليد العاملة الصناعية والسياحية )ت ونس والوطن القبلي والساحل التونسي( للذكور وحديثا للاناث.

جدول عدد34: اليد العاملة الزارعية غير المستغلين في 2012 بجندوبة

* الوقتية )شهر فيفري( / الوحدة: عامل المصدر: المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية 2013

جدول عدد35: تطور بنية اليد العاملة الزارعية بجندوبة

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية بجندوبة 2007

256

في الواقع فان ت ارجع الشغل الزارعي الموسمي يقابله بشكل لافت ارتفاع مستوى التأجير القار )97%( وخاصة لدى الاناث) %138 مقابل 95% للذكور كنسبة زيادة ( لقد قاد ظهور مناطق صناعية منتصبة حديثا خاصة في بلاريجا )منطقة الارتياح( وبوسالم الى منافسة حقيقية بين الصناعة والزارعة حول اليد العاملة باعتبار الفارق في مستوى التأجير ومدته، لكن التاجير الصناعي لا يازل يواجه خوانق عديدة وظاهرة غلق المصانع لا تحمل بدائل فعلية ونهائية للشغل الزارعي ولا يمكن ان تفسر ارتفاع نسق التأجير الزارعي على النحو المشار اليه أعلاه. رّبما كان من المهم البحث في تطور التشريعات الشغلية وفي زيادة انتداب اليد العاملة النسائية في مستويات تأهيل مختلفة )إطا ارت وتقنيين وخب ارت وسيطة(. إذن تعبّر علاقات التأجير الجديدة رغم ضعف نسبتها الى النسق العام

على إقحام متنامي للمجال الزارعي في الاقتصاد النقدي .ولقد كان لمشروع الري أثر كبير في ذلك. فتقدم التأجير القار على حساب التأجير الموسمي يعني تجاوز اشكال التأجير العيني باتجاه علاقات نقدية مباشرة. امام هذا التطور فالمستغل الزارعي الذي كان )ولا ازل( يغطي جزءا من كلفة الانتاج عبر منح "هبات" غير نقدية او اجور عينية للعمال أصبح مجب ار على تصريف المنتوج عبر السوق ومسالكه المختلفة واستخلاص الربح نقدا لسداد أجور العمال نقدا ايضا .لا شك ان هذا يحمل ضغوطا كبيرة على المستغلات الصغرى العائلية ويقلص من هامش الربح لباقي المستغلات .

أمام ضغط كلفة اليد العاملة وظهور بوادر ندرة على الاقل موسمية لهذه اليد العاملة تميل المستغلات الى تقليص التأجير والاعتماد على اليد العاملة العائلية ان وجدت او التحول نحو

مسالك قليلة الطلب على اليد العاملة. لكن وكما أرينا تسجل اليد العاملة العائلية بدورها اتجاها ملحوظا نحو التقلص. تقلص مرده تطور ديمغ ارفي خفض من حجم الاسر ودفعها الى الانقسام على ذاتها. كما وان تطور العلاقات الاجتماعية الق اربية )الجوار والق اربة( باتجاه التفريد) والتنافر( قد قاد الى ت ارجع التكافليات العائلية واشكال التعاون غير النقدي (l’entraide familiale). وقد يضطر بعض المستغليين الزارعيين الذين يعجزون عن تغطية كلفة الاجور الزارعية ولا يقدرون على الاستعاضة عنها بالتوجه نحو الزارعات الكبرى بحكم صغر المساحة الزارعية يضطرون الى بيع قوة عملهم خارج مستغلاتهم وهو سلوك شائع كما لاحظنا ذلك في المنطقة السقوية لسوق السبت. وما كلفة التأجير إلا جزء من كلفة أكبر تشمل المدخلات كالبذور والاسمدة والأدوية كلها تقريبا تمر عبر السوق وعبر علاقات نقدية غير مرنة بحكم ت ارجع الدعم وخصخصة متنامية لقطاع المدخلات

257

الزارعية. كلفة تحمل صعوبات مؤكدة للمستغلات الصغرى ينتهي بعضها الى الانسحاب من دورة

.(une dépaysanisation ?) الانتاج ومن صفته كفلاح

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية 1995 و2005 + المي ازن الاقتصادي 2015

رسم عدد:31 تطور الشغل الزراعي الموسمي بجندوبة بين 1995و2015

يعبّر التشغيل الزارعي الموسمي رغم هشاشته عن مستوى التكثيف وذر وة المواسم الزارعية ولذا نلاحظ تطابقا في اتجاه التطور بين التشغيل الزارعي الموسمي وتطور الاستخدامات الزارعية للأرض.

يتضح من خلال الرسم البياني أعلاه لسنة 1995 تنوعا في مسالك التشغيل الزارعي بين تربية الماشية والزارعات الصناعية )اللفت السكري( والاشجار المثم رة والخضروات والزارعات الكبرى. في 2005 يستقطب التشغيل الزارعي الموسمي تحديدا قطاعان هما تربية الماشية والخضروات مع ت ارجع واضح لمساهمة الزارعات الكبرى والاشجار المثمرة وانهيار مساهمة الزارعات الصناعية بحكم ازمة زارعة اللفت السكري التي سناتي على تحليلها لاحقا. وتنفرد الخضروات بحوالي 41% من أيام الشغل الزارعي الموسمي ثم تليها تربية الماشية بحوالي 18%. في 2015 تظهر الاحصائيات نزعة جديدة في التشغيلية الزارعية الموسمية حيث تنفرد تربية الماشية بنسبة 63 % من مجموع أيام العمل الموسمية لليد العاملة العائلية والاجيرة في حين تت ارجع مكانة الخضروات الى 14 %. تتفاوت الطاقة التشغيلية لهذين المسلكين حسب ش ارئح الحجم. فالضيعات الصغرى ما دو ن 5 هك تستقطب 43 % من أيام العمل المؤجر الموسمي و17 % من مجموع أيام العمل في تربية الماشية في 2005.

258

ويتنامى لدى شريحة الضيعات الصغرى اهتمام بتربية الماشية المؤصلة لكنها تعول على طاقة اليد العاملة العائلية ولا تلجا الى التأجير الا ناد ار .لا تظهر اهمية تربية الماشية في التشغيل الموسمي الا بعد عتبة 5هك حيث تستقطب الشريحة من 5 الى 10 هك 42% من ايام العمل في تربية الماشية في 2005. وتبقى مساهمة الضيعات الكبرى التي تتجاوز20هك محدودة) 25% لتربية الماشية و16% للخضروات(. ورغم ميل الضيعات الكبرى الى تكثيف مسلك تربية الماشية تحديدا فإنها تعتمد على تالية النشاط والاحتفاظ بحد أدني من العمال. كما تميل هذه الضيعات الكبرى الى تلافي مسلك الخضروات كثيف الطلب على اليد العاملة. من المهم تنسيب هذا التوزيع لأيام العمل الموسمية حسب ش ارئح الحجم بالعودة الى كثافة عدد المستغلات الصغرى مقارنة بالضيعات الكبرى والتفاوت الكبير في توزيع المساحة الزارعية وحالة التركّز التي لم ينجح التجميع القطعي والاصلاح الزارعي في تلافيه او خفض حدّته.

إذا كان اتجاه التكثيف الحالي وبوادر التحوّل في النظام الزارعي بالاعتماد أكثر على مسلكي تربية الماشية )رعاية القطيع وتوفير الاعلاف( والخضروات يعتمد بشكل واضح على الضيعات الصغرى العائلية ما دو ن 10 هك) %78 للخضروات و59% لتربية الماشية من ايام العمل الموسمي( فان رهانات عديدة تلقي بظلالها على المجال الزارعي عامة ومنها:

ضرورة استم ارر الرهان على دعم المستغلات الصغرى التي اثبتت انخ ارطا في التكثيف أكثر من غيرها من الضيعات وهو رهان مزدوج اقتصادي واجتماعي.

لات ازل هناك امكانات هامة للتكثيف والتنمية الزارعية في جميع ش ارئح الحجم وخاصة لدى الضيعات الكبرى للقطاع الخاص والمنظّم.

حيوية الفلاحة العائلية وقدرتها على استنباط اليات تعديلية مختلفة لمجابهة الازمات والملاءمة بين الحاجات الانتاجية للمستغلة العائلية والاستهلاك الاجتماعي للعائلة.

يبقى القطاع الزارعي قوّة امتصاص للعمالة التي لا تحمل مؤهلات تكوينية او د ارسية تذكر فأغلبية المستغلين لا يتجاوز تكوينهم الد ارسي الابتدائي 95 % سنة 1995 و89% في 2005 حسب الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية لجندوبة.

259

جدول عدد36: توزيع أيام الشغل الزارعي الموسمي في الخضروات وتربية الماشية حسب شارئح الحجم للمستغلات

المصدر: الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الزارعية لولاية جندوبة 2005 ب- أهمية التعدد النشاطي

يعني التعدد النشاطي جمعا بين النشاط الزارعي وانشطة اخرى خارج المستغلة الزارعية ويهم المستغل الز ارعي والمعينين العائليين كما يمكن ان يهم الاج راء. تحكم التعدد النشاطي دوافع وعوامل عديدة ولا يمثل حالة استثنائية داخل المستغلة بل قد يكون شرطا لبقائها، حيث تنمّ ي المستغلات العائلية الى جانب نظام الانتاج نظام إعادة انتاج للمجموعة الاسرية وتجدد روابطها مع أف ارد الاسرة كما مع الارض وال أرسمال الزارعي المشترك245. وتنمي است ارتيجيات داخلها وفق منطق انتاج وممارسة مجالية )انتاج واعادة المجال وح ارك( يت اروح بين تأمين البقاء وتنمية فعلية للموارد ورسملة. يغطي هذا الانتظام والتعديل الداخلي داخل الضيعة وفي علاقاتها بمحيطها وضعيات جد متغايرة. والتعدد

245 Campagne P. (et all. Ed.) 1991, Pluriactivité et revenus exterieurs dans l’agriculture mediterranéenne.

Montpellier. CIHEAM Options mediterranéennes 192p.

260

النشاطي ظاهرة مركبة مداخل د ارستها إحصائيا مداخل عدة منها: المداخيل ومدّة العمل والتفرغ داخل المستغلة ووجود نشاط ربحي خارجي من عدمه فضلا عن اهمية هذا النشاط الخارجي )رئيسي وثانوي(.

من حيث المداخيل، ما يميز المداخيل الزارعية للمستغلات هو ضعف انتظامها وارتهانها للمواسم فضلا عن تقلبات السوق والمناخ، ولذا فوجود انشطة خارجية ينظر اليه كضمانة لاستق ارر المداخيل والحؤول دون شحّها سنويا او موسميا. وقد يكون مدخلا للادخار والاستثمار او النفاذ الى القروض او مجرد تأمين بقاء. ولقد وجدنا صعوبة في مقاربة هذه الناحية باعتبار غموض الاجابات لدى المستجوبين او التكتم في الحديث عن مصادر الدخل. ثم ان تنامي التمدرس وت ارجع الامية وصورة العمل الزارعي عامة تجعل مدخل الح ارك الاجتماعي عموديا لا يمر عبر الزارعة ولكن بتجاوزها او بالجمع بينها وبين انشطة ربحية اخر ى.

من حيث مدّة العمل، يختلف هذا من مستغلة زارعية الى اخرى ومن نطاق الى آخر حسب مستوى التكثيف العمودي والافقي للنشاط الزارعي ودرجة التنوع داخل الدورة الزارعية وذروة المواسم .

فمع انتشار الري أمكن تجاوز وتيرة المواسم التاريخية المرتبطة بالزارعات الكبرى والعناية بالزيتو ن وتربية الماشية الممتدة نحو الت ازم أكبر بمدة عمل أطول داخل المستغلة وتقسيم عمل فعلي بين اف ارد الاسرة الزارعية على مدار السنة يسمح بم ازولة أنشطة ربحية خارجية للمستغل او المعينين العائلين خارج ذروة المواسم. لا يعني ضعف مدة العمل داخل المستغلة بالض رورة تعددا نشاطيا إذا لم يوجد نشاط ربحي خارجي . واذا اعتمدنا هذا المقياس الاخير لتكميم الظاهرة وحسب نتائج البحث الميداني نجد أن التعدد النشاطي يهم 30% من المستغلين الزارعيين و24% من المعينين العائليين وهي نسب دون المعدلات الوطنية )حوالي42%(. ويقوم هذا التعدد النشاطي على نشاط ربحي رئيسي خارجي بـ 24% للمستغلين و20% للمعينين العائليين مقابل نسبة ضعيفة لا تتجاوز 6%للانشطة الربحية الثانوية. هذه النسب تهم أعداد المستغلين والمعينين العائليين ولا تعني طبيعة التعدد النشاطي من حيث مردوديته او حجم المداخيل التي يسوقها الى المستغلة كما انها تبقى قاصرة عن تبين حركة الاموال من المستغلة واليها وعما إذا كان النشاط الخارجي إنتاجيا )خدميا او اداريا او صناعيا مأجو ار او عملا للحساب الخاص( أو ريعيا )ك ارء محلات عقارية مثلا.(

261

المصدر: البحث الميداني 2012

رسم عدد32: التعدد النشاطي عند المستغّلين الزارعيين بسهل جندوبة

بغض النظر عن هذه الجوانب وعلى اهميتها يهمنا تسجيل الملاحظات التالية انطلاقا من الرسم البياني: لا ت ازل ظاهرة التعدد النشاطي محدودة في مجال الد ارسة )ربع المستغلات( او انها في طريقها الى التقلص موا ازة مع الح ارك الديمغ ارفي الذي تارجع معه حجم الاسرة وكذلك النزوح

الريفي والهجرة الخارجية. كما يشي الامر ببداية تخفف المستغلة الزارعية من الضغط البشري عليها. بل تحول الامر في كثير من المستغلات الى مشكل تجدد فعلي وصعوبات إعادة انتاج وتحول للعلاقة مع الارض بفك الارتباط على الاقل من حيث الالتازم بالعمل فيها وهو ما يعكسه تارجع عدد

المعينين العائليين رغم الزيادة السكانية. غير ان العلاقة الإرثية تبقى قوية حاملة لقيمة ادخار ضمنية ولحقوق عينية حتى بعد مغادرة النشاط الزارعي نهائيا. الملاحظة الثانية، هي ان التعدد النشاطي يهم المستغلين أكثر من المعينين العائليين واذا ما استحضرنا ان 60% من المعينين العائليين هم من الاناث )نسبة ثابتة بين الاستقصائين 1995 و2005( نميل الى قبول ذلك. فضيق آفاق التشغيل محليا وتردد الكثير من الاسر في تسريح الاناث نحو سوق الشغل غير الزارعي خارج المستغلة وخارج المجال المحّلي يجعل انخ ارط هؤلاء في العمل الزارعي لمدة أطول على مدار السنة أكبر من انخ ارط صاحب المستغلة ذاته والذي يحتفظ بالتسيير عن بعد. وهذا ما تؤكده الد ارسة الميدانية. في المجال المروي لا تبتعد النسبة كثي ار عن النسبة العامة للتعدد النشاطي للمستغلات لكنها أقل وهي تقدّر بـ 18% ولا تتجاوز بالكاد 21% في شريحة المستغلات ما بين 50 الى 100هك وهو ما يعني بوضوح قدرة أكبر للمجال المروي على توظيف أكبر لليد العاملة وتثبيت اصحاب

262

المستغلات داخلها. لكن الامر يحتاج الى تنسيب لجهة تهرم أصحاب المستغلات) 56%أعمارهم تتجاوز ستين سنة( وعلى الارض يحتفظ أغلب المستغلين بإدارة صورية لمستغلاتهم وينزلق التسيير الفعلي نحو الابناء أو عبر الك ارء والذي تتجاوز قيمته 30% في المجال المروي. ومن الشائع ان يعمد صاحب المستغلة الى مقاسمة للمي ارث بين ذوي الحقوق لتحفيزهم على الانخ ارط أكثر في العمل الزارعي، ويفتح ذلك على مسا ارت عدّة منها تجديد المستغلة وحفز الاستثمار او تذرية الارث والتفتت

القطعي عبر التفويت. إذن، ينتج عن التعدد النشاطي حركة لارس المال وللمداخيل واليد العاملة بين الزارعة وانشطة اخرى وبين الانشطة الانتاجية والأنشطة الاستهلاكية. من خلال البحث

الميداني يتضح لنا ان هذه الحركة تسير في الاتجاهين ولا تعني ضرورة هروبا ل ارس المال الزارعي خارج المستغلة كما سنرى لاحقا.

جدول عدد37: التعدد النشاطي للمستغل الزارعي في المجال المروي

المصدر: البحث الميداني 2012

ما هي الخصائص المجالية للتشغيل الزارعي؟ وطنيا، تفيد العلاقة الاحصائية بين متغيرتي مساحة الزارعات المروية والنشطون في الفلاحة بوجود ت اربط طردي، وهو ما يعني ان للر ي تأثي ار ايجابيا في احتفاظ الزارعة بنسبة من النشطين وخلقها لمواطن شغل جديدة مباشرة وغير مباشرة عبر ما يحمله من مقتصدات خارجية.

263

المصدر: وازرة الفلاحة، الاستقصاء حول المناطق السقوية 2009 / المعهد الوطني للإحصاء، المسح الوطني حول السكان والتشغيل 2010 رسم عدد 33: علاقة تاربط طردية بين الري والتشغيل الزارعي

محليا، شكلت المناطق السقوية أحواض يد عاملة زارعية متفاوتة الاهمية من منطقة الى اخ رى وعموما يعتبر قطاع تربية الماشية هو القطاع المشغل الاول من حيث توزيع أيام العمل بنسية 65% تليها الخضروات بنسبة 20% ولا تستوعب الحبوب سوى 8% من أيام العمل. ولقد قاد

ت ارجع الزارعات المعزوقةsarclée كالبقول او الزارعات الصناعية الى تدني مساهمة هذه الزارعات في توزيع ايام العمل. يعتمد العمل الزارعي في المناطق السقوية على اليد العاملة العائلية )المستغل والمعينين العائليين( وبخصوص انتداب العمال الزارعيين فهؤلاء يستوعبهم مسلكان اساسيان هما الخضروات وتربية الماشية. يستوعب النسبة الاكبر من الاج ارء القارين قطاع تربية الماشية بنسبة 60% للذكور و94%للاناث، في حين يستوعب قطاع الخضروات غالبية الاجارء الظرفيين بنسبة

56% للذكور و72 %للإناث لسنة 2012. هذه الغلبة لليد العاملة النسائية الاجيرة )الظرفية والقارة( تفرض الاعتماد أكثر على عنصر القرب )الجغ ارفي والاجتماعي( والبحث في الجوار عن هذه اليد العاملة بما يوفر حدا أدنى من انتظام العمل وخفضا لكلفة النقل. ولذا فاستقدام اليد العاملة يتم من داخل وحدة الدوار في المناطق السقوية او من الاحزمة السفحية المجاورة او الاحياء الطرفية للمدن مثل حي التطور بجندوبة او حي حشاد ببوسالم كما يبين ذلك الرّسم التالي.

264

رسم عدد34: احواض اليد العاملة الزارعية الاجيرة بالمناطق السقوية

نشير الى ان تنظيم ح ارك النقل الريفي اليومي يعزز شبكة متركزة centrifuge تعيق التنقلات الجانبية التي لا تمر ضرورة عبر م اركز المدن المحلية فالعمال القادمون من بلطة او بوعوان او البلدية مثلا ويقصدون المناطق السقوية بالب ارهمي او بنبشير او سيدي علي الجبيني مجبرون على المرور ببوسالم ثم التحول نحو الب ارهمي مما يضاعف كلفة النقل اليومية إذا ما اعتمدوا على امكاناتهم الذاتية في التنقل. وتغطي المستغلات الوسطى حاجاتها من اليد العاملة بتخصيص عرباتها الخاصة بصفة دورية لنقل العاملات في ظروف غير سليمة او صحية )عربات مكشوفة للح اررة الشديدة والامطار والرياح ومخاطر الطريق( وفي وضع مروري غير قانوني لكن يقع غض الطرف عليه لغياب بدائل واضحة لهذا الصنف من التنقلات. وتجد المستغلات الصغرى التي لا تملك امكانات نقل ذاتية صعوبة في انتداب يد عاملة بشكل منتظم و حسب الحاجة من حيث المدة و العدد. وهناك من الوسطاء من يتدخل لنقل العمال الزارعيين لكن هذا يبقى محدودا وغير منتظم باعتبار عدم انتظام ايام العمل ذاتها ولم يتحول الى اشكال نقل مقننة من ن وع تعاونيات خدمات او شركات نقل وتبقى

محكومة الى حد ما بعلاقات الجوار والقرب. عموما تعبر ظروف تنقلات العمال الزارعيين عن

265

مشكل نفاذية فعلي او مشكل اكتناف ويشكّل ذلك عوامل كبح للتكثيف تدفع المستغلات الى اختيار تركيبة انتاج معينة بغرض الضغط على الكلفة )الكلفة المالية والتقنية وكذلك كلفة الوقت(.

2- تباين تطور المستغلات الزارعية

تنمو المستغلات الزارعية بشكل متغاير لا يمكن اخت ازله في مجرّد فوارق الحجم أو أرس المال. وتختلف العتبات من مجال إلى آخر ومن فترة إلى أخرى ومن ميدان بحث إلى آخر. يكمن وجه التعقيد في تصنيف المستغلات الزارعية في تداخل الاجتماعي والاقتصادي لا فقط في المستغلات الخاصة أو العائلية بل أيضا في المستغلات المسماة قطاعا منظما. لذا فأي تصنيف يهدف إلى استيعاب تعقيد التنوع في الهياكل العقارية من المفترض انه يأخذ بعين الاعتبار مقاييس متعددة كمية وكيفية ويأخذ بعين الاعتبار التداخل والتقاطع بينها.

أ- مشكل مقاييس التصنيف جدول عدد 38: مقاييس تصنيف المستغلات الزارعية

266

وجهة الإنتاج:

ما يميز الإقليم هو الزارعة المتعددة حيث لم يهدف الري إلى تجاوز الزارعات السنوية بل أضاف إليها تداولا زارعيا يسمح بتعاطي زارعات موسمية بدرية وفصلية وآخر فصلية خاصة في قطاع الخضروات والأعلاف. لا تازل النزعة نحو التخصص ضعيفة لكن هناك ما يشير إلى انف ارد ش ارئح معينة بصنف معين من الزارعات فالخضروات التي تعتمد الحشّ مثل المعدنوس أو السلق أو الملوخية تكاد تكون نشاطا أساسيا للمستغلات الصغرى جدا. ولا تظهر نزعة نحو التخصص في قطاع تربية الماشية إلا بعد عتبة 5هك ولكن هذا يتوقف على حجم القطيع أيضا )بداية من أربعة أ ارخي.( أما الأشجار المثمرة فتظهر أهميتها بعد عتبة 10 هك. تسمح جغ ارفية الجوار بالت زود بالأعلاف الجافة وتخزينها واعادة توزيعها دو ن شرط امتلاك مساحات حبوب واضحة وهذا يرتبط أكثر بوجود تقاليد تجارية داخل المستغلات.

مقياس الحجم:

نظ ار لتفاوت إمكانات التربة خاصة فان العتبات المتداولة وطنيا لتقسيم المستغلات إلى صغرى ومتوسطة وكبرى تبقى نسبية ولا تطابق الواقع المحلي إلا جزئيا. وتختلف التصنيفات حسب تقدير محتوى الحجم ذاته كاعتماد الدخل والمساحة. في ميدان البحث من السهل تمييز المستغلات الكبرى التي تتجا وز 100هك وهي كلها تقريبا تنتمي ضيعات القطاع المنظم كشركات الإحياء أو المركبات الفلاحية أو التعاضديات الفلاحية .ما دو ن هذه العتبة هي مستغلات خاصة تكيفت مع قانون الإصلاح الزارعي للمناطق السقوية والذي ضبط حدا أقصى للملكية بـ 60 هك. اعتمد هذا التكيف على نوع من المقاسمة العائلية الفعلية أو الصورية. وتغيب في ميدان الد ارسة المستغلات الفردية التي تتخذ الصفة القانونية كشركة )في حدود اطلاعنا( خارج تسويات إعادة توزيع الأ ارضي الدولية. هذا ما يسمح بالقول وبنوع من الحذر في التعميم إن المستغلات الخاصة خارج القطاع المنظم هي مستغلات لفلاحة عائلية. حيث إن تعريف الفلاحة العائلية لا يشترط سقوفا معينة للملكية وانما هو قائم على العلاقات داخل منظومة العائلة/المستغلة وعلى التصرف العائلي والاستغلال المباشر واليد العاملة العائلية مع ميل واضح نحو تقليص التأجير إلى حده الأدنى. يبقى المشكل قائما بعد ذلك في تحديد العتبات الدنيا والوسطى.

267

تعتمد د ارسة حديثة نسبيا لوازرة الفلاحة حول المستغلات الصغرى ذات المنحى العائلي والاجتماعي246 على مقياس الدخل وعلى التصنيف المعتمد في القروض الفلاحية (FOSDAP) بين صنفين من المستغلات: صنف "اقتصادي" مقبول بنكيا banquable وصنف "إجتماعي". تفصل بين الصنفين عتبة 2000د كدخل المستغلة. في المستغلات المصنفة اقتصادية هناك ما يمتلك ضمانات بنكية ومن يفتقر إليها والعتبة الفاصلة هي في حدود 3.5 ألف دينار كدخل. بالنسبة للمستغلات ذات الطابع"الاجتماعي" يميّز فيها بين المستغلات القابلة للحياة Viable والمستغلات الهشة précaire وأخرى لا يتجاوز دخلها 500د وهي مصنفة "غير قابلة للحياة ".non-viable وتعرّف الد ارسة" الفلاحة الصغرى ذات المنحى العائلي والاجتماعي petite agriculture à caractère familial et social (PACFS) بانها تلك الش ارئح المذكورة بعد استثناء المستغلات "الاقتصادية" التي تملك ضمانات بنكية ثم استثناء المستغلات ذات التعدد النشاطي. هذا التصنيف هو تصنيف وظيفي اقتصادي مالي، يقابل بين الفلاحة العائلية والفلاحة «الاقتصادية". وهو ما يتسق مع نظرة رسمية للفلاحة العائلية كنمط "مدعو للتطور والتجاوز"247 لا كحقيقة متعددة الملامح والأبعاد وكنظام تعديلي اقتصادي اجتماعي بيئي يقاوم الانق ارض ويمتص الأزمات ويثبت قدرة كبيرة على التكيّف والمقاومة.

اليد العاملة:

يتعدد في ميدان الد ارسة نمط توظيف اليد العاملة إلى جانب عوامل الإنتاج الأخرى. لكن يتضح من خلال الد ارسة الميدانية اتجاهان رئيسيان واتجاه وسيط أو مختلط: تحاول المستغلات الصغرى العائلية تقليص الكلفة التقنية والحاجة إلى التأجير بالاعتماد أكثر على اليد العاملة العائلية وعلى العلاقات الأفقية )الجوار والقرب الجغ ارفي والاجتماعي( أو على التأجير الموسمي. بالمقابل تلجا الضيعات الكبرى لتعويض اليد العاملة الأجيرة بالاستثمار أكثر في الحداثة التقنية رغم ما يصاحب ذلك من كلفة تكنولوجية. وتظهر نزعة لدى متوسطي مربّي الأبقار إلى اعتماد تأجير دائم بعد عتبة معينة من حجم القطيع تتطلب تفرّغا كاملا.

246Ministère de l’agriculture/ DGFE, Etude de la petite agriculture à caractère familial et social, édition définitive Rapport

phase I, SCET Tunisie, Tunis, Aout 2000. Pp4-17 247 LAMARCHE Hugues (dir.) 1991. L’agriculture familiale. Comparaison internationale. Tome I : Une réalité

polymorphe. Paris, L’Harmattan, Coll. Alternatives paysannes.

268

التعدد النشاطي:

يهم التعدد النشاطي صاحب المستغلة كما يهم باقي أف ارد العائلة المعنيين بالنشاط الزارعي .

يغطّي هذا المعطى كامل ش ارئح الحجم وأوضاعا طبقية ومجاليه متباينة جدا. يصعب الجزم بملمح واحد للتعدد النشاطي كشرط بقاء أو تنمية داخل المستغلة أو على العكس عامل كبح لنشاطها. فحركة الأموال كمداخيل أو ك أرس مال إنتاجي تكون في الاتجاهين بين النشاط الفلاحي وغير الفلاحي رغم أنه يمكن ترجيح نزعة هروب ارس المال الزارعي خارج الزارعة. عندما يتحول النشاط الخارجي إلى نشاط رئيسي لصاحب المستغلة والمعينين العائليين، على حد السواء، يتقلص الالت ازم نحو الزارعة من حيث الوقت والإسهام المالي وحتى من حيث اختيار تركيبة نظام الإنتاج )الزارعات وتربية الماشية والمسالك الفنية( أو من حيث نظام الزارعات )التداول واختيار المزروعات(. عندما يتحول النشاط الزارعي إلى نشاط ثانوي تبقى للمستغلة وظائف اجتماعية ووظائف تعديلية لإعادة إنتاج الروابط العائلية كما يمكن أن تشتغل كقاعدة خلفية للنشاط الربحي الخارجي )مستودعات ونقطة انتداب لليد العاملة الأجيرة.(

الاستثمار الزارعي:

يعبر الاستثمار الزارعي عن رغبة في الاحتفاظ بالنشاط الزارعي وبالمستغلة والمرور إلى طور إنتاجي أرقى يعتمد توسعا أفقيا و/أو عموديا للطاقة الإنتاجية. من هذه الناحية يمكن التمييز بين المستغلات التي تشتغل وفق آلية ضمان البقاء والتجديد البسيط والمستغلات المستثمرة التي تبحث عن تنمية قد ارتها الإنتاجية وزيادة ارس مالها. يتوقف الاستثمار كما أرينا على تنوع آليات التمويل ومستو ى اتاحتها. وقد أرينا كيف أن هناك علاقة ت اربط طردية بين الدعم والقرض في مصادر التمويل مما يجعل أن المستغلات المقصاة من القرض حاض ار ومستقبلا هي أيضا مقصاة من الدعم وعليها أن تعتمد مستقبلا على إمكاناتها الذاتية لا فقط في الاستثمار بل في تغطية احتياجاتها من الاستهلاك الاجتماعي وتوفير المدخلات الضرورية للإنتاج. من هذه الناحية يعتبر "الاستثمار في قطاع تربية الماشية" وسيلة رسملة قاعدية أو اكتناز عائلي مرن وناجع رغم مصاعب هذا القطاع )توفر الاعلاف والعناية البيطرية.(

269

العلاقة مع السوق:

يمكن القول أن أنماط الإنتاج ذات الصبغة المعاشية البحتة قد تلاشت تقريبا لصالح علاقة شبه دائمة مع السوق عززها الريّ. لكن هذه العلاقة مع السوق هي محكومة بمسالك التسويق والتي ميزنا فيها بين صنفين كبيرين: مسالك القرب ومسالك مقتصدات الحجم. فالمستغلات الصغرى ت ارهن أكثر على مسالك القرب )البيع المباشر أو الأسواق المحلية القريبة أو المجمّعون المتجوّلون بالنسبة لمسلك الحليب. فهي تخسر القيمة المضافة التي تمنحها مقتصدات الحجم والتحويل والنفاذ إلى الأسواق الحضرية الوازنة لكنها بالمقابل تقلص الكلفة إلى حدّ ها الأدنى الممكن. ت ارهن المستغلات ال وسطى والكبرى على مسالك القرب ومسالك مقتصدات الحجم معا ويتوقف هذا على قدرتها على التحكم في كلفة النقل الجملية )الوقت والكلفة المالية والتقنية(. وتميل الشركات والضيعات الكبرى للقطاع المنظم الى العلاقات التعاقدية ضمن مسالك فلاحية غذائية بياقليمية وتحتفظ بدورها بمسالك تسويق الق رب )بيع العجول او الاتبان(.. في محيط الضيعة.

العامل المجالي، الاكتناف والانفتاح:

يختلف مستوى النفاذية من مستغلة الى اخرى وتواجه بعض المستغلات مشكل اكتناف جزئي او كلي خاصة في المواسم الممطرة. ففضلا عن هيمنة مكون الطين التربة وضعف الانحدار، أرينا ان الحلقة الاضعف في مشروع الري كانت مشكل تصريف مياه الامطار. ورغم ان التقسيم الشطرنجي للمقاسم المروية يتيح نظريا نفاذية أكبر للمستغلات فان تعقد انماط تملك الارض داخل التجمعات السكنية الدنيا )الدوّار( جعل هذا التقسيم يفتقد الى الديمومة واغلب المسالك المفتوحة وقع الالتفاف على رسمها فأصبحت غير نفيذة وضيقة. ويقود غياب خنادق الصرف حولها اضافة الى تأثرها بدائرة الري بالرش الى تآكل الحواشي. في غياب الصيانة الدورية والمنتظمة اختفى جزء هام من مسالك العبور لصالح حالة تفريد عائلية. واصبحت الصيانة للمسالك انتقائية على اساس الكثافة السكانية او تحت ضغط العائلات الوازنة وبإسهام منها. وامام حالة التوسّع الافقي للسكن داخل وحدة الدوّار وانشطار الوحدات العائلية الريفية الى اسر صغيرة مستقلة بمساكنها، ستظهر حالات اكتناف جديدة داخل المجال المروي )نلاحظ هذا خاصة في السم ارن شمال بوسالم او في سوق السبت شرقي

270

جندوبة(. اكتناف سيلقي بظلاله على القد ارت الانتاجية للمستغلات المكتنفة وسيطبع في المجال وفي صورته المنظورة في المشهد التفاوتات الاجتماعية المجالية والتطور المتغاير للمستغلات المتجاورة.

صورة عدد: المسالك الفلاحية في المناطق السقوية ومظاهر الاكتناف الموسمي )علوي س(

هذا الاكتناف "الجديد" المرتبط بالتطور المتكافئ لمجال الري وعلاقات التشكل الت اربي داخله سينضاف الى حالات الاكتناف "الطبيعية "التقليدية المرتبطة بالفيضانات او ركود المياه.

 إعادة الانتاج:

تعبر إعادة الانتاج la reproduction عن حالة مركبة ومعقدة لمسا ارت تطور المستغلات الزارعية .

فالمستغلة كنظام معنية بالإنتاج )انتاج مواد غذائية وانتاج المجال والمشاهد( وهي معنية بإعادة انتاج نفسها وتطوير قد ارتها في ممارستها المجالية. ولما كانت المستغلات تتطور بشكل متغاير في علاقة بقد ارتها الانتاجية وبمسا ارت التزود بالمدخلات عند العالية او مسا ارت تصريف المنتوج عند السافلة ستظهر مسا ارت مختلفة لإعادة الانتاج لا ينتظمها مقياس الحجم فحسب بل كل المقاييس المذكورة آنفا. ويمكن التمييز بين إعادة انتاج بسيطة تجدد طاقة انتاج المستغلة في الحد الأدنى واعادة انتاج موسعة ت ارهن على الاستثمار والتوسعة وتنويع النشاط ومصادر الدخل.

يتفاوت تأثير المقاييس المذكورة أعلاه في تحديد ملامح المستغلات الزارعية ومدى استجابتها لرهانات التحديث الزارعي والزيادة في الإنتاج واستيعاب الرهانات الاجتماعية داخلها. لا شك ان

271

المستغلات الزارعية تتطور بشكل متغاير وداخل نفس المنطقة مما يجعل عملية التصنيف معقدة وكل محاولة لحصر التنوع عملية اخت ازل يمكن ان تحجب جزءا من عناصر الديناميات.

ب- محاولة تصنيف المستغلات المروية

انطلاقا من المقاييس المذكورة ووعيا بأهمية التداخل بينها في رسم واقع المستغلات والتحكم في صيرورة تطورها يمكن التمييز داخل مجال الد ارسة كيفيا بين الخمسة الأصناف التالية:

 صنف من المستغلات الصغرى يجد صعوبة في الاحتفاظ بالوظائف الزارعية نتيجة التهرم او المديونية او تقادم التجهي ازت او ت ارجع خصوبة التربة او ضعف امكانات التزود وارس المال او نقص اليد العاملة العائلية والاجيرة. يعيش هذا الصنف ضمن است ارتيجية تامين البقاء ومستغلاتهم مهددة بالتلاشي امام ضعف القاعدة العقارية وضغط المستحقين. وهي عموما من صنف المستغلات الصغرى التي تقل مساحتها عن الهكتار الواحد.

 صنف من المستغلات يؤمّ ن إعادة الانتاج البسيطة سواء عبر الامكانات الذاتية للمستغلة او عبر روافد خارجية في شكل مداخيل اجور او ريع او دعم. يبقى الادخار ضعيفا ويلتهم الاستهلاك الاجتماعي هامش الربح. يطوّر هذا الصنف آليات تعديل تفضل التلبية القصوى للاستهلاك على التلبية القصوى للربح. يقلص الكلفة الانتاجية ويختار تداولا زارعيا ملائما لقد ارته التقنية والشغلية. ولا ي ارهن كثي ار على الاقت ارض مخافة فقدان القاعدة الانتاجية. ويعتمد أكثر في التسويق على مسالك القرب.

صنف متعدد النشاط يقبل على الاستثمار ويظل ي اروح بين الانشطة الزارعية وغير الزارعية يستفيد من الإمكانات المتاحة للربح بين الحقلين كما يتفادى إحتماليات المخاطر في الحقلين ايضا. يظل ارس المال يتأرجح بين الزارعة وباقي القطاعات م اروحا بين الرسملة وتلافي المخاطر. يظهر لديه بوادر تقسيم عمل يكون ضعيفا في الصنفين السابقين. يتوقف تطور المسار على مستوى جاذبية باقي الانشطة من حيث المداخيل)اجور او انتصاب للحساب الخاص( في حالة الانتصاب الخاص تتحول المستغلة الى صنف جديد من المؤسسات مهما كانت توطّناتها نسميه "المؤسسة الريفية"

l’entreprise rurale لا هي بالشركة ولا هي بالمستغلة. ولذا تبقى محاسباتها

comptabilitéغامضة لتلافي الرقابة الجبائية . ولكنها تصبح مجبرة في مرحلة ما على الانقسام على نفسها كمؤسسة صغر ى إستجابة لضغوطات تقاسم الارث أو التحول الى وضع الشركة، تبقى الحالة الثانية نادرة. وفي حالة وجود أنشطة غير زارعية تعمد المؤسسة الريفية الى إخفاء حساباتها وتاجير صوري لبعض اف ارد العائلة للالتفاف على أنظمة التغطية الاجتماعية والجباية المحلية. كما توظف منشآت المستغلة كقاعدة خلفية للنشاط خاصة كمخازن. ولذا فغموض الوضع القانوني لهذا الصنف من المؤسسات وحجم الرهانات الاجتماعية داخله وضعف مرونة أنظمة الجباية تحول دون ارتقاء المؤسسة الريفية الى مقتصدات حجم أكبر وهي تشتغل ضمن سقوف معينة تجبر بعدها على الانقسام شبه الحتمي وتذرية ارس المال بين مستحقين كثر.

 صنف اربع من المستغلات ال ارعية الخاصة ي ارهن على الاستثمار الزارعي وله امكانات نفاذ الى القرض فينتقل الى إعادة الانتاج الموسّعة. يميل الى التخصص او الجمع بين مسلكين اساسيين او أكثر. ينفتح على السوق ويجمع بين مسالك القرب ومسالك مقتصدات الحجم. يقبل على التاجير في حده الادنى. غير انه يبقى مرتهنا الى تقلبات السوق والمناخ فشيوع التعويض المالي للمستغلات على إثر الفيضانات مثلا بعد فيضان فيفري 2012 يجعل الاقبال على التامين الزارعي ضعيفا إلا ما انتظمته اشكال التامين القاعدية كتامين الشاحنات او السيا ارت.

 تنفرد ضيعات القطاع المنظّم كشركات الاحياء بوضع خصوصي يتعلق بحجم الرصيد العقاري وطبيعة الملكية ودرجة التخصص ومست وى التأجير والانفتاح على الأسواق والعلاقة الت اربية مع المحيط. يعتمد التداول الزارعي فيها على تداول ثلاثي )لفت سكري حبوب وأعلاف( تكاد تختفي فيه عمرة الخضروات. يعتمد تربية الماشية المؤصلة ويقدر الإنتاج فيها للبقرة الواحدة ما بين 4500 و7000 لتر سنويا مقابل ما بين2000 الى 3000 لتر لدى المستغلات الخاصة. ونظ ار للكلفة العالية لرعاية القطيع لا يعتبر المردود مربحا إلا بداية من5500 لتر للبقرة الواحدة سنويا. ويعتبر نشاط تربية الماشية نشاطا أساسيا لمختلف هذه الضيعات وهي في قلب حوض الإنتاج اللبني ومندمجة في شبكات تسويق وطنية وعبر إقليمية. وتسجل ضيعات القطاع المنظم توجها حثيثا نحو الأشجار المثمرة خاصة على الضفة الشمالية لمجردة.

تعرف المستغلات تطوّار متغاي ار اعتمادا على قد ارتها التعديلية حيال الظروف الطبيعية وحيال تقلبات السوق. ويتطلب التطوير المرور من التجديد الموسمي للمستغلة الى الاستثمار الزارعي. وهذا

273

يرتبط بمدى سداديتها وبمناخ الاستثمار عامة. ويبقى الاستثمار في الجملة ضعيفا وتواجه المستغلة الزارعية نزيفا للقيم وضغطا شديدا للاستهلاك الاجتماعي على حساب الطاقة الانتاجية للمستغلة وقدرتها على الرسملة والتجدد الذاتي وهي تتأثر بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية في محيطها الت اربي المباشر كوضع البنية الأساسية والقرب من الأسواق ومستوى النفاذية وحجم السوق الاستهلاكية المحلية والتنافسية الت اربية العامة. هذه العوامل المختلفة تشكل مقومات الدينامية الت اربية العامة وتتفاعل معها تأثي ار وتأث ار. ونعتقد ان انه التطور اللامتكافئ والمتباين بين المستغلات الزارعية المروية هو انعكاس لدينامية ت اربية لا متكافئة ولكنها تقع كله تحت تأثير عامل قرب سلبي effet négatif de .proximité

3-الدينامية التاربيّة العامة للري وعوائق تشكل حوض الانتاج

أفضى البحث في الدينامية الت اربية الناجمة عن مشـروع الري انطلاق من حالة سـهل جندوبة الى محاولة لبلورة أنموذج نظري بسـ يط في بنيته يختزل اوجه التعقيد في تعريف الت ارب والدينامية الت اربية في التقاء بين الفاعلين والموارد وفي تقاطع بين خط مجالي وخط زمني.

أ- أنموذج الدينامية التاربية

يقوم الت ارب على مجموعة من الموارد البشرية والمادية وعلى شبكة من الفاعلين مفتوحة على محيطها بدرجات متفاوتة حسب الثقل الاجتماعي ودرجة الانخ ارط في الفعل. ويختلف عن الإقليم بحكم إمكانية امتداده على أكثر من مستوى جغ ارفي ويختلف عن المكان بدور أكبر للمسافة التي تضعف أهميتها في هذا الأخير. ويختلف عن المجال بحجم الرهانات داخله وتنوعها. يتجاذب هذه الرهانات محوار الزمن والمجال في تلازم بين مسا ارت اربعة: التجذّ ر الت اربي والديمومة والتكيف مع التغيير والاندماج في المحيط العام.

التجذّر التّاربي

التجذر الت اربي هو مسار مرتبط بتلازم البعد المجالي المحلي والبعد الزمني الماضي، يقوم هذا المسار على هوية ت اربية جامعة وتشكّل مرجعية موحّدة تعطي الاحساس بالانتماء القوي للمكان والت اربط والتواصل بين عناصر المجموعة الت اربية المتساكنة وبين هذه المجموعة والوسط الطبيعي .

274

كما يقوم على شبكة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الممتدّة في الزمن تضمن للمؤسسة انفتاحا على محيطها المحلي وحاضنة إجتماعية مجالية كفيلة بامتصاص الازمات وحفز روح التعاون والعمل. لا يعني التجذّر الت اربي بحال الانغلاق وانما الاحتفاظ بهوية ت اربية ايجابية داخل المجال العام. من شان هذه الهوية الت اربية تعزيز مقومات الاستق ارر والجذب في نفس الوقت. كما تجعل الحفاظ على الموارد رهانا ت ارثيا بين الاجيال المتعاقبة .

الاستدامة:

يقوم مسار الاستدامة على تلازم البعد المجالي المحلي والبعد الزمني المستقبلي. كيف يمكن للمجال المحلي الاحتفاظ بموارده وتنميتها دون تبديدها ونقلها الى الاجيال المقبلة وكيف يمكن للمشاريع التنموية التي تقوم على تثمير هذه الموارد أن تصمد في الزمن عبر قد ارتها الذاتية على التعديل والتجدد والصيانة الدورية لتجهي ازتها؟ وكيف يمكن للعلاقات الانتاجية الجديدة ان تقحم الهياكل القديمة في مسار التحديث دون إقصاء جزء من النسيج الاجتماعي او إجباره على المغادرة. بمعنى آخر إذا كان لابد من حفظ حق الاجيال القادمة في الموارد الحالية فمن باب أولى أيضا حفظ حق أبناء نفس الجيل الحالي في الموارد بشكل منصف وهو جوهر مفهوم "الانصاف الت اربي."

التكيف مع التغيير:

يقوم هذا المسار على تلازم البعد الزمني الماضي مع البعد المجالي للمحيط العام l’espace

global. تقوم المعادلة في هذا المسار على القدرة على التكيف مع نسق التغيير الخارجي دون تذ ويب الخصوصية الحاملة للقيمة. يشمل التغيير مدا ار واسعا من انماط الانتاج والتقنيات والذهنيات وأنماط الاستهلاك وأشكال الح ارك والشبكات والتواصل.. وغيرها. لقد أقحمت العولمة الحالية المجالات المحلية والت اربات في معيارية السوق بما يعني تذويب الخصوصية او سلعنتها. ولا يبدو ان هذه الت اربات المحلية تملك هوامش حرية كبيرة امام قدرة الشركات الكبرى على التشبيك والتنميط والمعايرة ،مما يجعل رهان الاند ارج في المحيط العام رهانا وازنا ومصيريا. ولذا يقتضي التكيف مع التغيير قد ار من الانفتاح.

الاندماج في المحيط العام:

ينبني هذا المسار عن التقاء البعد الزمني المستقبلي والبعد المجالي العام. يعني الاندماج في المحيط العام قدرة الت ارب المحلي على الانفتاح على محيطه ضمن ت ارتبية المستويات الجغ ارفية المت اركبة انطلاقا من المستوى المحلي القاعدي وصولا الى المستوى الجغ ارفي العالمي. ويعني الانفتاح الابعاد الانتاجية الاقتصادية )الربط مع مسالك التزويد والترويج والتحويل والاستهلاك( كما يشمل الابعاد الثقافية والقبول بقدر أدني من التعصير والتحديث وقدرة أكبر على الح ارك والتشبيك والتواصل .

ويقتضي الاندماج في المحيط العام تجاوز الاكتناف الظرفي او الهيكلي فالمجالات المكتنفة محك وم عليها بالتهميش وهدر فرص يمكن ان يتيحها التبادل مع المحيط العام مع ما في هذا التبادل من مخاطر تدهور اط ارفه وصعوبات النفاذ الى الأسواق والمنافسة والاحتكار.

يقود تلازم هذه المسا ارت الاربعة والتوازن بينها الى نقل الدينامية الت اربية الى حالة او أفق تنمية ت اربية قائمة على قدر من الاعتماد على الذات والاستقلالية الايجابية عن المسار الوطني.

ما دون ذلك هو التخارج المطلق والسلبي وتدهور أط ارف التبادل او الانغلاق والتهميش. واذا كانت فكرة المساواة الفعلية بين الجهات والاقاليم فكرة خاطئة وطوباوية فان التنمية المطلوبة هي تلك التي تقوم على الانصاف التاربي أي توفير ظروف عيش من خدمات أساسية كالصحة و التعليم والاتصال وظروف عمل متقاربة من حيث النقل والتوزيع وامتصاص عناصر الاحتقان والحرمان والاقصاء الاجتماعي ثم ترك المجال للتنافس بين الاف ارد والمؤسسات والاقاليم كل حسب جهده وقدر من موارده الذاتية والمستحدثة.

الرّ ي وال تّرا ب ورها نا ب ال ته ي ي ة الما ئ ي ة ال رراع ي ة بسهل ج يد وئ ة

رسم عدد35: رهانات الدينامية التاربيّة بين بعدي الزمن والمجال

يبقى سهل جندوبة اقليم المفارقات فالوفرة الظاهرة للموارد الطبيعية تخفي مستويات عديدة ومت اركبة من الندرة والفقر. والاكتناف الهيكلي الذي فرضته جزئيا الظروف الطبيعية غذته مناويل تنمية متعاقبة لم تمكنه من نصيب منصف من الاستثما ارت وفرص الادماج في الاقتصاد الوطني والعالمي. يملك الاقليم واجهة بحرية من الشمال )طبرقة( ولكنها واجهة ضيقة تفصلها حواجز تضاريسية وغابية هامة ترفع من كلفة التجهيز في البنية الاساسية امام مخاطر ت اركم الثلوج والفيضان والانزلاقات الأرضية المتواترة. ويفترض بالقسط الثالث من مشروع الطريق السيارة ال اربطة بين تونس والج ازئر ان تحمل حلولا فعلية لتجاوز هذا الاكتناف حيث سيمر مسارها عبر فرنانة وعين د ارهم.

يملك الاقليم امتدادا حدوديا هاما مع الج ازئر كان يمكن ان يكون وصلة تبادل مجالية interface ولكنه في الوضع الحالي وفي سياق جيوسياسي تاريخي يبقى مجالا هامشيا عازلا تغذيه شبكات التهريب والقرى الفقيرة التي تعتاش منه دون ت اركم واضح. هذا الوضع الت اربي جيوسياسي اكثر منه طبيعي وهو قديم وفي كل الاحوال ليس حتمية مجالية وهو يفرض على الاقليم مفاعيل قرب عكسية

277

وسالبة. لاشك ان تجاوز صفة الهامش للمجال الحدودي مسار وطني وله علاقة بخيا ارت التهيئة الوطنية ولكن قد ار من الانفتاح المغاربي البرّي المنظم من شانه تنمية الاقاليم الحدودية واحلال قدر من التوازن الاقليمي مع الاقاليم الساحلية يكون قائما على ريع الموقع وعلى تنمية القد ارت الذاتية اكثر من تحويلات الاستثمار المركزية. فاللامركزية في سياق المنوال التنموي الحالي تدور فعلا في حلقة مفرغة حيث ان من شروطها اعتماد المناطق المعنية ايضا على قد ارتها الجبائية المحلية. وهي قد ارت ضعيفة في وضعها الحالي.

ويملك الاقليم محاور مرورية تاريخية مجالية هامة موازية للخط الحدودي ولكنها محاور تفتقر الى خط مروري صلب في غياب طريق سريعة تربط جندوبة بالكاف والقصرين وقفصة. هذا المحور المروري يرد في امثلة التهيئة الوطنية المتعاقبة منذ ثمانينات القرن العشرين ولكنه لم ير النور بعد .

قد لا يكون لهذا المحور مستوى النجاعة المفترض بحكم حجم المبادلات الاقليمية الحالية ولكن له كامنات نجاعة مرورية وتنموية مستقبلية مؤكدة فمن شأنه إنعاش المبادلات الافقية القائمة على القرب والتواصل التاريخي والتكامل وحتى التخصص الزارعي المجالي.

في ظل بعض هذه الملامح لتنظيم المجال الاقليمي الحالي يبقى المحور الرئيس للمبادلات هو محور مجردة نحو العاصمة. وهو محور خطي يقود الى"نزيف القيم "أكثر من التكامل والاستقطاب الإقليمي. ولذا فالدينامية الت اربية الحالية بمسا ارتها الاربعة المذكورة أعلاه تبقى محدودة الافق. دينامية تستفيد منها اقاليم اخرى أكثر من الاقليم ذاته. وما يجري من تغيي ارت عميقة في المحتوى الاجتماعي )اقصاء تدريجي لصغار الفلاحين( وفي انماط اشتغال الارض )تحويل النظام الزارعي باتجاه الفواكه على حساب الخضروات( في المجال شبه الحضري حول اقليم تونس هو عينة للتطور المستقبلي لحوض مجردة الاوسط خاصة بعد استكمال اشغال الطريق السيارة تونس الج ازئر.

278

خاتمة فصل

لا شك ان للري أثر إيجابي بالغ على المستغلات الزارعية والمجال الت اربي عامة من حيث التجهيز واستيعابه لش ارئح مختلفة من المستغلات الزارعية والاسر الريفية ورفع الاكتناف وتثمير أكثر للموارد .

ولقد كانت استجابة المستغلات الزارعية للتحديث الزارعي متفاوتة من مجال الى اخر ومن مستغلة الى أخرى غير ان اختلالات عديدة قادت الى التهاث تدريجي للمنظومة وانعكس ذلك على مستوى التجذر الت اربي والاستدامة والاند ارج في المحيط العام وأضعف إمكانات التكيف مع تغير الظرفية الاقتصادية والسياسية عامة. يبقى ان الرهان على الري لوحده لإستحثاث تنمية ت اربية في الإقليم كان مبالغا فيه. فحوض الإنتاج طور التشكل حول مسالك بعينها مثل قطاع الالبان والخضروات لاي ازل يفتقر الى الاندماج الكافي والى نسيج صناعات غذائية كفيلة باستخلاص القيمة المضافة من التحويل ومزيد من إقحام صغار الفلاحين في المسالك الغذائية الصناعية. والبنية الأساسية لات ازل تفرض اقدا ار من الاكتناف الهيكلي او الظرفي.

تعبر حالة الركود الديمغ ارفي النسبي التي يشهدها الت ارب واستم ارر نزعة المغادرة التي تميز الح ارك الهجري عن عجز على عكس الاستقطاب المجالي لصالح استقطاب داخلي للتنظيم المجالي تلعب فيه الم اركز الحضرية دور تثبيت للسكان والقيم. وتعبر مستويات البطالة العالية وضعف تاهيل العاطلين عن العمل فضلا عن انخفاض مستويات العيش عامة عن ضعف هذا الاستقطاب. ولقد عزز مشروع الري العصري الرهان على الزارعة كتخصص مجالي إقليمي وكمحور تنمية أساسي من شأنه تثمين المي ازت التفاضلية الطبيعية واستحثاث مفعول الحث. قام الرهان على التكثيف والتوسع ال ارسي والافقي في المساحات المروية قصد زيادة الإنتاج والمداخيل. لا شك ان تحولات ايجابية عميقة قد ارتبطت بالتهيئة المائية الزارعية منها زيادة محسوسة في التشغيلية الزارعية وتنويع لمصادر الدخل لكن بقاء مؤش ارت الفقر عالية يطرح أسئلة عديدة حول طبيعة الرهان على الري وحول حجم اللامقتصدات والخوانق التي ميزت الديناميات الزارعية الجديدة إن كان على مستوى نظام الزارعات او ما تعلق بالمستغلة الزارعية وأنظمتها التعديلية المختلفة او الدينامية العامة المرتبطة بها.

279

خاتمة باب

أمام ضعف مستوى التحضر يظل الت ارب في سهول حوض مجردة ت اربا ريفيا في العمق ولكنه ت ارب شديد الاستقطاب الحضري وفق منوال مجالي خطي محوره الطريق الوطنية عدد 6 والسكة الحديدية. وهو منوال يعزز الانفتاح أكثر من الاستقطاب الت اربي الداخلي المحلي والاقليمي. ولا يعدو ركود النمو الديمغ ارفي الحالي ان يكون سوى استم ارر تخفف المجال الت اربي من ضغط بشري تاريخي حكمته مسا ارت تشكل ت اربي متعاقبة ومتباينة كمنطقة جذب وعبور في نفس الآن. ولقد ساهم الري في تثبيت مقومات الاستق ارر وتحرير الكثير من الطاقة الانتاجية للمجال غير انه لم ينجح في كبح نزعة المغادرة الا جزئيا. وظل التثمير المحلي للمنتوج الزارعي محدودا لضيق افق الاستهلاك والتحويل مما يرفع كلفة الانتاج ويلتهم هامش الربح من القيمة المضافة المفترضة في التحويل المحلي.

يكشف مستوى التكثيف الزارعي الحالي عن مستوى التباين بين منطلقات مشروع الري والمعطيات على الارض فلا ت ازل هناك امكانات هائلة لزيادة الانتاج وحفز الاستثمار الزارعي وجعله محور تنمية اقليمية منصفة. ولا ت ازل هناك فرص متاحة لتجاوز الخوانق الت اربية كالاكتناف وضعف البنية الاساسية ونفور القطاع الخاص من الاستثمار ومعدلات الفقر العالية والبطالة الهيكلية. غير ان الرهان على الري لوحده من اجل استحثاث هذه الدينامية التنموية يبدو مبالغا فيه وغير واقعي فضلا عمّا في ذلك من هدر للموارد وتهديدا للاستدامة المطلوبة.

إذا كان ينظر الى الابعاد الاجتماعية ككوابح للتنمية الزارعية المنشودة )هياكل زارعية متباينة؛ فقر؛ غلبة استهلاك اجتماعي على الانتاج؛ ثقل ديمغ ارفي..( فهذا يغفل الدور الايجابي لهذه العوامل الاجتماعية ذاتها في التعديل والانتاج وامتصاص الازمات والرهان على الامن الغذائي القاعدي وهو ما تؤمنه بامتياز الفلاحة العائلية. لقد اثبتت هذه الأخيرة قدرة عالية على التجذر الت اربي للري وتامين الاستدامة رغم الضغوطات المختلفة وانعكس ذلك إيجابا على الدينامية الت اربية العامة من حيث تحويل فوائض الأرباح الزارعية والمدخ ارت نحو المدن في شكل عقا ارت واستثما ارت خدمية مختلفة .

280

خاتمة عامة

حاولنا في هذه الاطروحة في الجغ ارفيا الريفية إعتماد مقاربة ت اربية للريّ ترصد الديناميات السابقة واللاحقة لمشاريع الري الكبرى التي اريد لها ان تكون تهيئة است ارتيجية وذات مفعول حث اقتصادي واجتماعي وسياسي بإقحام المجالات المعنية في التحديث وتثمير كامناتها الإنتاجية. ويعتبر سهل جندوبة في حوض مجردة الأوسط واحدا من أهم الاحواض المائية التي شهدت رهانا مكثفا حول الري عكسه حجم التدخل التقني والاستثماري في التجهيز المائي للمجال من بناء السدود وربطها بمنظومة من شبكات الضخ والتحويل والقنوات. يأتي ذلك بعد تجربة التهيئة المائية لحوض مجردة الأسفل ويعتبر واحدة من حلقات مشروع أكبر للتحديث الزارعي ولمنظومة مائية وطنية ارهنت على التعبئة القصوى للمورد المائي وعلى تهيئة مندمجة بين الريّ والامداد بالماء الصالح للش ارب وعلى النقل البي-إقليمي للمياه بين مجالات الندرة ومجالات "الفائض المائي" وانتظمت ذلك الأمثلة المديرية للمياه. ولذا يتنزل مشروع الري بسهل جندوبة والذي سمي مشروع بوهرتمة ضمن هذا التصور الوطني الشامل للتهيئة المائية وضمن نوع من مقاسمة المورد بين المجال الت اربي الذي تعنيه الد ارسة وباقي المجالات الت اربية المكونة للت ارب الوطني «استباقا" لأي ن ازعات عميقة يمكن ان يحملها تحويل المياه خارج الإقليم.

أعتبر الريّ تجديدا داخل الإقليم وتحويلا نوعيا للنظام الزارعي من تعددية زارعية بعلية تهيمن عليها الحبوب وتربية الماشية الممتدة نحو تعددية زارعية أكثر تكثيفا تقحم الخضروات والزارعات الصناعية والأشجار المثمرة وتعوّض تدريجيا تربية الماشية الممتدة بتربية ماشية جاهدة قائمة على الأصناف المؤصلة والمهجنة. لم يكن ذلك سوى تعزيز لتوجّه ت اربي سابق نحو الريّ سبق التهيئة الزارعية المائية الكبرى والرسمية كما اتضح لنا من خلال الد ارسة. فالمجال الت اربي وان هيمنت عليه زارعة الحبوب البعلية يمتلك تقاليد ريّ عريقة كلما كان رفع الماء ممكنا فعدى مزدرعات الري التي نمت حول العيون في السفوح الشمالية والجنوبية لمجردة كان عمق السهل أيضا يحتوي على مزدرعات ر ي موضعية خاصة في سوق السبت أين تكون المائدة المائية قريبة من السطح ولا تكون لتجهيز الابار كلفة كبيرة. ثمّ إن الشواهد الاثرية للت ارث المائي والتي تتعدد في الإقليم من منشآت متعددة الأغ ارض كالجسور والحنايا والصهاريج والسدود الصغيرة.. والتي ينسب أغلبها الى الفترة الرومانية

281

تؤكد توجها قديما لتملك ت اربي للمورد يتجاوز مجرد التزود للشرب. بعض هذه الشواهد لاي ازل قائما مثل الحنايا وجسر ت ارجان بشمتو او مدينة بلاريجيا ذاتها وبعضها الاخر اندثر امام بعض القطائع التاريخية او أعتمدت مادته من الحجارة في تدعيم بناء قاعدة السكة الحديدية في أواخر القرن التاسع عشر كما أثبتنا ذلك من خلال وثائق الأرشيف الوطني. لقد حاولنا من خلال خريطة الت ارث المائي فهم طبيعة التنظيم المجالي للتعبئة ووقفنا على استم اررية التعبئة الموضعية )آبار.. صهاريج( وتلاشي منشآت النقل. يعني ذلك من الناحية الت اربية فقدان المجال الت اربي لحالة اندماج واستقطاب داخلي ستكرس ملمح العبور في الفترة الوسيطة وملمح المجال العازل الطرفي والهامشي في أواخر الفترة الحديثة. سيحمل حدث الاستعمار الزارعي تحولات نوعية في العلاقات الت اربية فالمكننة والانت ازع العقاري سيقودان الى تثبيت السكان ومنع الانتجاع الرعوي ودفع الرعاة إلى إعادة الاندماج في المجتمع الزارعي والتحوّل الى فلاحين وسقاة او المغادرة. شهد الاقليم في هذه الفترة الاستعمارية إعادة انتشار سكاني بين السهل والسفوح واعادة انتشار بين ضفاف الاودية وعمق السهل. لقد حصل انقلاب مجالي لصالح السهل على حساب السفوح والجبال مما خلق ت اربيّات جديدة وأعاد تشكيل المجال الت اربي عامة وساهم تجسير مجردة وروافده في إعادة تملك لعمق السهل وتشبيك اج ازئه عبر السكة والطريق الرئيسية المغاربية وشبكة المسالك الفرعية. وانتقل تنظيم المجال من تنظيم شعاعي نسبي حول الأسواق الأسبوعية الى تكريس نمط خطّي عزز دور المدن الناشئة في عمق السهل في التحكم في المجال واستقطابه وربطه اساسا بوجهة شرقية )نحو إقليم تونس( مع تهميش تدريجي للمحاور الفرعية الأخرى رغم التحسينات النوعية التي طالت البنية الأساسية لهذه المحاور ورفع الاكتناف الجزئي عنها.

يرجع مشروع الري لبوهرتمة الى منتصف الاربعينات لكن استكمال الد ارسات وتوفر التمويلات واستخلاص النتائج من تجربة حوض المجردة الأسفل سيؤخر مرحلة الإنجاز الى السبعينات. وقد سبقه طفرة صغيرة للري خاصة على ضفاف الاودية وفي مزدرعات الري التقليدية كسوق السبت وقد أتاح ذلك انتشار المضخات الآلية والتي حملت حلا تقنيا لأول مرة ربما في الإقليم لمشكل رفع الماء التاريخي ورغم انتشار الناعورة في تستور في مجال غير بعيد عن سهل جندوبة فلا يبدو في حدود إطلاعنا انها وجدت طريقها الى الانتشار هنا وقد كان يعوضها الدلو. لقد كان التجهيز المائي للمجال يعني تجاوز عوائق الطوبوغ ارفيا واحياء لفكرة نقل كمي ونوعي للمياه بين أج ازء المجال الت اربي وتهيئة الأرض عبر إعادة تشكيل التقسيم القطعي )التجميع القطعي( وملاءمة مقاسم الر ي لشبكة القنوات .

282

وخلافا لمشروع مجردة الأسفل الذي اعتمدت فيه شبكة مكشوفة ومعلقة من القنوات ذات الانسياب الطبيعي، اعتمد المشروع لبوهرتمة على الضخ والقنوات الخرسانية الباطنية والري بالرشّ مع تجهيز المناطق السقوية بمصدات الرياح كشرط ضروري لتقنية الري هذه والجمع بين الموارد السطحية والموارد الباطنية خاصة في غا ارلدماء. وقامت المنظومة المائية على تعديل جودة المياه بخلط مياه سد بوهرتمة بالمياه التي تضخ من مجردة وملاق. ولما كان تجهيز المناطق السقوية لق اربة 30000 هك في سهل جندوبة تدريجيا اعتمد الري في بداياته أساسا على مياه بوهرتمة العذبة والكافية حيث لم تكن هناك حاجة الى خلط المياه، مما انعكس بمستوى تكثيف عالي حوّر المشاهد الزارعية كليا. غير أنه مع استكمال القسط الثالث والأخير من مشروع الري غربي مدينة جندوبة وظهور الحاجة الى خلط المياه بدأت تظهر مضاعفات بيئية سلبية على الأرض المروية.

هذه المنظومة التقنية وتركيزها على الأرض لم تسايره بنفس النجاعة التهيئة العقارية المطلوبة .

فالإصلاح الزارعي لم يواكب نفس النسق ولم يكن من السهل تجاوز الهياكل العقارية السالفة امام مشكلتي التفتت والتركّز العقاريين. لم يجد ضبط حد اقصى للملكية طريقه الى التنفيذ بجنوح الملاكين الكبار الى مقاسمة صورية داخل عائلاتهم. ولم يكن أيضا التعاطي مع ضخامة عدد المستغلات الصغرى ما دو ن الهكتار الواحد والموزعة أصلا بين عدد من القطع. حيال هذا المشكل وقع اعتماد المقاسم المشتركة للري أي الاشت ارك في السكور ضمن سقوف اختلفت من منطقة سقوية الى أخرى.

واستفادت بعض المستغلات القزمية من هامش صغير يرفعها الى الحد الأدنى المطلوب للربط مع الشبكة في حين وجدت مستغلات أخرى من نفس الشريحة أنفسها مقصاة تماما من الري. ووقع التغاضي عن استخلاص مساهمة الفلاحين في التجهيز المائي للمقاسم تشجيعا على الاقبال على الريّ لكنها كانت دوما ورقة ضغط لدى اداري وتقنيي وازرة الفلاحة تمارس على الفلاحين في ت اركم المديونية او ضعف الامتثال للتداول الزارعي المبرمج وفي الن ازعات عامّة. لكن الحلقة الأضعف فعلا ما بين التجهيز المائي والتهيئة العقارية تبقى ولا شك مشكل صيانة المسالك وتصريف مياه الامطار فالخنادق المبرمجة لذلك تقلصت الى مساحة دنيا وتعطل إنجازها في أج ازء عديدة امام معارضة الفلاحين لاقتطاع جزء من أ ارضيهم للغرض. كانت النتيجة ان تحولت المسالك الفلاحية المهيأة الى سدود مائية موضعية تمنع الانسياب الطبيعي للمياه نحو المنخفضات والاودية في المواسم الممطرة او تتحول هي ذاتها الى مجاري مائية تفتح على اكتناف جديد في الوقت الذي اريد لها ان تكون

283

تجاواز له وتحري ار للنفاذية. لكن في الجمله فقد وقع تدارك مشاريع الصرف في أج ازء كثيرة خاصة في بئر الأخضر وبنبشير وعسيلة والجريف كما ان الحصيلة على مستوى تحرير النفاذية تبقى إيجابية جدا داخل المناطق السقوية وهذا ما أعطاها قد ار من الانفتاح وسمح للفلاحين والسكان عامة بالإقبال على التجهيز بالمكننة والسيا ارت والشاحنات والتي تحولت الى حالة من التنافس العائلي على امتلاكها مما لا يعكس حاجات إنتاجية فعلية للمستغلة العائلية )بل استهلاكية( وخلق انطباعا بأثر إيجابي للمداخيل الزارعية على رفاه السكان عامة.

من المهم الإشارة الى ت ازمن فترة التجهيز المائي للمجال مع فترة ما اصطلح على تسميته الفترة الانفجارية من الانتقال الديمغ ارفي في تونس تحديدا بين 1965 و1985 والتي عرفت زيادة سكانية هامّة. وفرت هذه الطفرة الديمغ ارفية طاقة العمل العائلية والاجيرة الضرورية في البداية ولوحظت نزعة اقل الى المغادرة في المجال المروي مقارنة بباقي المجال الت اربي ووفرت فرصة استيعابية لفائض اليد العاملة الزارعية في السفوح المجاورة خاصة لدى الاناث وعادة ما يمنح جزء من الأجور عينا كصيغة تعديلية للكلفة من جهة المستغلين وكتلبية لحاجات استهلاكية من جهة الاج ارء. لكن هذه الزيادة السكانية تحولت سريعا الى ضغط ديمغ ارفي شديد على الملكية وعلى ال أرسمال العائلي فزيادة الدخل وتحول العلاقات الاسرية نحو تفريد أكثر والاقبال على الاستهلاك الاجتماعي ذي النمط الحضري سيقود الى توسع افقي للمساكن )حيث تبقى المساكن ذات طوابق نادرة( وانقسام الاسر على نفسها على حساب الرصيد العقاري للزارعة. وبدى وكان الزارعة صارت عاجزة عن الاحتفاظ بالقيم داخلها وان ارس المال الزارعي يلتهمه الاستهلاك الاجتماعي غير الإنتاجي او يهرب نحو قطاعات أخرى أكثر قدرة على الرسملة. لكن ملاحظات ميدانية تدعو الى تنسيب هذه الصورة للعلاقة بين السكان والزارعة المروية. فالتحولات المذكورة تخفي أنظمة تعديلية متباينة حيال الدخل والادخار والنشاط الزارعي والعلاقة مع السوق ومستوى التكثيف. كما ان الاتجاه الحالي للنمو الديمغ ارفي يعكس ن زعة سالبة تحت تأثير مزدوج لت ارجع الإنجابية واستم ارر مستوى هجرة مغادرة هام نسبيا لكننا ننظر الى ذلك كحالة تخفف من الضغط الديمغ ارفي واتجاها الى استعادة التوازن بين السكان والموارد.

لقد نجح مشروع الري في تحويل النظام الز راعي وخفض مساحة الحبوب الى ما دو ن النصف وتجاوز تدريجي لتربية الماشية الممتدة لتعوضها تربية الابقار المؤصلة وتملك جندوبة أكبر قطيع للأبقار وطنيا و12% من انتاج الالبان في 2013. وقد كانت شركات الاحياء نواتات تحديث ونشر

284

لهذا التحول في نظام الإنتاج تأثرت بها ولا شك المستغلات العائلية بم ارفقة مباشرة من هياكل الدولة المعنية او عبر مفعول الحث والقرب والجوار. تكشف تركيبة الزارعات من حيث المساحة وتركيبة الإنتاج الزارعي اليوم عن اتجاه نحو تباطئ النسق والتهاث النمو وتطور لا متكافئ للتداول الزارعي من منطقة سقوية الى أخر ى ومن مستغلة الى أخرى ومن مسلك الى آخر. تسجل الحبوب والبقول ت ارجعا ملحوظا من حيث الإنتاج والمساحة لكنها تستفيد من تعثر تركيز زارعة صناعية محورها انتاج اللفت السكري أساسا وبدرجة اقل التبغ. في حين تعرف الخضروات والاعلاف طفرة من حيث المساحة وهي قطاعات مرنة لا تتأثر كثي ار بالتسعير ولا تحتل الأرض مدة طويلة في المواسم الزارعية .ويستجيب نمو الاعلاف الى حاجات متنامية لقطاع تربية الماشية محليا واقليميا والى سوق تقليدية للعلف لتزويد باقي أقاليم البلاد خاصة في منطقة السباسب وقد حررت الشاحنات الكبيرة تجارة الاعلاف من مشكل المسافة فأصبحت تزود ادفاقا هامة نحو الجنوب التونسي.

لقد عزز الري ملمح "الإقليم الفلاحي" للمجال الت اربي وخلق فرصة لتشكل "احواض انتاج" متداخلة خاصة في قطاع الالبان والخضروات وهي احواض انتاج في طور التشكل والتوسع والتخصص .ولئن ساعد ظهور مؤسسات تحويل صناعي من مثل معمل السكر ببن بشير او مصنع الحليب لينو والذي أصبح تابعا لمجمع ديليس فان هذه الحلقة في تركيبة حوض الإنتاج تبقى ضعيفة وتفتقر الى الاندماج والتجذر الت اربي ذلك انها لا تستوعب الا جزءا من المنتوج في حين تجتذب احواض انتاج أخرى باقي الفائض كما ان صعوبات التصرف الظرفية والمتواترة تخلق اضط اربا في نسق تصريف المنتوج بشكل ممنهج ومستدام. ويمكن القول ان المفاعيل القطاعية والتقنية والاقتصادية البحتة تحكم سير عمل هذه المؤسسات أكثر من المفاعيل الت اربية. ويبقى تملك المجال الت اربي لجهاز صناعي غذائي يشمل التحويل والتبريد والتخزين رهانا قائما وربما شرطا لإستدامة حوض الإنتاج عبر استيعاب فوائض الإنتاج وضمان حد أدني مربح من المداخيل وادماج صغار الفلاحين في مسالك الترويج. في الاثناء يخسر المجال الت اربي قيما وربما "ريع جودة" كامتياز تفاضلي ت اربي خاصة في قطاع الالبان في حين تستغل كميات الحليب المنقولة خارج الإقليم لتعديل مستوى الجودة في مؤسسات تحويل أخرى. ومهما يكن من امر فقد نقل الري تنظيم المجال الزارعي من المزدرعات الى احواض الإنتاج وخلق فرصا متفاوتة للتكثيف. وقد أكدنا في الباب الثالث للأطروحة على وجود إمكانات هائلة لزيادة كمية ونوعية للإنتاج وعلى إمكانات توسع ارسي وافقي لا ت ازل متاحة. فنسبة الاستعمال لشبكة

285

الري )في حدود 40%( توحي بان الطاقة الإنتاجية للأرض لا ت ازل هامة كما ان الزارعات المتداخلة مع الأشجار المثمرة وخصوصا الزياتين تفتح على إمكانات تكثيف هامة خاصة في قطاع الاعلاف والخضروات والبقول.

يشي التطور المتباين للمستغلات عن تفاوت الإمكانات من حيث الرصيد العقاري والتقني والبش ري لهذه المستغلات. وهي تنمّ ي اليات تعديل مختلفة في تعاطيها مع اختيار تركيبة الزارعات والعلاقة مع السوق ومستوى الادخار والاستثمار بها. اظهرت المستغلات الصغرى قدرة على تامين البقاء لكن عددا هاما منها يجد نفسه خارج دائرة الري امام تقلص المساحة وتدهور التربة وت اركم المديونية وارتفاع أسعار المدخلات. ولا يبدو ان منظومة الدعم الحالية قادرة على استيعابه وقد أثبتنا وجود علاقة ت اربط طردية بين منظومة الدعم ومنظومة التمويل البنكي في الاستثمار الزارعي الخاص مما يشير في واقع الامر ان شروط التمويل البنكي هي نفسها شروط الدعم الذي تقدمه الدولة، وهذا يعني أن هذه الشريحة من الفلاحين هي مدعوة الى ان تعول مستقبلا على إمكاناتها الذاتية قصد الاستم ارر في الزارعة المروية. وتتلافى نسبة غالبة مخاطر التداين والسوق وتنجح نسبيا في الاحتفاظ بنشاط الري بصفة دورية غير ان الاستهلاك الاجتماعي يلتهم هوامش الربح ويكبح المرور الى مرحلة استثمارية فعلية قائمة على توسعة المستغلة والرسملة. ولذا يهرب فيها ال أرسمال الفلاحي عادة نحو قطاع الخدمات لكنه يعود الى الزارعة كلما كان ذلك ممكنا خاصة إذا ما تعلق الامر بالك ارء او ش ارء الأرض وهو ما يترجم "عطشا للأرض ". هذه الم اروحة بين الزارعة وانشطة أخرى التي تهم ارس المال واليد العاملة العائلية ساهمت في ظهور نمط "جديد" من المؤسسات لاهي بالريفية ولا بالحضرية ولاهي زارعية بحتة او خدمية بحتة بحكم التداخل الكبير في ح ارك النشاط وارس المال يطلق عليها "المؤسسة الريفية" وهي ذات غموض قانوني لكنها تعبر عن منظومة مميزة لها كل مقومات المؤسسة .لا تستوعب منظومة الجباية وكذلك التأمين هذا الصنف من المؤسسات، وهذه الأخيرة تحاول ان تفلت من رقابة تلتهم هواش الربح الممكنة وامام الضغط العائلي حول تقاسم المنافع تصل هذه المؤسسة مرحلة تصبح فيها مجبرة تقريبا بصفة "حتمية" على الانقسام وتفريخ عدد كبير من المؤسسات القزمية التي تصمد بصعوبة امام تحديات السوق والمنافسة. لكن يبقى لهذه المؤسسات اجمالا أدوار جد إيجابية في تغذية نسيج المؤسسات الصغرى والمتوسطة ونشر التحديث وتقريب الخدمات وتنشيط

المدن المحلية برفع قيمها العقارية وتنويع أنشطتها الاقتصادية وبالتالي تحفيز الدينامية الت اربية العامّة.

286

حاولنا ق ارءة هذه الدينامية الت اربية العامة من خلال ثنائية الموارد والفاعلين وفق محورين زمني ومجالي ووصلنا الى ان هذه العلاقة تفتح على ديناميات أربع متداخلة هي: التجذر الت اربي والتكيف مع التغيير والاند ارج في المحيط العام والاستدامة. لقد ساهم مشروع الريّ في محاولة تثمير الموارد الت اربية وخلق موارد جديدة وجلب حوله فاعلين من مواقع مختلفة لا ينتظمهم النشاط الزارعي فحسب .

وفي سياق إشكالية جغ ارفية ريفية تبحث في التحولات (les mutations) يمكن ان نؤكد ان التحولات في الدينامية الت اربية كانت عميقة وان الرهانات كانت إيجابية في الجملة ولا ي ازل هناك هامش كبير للتكثيف. لقد ساهم الري في إعادة تشكيل الت ارب ويمكن القول انه فتح مرحلة إعادة تشكل ثالثة للمجال الت اربي بعد مرحلة قديمة تواصلت الى حين دخول الاستعمار الزارعي ثم مرحلة الاستعمار الزارعي ثم مرحلة مشروع الريّ. يبقى ان الرهان على الري لوحده لاستحثاث تنمية شاملة كان في الواقع مبالغا فيه. واعتمادا على نظرية القرب يمكن القول ان الريّ )ومفاعيله( يبقى معوقا بعامل قرب جغ ارفي سالب سيماته البعد عن الأسواق الحضرية الكبرى واحواض التحويل من جهة الشرق وضعف الاقتصاد الحدودي الغربي من حيث ضعف المبادلات وحدة الاكتناف وهشاشة البنية الأساسية.

287

ملحق: إستمارة البحث الميداني

المنطقة :……………………………………. الاسم:…………………………………. العمر…………. :

المستغلة:

المساحة : ………….. مروية: …………………. خارج المنطقة المروية… :…………………………. مقسم منفرد ري مشترك  الملكية، نوعها وحجمها ملك  ……… ك ارء  …………… ش اركة …………….. صيغة أخرى  ……… أذكرها…….. :…..

الزارعات في الموسم الفلاحي 2011/2012

حبوب ………… بقول.. ……..أعلاف …….. خضروات ………… أ شجار مثمرة…… ……. زارعات صناعية………. أخرى ………….

زارعات متداخلة …………. مكوناتها: ………….

تربية الماشية:

الأبقار: مؤصّلة  …………. شركي  …………. محلية …………. منتجة للحليب  …………. تسمين  ………….

الاغنام و الماعز: أغنام  …………. ماعز ………….

معدل كمية الحليب اليومية : فترة الإلبان …………. الايام العادية ………….

التجهيز الفلاحي:

اصطبلات  مساحتها …………. عصرية  تقليدية  محسّنة  مستوى قربها من المسكن : ……………………….

ج ارر  …………. حاصدة  …………. آلة للحلب ………….

المكننة: كّلية  جزئية  ذاتية  ك ارء تعاون  معوقات المكننة : تقنية  ………………………. مالية: ……………….

اليد العاملة الفلاحية

المستغل …………………………………. معينين عائليين :  …………. أج ارء: قارّون  …………. موسميون ………….

عوامل التأجير: نقص اليد العاملة العائلية  عزوفها عن العمل  التخصص  ذروة المواسم  الرغبة في التعصير  نوع الزارعات  ……

عوامل ضعف التأجير : كلفة الاجور  النقل القرب انتظام العمل  ع وامل اخرى :………………………………………………

هل توجد أنشطة ربحية اخرى خارج المستغلة؟

المستغل : نعم  لا ربع الوقت  نصف الوقت  ثلاثة ارباع الوقت  تفرغ كامل للعمل الزارعي

المعينون العائليون : نعم  لا ربع الوقت  نصف الوقت  ثلاثة ارباع الوقت  تفرغ كامل للعمل الز راعي المدخلات الزارعية : البذور والاسمدة والادوية

التزود: محلي  خارجي ………………………. مزوّد واحد  ……………… مزودون متعددون  ………………………. امكانات ذاتية ……………. دعم ……………

تقدير الكلفة….. :………………………………..

مصاعب التزوّد )رتبها حسب اهميتها( الكلفة التوقيت بالنسبة للموسم  الجودة القرب الكمّية  المديونية  ……………………

المداخيل الزارعية

كافية  غير كافية  كافية لكن غير منتظمة  غير كافية بالمرة 

مستوى تلبية حاجات الاستغلال الزارعي : كافية  غير كافية  كافية لكن غير منتظمة  غير كافية بالمرة 

مستوى تلبية حاجات الاستهلاك الاجتماعي العائلي : كافية  غير كافية  كافية لكن غير منتظمة  غير كافية بالمرة  هل يوجد ادخار؟ نعم  لا شكله: مالي غير مالي شكله……………………………… :

ما هي معوقات الادخار؟: ضعف المداخيل ت ازيد حاجيات الاستهلاك تذبذب الاسعار الظروف المناخية  ت اركم الديو ن مخاطر مختلفة 

القروض الفلاحية

هل التجأتم الى طلب قروض فلاحية في الموسم 2011/2012؟ نعم  لا قبول  رفض أسباب الرفض……………………………….. :

نوع القرض: قروض موسمية  استثمار ميدان الاستثمار…………………………………………………………………. :…………….. الجهة الدائنة : بنك …………… إيجار مالي ……………. مزوّد ……………… ق اربة عائلية ……………..

هل تعرف عنوان القرض بالضبط ؟ اذكره…………………………………………………………….

الاستثمار:

هل انجزت استثما ار في الخمس سنوات الفارطة؟ نعم  لا

مصادر التمويل : : بنك ……………………… إيجار مالي …………………….. مزّود ……………… ق اربة عائلية ……………..

دعم من الدولة ……………………..

ميدان الاستثمار: تربية الماشية : القطيع ……………. البناءات الفلاحية  ………………………………

حفر بئر وتجهيزها  اقتناء معدات فلاحية  مشروع غير زارعي  أذكره …………………

فكرة المشروع: ذاتية إرشاد زارعي ش اركة مع مستثمر آخر من المنطقة  من خارجها التسويق الزارعي:

الاستهلاك الذاتي  …………. البيع المباشر عند الحقل )خضارة( …………. التحويل  …………. الاسواق القريبة  …………. اس واق الجملة الكبرى …………. مجامع الخضر والفواكه ………….

التخزين الفصلي : نعم  لا تخزين ذاتي  مخازن تبريد خاصة

مسالك قريبة  مسالك بعيدة  نقل ذاتي ك ارء تقدير الكلفة…………….

الاعلاف: التزود : محلي  إقليمي  وجهة الترويج الاساسية : ……………… وجهة ثانوية…………………………

الخضروات والفواكه: وجهة الترويج الاساسية………. : …….. وجهة ثانوية…………………………………………..

الحليب : وجهة الترويج الاساسية : ………………….. وجهة ثانوية………………………………….. ………….

مشاكل التسويق…………………………………. : ……………………………………………………………………………………..

ملاحظات

…………………………………………………………………………………………………………………………………………

…………………………………………………………………………………………………………………………………………

.

ببليوغارفيا

الم ارجع والمصادر بالعربية

إب ارهيم فؤاد1983، "الصناعات اليدوية في تونس من نظرة جغ ارفية إجتماعية" في: دارسات جغارفية ألمانية حول الشرق الأوسط. المؤسسة العربية للد ارسات والنشر. بيروت ص481-503.

الأرشيف الوطني، السلسلة التاريخية حافظة 237 ملف 518 والملف 525: سكة حديدية: انت ازع الأ ارضي مع دفع التعويضات لمالكيها لمد سكة حديدية بين تونس-غار الدماء من طرف الشركة عنابة) 81 وثيقة(.

الأرشيف الوطني )السلسلةSG2.الصندو ق41. الملف38(

الأرشيف الوطني )64 – 348 E( تكوين جمعية مائية بدجبّة

البكر ي أبو عبيد الله 1992، المسالك والممالك، دار الغرب الاسلامي.

بن جمعة بلقاسم إب ارهيم 2002، الإقتصاد والمجتمع في الإيالة التونسية من 1861 الى 1864 من خلال محاضر محاكم الجنايات والأحكام العرفية. كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس.

بن غربية الحبيب،2008 "دينامية المجالات الزارعية المروية بإقليم الوطن القبلي: من التهيئة المحلية إلى التهيئة المنظومية" في : الديناميات التاربية والتنمية بولاية نابل، جانفي

البنك العالمي 1986، الفقر والجوع، الأمن الغذائي في البلدان النامية، الصعوبات والخيا ارت

المعهد الوطني للإحصاء 2015التعداد العام للسكان والسكنى 2014 أهم المؤش ارت. أفريل

التقرير السنوي لنشاط دائرة استغلال المناطق السقوية بجندوبة

التيمومي الهادي،1999 الاستعمار ال أرسمالي والتشكيلات الاجتماعية ما قبل ال أرسمالية: الكادحون والخمّاسة في الارياف التونسية )1943-1861(، دار محمّد علي الحامّي، صفاقس.

جلالية الحبيب 2004، الديناميات المحليّة جنوب شرقي الوطن القبلي. كلية الآداب بمنوبة.

الحباشي محمدعلي2006، العروش من النشأة الى التفكيك: بحث تاريخي إجتماعي في أرياف الإيالة التونسية وسكانها من 1574 إلى 1957، تونس

فازعي صديق،2001، دور الترقية الإدارية في التحضّر والتنمية الإقليمية بالشمال الغربي التونسي: مدينة سليانة نموذجا. مركز النشر الجامعي تونس.

ك اري محمد رؤوف حيدر عدنان وطياشي حسن )جمع النصوص والتقديم( 2002 الوسط والتارب بين المعرفة والمنافسة. الندوة العلمية الثالثة لقسم الجغ ارفيا بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس 9-11 مارس 2000. منشوارت دار المعلمين العليا.

293

حمزة علي، 1989، "خاصيات وتطور الوسائل التقليدية للمحافظة على مياه السيلان بالبلاد التونسية ،"مجلة الجغارفية والتنمية العدد 8- 9 أكتوبر ص 7-35.

داود عبد الكريم 2001، "حصيلة تعبئة الموارد المائية وآفاقها في تونس" في : المجلة التونسية للجغارفيا عدد 32 ص 7- 34

ديوان تنمية الشمال الغربي ،ولاية جندوبة بالأرقام، 2004- 2014

ستهم حافظ، 1987الريف والتنمية تونس

ستهم حافظ ،1999شخصية الأقاليم الجغ ارفية للبلاد التونسية. مركز النشر الجامعي تونس

السعداوي إب ارهيم محمد 2009)تنسيق و تقديم( ، الشمال الغربي ذاكرة جهة، )أعمال ندوة قسم التاريخ بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة 15-16 أفريل 2005( صفاقس .

السعيدي الصادق 1987 ، سوق الأربعاء جندوبة قرن من التاريخ. بلدية جندوبة. 137ص.

ضيف الله محمد 2005 المجتمعات المائية بتونس: قبلي وزغوان في القرن التاسع عشر.

عبيدي هالة 2010، المجال الاجتماعي بمدينة جندوبة: التنظيم والدينامية. ماجستير جغ ارفيا .

كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس.

العشّي رضا 2003. محطّات نيّرة في تاريخ جندوبة في العهد الاستعماري تونس

العشي رضا2005، أضواء على إنتفاضة علي بن غذاهم) 1864( لدى عروش جندوبة وأولاد بوسالم وخمير والرقبة- تونس.

العلوي سفيان،2000 الفلاحة العائلية والتعدد النشاطي والدينامية الاجتماعية المجالية في وسط سفحي تلي )سفوح بوسالم الشمالية( شهادة الد ارسات المعمقة. كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس.

العلوي سفيان،2009، "الفاعلون والمنظومات المائية بالشمال الغربي التونسي: لماذا تأخر إنتشار الري رغم وفرة المياه؟" مجلة الجغارفيا والتنمية عدد 18

ليسير فتحي )جمع وتقديم( 2008، بحوث حول تاريخ القرى في تونس. وحدة البحث: القرى والمجموعات الريفية في تونس. كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس،

المعهد ال وطني للإحصاء، جندوبة من خلال التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 ص38

المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة – دائرة الاحصاء. المي ازن الاقتصادي

هنية عبد الحميد،"الملكية والاسرة عند بعض القبائل التونسية في بداية القرن الثامن عشر "في:

كارسات تونسية عدد 121-122 تونس ص 171-185.

وازرة التنمية والتعاون الدولي )تونس( المخطط الحادي عشر للتنمية 2007-2011 المجلد الثاني المحتوى القطاعي.

الوسلاتي عامر 1994، المشاهد الطبيعية في تونس، س ارس.

294

الم ارجع بالفرنسية والانجليزية

Agridoc revue thématique2002 " Irrigation et développement" N° 4 Octobre.

AHT / CNEA, Aménagement hydro agricole de l’Oued Bou Heurtma, Etude sur la mise en valeur Phase II. Rapport de synthèse. Essen / Tunis 1978 140p.

Ait Amara Hamid, 1996, “Stratégies de survie et reproduction des exploitations agricoles (le cas de l’Algérie)” in: Les transformations actuelles des sociétés rurales du Maghreb, Actes du colloque Avril 1993 fac. S. H. S. Tunis p. p 34 – 48.

Alexandre Olivier, 2001, "l'eau au Maroc, un élément clef de territorialisation dans le Haouz et le Haut Atlas" in REM n° 194-195 Montpellier. Pp218-219.

Allan John, 1999, "Les dangers de l'eau virtuelle" Le courrier de l'Unesco. Février, disponible sur le site de l'Unesco: www.unesco.org/courrier/1999_02/dossier/intro33.htm (consulté le 14/09/2005)

Alquier(C.), 1985 Dictionnaire encyclopédique économique et sociale, économica.

Amri Laroussi,2002, La femme rurale dans l’exploitation familiale, Nord-Ouest Tunisie. Pour une sociologie des ruptures. L’Harmattan.583p.

Annales de l’INRAT, 1991, Pour une approche régionale de développement agricole : Céréaliculture et dynamique des systèmes agraires en Tunisie. N° spécial Vol 64.

Aquino Patrick, 2002 "Le pouvoir plutôt que la participation : Les principes d'une nouvelle approche de la planification territoriale décentralisée" Géographie, Economie, Société 4. pp57-68.

10.Atlas Archéologique de la Tunisie, feuilles : Souk Elkhemis ; Gardimaou ; Souk elarbaa et O. Zerga

Atlas Archéologique 1897. Feuille de Souk Elkhemis.

Attia Habib, 1987, « Problématique du développement du Nord-Ouest Tunisien » in : Désert et montagne au Maghreb, Hommage à Jean Dresh. Revue de L’occident musulman et de la Méditerranée N° 41-42 Edisud Paris. Avril 1987 pp 264-280.

295

13.Aubriot Olivia, Comment lire un système d’irrigation ? Une approche pour l'étude de systèmes irrigués traditionnels, illustrée de cas pris au Népal. Document de travail N°8, Université Catholique de Louvain. 20p.

Auclair Laurent, Aspe Chantal et Baudot Patrick (dir.)2006, Le retour des paysans ? À l'heure du développement durable. IRD éditions/ Edisud. Paris 2006.

Ayeb Habib et Ruff Thierry,2009, Eaux, pauvreté et crises sociales IRD Éditions Marseille. 672p.

Bachta MS.2004, Agriculture et alimentation en Méditerranée : le défi de la mondialisation. Karthala Paris.

BAD, 2006, TUNISIE, Projet d’aménagement hydro-agricole de Jendouba "BOU HEURTMA III. Rapport d’achèvement de projet. Tunis Mai 2006.

Badouin Robert,1975 Les agricultures de subsistance et le développement économique. Ed: A. Pedone Paris.

Baduel (PR) 1987 La politique Tunisienne de développement hydro agricole (1881-1983) Travaux de la Maison de L'Orient Lyon N° 14 pp147-174.

Baduel Piere Robert (s.dir.),1988, Habitat, Etat, société au Maghreb, CNRS Paris.

Bagadar Aboubekr Ahmed (& al.)1994, La protection de l’environnement en Islam. IUCN Environnemental policy and law paper n°20. Union mondiale pour la nature.

Bahta Mohamed Salah, ZAÏBET Lokman,2006, " Les innovations institutionnelles comme adaptations à l’évolution du contexte des périmètres irrigués : cas de la Tunisie" in: L’avenir de l’agriculture irriguée en Méditerranée. Nouveaux arrangements institutionnels pour une gestion de la demande en eau. Actes du séminaire Wademed, Cahors, France, 6-7 novembre 2006. Cirad, Montpellier, France

Baily A., 1992, “ Les représentations ” in : Encyclopédie de géographie, Economica. Paris.

Baklouti Habib,2003, « Aperçu sur l’histoire de la "gouvernance" de l’eau en Tunisie » in : La Gouvernance de l’eau et le Développement durable en Tunisie. SONEDE, Colloque international, Sousse, 9-10 octobre 2003

Banque Mondiale,2004, Tunisie, Analyse de la performance environnementale. Country Environnemental Analysais Report No. TN-2556 .120p

Bardin Pierre. 1965, La vie d’un douar ; essai sur la vie rurale dans les grandes plaines de la Haute Medjerda, Tunisie. Paris, Mouton.

296

27.Barge Olivier et Joliveau Thierry,1996, "Démarche territoriale et Systèmes d’Information Géographique pour une gestion concertée de l’eau". Revue de Géographie de Lyon 71(4/96): 297-309.

Baron C. et Bauby P, (éd.), 2005, "Figure de l'eau", in : société civile, et marchandisation de l’eau : Expériences internationales. Science de la société n° 64 fevrier.

Barthez (A), 1982, Famille travail et agriculture. Economica Paris 192p.

Bebarbieux B.2003, « territoire », in : LEVY (J) ; LUSSAULT M.(Dir) Dictionnaire de la géographie et de l’espace des sociétés, Belin, Paris p 910.

Bedoucha-Albergoni G 1987, L'eau l'amie du puissant, une communauté oasienne du Sud Tunisien. Ed. Archives Contemporaines.427p.

Bedrani S. (ed.), Campagne P. (ed.)1991, Choix technologiques, risques et sécurité dans les agricultures méditerranéennes Montpellier : CIHEAM-IAMM,180 p. (Options Méditerranéennes: Série A. Séminaires Méditerranéens; n. 21).

Beigbeder N. et. Meynard J.M,2001, Aide à la définition d’un référentiel national sur l’agriculture raisonnée et études comparées de politiques et des pratiques des Etas membres de l’Union Européenne relatives à l’agriculture raisonnée. INRA Juin. 100p. 34. Belhedi A, 1992, Société et espace en Tunisie, PUT, Tunis.

Belhedi A, 2006 « Territoires, appartenance et identification. Quelques réflexions à partir du cas tunisien », L'Espace géographique, 2006/4 Tome 35, p. 310-316.

Belhedi A,1997, Développement régional rural et local. Cahiers Ceres. Série géo n°19 Tunis 459p.

Belhedi A. ,1996 « Littoralisation et mondialisation, L'état des lieux et les enjeux » RTG Tunis N°30 PP9-52.

Belhedi A. 2002, "Les acteurs et l'espace Quelques éléments de problématiques" Séance Scientifique 3 du Laboratoire Dynamiques & Planification Spatiales 27 septembre 2002. Disponible sur : http://amorbelhedi.azotobac.com/index.htm consulté le : 11/04/2006.

Belhedi A. 2013, « La dimension géostratégique de la région » Communication au Colloque International « Quelle régionalisation dans les pays du Maghreb ? » Tunis 9-10 Décembre.

Belhedi A. L'organisation de l'espace en Tunisie. Production et reproduction de l'espace. PUT 1992 pp152-158.

Belhedi A.1999, Les disparités spatiales en Tunisie, état des lieux et enjeux. In:

Méditerranée, Tome 91,Littoralisation et disparités spatiales Machrek Maghreb. pp. 6372.

297

42.Belhedi A.2012, La fracture territoriale : Dimension spatiale de la révolution tunisienne Tunis, 262p.

43.Benabdelali Naima,1999, Le don et l’antiéconomique dans la société arabo-musulmane. EDDIF, Casablanca, 317p.

Bensaiid MS.1992, L’elevage traditionnel dans les zones montagneuses du Nord de la Tunisie. GTZ.Tunis.

Berque Augustin,2000, Médiance de milieux en paysages. Editions Belin, Paris.

Berriet-Solliec Marielle,1999, Les interventions décentralisées en agriculture : Essai sur la composante territoriale de la politique agricole. L’Harmattan. Paris. 335p.

Bertrand (G) : BROUTCHACHVILI, N 1978 le géosystème au « système territorial naturel » Revue de géographie des Pyrénées et du sud-Ouest 49, vol 2 pp 167-180.

Bethemont Jacques 1999, "Gestion de l’eau et conflits sectoriels dans le cadre des pays Méditerranéens " Conflicts on water use in the Mediterrean Area 4th European seminar on Geography of water. Cagliari, 4 – 11 Sept.

Bethemont Jacques, 1981« Sur les origines de l’agriculture hydraulique. » in : 11em congrés de la Commission internationale des irrigations et du drainage : Session principale sur l’histoire des irrigations du drainage et du contrôle des crues. Grenoble pp 39- 58.

Bethemont Jacques,1972, Le thème de l’eau dans la vallée du Rhône. Essai sur la génèse d’un espace hydraulique. Saint-Étienne. 642p + annexes.

Bethery, J.1990, Réseaux collectifs d'irrigation ramifiés sous pression calcul et fonctionnement Cemagref.

Birbent J. 1964, Aquae Romanae, Recherches d’hydraulique Romaine dans L’Est Algérien. Service de l’Antiquité de l’Alger. pp 487-507

Blot Frederique, 2004 : « Le rapport société et eau » : territorialité ou technicité ? in CYBERGO.revue electronique.

Bodiguel Luc, 2003, « Le territoire, vecteur de la reconnaissance juridique de l'agriculture multifonctionnelle » In: Economie rurale. . La multifonctionnalité de l'activité agricole N°273-274. pp. 61-75.

Bodiguel Luc,2002 L’entreprise rurale entre activités économiques et territoire rural.

L’Harmattan Paris.

Boilley Lucien,1913, La Tunisie agricole. p137.

Bonnamour J. 1993, Géographie rurale, Positions et méthode. Masson Paris.

298

58.Bonnamour Jacqueline et Boussard Jean-Marc, Agriculture (S.dir.), Régions et organisation administrative : du global au local. L’harmattan.2002. 181p.

59.Bonniard François,1928, La capture de la Medjerda à travers le massif de Téboursouk et ses conséquences. Extrait des comptes rendus de l'Association Française pour l'avancement des sciences. Congrés de la Rochelle. Paris, 7p.

Bouba Olga olivier ; Chauchefoin pascal et Mathé jacques 2004 « Innovation et Territoire : une analyse des conflits autour de la ressource en eau, le cas du bassin versant de La Charente « in : Colloque : Les territoires de l’innovation, espace de conflit. Bordeaux 18et19Novembre 2004.

Bouju Sophie,1997, Le Développement durable en question : regards croisés NordSud sur des régions de montagnes méditerranéennes en France Préalpes de Digne et en Tunisie Kroumirie. Thèse de doctorat de géographie Paris I (ronéo) 342p + annexes.

Bourenane N. (ed.), Campagne P. (ed.)1991. Pluriactivité et revenus extérieurs dans l'agriculture méditerranéenne Montpellier : CIHEAM Options Méditerranéennes : Série B. Etudes et Recherches ; n. 5.

Bravard J.P.,2001 "Un enjeu hydro politique et environnementale majeur pour la chine : le transfert sud nord", Hérodote, 102, pp.57-71.

BRET B. 1996, "Les inégalités une question de géographie politique ", in : L’information géographique n°60 pp 10-19.

Broutin C., Commeat P-G, Sokona K., 2005, « Le maraîchage face aux contraintes et opportunités de l'expansion urbaine. Le cas de Thiès/Fandène (Sénégal »), Gret, Enda graf, document de travail Ecocité n°2, www.ecocite.org, 36 p.

Brunet R, Ferras R, Théry H,1992, Les mots de la géographie, dictionnaire critique, Reclus et la documentation française, 1992.

Brunhes, J., 1902, L'Irrigation dans la péninsule ibérique et dans l'Afrique du Nord, Thèse, C. Naud, Paris.

Bulletin archéologique Paris 1906.

Cah. Sci. Hum. 26, 1990, Association agriculture-élevage en Afrique.

Calvo –Mendieta Irtaxe,2004 "Conflits d’usage dans la gestion des ressources en eau :

Analyse territoriale des modes de régulation". In: Actes de la journée d’étude : les territoires de l’eau- Université d’Arrois- Arras 26 Mars 2004 p 64.

Campagne P. (ed.), Pecqueur B. (ed.). 2012, Processus d'émergence des territoires ruraux dans les pays méditerranéens: analyse comparée entre 10 pays du Nord, du Sud et de l'Est Méditerranéens. Montpellier: CIHEAM, 252 p. (Options Méditerranéennes: Série B. Etudes et Recherches; n. 69).

299

72.Campagne P. (s. dir) 1991 Pluriactivité et revenus intérieurs dans l’agriculture Méditerranéenne. Options Méditerranéennes. Série B N°5 CIHEAM. MONTPELLIER

73.Campagne P. 1982 “ Etat et Paysans : La contradiction entre deux systèmes de reproduction” in : Economie Rurale N° 147 – Janv. – Mars p. p 37-44.

Campagne P., Dupuy B. (coord.)2003 Nouvelles stratégies pour un développement rural durable dans les pays méditerranéens. Options Méditerranéennes: Série A. Séminaires Méditerranéens ; n. 54). CIHEAM-IAMM, Montpellier. 137 p.

Canesse Aude-Annabelle, 2010, « Les Groupements de développement agricole (GDA) en Tunisie : entrepreneurs locaux ou relais administratifs ? » in Denieuil P.-N., Madoui M.

(dir.), Entrepreneurs maghrébins. Terrains en développement, Paris, Karthala, pp. 243255

Carfantan Jean Yves, 2002 La mondialisation déloyale : pour un nouvel ordre agricole et alimentaire. Fayard, Paris.

Carton Dr." Les travaux hydrauliques des Romains en Tunisie" Revue Tunisienne 1896 N°12

Chemak Fraj,1999 Aide à la décision au niveau d’un périmètre irrigué : essai de mise en œuvre des concepts des modèles multi- agents. Collection « masters of sciences » N° 50 IAM Montpellier . 131p.

Cherif A 1994, « Politique de l’eau et aménagement des campagnes » in : Cahiers de la Méditerranée, N49, La Tunisie, une dynamique de mutation, pp83-104.

Cherif A et Kassah A. 1995 (s.dir), L’eau et l’agriculture irriguée en Tunisie. Publication de la faculté des lettres de Mannouba.

Cherif A. 1995, "L’aménagement des ressources en eau en Tunisie du Nord" in : R.T.G. N° 27 pp. 55-81.

Cherif A.,2001 "Aménagement hydro agricole : enjeu de l'eau jeu d'acteurs et dynamique territoriale", in : Colloque : Hydro système, paysage, territoires. Lille 6-8 sept 2001 (Cd Rom des actes)

Cherif M.H. 1982, “ Document relatif à des tribus Tunisiennes des débuts du 18e siècle : enseignements démographiques et économiques” in : Revue de l’Occident Musulman et de la Méditerranée N°33 pp. 67 – 87.

Cherrad S. :1992 « Agriculture traditionnelle et milieu naturel en pays Tellien », in L’environnement à travers la science géographique. Actes du colloque 6-10 février 1992. Tunis cahier CERES. pp 65-90.

300

85.Coignet J, 1917, L’hydraulique en Tunisie et les grands barrages réservoirs. Tunis, Guinle et Cie 146p.

86.Colloque «Territoire-acteur et mondialisation », Chambéry. Octobre 2003. site :

www.territoires-mondialisation.org/version_fr/colloque2003.htm consulté le: 17/02/2005

Colloque INRA 2005, Territoire et enjeux du développement régional. Lyon 9-11 Mars 2005 Actes disponible sur le site: www.inra.fr/rhone-alpe/symposium

Colloque, 1999, Géographie et Développement : L’espace local, Développement et aménagement. Actes du colloque Maghrébin de géographie N° spécial 15-16 Tunis 1999.

Colloque, Hydro système paysage et territoires. Université des Sciences et technologies de Lille. Laboratoire CNRS « Géographie des milieux anthropisés » Lille 6-8 Sep 2001 (cd rom).

Colloque, La Tunisie du Nord : espace de relations. Actes du colloque du département de géographie de Mannouba 14-16Dec 1995. Pub faculté des lettres de Mannouba.493p 91. Colloque,1992 L’environnement à travers la science Géographique Tunis du 6-10 fev 1992. Cahiers du CERES Série géographie n°7. 1992.

Coretes Genevieve,2000, Partir pour rester : survie et mutations de sociétés paysannes andines (Bolivie) IRD, Paris, 415p.

Cote (M), 1979, Mutations rurales en Algérie, le cas des Hautes Steppes de l'Est.

Courlet Claude,2001, Territoires et régions : Les grands oubliés du développement économique L’Harmattan. Paris.133p

Credif, 2000, Budget –temps des ménages ruraux et travail invisible de femmes rurales en Tunisie. Tunis 2000.192p

Credif, Femmes et développement régional en Tunisie. 2 tomes .2003

Crozier M. et Fridberg E,2001, L’acteur et le système : les contraintes de l’action collective. Essai. Seuil 1977.l’ed.2001

Daoud Abdelkarim, « La révolution tunisienne de janvier 2011 : une lecture par les déséquilibres du territoire », EchoGéo [En ligne], Sur le Vif, mis en ligne le 23 septembre 2011, consulté le 07 juin 2016. URL : http://echogeo.revues.org/12612 ; DOI :

10.4000/echogeo.12612

Dargouth S. 1979, "Problèmes des périmètres irrigués en Tunisie" in: RTG N°2. pp5-25.

Dauphiné André,2001, Risques et catastrophes : Observer, Spatialiser, Comprendre Gérer. A Colin. Paris 2001. 288p.

De Vansy Bernadette 2003 "Les représentations de l'eau" in : Actes du colloque Ethique de l'eau et éducation des populations Vertigo Vol4 N°3 décembre.

301

Delville Ph-L; Bouju J; Le Roy E. 2000 Prendre en compte les enjeux fonciers dans une démarche d'aménagement. Etudes et Travaux. Edition Gret p182.

Derouet B., Parenté et marché foncier à l’époque moderne : une réinterprétation, Annales. Histoire, Sciences Sociales 2001/2, p. 337-368.

Di Mio Guy .1999, « Géographie tranquille du quotidien. Une analyse de la contribution des sciences sociales et de la géographie à l’étude des pratiques spatiales », in Cahiers

de géographie du Québec volume 43, n°198 avril 1999 pp 75-93.

Di Mio Guy 1998, Géographie sociale et territoire. Nathan.

Di Mio Guy,1991, L’Homme, la société, l’espace. Anthropos. Economica 1991. 319p

Di Moi Guy (S.dir) Les territoires du quotidien. L’Harmattan 1996. 207p.

Diry Jean Paul, 1999, les espaces ruraux SEDES, Paris.

Dridi Naziha, Zekri Slim, LARA Pablo1994, « Integration de l’élevage dans les petites exploitations irriguées » in : MEDIT W 2/94 pp 36-41.

Du Coudray Lablanchère (René Marie),1894, L’aménagement de l’eau et l’installation rurale dans l’Afrique ancienne. Imprimerie Nationale, Paris.

Dupuy Claude ; Burmeister Antje (s.dir.),2003, Entreprises et territoires. Les nouveaux enjeux de la proximité. Notes et Etudes Documentaires n° 5167. La Documentation française. Paris.

Dupuy Gabriel,1985, Systèmes, réseaux et territoires : principes de réseautique territoriale. Presses de l'École Nationale des Ponts et Chaussées, Paris,168p .

El Amemi S. 1984, Les aménagements hydrauliques traditionnels en Tunisie. Centre de recherche en géni rural. Tunis.

El Faiz Mohammed,2005, Les Maitres de l’eau : histoire de l'hydraulique arabe. Actes Sud .

Elloumi Md. dir. 2002, Mondialisation et sociétés rurales en Méditerranée : Etats, société civile et strategies des acteurs. IRMC, Karthala. Paris.

Elloumi Md 1997, “ Politiques agricoles, programme de développement rural et zones défavorisées : le cas de la Tunisie” in : les zones défavorisées Méditerranéennes. L’HARMATTAN. Paris p. 71 – 91.

Elloumi Mohamed 2006, « L'Agriculture Tunisienne dans un contexte de libéralisation » in : Région et Développement n° 23-2006 pp 129- 160

Elloumi Mohamed, 2013 « Les terres domaniales en Tunisie : l'histoire d’une appropriation

par les pouvoirs publics ». in : Etudes rurales, Nș. 192 , pp. 43-60

302

Elloumi Momamed., Jouve A-M. 2003 (dir.), Bouleversements fonciers en Méditerranée, des agricultures sous le choc de l’urbanisation et des privatisations. Karthala–CIHEAM, Montpellier, 384 p.

Enberg L. G. 1993, Les ménages ruraux et l’affectation des ressources en vue de développement. La perspective et l’écosystème. Orientation pour l’enseignement et l’acquisition de connaissance. FAO. Rome. (Ronéo) 192p

Ennebli N ,1993, Les aménagements hydrauliques et hydro-agricoles en Tunisie. INA. Tunis.

Estrella Marisol et al.2000, Learning from change : Issues and experiences in participatory monitoring and evaluation. Participation in Development Series. Institute of Development studies, Ottawa (Canada) 2000.

Faggi Pierpaolo,1990 « Les développements de l’irrigation dans la diagonale aride entre logique productive et logique stratégique » in : Revue de géographie de Lyon. V 65 N°1, p.21-26

Faggi Pierre Paolo,2000, La territorialisation hydraulique du Sourou : le cadre théorique. "Materiali" -Dipartimento di GeografIa Università di Padova -n° 22/2000.

FAO 2015, La situation des marchés des produits agricoles Commerce et sécurité alimentaire : trouver un meilleur équilibre entre les priorités nationales et le bien commun. Rome, 95p.

FAO,1991, Programme international concernant l’eau et le développement agricole durable ,45p.

FAO,2001, Le futur de nos terres, faire face au défi. Rome. 78p.

FAO,2003, Review of World water resources by country, Water reports23. Rome.

FAO,2004 La situation des marchés des produits agricoles. Rome.55p

Fargues Philippe,2000 Générations arabes, l'alchimie du nombre, Paris, Fayard, 349p

Ferhiou S, 1979, "Conserves céréaliers et rôle de la femme dans l’économie rurale en Tunisie" in Les techniques de conservation des grains à long terme. CNRS, Paris 132. Ferraton Nicolas et Foutard Isabelle,2009, Comprendre l’’agriculture familiale : Diagnostic des systèmes de production. Ed. Quae, CTA, Presse agronomique de Gembloux Paris.

Finielz H, 1946 Etude préliminaire du périmètre Oued Bouhertma à Souk-ElKhémis, 26 fevrier, Dir. des travaux publics. 4 pages + carte.

Fontenelle jan Philippe. 2004 dynamique agraire, irrigation et instituions dans le Delta de fleurs rouge (Vietnam) UCL. GRET 48/2004.

303

Frement A Chevalier J. Herin R. Renard J. 1984, Géographie sociale, Masson PARIS.

Gana A. 1986, "Pluriactivité des agriculteurs et reproduction sociale dans les campagnes Tunisiennes" in : Annales de l’INRAT. Vol 60. 44 p

Gana Alia,2001, "Restructurations économiques et réorganisation du travail dans les exploitations agricoles familiales : l'exemple de la région de Zaghouan (Tunisie)" in : SANDRON Fréderic et GASTINEAU Bénédicte, Dynamiques familiales et innovations sociodémographiques : études de cas des les pays du Sud, L'Harmattan Paris. pp5170.

Gana Alia,2013 "Aux origines rurales et agricoles de la Révolution tunisienne "in : Maghreb – Machrek2013/1 N° 215. Pp 57 – 80.

Gastineau, Bénédicte, 2003. « Les facteurs de la déscolarisation en milieu rural tunisien. L’exemple de la Kroumirie et d’El Faouar », éducation, famille et dynamiques démographiques, sous la direction de M. Cosio, R. Marcoux, M. Pilon et A. Quesnel, Paris, CICRED, pp. 103-123.

Gastneau Bénédicte et Sandron Frédéric ,2000, La relation fécondité- pauvreté, Une étude de cas en Tunisie. ETS/IRD Paris Mars .

Gauckler Paul, Enquête sur les installations hydrauliques Romaines en Tunisie. Tunis 1897-1912. Fasc III 1899.

Geoconfluences, Le paysage dans tous ses états 2002 143. Geux D.2002 L’eau dans tous ses états. Lausanne.

GFA (Gesellschaft Fur Agraprojecte M. B.H),1993 Tunisie : Evaluation rétrospective du Projet Bouhertma Phase I et II Rapport final. 2 volumes. Vol I p44

Gharbi Md Lazhar. (1994) Impérialisme et réformisme au Maghreb. Horizon Maghrébins, CERES. Tunis p200-211.

Gillardot Pierre,1997, Géographie rurale, Ellipses Paris 1997.

Gilly Jean-Pierre ; Lung Yannick 2004,"Proximités, secteurs et territoires" Communication présentée aux Quatrièmes journées de la proximité organisée par l’IDEP, le LEST, le GREQAM et le groupe « Dynamiques de proximité » Marseille, 17-18 juin 2004. 17p

Gilly Jean-Pierre 2003, « La dynamique institutionnelle des territoires : entre gouvernance locale et régulation globale » in : Cahier du Gres n° 2003 – 5

304

Gilly Jean-Pierre et Torres André2000, Dynamiques de Proximité. L’Harmattan. Paris. 301p.

Grellet Gérard.2001 « Systèmes d'irrigation et droits de propriété ». In: Tiers-Monde. tome 42 n°166. pp. 317-331.

Griffon Dany et Scott Gregory (éds)1998 Prix, Produits et Acteurs, Méthodes pour analyser la commercialisation agricole dans les pays en développement. CIRAD/CIP/ KARTHALA.498p.

Grira Mohamed 1997, Les domaines impériaux de la province de Zeugitane (situés en Tunisie): Essai de géographie historique et approche archéologique des centres domaniaux, 157p. -(Mémoire de D.E.A.: Tunis: Faculté des Lettres et Sciences Humaines.

GTZ,1988, Etude de développement régional du nord-ouest de la Tunisie.

Rapport final.

Hallet C. (cord.)1996 Etat de l’environnement Wallon, Paysage, Ministère de la région Wallone. Bruxelles.

Hamdane Abdelkader, 2002 « La valeur économique de l’eau .Cas de la Tunisie, valeur économique des eaux agricoles » in Forum sur la gestion de la demande en eau. Beyrouth Juin.

Hamza A.1994 , “ Aménagement et conservation du milieu Tellien Tunisien l'exemple des collines de la Medjerda du Nord de Bousalem” in : Géographie et Développement Déc. p. p 161 – 179.

Hardin Garret, 1968, The tragedy of the commons. Science, New Series, Vol. 162, No.

3859 (Dec. 13, 1968), pp. 1243-1248

Henia A.,2000, "Réseaux d'échange des subsistances dans la Tunisie de l'intérieur et territorialisation aux 18ième et 19ième siècle". In : Ville et territoire au Maghreb. Itinéraire de recherche. Cahier de l'IRMC n°1, pp.212-214.

HER,1969, Bassins Medjerda- Ichkeul, Plan directeur d’utilisation des eaux.

Juillet.

HER,1968 Utilisation sur place de toutes les eaux de Bouhertma. Shema d'aménagement de la plaine et de son alimentation en eau. Octobre.

Hérodote, Revue de géographie et de géopolitique n°110 – Pouvoirs locaux, l’eau, les territoires (troisième trimestre 2003).

Hnia Latifa (dir.)2008 Atlas de l’eau en Tunisie. Unité de recherche GREVACHOT, FSHST Tunis.

305

Hnia Latifa 1993., Climat et bilan de l'eau en Tunisie, P.U.T. 1993.

Hnia Latifa et Benzarti Zeineb, "Fortes pluies et inondations en Tunisie" in : ASE, Inondations Environnement et santé. Janvier 2004 Tunis pp8-12.

Hsaina J. 1991, Irrigation et développement agricole. L’expérience tunisienne. Options Méditerranéennes. Série B N° 3. CIHEAM – INAT. Montpellier

Ibba Antonio et Traina Giusto,2006 L’Afrique Romaine : De l’antiquité à la Tripolitaine (46-439 ap J C.) .

INS, 1984, Population et condition d’habitat par unité administrative :

Gouvernorat de Jendouba. Volume regional Tunis.

INS, Enquête nationale sur le budget, la consommation et le niveau de vie des ménages 1995 ; 2000et 2010.

INS,2012, Mesure de la pauvreté des inégalités et de la polarisation en Tunisie 2000-2010, Octobre.

Institut de financement du développement du Maghreb arabe, 1990, Politique de l’emploi en Tunisie. Actes du séminaire de l’IFID 13-16 Juin.

Institut Panafricain pour le développement, Comprendre une économie rurale, guide pratique de recherche. L’Harmattan.1982

International Fund for Agricultural Development (IFAD),2003 Assessment for rural poverty: Near East and North Africa. Rome February .78p

IPTRID, The irrigation challenge. IPTRID issue paper n° 4. The International Programme for Technology and Research in Irrigation. FAO Rome 2003.

Iraki A. 1995, “ Migrants ruraux et "territorialité" dans le Nord-ouest Marocain” in : Monde Arabe- le retour du local. Peuples Méditerranéens n° 72 – 73 juillets décembre pp 147–160.

IRC (International Water and Sanitation Centre). The productive use of domestic water supplies. How water supplies can play a wider role in livelihood improvement and poverty reduction. May 2003.

IRN,2003, Twelve Reasons to Exclude Large Hydro from Renewable Initiatives. International Rivers Network November.16p.

Journée d’études « Les territoires de l’eau » 26 mars 2004 Université Artois, Arras (France) Site : www.revue-ddt.org.index.htm . consulté le 13 / 04 /2005

Jouve Ph. 2000 : "Dynamique agraire et développement rural. Pour une analyse en terme d’analyse agraire", in : Dynamique agraires et construction sociale du territoire. Séminaire CNEAR-UTM 26-28/04/1998 Montpellier pp 23-28.

306

Kassab Ahmed ,1980 "Problèmes de l'aménagement des plaines telliennes" in RTG N°6. Tunis 1980 Pp103-111.

Kassab Ahmed 1978, "L'irrigation dans les plaines de la Moyenne Medjerda" Les Cahiers de Tunisie n°101-102.

Kassab Ahmed. Etudes Rurales PUT Tunis. 436p

Kassab Ahmed.1979 L’évolution de la vie rurale dans les régions de la Moyenne Medjerda de et de Beja-Mateur PUT Tunis. 675p.

Kayser Bernard, 1990 La renaissance rurale, Sociologie des campagnes du monde occidental A. Colin. Paris 316p.

Kayser Bernard. 1991, “ Agriculture et ruralité : les nouveaux rapports ”, in : Economie Rurale Volume 202 , Numéro 202-203 , pp. 14-18

Keller, Andrew; Sakthivadivel, R.; Seckler, David. 2000. Water scarcity and the role of storage in development. Colombo Sri Lanka: International Water Management Institute (IWMI), vii, 20p. (Research report 39).

Khammasi F et Hsaynia J.2001 « La filière lait en Tunisie : une dynamique de croissance ». In : Options Méditerranéennes Série B / 32 : Les filières et marchés du lait et dérivés en Méditerranée. Pp: 63- 73.

Kroll Adeline (ed.) Agricultural water use and sartorial policies in Mediterranean countries. Final Scientific Report POLAGWAT Project August 2002.

Kroui Naima,1991, “L'univers éclaté des paysans du Nord-Ouest tunisien: la reproduction de l'échec » in: R.T.S.S. N°104-105, Tunis pp. 69-108.

Lacoste Yves, 1976, La géographie, ça sert d’abord à faire la guerre. Ed. Maspero, Paris

Ladjili Khaled,1992, Hydraulique paysanne Hydraulique étatique, Economie de l’agriculture irriguée au Cap bon. Master of Sciences du CIHEAM-IAMM. 248p.

Lahmar Lotfi,2009 « Les inondations et leur impact sur le paysage morphologique : le cas dans la plaine de Jendouba-Bou Salem (Nord-Ouest de la Tunisie) » in : OL’’ MAN RIVER. GEO-ARCHAEOLOGICAL ASPECTS OF RIVERS AND RIVER PLAINS, Ghent Academia Press, p 510-518.

Lahmar Mouldi, 194, Du mouton à l’olivier, essai sur les mutations de la vie rurale maghrebine. CERES Tunis.

Lamarche Hugues (dir.) 1993. L’agriculture familiale. Tome II : Vers une théorie de l’exploitation agricole familiale. Paris. L’Harmattan.

307

Lamarche Hugues (dir.) 1991. L’agriculture familiale. Comparaison internationale. Tome I : Une réalité polymorphe. Paris, L’Harmattan, Coll. Alternatives paysannes.

Lamine R. et all.2003, Une géographie au temps du monde : postures intellectuelles pour une géographie tunisienne. Sousse.

Lammerink Marc P.et Welffers Ivan (éds), 1998 Approches participatives pour le développement durable. Karthala- IPD. Paris .209p.

Lasserre F. et Eltranger (B.), 2003, "La gestion par bassin versant : Du principe écologique à la contrainte politique, le cas du Mékong", in Vertigo la revue des sciences

de l'environnement, vol.4, n°3, decembre2003.

Lassere F., 2005 "Les Projets de transfert massif de l'eau en Amérique du Nord" in L'eau en Amérique du Nord facteur de coopération, outil de développement ou enjeu de conflit ? Hors-série Vertigo N°1

Lassere Fréderic (et all).2005, Transferts massifs de l’eau, outils de développement ou instruments de pouvoir. Presse de l’Université du Québec. 610p.

Lasserre Fréderic et Descroix Luc,2003 Eaux et territoires : tensions, coopérations et géopolitique de l’eau. L’Harmattan. 280p.

Latiri Raqya, 2006, " Evolution institutionnelle et réglementaire de la gestion de l'eau en Tunisie : vers une participation accrue des usagers de l'eau" in : L’avenir de l’agriculture irriguée en Méditerranée. Nouveaux arrangements institutionnels pour une gestion de la demande en eau. Actes du séminaire Wademed, Cahors, France, 6-7 novembre 2006. Cirad, Montpellier, France

Latouche Serge,1998, L’autre Afrique entre don et marché, Paris, 246p

Lawrence, Peter, Jeremy Meigh and Caroline Sullivan. 2002. The Water Poverty Index: International Comparisons. Keele University, and Centre for Ecology & Hydrology. site: http://www.nwl.ac.uk/research/WPI/

Lazarev Grigori et Arab Mouloud,2002, Développement local et communautés rurales : approches et instruments pour une dynamique de concertation. Karthala. Paris. 366p.

Le Goulven P., Bouarfa S., Kuper M., 2004. Gestion intégrée de l'eau au sein d'un bassin versant. Actes de l’atelier du PCSI, 2-3 décembre 2003, Montpellier.

Lebeau R.1996, Les grands types de structures agraires dans le monde.

Masson, Paris.

308

Lévy J., 2008, L’invention du monde, une géographie de la mondialisation, Paris, Presses Sciences Po, 402 p.

Lhmar Lotfi,2005, Occupation du sol et risque d’inondation dans la plaine de Jendouba-Boussalem. Mémoire Mastère, Facultés des Lettres des arts et des humanités de Mannouba 2005.

Louati M.H.2004, "Historique des inondations et gestions des eaux de pluie en Tunisie" in : Association Santé et Environnement, Inondations Environnement et santé. Janvier. Tunis p15

Louati Mohamed Elhedi (et al.)1999, Guide pratique de gestion de la sécheresse en Tunisie. Ministère de L'Agriculture. Tunis.

Lussault M., Levy J.2003, Dictionnaire de la géographie et de l’espace des sociétés, Paris, Belin,

Mahdi M. 2006 « Douar et construction sociale du territoire », in : Développement rural, pertinence des territoires et gouvernance. Coordonnée par Aziz IRAKI. INAU – RELOR – Rabat.

Makhloof Azzedine, « L’évolution de la population de la Tunisie septentrionale depuis 1921 : milieu rural et structure de la population » Revue tunisienne des sciences sociales N° 17-18, Tunis 1969 pp 525-569

Margat Jean,2004, L’eau des méditerranéens : Situation et perspectives. Plan Bleu Sofia Antipolis. Mars.

Marié Michel (s.d.),1990, Cultures, Usages et Stratégies de l’eau en Méditerranée Occidentale : Tensions, conflits et régulations. L’harmattan paris 550ps pp 26-27

Marié Michel, 2012، Eau, pouvoir et territoire, Conférence débat du 9 mars 2012 au « Laboratoire Population – Environnement – Développement » in : http://hypotheses.org/20509

Matthey Laurent, 2005, «Le quotidien des systèmes territoriaux», www.articulo.ch – revue post-disciplinaire en ligne, n°1, www.articulo.ch/quot_st.html (consulté le: 10 décembre 2005).

MEAT ,2002, Rapport national d’évaluation des réalisations de la Tunisie dans le domaine du développement durable et la mise en œuvre de l’Agenda 21 . Sommet mondial du développement durable ( Rio+10) Johansbourg.

MEAT, Budget économique. (plusieurs années)

MEAT, Enquête sur les structures des exploitations agricole 1995 et 2006. 221. MEAT, Enquêtes périmètres irrigués (annuel)

309

222. MEAT, Etat de l’environnement .Rapports des années 1993 -1998 (cd rom et site) 223. MEAT/ GTZ, Eco-Forum 2000, Homme nature et thechnologie2000 (cd rom)

Merenne-Schoumaker Bernadette,1994, « Les disparités et les dynamiques territoriales : Introduction méthodologique » in : Bulletin de la Société géographique de Liège, 30, 5-14

Min Agriculture – DGBTH,2001 Plan guide relatif à la mise en œuvre de gestion en temps réel des ressources en eau en Tunisie. Projet GE.O.R.E (Gestion optimale des ressources en eau). Plusieurs volumes + Cd rom. Juillet.

Min Agriculture / DGFE,2000 Etude de la petite agriculture à caractère familial et social. Rapport définitif phase I SCET Tunisie Août.

Min Agriculture / DGRE,1999, Etude du secteur de l’eau, Orientation stratégique du secteur de l’eau. Rapport définitif. Groupement Bechtel international et SCET Tunisie.

Min Agriculture / DGRE,2003, Crues et Inondations dans la Haute Valée de la MAJE RDA. Crues de Janvier- Février2003. 66p

Min. de l’agriculture / CNEA,1978, Aménagement hydro-agricole de la plaine de Ghardimaou, Etude de factibilité. Rapport final + Annexes. Tunis, Juillet.

Min. de l’agriculture/ DGFE,2000, Etude de la petite agriculture à caractère familial et social, édition définitive Rapport phase I, SCET Tunisie, Tunis, Aout.

Min. de l’Environnement et du Développement Durable (MEDD),2005, Pour un Développement Durable. Le Programme Régional de l’Environnement, Gouvernorat de Jendouba. Actions proposées pour la préparation du 11e Plan Régional de Développement 2006–2011.Septembre.

Min. de l’équipement de l’habitat et de l’aménagement du territoire, DGAT,2010 Schéma directeur d’aménagement de la région économique du Nord-Ouest, URAM

Tunis.

Min. de l'agriculture 1995, Economie de l'eau 2000

Min. du Développement Economique,1996 : Migration intérieure et développement régional. Etude stratégique. INS, 310 p. Direction de A Belhedi,310 p.

Min.de la formation professionnelle et de l’emploi /Bureau international du travail,1996 Etude des caractéristiques des micro entreprises dans le gouvernorat de Jendouba (Projet RAF/94/M08/ITA) Avril.

Mini. de l’agriculture, Annuaire statistique 2013 et 2014.

Ministère d’Agriculture,1991, Les Périmètres Publics irrigués de Jendouba.

Diagnostic et mesure à prendre. Page 17, juillet.

310

Miossec J.M 2001, "Gestion de l'eau et gestion du et des territoire(s) en Tunisie: tensions et arbitrages" in: Eau, Territoire et développement. Revue de l'Economie Méridionale Montpellier Vol49 n°194-195 2/3 pp237-250

Mjejra Mustapaha.2015, Etude de l'évapotranspiration dans le bassin versant de Medjerda (en Tunisie) : apport de la télédétection satellitaire et des Systèmes d'Information Géographique. Thèse de Géographie. Université Rennes 2.

Mollard Amédée,2003 « Multifonctionnalité de l’agriculture et territoires : des concepts aux politiques publiques". In: Cahiers d’économie et sociologie rurales, n° 66, 2003 pp27-54

Moncomble Françoise,2002, "La proximité", EspacesTemps.net , 16.10.2002 www.espacestemps.net/document357.html

Montagnes Méditerranéennes : Politique de l’eau et le développement local, de la réflexion à l’action en milieu méditerranéen N° 14, 2001.

Morin J.-F, 2004. "L'exportation de l'eau : comment concilier les exigences du commerce international et du développement durable". Revue des Sciences de l'Eau 17 Québec. pp 117-122

Moussa MF. 1988 L’Etat et l’agriculture en Tunisie, Essai sur l’intervention de l’Etat dans le secteur agricole. Tunis.

Muller A. 1970 L’expérience tunisienne de collectivisation agraire dans une région du Tell septentrional (délégations de Bousalem et Beja) Tunis. 283ps et annexes.

Naoui Lotfi,1995, Le lit fluvial et la vallée alluviale de la Medjerda (Tunisie) : Etude de la dynamique et de la géomorphologie fluviale. Thèse soutenue le 15 Dec 1995 a l’Univ. De Paris-x- Nanterre.260p.

O.M.V.P.I Jendouba, Programmes d’actions sociales Badrouna- sidiSmail – Bou Heurtma Tunisie Rapport final .HAC / GTZ 1984.

Office national de la famille et de la population, La stratégie de lutte contre la pauvreté en Tunisie en ce début du XXIème siècle. Tunis, octobre 2006, p163

Olivier Alexandre, 2005, « Lorsque la pénurie fait ressource. Etude géographique de la notion de ressource. L’exemple de la politique de l’eau au Maroc », Géocarrefour, vol. 80/4, 2005, [En ligne], mis en ligne le 01 juin 2008. URL : http://geocarrefour.revues.org//index1244.html

ORSTOM,1981 Le bassin de la Medjerda, Monographie hydraulique de l’ORSTOM n°6 Paris 1981.

311

Oueslati Ameur, Les inondations en Tunisie. Tunis 1999.

Oueslati Ameur,2003, "Sur l'évolution du paysage géomorphologique du fond des vallées depuis l'antiquité romaine : exemples dans le bassin versant de l'Oued Medjerda" in RTG N° 36 pp 101-170.

Pascon Paul, 1978, De l’eau du ciel et l’eau d’Etat. Psychologie de l’irrigation, Hommes, Terre et Eaux, Vol. 8(28), pp 3-10.

Pecqueur Bernard, 2003 « Dans quelles conditions les objets patrimoniaux peuventils être support d’activité ?» In : Services et développement régional. XIII e Conférence Internationale du RESER. Mons, 9 et 10 Octobre 2003. Ateliers de la Fucam.

Pérenes Jean-Jacques,1989 « l’eau, les paysans, l’Etat : les politiques hydrauliques au Maghreb » .in : Le monde Arabe au regard des sciences sociales. Centre de documentation Tunisie –Maghreb. pp 117-129.

Pérenes Jean-jacques,1993, L’eau et les Hommes au Maghreb, contribution à une politique de l’eau en Méditerranée. Karthala 1993. 646p.

Piguet François (2000) « le concept de sécurité alimentaire », in : TERCIER Nicole

Stäuble et Sottas Beat (eds), La sécurité alimentaire en question, Dilemmes, constats et controverses. Karthala. pp 41-47.

Pinchemel Ph. Et G.1988, La face de la Terre, A. Colin.

Planque Bernard,1983, Innovation et développement régional. Economica 1983

PNUD Tunisie,2004, Stratégie de réduction de la pauvreté, Etude du phénomène de la pauvreté en Tunisie, Etudes et rapport sur le développement. Juillet Tunis.

Poncet J, 1958, La colonisation et L’agriculture européenne en Tunisie depuis 1881. Mouton et Cie.Paris 700p.

Poncet J,1962, paysage et problèmes ruraux en Tunisie, PUF Paris, 374p

Poncet J.1967, Le mythe de la « catastrophe» hilalienne. Annales Économies, Sociétés, Civilisations, Vol 22, Numéro 5 , pp. 1099-1120.

Praly Cécile,2010, Nouvelles formes de valorisation territoriale en agriculture Le cas de l’arboriculture de la Moyenne Vallée du Rhône. Thèse de Doctorat en Géographie, Aménagement et Urbanisme, Université Lumière Lyon 2. Sous la direction de

Claire DELFOSSE et Jean PLUVINAGE, Soutenue publiquement le 30 juin 2010 265. Prost Brigitte,2007 « Marge et dynamique territoriale », Géocarrefour [En ligne], vol.

79/2 | 2004, mis en ligne le 25 octobre 2007. URL : http://geocarrefour.revues.org/index695.html

312

Pumain Denice et Saint-Julien Thérèse,2001, Les interactions spatiales. Cursus géographie. A. Colin. Paris.191p.

Radwan Samir, Jamal Vali and GhoseAjit,1991 Tunisia Rural labour and structural transformation, Routledge London and Newyork. 130p.

Raffenchtin C. 1980, Pour une géographie du pouvoir. Leitec.

Ravinborg Helle Monk (co.),2004, Water and conflict: conflict prevention and mitigation in water resources management. DIIS (Danish Institute for International Studies) report 2004:2 Copenhagen June .100p.

Reed David (s.dir), 1999, Ajustement structurel, environnement et développement durable. L’harmattan. 377p.)

Reed David (s.dir),1999, Ajustement structurel, environnement et développement durable. L’harmattan. 377p.

Revue de l’économie Méridionale : Eau, territoire et développement. N° 194 195 vol 49, 2001.

Rey Violette,1982 Besoin de terre des agriculteurs. Economica Paris.

Richard A., Caron P., Jamin J.Y., Ruf T.(éditeurs scientifiques), 2004. Coordinations hydrauliques et justices sociales. Actes du séminaire, novembre 2004, Montpellier, France. Cirad, Montpellier France.

Romdhane H.2009 « Morphodynamique actuelle de la Moyenne Valée de la Medjerda (secteur Bousalem) : Essai de cartographie et de quantification de l’érosion » in : RTG N°40, Pp 143-169.

Rougerie Gabriel,2000, L’homme et son milieu, l’évolution du cadre de vie. Nathan. 288p.

Ruf Therry.2002, "les institutions de l’irrigation paysanne : des cycles d’organisation et de réorganisation". Agridoc revue thématique N°4.

Ruf Thierry 2000, « Du passage d’une gestion par l’offre en eau à une gestion par la demande sociale. Ordre et désordre dans les questions de l'irrigation et de conflits d’usage de l’eau » in : Honegger a. et RUF.T (e d) Approches sociales de l’irrigation et de la gestion collective de l’eau en France et dans la monde. Territoires en mutations. CNRS. Montpellier mai 2000 p9-33.

Ruf Thierry et Valony Marie-Jeanne, 2007 « Les contradictions de la gestion intégrée des ressources en eau dans l’agriculture irriguée méditerranéenne » in : Cahiers Agricultures vol. 16, n° 4, juillet-août 2007 pp294-300.

313

Ruf Thierry. 2002, " l’irrigation abordée sous l’angle de la gestion communautaire de bien communs. Cadre conceptuel et méthode s’approche des conflits entre parties prenantes" In : Garni (P) ; Le Gal (P.Y.) et RUF (T). (eds.) La gestion des périmètres

irrigués collectifs à l’aube du XXI siècle, enjeux , problèmes, demandes. Actes de l’atelier 22-23 janvier 2001. Montpellier PCSI, Cemagref, Cirad , IRD, Montpellier , France(264p) pp11-2

Saadaoui M. et Ben Mansour H.2003, Crues et inondations dans la Haute vallée de la Medjerda ; Crue de Janvier-fevrier 2003, DGRE Tunis.

Saïdi Amor, « Le peuplement de la Haute Vallée de Medjerda » in : Revue tunisienne des sciences sociales (RTSS) N°40-43 pp : 185-241.

Saïdi Amor,1980, Les grandes plaines de la Haute vallée de la Medjerda et la Kroumirie. Tunis.

Salama Pierre. 1951, Les voies voies romaines de l’Afrique du Nord. Alger 1951, 136p

Salomon Jean-Noël,1997 L’homme face aux crues et aux inondations, Presse universitaire de Bordeaux. 130p

Samaali Hamouda,2011, Etude de l’évolution de l’occupation et de l’utilisation du sol dans le delta de Medjerda par teledetection et SIG. Thèse de géographie Faculté des Sciences Humanise et Sociales de Tunis.

Sawadogo Raogo Antoine,2001, l’Etat Africain face à la décentralisation. Karthala. Le Club du Sahel et de l’Afrique de l’OUEST.

Scherrer Franck 2004, "L’eau urbaine ou le pouvoir de renaturer » Cybergeo. consulté le 08/04/06.

Schilder K., Popular Islam in Tunisia, Africain studies center. Leiden, The NETHERLANDS.

Sethom Haedh,1992, Pouvoir urbain et paysannerie en Tunisie، Tunis 1992.

Sethom Hafedh et Kassab Ahmad, Les régions géographiques de la Tunisie. PUT Tunis 1981 p24.

Sourisseau Jean-Michel (ed.) 2015, Family Farming and the Worlds to Come Springer Netherlands.

Sullivan Caroline et al,2003 "The Water Poverty Index: Development and application at the community scale " in: Natural Resources Forum 27. pp 189-199.

314

Symposium international "Territoires et enjeux du développement régional" 2005 INRA, Lyon, 9 – 11 mars 2005. Site : www.inra.fr/rhon-alpes/symposium/index.htm . Consulté le : 15/11/2005

The Ralph M. Parsons Company,1967, Ground water investigation upper Medjerda Valley Tunisia. Secreteriat d'Etat à l'Agriculture.

Tisserand J.-L. (ed.)1989, Le lait dans la région méditerranéenne Paris : CIHEAM, 319 p. (Options Méditerranéennes : Série A. Séminaires Méditerranéens ; n. 6).

Tissot Ch,1897, Le Bassin de Bagrada et la voie romaine de Carthage à Hippone par Bullaregia. Imprimerie Nationale. Paris.

Tizaoui Hamadi 2013, Le decrochage industriel des régions intérieures en Tunisie, Diras set Arabesque Tunis p312.

Reyer S., 2001, "Enjeu déterminant à long terme pour la gestion de l’eau : importance de la dimension territoriale" in Eau territoire et développement, REM, n° 194-195, 2-3/ pp.230-232.

UNESCO 2002, Coping with water scarcity. Paris.pp109-148.

UNESCO,2003, L'eau c'est la vie, rapport 2003.

Vaudois Jean. Les dynamiques spatiales des productions légumières : l'évolution récente des bassins endiviers de Nord Picardie. In : Méditerranée, tome 95, 3-4-2000. Dynamiques spatiales des cultures spéciales. pp. 65-74.

Vermillion Douglas L. et Sagard Juan A.2001 Transfert des services de gestion de l’irrigation Directives. BULLETIN FAO D’IRRIGATION ET DE DRAINAGE N° 58. Rome.

Villard E.1906, La Tunisie du Nord : les contrôles civils de Souk El Araba, Beja, Tunis, Bizerte et Grombalia. Rapport au Résident Général PICHON – Tunis Imprimerie Moderne.

Ackermann, G., 2005. Geography du development. Ellipses, Paris, 357 p.

Ward Diane Raines, 2003 Obsession de l’eau : Sécheresse, inondations : Gérer les extrêmes. Ed. Autrement. Paris. 259p.

World water council (WWC) 2003, The third water forum 16-23 March 2003 Kyoto, Shiga and Osaka (Japan). Final report.

Zahra Sadh, Hormel Abdel Majid, Allergen Jean,2008, “Impacts of large dams on downstream flow conditions of rivers: Aggradation and reduction of the Mejadra channel capacity downstream of the Side Salem dam (Tunisia)” in: Journal of Hydrology n°351, 318– 330.

315

Zemun Slimane et all.1995, Population et environnement au Maghreb. L’Harmatan 1995.

316

فهرس المحتو ى

إهداء……………………………………………………………………………………. 2 شكر…………………………………………………………………………………….. 3 مقدمة عامّة………………………………………………………………………………. 5 الباب الأول: سهل جندوبة مجال تاربي مائي…………………………………………………. 15 الفصل الأول: المياه بين المورد التاربي الخصوصي والمخاطر………………………………. 18 I-الماء كمورد تاربي……………………………………………………………………. 18

II- المياه في سهول وادي مجردة الأوسط، الثروة الكامنة، المورد والأخطار………………….. 26

1.دينامية فيضية جدّ نشطة………………………………………………………………. 27

2.معطيات بيومناخية جد ملائمة للزارعة………………………………………………….. 29 أ-النظام المطـري يلائم الزارعة الدائمة………………………………………………….. 30 ب- نظـام حارري ذي صبغة قارية وتباين فصلي حاد………………………………………. 31 ج- غلبة الرياح الشمالية الغربية المطيرة والقوية…………………………………………. 32 د- الحصيلة المناخية المائية………………………………………………………….. 32

3.شبكة هدروغارفية هامة وكثيفة نسبيا……………………………………………………. 33

4.موائد مائية متجدّدة ………………………………………………………………….. 36

5.مستوى التعبئة الحالي للموارد المائية بجندوبة ………………………………………….. 39

6.سهل جندوبة: مجال مخاطر طبيعية متواترة……………………………………………… 40 الفصل الثاني: التّارب وتملك المورد المائي……………………………………………………. 45 I-تشكل المجال التاربي في سهل جندوبة: الأرض والسوق والمياه كعوامل بنيوية……………… 45

1.تشكل التارب عبر تملك الأرض…………………………………………………………. 45

2.تشكيل التارب عبر السو ق …………………………………………………………….. 52 أ-السوق الأسبوعية كنواة لعودة المدن لسهل جندوبة…………………………………….. 54

317

ب- الأسواق الأسبوعية وتنظيم المجال………………………………………………….. 58

3.التشكل التاربي عبر التحكم في المياه: قارءة في التارث المائي………………………………. 59 أ-ت ارث مائ ـي غني………………………………………………………………….. 61 ب-المياه والتقسيم المجالي التاربي……………………………………………………… 67 II- تملك الفلاحين الحديث للر يّ………………………………………………………….. 71

1-تارجع الارعي وظهور الساقي……………………………………………………….. 71

2-لماذا تاخر انتشار الريّ بالاقليم في الفترة المعاصرة؟…………………………………… 76 أ-الضغط على المنظومات المائية المحلية التقليدية……………………………………….. 77 ب-نحو ظهور المنظومات المائية الكبر ى………………………………………………… 79 3-تقاليد ريّ محلية ضعيفة الانتشار…………………………………………………….. 82

4-ثورة المضخّات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي…………………………….. 83 الفصل الثالث: ضعف النموّ الديمغارفي وتغاير انماط التعمير……………………………….. 91 1-من النمو الضعيف الى النمو السالب: تاثير مزدوج للهجرة وتارجع الإنجابية………………… 91 أ- إنتقال ديمغارفي ناجز لكن غير نمطي………………………………………………… 93 ب- حارك هجري سالب: نزعة ثقيلة…………………………………………………….. 95 2- دينامية ديمغارفية مجالية متغايرة محّليا: ضعيفة في الجملة باستثناء الماركز الحضرية……102

3-البنية السكّانية تتأثر بعامل الهجرة السالبة……………………………………………112 أ-تارجع الفتوّة وبوادر تهرم مبكّر……………………………………………………….112 ب-السكّان النّشطون: مفارقات ضعف النسبة…………………………………………….114 خاتمة الباب الأول…………………………………………………………….124

الباب الثاني: التجهيز المائي الحديث للمجال والتهيئة العقارية…………………………………. 122 الفصل الأول: سياقات التهيئة المائية الزارعية المعاصرة……………………………………. 124 I-الماء وانتاج المجال: في نشاة التّارب المائي الحديث……………………………………… 124

1.إنتاج المجال في المنظومة المائية الحديثة…………………………………………….. 127

2. الماء عامل إعادة إنتاج اجتماعي……………………………………………………… 138

318

II- من التهيئة الإستارتيجية إلى التهيئة الإنتاجية………………………………………..144

1.التهيئة المائية الحديثة في سياقها الوطني………………………………………………. 144 أ-مرحلة التجهيز المائي للمجال:……………………………………………………….145 ب-مرحلة التأطير القانوني والإدار ي…………………………………………………….145 ج- مرحلة إعادة الهيكلة والاقتصاد في المياه……………………………………………146

2.التهيئة المائية الكبرى واشكالية التنمية للشمال الغربي التونسي…………………………….. 147 الفصل الثاني: التجهيز المائي الحديث للمجال بسهل جندوبة…………………………………… 151

1.الجيل الأول من المناطق السقوية العمومية……………………………………………… 152

الجيل الثاني من المناطق السقوية العمومية: مشروع بوهرتمة للر ي………………………… 154

توسع المجال المروي الحالي وتوزعه الجغارفي……………………………………….. 159 أ-المنطقة السقوية لغاارلدماء………………………………………………………….. 159 ب-الحصيلة المجالية للتجهيز المائي…………………………………………………… 160 الفصل الثالث: التهيئة العقارية للمناطق السقوية العمومية بسهل حندوبة………………………. 168

1.التهيئة العقارية واعادة إنتاج التقسيم القطعي……………………………………………. 168

صعوبات تطبيق التجميع القطعي على الأرض………………………………………… 172

حصيلة التهيئة العقارية لمشروع بوهرتمة……………………………………………….. 176 خاتمة الباب الثاني………………………………………………………………………. 183 الباب الثالث: الريّ والدينامية الزارعية والاجتماعية……………………………………………. 185 مقدمة…………………………………………………………………………………. 185 الفصل الأول: الريّ ودينامية التكثيف الزارعي: من المزدرعات الى أحواض الإنتاج؟……………… 187 1. التكثيف الزارعي عبر الريّ: الثوابت والتحولات…………………………………………… 187

2.التهاث التكثيف عبر الر ي…………………………………………………………….. 204 أ-إتجاهات التكثيف الحالية من خلال تطوارلتوزيع النسبي لقيمة الانتاج الفلاحي……………… 204 ب- مكانة متنامية لنشاط تربية الماشية…………………………………………………. 206

319

ج- مزدرع سوق السبت للخضروات…………………………………………………….212

3.مسالك تصريف المنتوج الزارعي……………………………………………………….. 218 الفصل الثالث: إدارة الريّ ونجاعة الشبكة وحدود الاستثمار فيه…………………………………. 231

1-الري ونجاعة الشبكة في المناطق السقوية لسهل جندوبة…………………………………. 231

2-دينامية الاستثمار الزارعي الخاص…………………………………………………….. 241 الفصل الثالث: المستغلات الزارعية والدينامية التاربية للر ي………………………………….. 253

1-التشغيل الزارعي: ضعف التأجير وحيوية الفلاحة العائلية………………………………. 253 أ-هيمنة التشغيل العائلي وضعف التاجير………………………………………………… 254 ب- أهمية التعدد النشاطي…………………………………………………………….. 260 2-تباين تطور المستغلات الزارعية…………………………………………………….. 266

3-الدينامية التاربيّة العامة للري وعوائق تشكل حوض الإنتاج……………………………… 274 خاتمة الباب الثالث……………………………………………………………………. 280 خاتمة عامة……………………………………………………………………………. 281 ملحق: إستمارة البحث الميداني…………………………………………………………… 288 ببليوغارفيا……………………………………………………………………………..

Erreur ! Signet non défini.

فهرس المحتويات …………………………………………………………315

قائمة الجداول……………………………………………………………………….. 321 قائمة الخارئط………………………………………………………………………… 322 قائمة الرسوم البيانية………………………………………………………………….. 323 قائمة الصور الفوتوغارفية……………………………………………………………… 325

320

قائمة الجداول

جدول عدد1 : الحصيلة المائية بمحطة جنـدوبة )1909 -1976( …………………….. 33 جدول عدد2: موارد الموائد المائية السطحية بسهول حوض مجردة الأوسط في 1980-2010 38 جدول عدد3: تعبئة الموارد المائية بولاية جندوية في 2013 ……………………………. 40 جدول عدد 4: توزيع الأسواق الأسبوعية بسهول حوض مجردة الأوسط ………………….. 58 جدول عدد5: الفاعلون، الرهانات والإست ارتيجيات في المنظومة المائية بقرية "دجبّة" في الفترة الاستعمارية ……………………………………………………………………… 78 جدول عدد6: مؤش ارت ديمغ ارفية بولاية جندوبة )1984-2010( ……………………….. 92 جدول عدد7: تطور صافي الهجرة بجندوبة بداية من 1969 …………………………… 96 جدول عدد8: دوافع الهجرة وتوزّعها محليّا )النسبة( ……………………………………. 98 جدول عدد9: توزيع الفئات العمرية للولاية مقارنة بالمستو ى الاقليمي و الوطني …………… 113 جدول عدد10: م ارسيم إنشاء المناطق السقوية لمشروع بوهرتمة ………………………… 171 جدول عدد11: توزيع عدد المستغلات والمقاسم في مشروع بوهرتمة للر ي ……………….. 176 جدول عدد12: توزيع معدلات المقاسم حسب المستغلات وش ارئح الحجم ………………… 177 جدول عدد13: المساحة المروية داخل شركات الاحياء والتعاضديات بعد الاصلاح الزارعي .. 178 جدول عدد14: شركات الاحياء والتنمية الفلاحية بجندوبة في 2013 …………………… 179 جدول عدد 15: مقاسم الفنّيين ومقاسم الفلاحين الشبّان )تفويت وك ارء( بجندوبة في 2013 … 181 جدول عدد16: المساحة على ملك ديوان الا ارضي الدولية )2013( ……………………. 181 جدول عدد17: تطور الاستخدامات الزارعية للارض بين 1995 و2005 ………………. 192 جدول عدد18: تطور المساحة والانتاج للفت السكر ي بالبلاد التونسية بين 1990 و2000 … 201 جدول عدد19: تطوّر تربية الابقار بجندوبة بين 2003 و 2013 …………………….. 208 جدول عدد20:توزيع الهياكل العقارية بالمنطقة السقوية سوق السبت …………………….219 جدول عدد21: نجاعة شبكة الر ي في المناطق السقوية بسهل جندوبة )2010-2013( …… 237 جدول عدد22 تطوّر نجاعة شبكة الر يّ حسب المناطق السقوية بين 2005 و2013 ……. 238

321

جدول عدد 23: توزيع نسبة استخلاص ديو ن الر ي حسب المستغلين سنة 2005 …………239جدول عدد24: توزيع المستغلات الفلاحية المستثمرة خلال الفترة 2007-2012 حسب ش ارئح الحجم ومصادر تمويلها ………………………………………………………………… 243 جدول عدد 25: تقادم التجهي ازت الزارعية بجندوبة )2005-1995( …………………… 247 جدول عدد26: تطور مستو ى الاستجابة الى طلبات الاقت ارض. ………………………… 248 جدول عدد 27: التوزيع النسبي للمستغلين الذي تقدموا بمطالب تمويل بنكي حسب الصنف .. 249 جدول عدد 28: توزيع المستغلات التي رفضت مطالب قروضها حسب استقصاء 2005 …. 250 جدول عدد 29: توزيع المستغلات المقصاة من القرض حسب مستو ى التفرغ …………….. 250 جدول عدد 30: تطور بنية اليد العاملة الزارعية …………………………………….. 256 جدول عدد31: توزيع أيام الشغل الزارعي الموسمي في الخضروات وتربية الماشية حسب ش ارئح الحجم للمستغلات ……………………………………………………………….. 260 جدول عدد32: التعدد النشاطي للمستغل الزارعي في المجال المرو ي )2005( …………… 263 جدول عدد 33: مقاييس تصنيف المستغلات الزارعية ………………………………… 266

قائمة الخارئط

خريطة عدد 1: تحديد جغ ارفي لميدان البحث : سهل جندوبة ………………………….. 15 خريطة عدد 2: مستويات الانحدار بسهل جندوبة …………………………………….. 29 خريطة عدد 3: النطاقات البيومناخية بسهل جندوبة …………………………………… 30 خريطة عدد 3: الموارد المائية السطحية بسهل جندوبة ……………………………….. 36 خريطة عدد 4: الموارد المائية الباطنية بسهل جندوبة …………………………………. 39 خريطة عدد5: الت ارث المائي بسهل جندوبة ………………………………………….. 61 خريطة عدد 6: اهم الادفاق الهجرية بين جندوبة وباقي الولايات في 2004 ……………… 100 الخريطة عدد7: التوزع السكاني بالشمال الغربي التونسي سنة 2014 …………………… 103 الخريطة عدد8 النمو الديمغ ارفي بالشمال الغربي التونسي سنة 2014 …………………. 103

322

خريطة عدد9: توزع انماط السكن الرّيفي بسهل جندوبة ………………………………..110خريطة عدد10: التشغيل الصناعي بولاية جندوبة في 2013 ………………………….. 118خريطةعدد11: التوزع الجغ ارفي للمجال المرو ي حسب طبيعة المناطق السقوية …………… 161 خريطة عدد 12: المناطق السقوية بسهل جندوبة…………………………………….. 163 خريطة عدد13: المنطقة السقوية الجريف السعادة قبل التجميع القطعي )أ( وبعده )ب( ……. 170 خريطة عدد 14 استخدامات الارض بسوق السبت في بداية الثلاثينات……………………..

خريطة عدد 15 استخدامات الارض في سوق السبت في 2013 ………………………….

خريطة عدد16: إستخدامات الارض بسهل جندوبة ………………………………….. 191

قائمة الرسوم البيانية

رسم عدد1: معدل التساقطات السنوية لمحطتي جندوبة وبوسالم )2000-1964 …………. 31 رسم عدد2: نسبة النمو والفار ق السكاني بين 2004و2014 حسب المعتمديات …………… 92 رسم عدد 3 : العلاقة بين المؤشر التاليفي للانجاب والمؤشر التاليفي للتنمية الجهوية )2011( 94 رسم عدد4: تطوّر مؤشر صافي الهجر ي بجندوبة والشمال الغربي ………………………. 97 رسم عدد5: الهجرة بين جندوبة وباقي الولايات انطلاقا من وسط ريفي……………………99 رسم عدد6: النمو الديمغ ارفي الريفي في سهل جندوبة بين 1956و2014 ………………. 105 رسم عدد7: نسبة التحضّر بسهل جندوبة في 2014 …………………………………. 106 رسم عدد8: النمو الديمغ ارفي السنو ي والفار ق السكاني بين 2004 و2014 وحجم السكان حسب العمادات بولاية جندوبة …………………………………………………………… 109 رسم رسم عدد9: السكان النشطو ن حسب الفئة العمريّة والجنس بجندوبة في2010 ……….. 116 رسم عدد10: الت ارب والأح واض المائية: علاقة معقدة ومتغايرة …………………………. 128 رسم عدد11 : إنتاج المجال في المنظومة المائية البي- إقليمية )الحديثة( ………………. 131 رسم عدد 12 شبكة مياه الريّ لمشروع بوهرتمة ……………………………………..157

323

رسم عدد13: توزع المجال المرو ي بسهل جندوبة حسب مصادر مياه الر يّ في2013 ……..162رسم عدد14: توزيع مساحة الخضروات حسب المسالك في النطاق المرو ي سنة 2005 …… 194رسم عدد15: مساحة الخضروات حسب الزارعات في النطاق المرو ي بجندوبة في 2015 …… 195 رسم عدد16: توزيع الزارعات المروية حسب ش ارئح الحجم للمستغلات. …………………. 199 رسم عدد 17: تطوّر مساحة الزارعات المروية بين1994 و2004 )سلم لوغارتمي(………. 201 رسم عدد18: تطور قيمة الانتاج الفلاحي بجندوبة بين 1999 و2014 ………………… 205 رسم عدد 19: تطور مؤشر الانتاج الفلاحي بجندوبة القيمة والكمية بين 1999 و2014 .. 206 رسم عدد 20: التوزيع المجالي للانتاج الحيواني )الابقار( 2003 ……………………… 209 رسم عدد 21: التورزيع المجالي للانتاج الحيواني )الابقار( سنة 2013 …………………. 209 رسم عدد22: تطوّ ركمّيات الحليب المجمّعة بجندوبة حسب المعتمديات بين 2002و2013 … 210 رسم عدد23: انتاج الحليب وتجميعه في سهل جندوبة حسب المعتمديات 2013…………. 211 رسم عدد24: مسالك تصريف المنتوج الزارعي بالمجال المرو ي ………………………… 219 رسم عدد25: توزيع انتاج الطماطم الفصلية حسب وجهة الترويج بجندوبة موسم 2014 …… 225 رسم عدد26: الدينامية الت اربية للاستثمار في المناطق الداخلية …………………………. 228 رسم عدد27: تطوّر معدل الاستثما ارت الفلاحية الخاصة من صنف "ب" و"ج" حسب الولايات بين 1983 و2005 ………………………………………………………………… 242 رسم عدد28: مصادر تمويل المستغلات الزارعية المستثمرة في سهل جندوبة حسب ش ارئح الحجم ………………………………………………………………………………. 243

رسم عدد29: علاقة ت اربط طردية بين دعم الدولة والتمويل البنكي للاستثمار الزارعي الخاص: توزيع المستغلات المستثمرة حسب ش ارئح الحجم المختلفة …………………………………… 244 رسم عدد30: تطور نسبة الاستثما ارت الفلاحية الخاصة بجندوبة بين 1995 و2005 حسب ميادين الاستثمار ………………………………………………………………………. 245 رسم عدد31: توزيع أيام العمل حسب صنف اليد العاملة بجندوبة 2012 ……………….. 255 رسم عدد32: تطور الشغل الزارعي الموسمي بجندوبة بين 1995و2015 ………………. 258 رسم عدد33: التعدد النشاطي عند المستغلين الزارعيين بسهل جندوبة …………………… 262 رسم عدد33: علاقة ت اربط طردية بين الر ي والتشغيل الزارعي ………………………….. 264

324

رسم عدد34: احواض اليد العاملة الزارعية الاجيرة بالمناطق السقوية…………………….265رسم عدد35: رهانات الدينامية الت اربيّة بين بعدي الزمن والمجال ……………………….. 277

قائمة الصور الفوتوغارفية

صورة عدد1: مشهد عام للمنطقة السقوية ببلطة بوعوان على مستو ى منطقة الصخيرة ……………………. 4 صورة عدد 2: مشهد عام لوادي ملاق جنوب شرقي جندوبة ………………………………………… 34 صورة عدد3: وادي تاسة على مستو ى قنطرة سيدي عبيد جنوب بوسالم …. .Erreur ! Signet non défini الصورة عدد :4غمر المياه لحي ديامنتة ببوسالم 24 فيفر ي 2012 ………………………………….. 41 صورة عدد5 : مشهد عام للسو ق الأسبوعية بـ"سو ق الخميس" )بوسالم(وسو ق الأربعاء)جندوبة( في بداية القر ن العشرين. ……………………………………………………………………………………. 55 صورة عدد6: محطة القطار تهيكل المجال الحضر ي بسو ق الأربعاء )جندوبة( كنواة مركزية للتعمير. ……… 57 صورة عدد7: حنايا رومانية لتزويد مقاطع الرخام بشمتو ……………………………………………. 61 صورة عدد 8: جسر روماني بشمتو: محاولة قديمة لتجسير أج ازء الت ارب …………………………….. 69 صورة عدد9: عبور مجردة على مستو ى سو ق الاربعاء باستخدام العوامات في بداية القر ن. ……………… 69 صورة عدد10 مشهد عام لمزدرع دجبة ………………………………………………………….. 77 صورة عدد11: قرية الب ارهمي، غلبة التنظيم المجالي الخطي ……………………………………… 106 صورة عدد12: سدّ بوهرتمة ………………………………………………………………….. 154 صورة عدد13: الر ي بالرش بالمنطقة السقوية بسو ق السبت. ………………………………………. 159 صورة عدد14: الر ي وتنوع المشهد الزارعي بسهل بوسالم …………………………………………. 164 صورة عدد15: المسالك الفلاحية المحاطة كمنتزهات الحضرية. …………………………………… 165 صورة عدد15: التعاضدية المركزية للقمح ببوسالم ……………………………………………….. 190 صورة عدد16 تجاور الحبوب والأشجار المثمرة والخضروات في عسيلة ……………………………. 192 صورة عدد17: زارعة البطاطا بسو ق السبت نشاط عائلي ………………………………………… 194 صورة عدد18 زارعة الخص بخيلج ملاق ………………………………………………………. 196 صورة عدد19: تخزين الاعلاف في المستغلات العائلية في سو ق السبت. …………………………… 198 صورة عدد20: تخزين الاعلاف ensilage في ضيعة المرجى……………………………………. 198

325

صورة عدد21: شركة الاحياء المرجى …………………………………………………………. 198 صورة عدد22: تربية الماشية المكثفة والمنتجة للحليب بشركة المرجى ………………………………. 199 صورة عدد23: إتشار الغ ارسات على ضفاف بوهرتمة ……………………………………………. 202 صورة عدد24: بداية انتشار الغ ارسات في الضيعات الخاصة منطقة الب ارهمي ……………………….. 203 صورة عدد25: الخضروات المتادخلة مع الزياتين في سو ق السبت، افق واسع للتكثيف ……………….. 204 صورة عدد26: التسميد الحيواني لتجديد خصوبة التربة طريق بوعوان ………………………………. 207 صورة عدد27: طوابير طويلة امام المجمع المهني للخضروات ببوسالم لتخزين البطاطا ……………….. 223 صورة عدد28: اتلاف كميات من الحليب في بوسالم احتجاجا على نظام الكوتا التي يفرضها معمل لينو على المجمعين ومنتجي الحليب في فترة ذروة الإلبان. ………………………………………………… 223 صورة عدد29: خسارة العلامة التجارية خسارة ت اربية …………………………………………….. 226 صورة عدد 30: الطريق الوطنية عدد 6 مسلك مهم للخضروات نحو سو ق الجملة ببئر القصعة بتونس …. 227 صورة عدد31: من الر ي بالرش الى الر ي الموضعي في سو ق السبت ………………………………. 237 صورة عدد32: تجاور الج ارر والجر الحيواني، منطقة المناصرية بسو ق السبت ………………………. 248 صورة عدد: المسالك الفلاحية في المناطق السقوية ومظاهر الاكتناف الموسمي ……………………… 271

326

Similar Posts